سورة الزمر - تفسير السعدي | |
| | |
" تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم " | |
تنزيل القرآن | |
| إنما هو من الله العزيز في فدرته وانتقامه, الحكيم في تدبيره وأحكامه | |
" إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين " | |
إنا أنزلنا إليك- يا محمد- القرآن يأمر بالحق والعدل, فاعبد الله وحده, | |
| وأخلص له جميع دينك. | |
" ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم | |
| إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا | |
| يهدي من هو كاذب كفار " | |
ألا لله وحده الطاعة التامة السالمة من | |
| الشرك,, الذين أشركوا مع الله غيره واتخذوا من دونه أولياء, قالوا: ما نعبد تلك | |
| الآلهة مع الله إلا لتشفع لنا عند الله, وتقربنا عنده منزلة, فكفروا بذلك؟ لأن | |
| العبادة والشفاعة لله وحده, إن الله يفصل بين المؤمنين المخلصين والمشركين مع الله | |
| غيره يوم القيامة فيما يختلفون فيه من عبادتهم, فيجازي كلا بما يستحق. | |
| إن الله لا يوفق للهداية إلى الصراط المستقيم من هو مفتر على الله, كفار بآياته | |
| وحججه. | |
" لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو | |
| الله الواحد القهار " | |
لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاختار من مخلوفاته ما يشاء, تنزه الله | |
| وتقدس عن أن يكون له ولد, فإنه الواحد الأحد, الفرد الصمد, القهار الذي قهر خلقه | |
| بقدرته, فكل شيء له متذلل خاضع. | |
" خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار | |
| على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار " | |
خلق الله السموات والأرض وما فيهما بالحق, يجيء بالليل ويذهب بالنهار, | |
| ويجيء بالنهار ويذهب بالليل, وذلل الشمس والقمر بانتظام لمنافع العباد, كل منهما | |
| يجري في مداره أي حين قيام الساعة ألا إن الله الذي فعل هذه الأفعال, وأنعم على | |
| خلقه بهذه النعم هو العزيز على خلقه, الغفار لذنوب عباده التائبين | |
" خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام | |
| ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله | |
| ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون " | |
خلقكم ربكم- أيها الناس- من آدم, وخلق منه | |
| زوجه, وخلق لكم من الأنعام ثمانية أنواع ذكرا وأنثى من الإبل والبقر والضأن | |
| والمعز؟ يخلقكم في بطون أمهاتكم طورا بعد طور من الخلق في ظلمات البطن, والرحم, | |
| والمشيمة, ذلكم الله الذي خلق هذه الأشياء, ربكم المتفرد بالملك المتوحد بالألوهية | |
| المستحق للعبادة وحده, فكيف تعدلون عن عبادته إلى عبادة غيره من خلقه؟ | |
" إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا | |
| يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه | |
| عليم بذات الصدور " | |
إن تكفروا- أيها الناس- بربكم ولم تؤمنوا | |
| به, ولم تتبعوا رسله, فإنه غني عنكم, ليس بحاجة إليكم, وأنتم الفقراء إليه, ولا | |
| يرضى لعباده الكفر, ولا يأمرهم به, وإنما يرضى لهم شكر نعمه عليهم. | |
| ولا تحمل نفس إثم نفس أخرى, ثم إلى ربكم مصيركم, فيخبركم بعملكم, ويحاسبكم عليه | |
| إنه عليم بأسرار النفوس وما تخفي الصدور. | |
" وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه | |
| نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا | |
| إنك من أصحاب النار " | |
وإذا أصاب الإنسان بلاء وشدة ومرض تذكر الله, فاستغاث به ودعاه, ثم إذا | |
| أجابه وكف عنه ضره, ومنحه نعمه, في دعاءه لربه عند حاجته إليه, وأشرك معه غيره؟ | |
| ليضل غيره عن الإيمان بالله وطاعته, قل له- يا محمد- متوعدا: تمتع بكفرك قليلا حتى | |
| موتك وانتهاء أجلك, إنك من أهل النار المخلدين فيها. | |
" أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة | |
| ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب " | |
أهذا الكافر المتمتع بكفره خير, أم من هو عابد لربه طائع له, يقضي | |
| ساعات الليل في القيام والسجود لله, يخاف عذاب الآخرة, ويأمل رحمة ربه؟ قل- يا | |
| محمد-: هل يستوي الذين يعلمون ربهم ودينهم الحق والذين لا يعلمون شيئا من ذلك؟ لا | |
| يستوون. | |
| إنما يتذكر ويعرف الفرق أصحاب العقول السليمة. | |
" قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا | |
| حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " | |
قل- يا محمد- لعبادي المؤمنين بالله ورسوله: | |
| اتقوا ربكم بطاعته واجتناب معصيته. | |
| للذين أحسنوا في هذه الدينا بعبادة ربهم وطاعته حسنة في الآخرة, وهي الجنة, وحسنة | |
| في الدنيا من صحة ورزق ونصر وغير ذلك. | |
| وأرض الله واسعة, فهاجروا فيها إلى حيث تعبدون ربكم, وتتمكنون من إقامة دينكم. | |
| إنما يعطى الصابرون ثوابهم في الآخرة بغير حساب منا, كما يحاسب غيرهم. | |
" قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين " | |
قل- يا محمد- للناس: إن الله أمرني ومن تبعني بإخلاص العبادة له وحده | |
| دون سواه | |
" وأمرت لأن أكون أول المسلمين " | |
وأمرني بأن أكون أول من أسلم من أمتي, فخضع | |
| له بالتوحيد, وأخلص له العبادة, وبرئ من كل ما دونه من الآلهة. | |
" قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم " | |
فل- يا محمد- لناس: إني أخاف إن عصيت ربي فيما أمرني به من عبادته | |
| والإخلاص في طاعته عذاب يوم القيامة, ذلك اليوم الذي يعظم هوله. | |
" قل الله أعبد مخلصا له ديني " | |
قل- يا محمد-: إني أعبد الله وحده لا شريك له مخلصا له عبادتي وطاعتي, | |
" فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم | |
| وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين " | |
فاعبدوا أنتم- أيها المشركون- ما شئتم من | |
| دون الله من الأوثان والأصنام وغير ذلك من مخلوقاته, فلا يضرني ذلك شيئا. | |
| وهذا تهديد ووعيد لمن عبد غير الله, وأشرك معه غيره قل- يا محمد-: إن الخاسرين- | |
| حقا- هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة, وذلك بإغوائهم في الدنيا | |
| وإضلالهم عن الإيمان. | |
| ألا إن خسران هؤلاء المشركين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة هو الخسران البين الواضح. | |
" لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به | |
| عباده يا عباد فاتقون " | |
أولئك الخاسرون لهم يوم القيامة في جهنم من | |
| فوقهم قطع عذاب من النار كهيئة الظلل المبنية, ومن تحتهم كذلك. | |
| ذلك العذاب الموصوف يخوف الله به عباده; ليحذروه يا عباد فاتقوني بامتثال أوامري | |
| واجتناب معاصي. | |
" والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى | |
| فبشر عبادي " | |
والذين اجتنبوا طاعة الشيطان وعبادة غير الله, وتابوا إلى الله بعبادته | |
| وإخلاص الدين له, لهم البشرى في الحياة الدنيا بالثناء الحسن والتوفيق من الله, | |
| وفي الآخرة رضوان الله والنعيم الدائم في الجنة. | |
| فبشر- يا محمد- عبادي | |
" الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله | |
| وأولئك هم أولو الألباب " | |
الذين يستمعون القول فيتبعون أرشده. | |
| وأحسن الكلام وأرشده كلام الله ثم كلام رسوله. | |
| أولئك هم الذين وفقهم الله للرشاد والسداد, وهداهم لأحسن الأخلاق والأعمال, وأولئك | |
| هم أصحاب العقول السليمة. | |
" أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار " | |
أفمن وجبت عليه كلمة العذاب, باستمراره على غيه وعناده, فإنه لا حيلة | |
| لك- يا محمد- في هدايته, أفتقدر أن تنقذ من في النار؟ لست بقادر على ذلك. | |
" لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها | |
| الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد " | |
لكن الذين اتقوا ربهم- بطاعته وإخلاص عبادته- لهم في الجنة غرف مبنية | |
| بعضها فوق بعض, تجري من تحت أشجارها الأنهار, وعدها الله عباده المتقين وعدا | |
| متحققا, لا يخلف الله الميعاد | |
" ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم | |
| يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى | |
| لأولي الألباب " | |
ألم تر- يا محمد- أن الله أنزل من السحاب مطرا فأدخله في الأرض, وجعله | |
| عيونا نابعة ومياها جارية, ثم يخرج بهذا الماء زرعا مختلفا ألوانه وأنواعه, ثم | |
| ييبس بعد خضرته ونضارته, فتراه مصفرا ألونه, ثم يجعله حطاما متكسرا متفتتا؟ إن في | |
| فعل الله ذلك لذكرى وموعظة لأصحاب العقول السليمة. | |
" أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية | |
| قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين " | |
أفمن وسع الله صدره, فسعد بقبول الإسلام | |
| والانقياد له والإيمان به, فهو على بصيرة من أمره وهدى من ربه, كمن ليس كذلك؟ لا | |
| يستوون. | |
| فويل وهلاك للذين قست قلوبهم, وأعرضت عن ذكر الله, أولئك في ضلال بين عن الحق. | |
" الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين | |
| يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن | |
| يضلل الله فما له من هاد " | |
الله تعالى هو الذي نزل أحسن الحديث, وهو القرآن العظيم, متشابها في | |
| حسنه وإحكامه وعدم اختلافه, تثنى فيه القصص والأحكام, والحجج والبينات, تقشعر من | |
| سماعه, وتضطرب جلود الذين يخافون ربهم؟ تأئرا بما فيه من ترهيب ووعيد, ثم تلين | |
| جلودهم وقلوبهم; استبشارا بما فيه من وعد وترغيب, ذلك التأثر بالقرآن هداية من | |
| الله لعباده والله يهدي بالقرآن من يشاء من عباده. | |
| ومن يضلله الله عن الإيمان بهذا القرآن, لكفر. | |
| وعناده, فما له من هاد يهديه ويوفقه | |
" أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما | |
| كنتم تكسبون " | |
أفمن يلقى في النار مغلولا- فلا بتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه؟ | |
| لكفره وضلاله- خير أم من ينعم في الجنة؟ لأن الله هداه؟ وقيل يومئذ للظالمين: | |
| ذوقوا وبال ما كنتم في الدنيا تكسبون من معاصي الله. | |
" كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون " | |
كذب الذين من قبل قومك- يا محمد- رسلهم, | |
| فجاءهم العذاب من حيث لا يشعرون بمجيئه, | |
" فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو | |
| كانوا يعلمون " | |
فأذاق الله الأمم المكذبة العذاب, الهوان في الدنيا, وأعد لهم عذابا | |
| أشد وأشق في الأخرة لو كان هؤلاء المشركون يعلمون أن ما حل بهم, بسب كفرهم | |
| وتكذيبهم لاتعظوا. | |
" ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون " | |
ولقد ضربنا لهؤلاء المشركين بالله في هذا | |
| القرآن من كل مثل من أمثال القرون الخالية تخويفا وتحذيرا; ليتذكروا فينزجروا عما | |
| هم عليه مقيمون من الكفر بالله. | |
" قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون " | |
وجعلنا هذا القرآن عربيا واضح الألفاظ سهل | |
| المعاني, لا لبس فيه ولا انحراف; لعلهم يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. | |
" ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل | |
| يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون " | |
ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لشركاء متنازعين, | |
| فهو حيران في إرضائهم, وعدا خالصا لمالك واحد يعرف مراده وما يرضيه, هل يستويان, | |
| مثلا؟ لا يستويان, كذلك المشرك هو في حيرة وشك, والمؤمن في راحة واطمئنان. | |
| فالثناء الكامل التام لله وحده, بل المشركون لا يحلمون الحق فيتبعونه. | |
" إنك ميت وإنهم ميتون " | |
إنك- يا محمد- ميت وإنهم ميتون, | |
" ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " | |
ثم إنكم جميعا- أيها الناس, يوم القيامة عند ربكم تتنازعون, فيحكم | |
| بينكم بالعدل والإنصاف. | |
" فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم | |
| مثوى للكافرين " | |
لا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب: بأن | |
| نسب إليه ما لا يليق به كالشريك والولد, أو قال: أوحي إلي, ولم يوح إليه شيء, ولا | |
| أحد أظلم ممن كذب بالحق الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم. | |
| أليس في النار مأوى ومسكن لمن كفر بالله, ولم يصدق محمدا صلى الله عليه وسلم؟ بلى. | |
" والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون " | |
والذي جاء بالصدق في قوله وعمله من الأنبياء وأتباعهم, وصدق به إيمانا | |
| وعملا, أولئك هم الذين جمعوا خصال التقوى, وفي مقدمة هؤلاء خاتم الأنبياء | |
| والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون به, العاملون بشريعته من الصحابة, | |
| رضي الله عنهم, فمن بعدهم إلى يوم الدين. | |
" لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين " | |
لهم ما يشاؤون عند ربهم من أصناف اللذات, | |
| المشتهيات؟ ذلك جزاء من أطاع ربه حق الطاعة, وعبده حق العبادة. | |
" ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي | |
| كانوا يعملون " | |
ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا في الدنيا من الأعمال؟ بسبب ما كان | |
| منهم من توبة وإنابة مما اجترحوا من السيئات فيها, ويثيبهم الله على طاعتهم في | |
| الدنيا بأحسن ما كانوا يعملون, وهو الجنة. | |
" أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما | |
| له من هاد " | |
أليس الله بكاف عبده محمدا وعيد المشركين وكيدهم من أن ينالوه بسوء؟ | |
| بلى إنه سيكفيه في أمر دينه ودنياه, ويدفع عنه من أراده بسوء, ويخوفونك- يا محمد- | |
| بآلهتهم التي زعموا أنها ستؤذيك. | |
| ومن يخذله الله فيضله عن طريق الحق, فما له من هاد يهديه إليه. | |
" ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام " | |
ومن يوفقه الله للإيمان به والعمل بكتابه واتباع رسوله فما له من مضل | |
| عن الحق الذي هو عليه أليس الله بعزيز في انتقامه من كفرة خلقه, وممن عصاه؟ | |
" ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما | |
| تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن | |
| ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون " | |
ولئن سألت- يا محمد- هؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله: من خلق هذه | |
| السموات والأرض؟ ليقولن: خلقهن الله, فهم يقرون بالخالق. | |
| قل لهم, هل تستطيع هذه الآلهة التي تشركونها مع الله أن تبعد عني أذى قدره الله | |
| علي, أو تزيل مكروها لحق بي؟ وهل تستطيع أن تمنع نفعا يسره الله لي, أو تحبس رحمة | |
| الله عني؟ إنهم سيقولون : لا تستطيع ذلك. | |
| قل لهم: حسبي الله وسيكفيني, كل ما أهمني عليه يعتمد المعتمدون في جلب مصالحهم | |
| ودفع مضارهم, فالذي بيده وحده الكفاية هو حبي, ريكفيني كل ما أمشي. | |
" قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون " | |
فل- يا محمد- لقومك المعاندين: اعملوا على حالتكم التي رضيتموها | |
| لأنفسكم, حيث عبدتم من لا يستحق العبادة, وليس له من الأمر شيء, إني عامل على ما | |
| أمرت به من التوجه لله وحده في أقوالي وأفعالي, | |
" من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم " | |
فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يهينه في الحياة | |
| الدنيا, ويحل عليه في الآخرة عذاب دائم؟ لا يحول عنه ولا يزول. | |
" إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل | |
| فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل " | |
إنا أنزلنا عليك- يا محمد- القرآن بالحق | |
| هداية للعالمين, إلى طريق الرشاد, فمن اهتدى بنوره, وعمل بما فيه, واستقام على | |
| منهجه, فنفع ذلك يعود على نفسه, ومن ضل بعد ما تبين له الهدى, فإنما يعود ضرره على | |
| نفسه, ولن يضر الله شيئا, وما أنت- يا محمد- عليهم بوكيل تحفظ أعمالهم, وتحاسبهم | |
| عليها, وتجبرهم على ما تشاء, ما عليك إلا البلاغ. | |
" الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي | |
| قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " | |
الله- سبحانه وتعالى- هو الذي يقبض الأنفس | |
| حين موتها, وهذه الوفاة الكبرى, وفاة الموت بانقضاء الأجل, ويقبض التي لم تمت في | |
| منامها, وهي الموتة الصغرى, فيحبس من هاتين النفسين النفس التي قضى عليها الموت, | |
| وهي نفس من مات, ويرسل النفس الأخرى إلى استكمال أجلها ورزقها, وذلك بإعادتها إلى | |
| جسم صاحبها, إن في قبض الله نفس الميت والنائم وإرساله نفس النائم, وحبسه نفس | |
| الميت لدلائل واضحة على قدرة الله لمن تفكر وتدبر. | |
" أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا | |
| يعقلون " | |
أم اتخذ هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهتهم التي يعبدونها شفعاء, | |
| تشفع لهم عند الله في حاجاتهم؟ قل- يا محمد- لهم: اتتخذونها شفعاء كما تزعمون, ولو | |
| كانت الآلهة لا تملك شيئا, ولا تعقل عبادتهم لها؟ | |
" قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون | |
| " | |
قل- يا محمد- لهؤلاء المشركين: لله الشفاعة | |
| جميعا, له ملك السموات والأرض وما فيهما, فالأمر كله لله وحده, ولا يشفع أحد عنده | |
| إلا بإذنه, فهو الذي يملك السموات والأرض ويتصرف فيهما, فالواجب أن تطلب الشفاعة | |
| ممن يملكها, وأن تخلص له العبادة, ولا تطلب من هذه الآلهة التي لا تضر ولا تنفع, | |
| ثم إليه ترجعون بعد مماتكم للحساب والجزاء. | |
" وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا | |
| ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون " | |
وإذا ذكر الله وحده نفرت قلوب الذين لا يؤمنون بالمعاد والبعث بعد | |
| الممات, وإذا ذكر الذين من دونه من الأصنام والأوثان والأولياء إذا هم يفرحون؟ | |
| لكون الشرك موافقا لأهوائهم. | |
" قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم | |
| بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون " | |
قل: اللهم يا خالق السموات والأرض ومبدعها | |
| على غير مال سبق, عالم السر والعلانية, أنت تفصل بين عبادك يوم القيامة فيما كانوا | |
| فيه يختلفون من القول فيك, وفي عظمتك وسلطانك والإيمان بك وبرسولك, اهدني لما | |
| اختلف فيه من الحق بإذنك, إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم وكان هذا من دعائه صلى | |
| الله عليه وسلم, وهو تعليم للعباد بالالتجاء إلى الله تعالى, ودعائه بأسمائه | |
| الحسنى وصفاته العلى. | |
" ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من | |
| سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " | |
ولو أن لهؤلاء المشركين بالله ما في الأرض | |
| جميعا من مال وذخائر, ومثله معه مضاعفا, لبذلوه يوم القيامة؟ ليقتدرا به من سوء | |
| العذاب, ولو بذلوا وافتدوا به ما قبل منهم, ولا أغنى عنهم من عذاب الله شيئا, وظهر | |
| لهم يومئذ من أمر الله وعذابه ما لم يكونوا يحتسبون في الدنيا أنه نازل بهم. | |
" وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " | |
وظهر لهؤلاء المكذبين يوم الحساب جزاء | |
| سيئاتهم التي اقترفوها, حيث نسبوا إلى الله ما لا يليق به, وارتكبوا المعاصي في | |
| حياتهم, وأحاط بهم من كل جانب عذاب أليم؟ عقابا لهم على استهزائهم بالإنذار | |
| بالعذاب الذي كان الرسول يعذبهم به, ولا يأبهون له. | |
" فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما | |
| أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون " | |
فاذا أصاب الإنسان شدة وضر, طلب من رده أن | |
| يفرج عنه, فإذا كشفنا عنه ما أصابه وأعطيناه نعمة منا عاد بربه كافرا, ولفضله | |
| منكرا, وقال: إن الذي أوتيته إنما هو على علم من الله أني له أهل ومستحق, بل ذلك | |
| فتنة يبتلي الله بها عباده؟ لينظر من يشكره ممن يكفره, ولكن أكثرهم- لجهلهم وسوء | |
| ظنهم وقولهم- لا يعلمون؟ فلذلك يحذون الفتنة منحة. | |
" قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون " | |
قد قال مقالتهم هذه من قبلهم من الأمم | |
| الخالية المكذبة؟ فما أغنى عنهم حين جاءهم العذاب ما كانوا يكسبونه من الأموال | |
| والأولاد. | |
" فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما | |
| كسبوا وما هم بمعجزين " | |
فأصاب الذين قالوا هذه المقالة من الأمم الخالية وبال سيئات ما كسبوا | |
| من الأعمال, فعوجلوا بالخزي في الحياة الدنيا, والذين ظلموا أنفسهم من قومك يا | |
| محمد, وقالوا هذه المقالة, يصيبهم أيضا وبال سيئات ما كسبوا, كما أصاب الذين من | |
| قبلهم, وما هم بفاتنين الله ولا سابقيه. | |
" أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات | |
| لقوم يؤمنون " | |
أو لم يعلم هؤلاء أن رزق الله للإنسان لا يدل على حسن حال صاحبه, فإن | |
| الله لبالغ حكمته يوسع الرزق لمن يشاء من عباده, صالحا كان أو طالحا, ويضيقه على | |
| من يشاء منهم؟ إن في ذلك التوسع والتضييق في الرزق لدلالات واضحات لقوم يصدقون أمر | |
| الله ويعملون به. | |
" قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن | |
| الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم " | |
قل- يا محمد- لعبادي الذين تمادوا في | |
| المعاصي, وأصرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه من الذنوب: لا تيئسوا من رحمة | |
| الله؟ لكثرة ذنوبكم, إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت, | |
| إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده, الرحيم بهم. | |
" وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا | |
| تنصرون " | |
وارجعوا إلى ربكم- أيها الناس- بالطاعة | |
| والتوبة, واخضعوا له من قبل أن يقع بكم عقابه, ثم لا ينصركم أحد من دون الله. | |
" واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب | |
| بغتة وأنتم لا تشعرون " | |
واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم, وهو القرآن العظيم, وكله حسن, | |
| فامتثلوا أوامره, واجتنبوا نواهية من قبل أن يأتيكم العذاب فجأة, وأنتم لا تعلمون | |
| به. | |
" أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن | |
| الساخرين " | |
وأطيعوا ربكم وتوبوا إليه حتى لا تندم نفس وتقول: يا حسرتى على ما ضيعت | |
| في الدنيا من العمل بما أمر الله به, وقصرت في طاعته وحقه, وإن كنت في الدنيا لمن | |
| المستهزئين بأمر الله وكتابه ورسوله والمؤمنين به. | |
" أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين " | |
أو تقول: لو أن الله أرشدني إلى دينه لكنت | |
| من المتقين الشرك والمعاصي. | |
" أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين " | |
أو تقول حين ترى عقاب الله قد أحاط بها يوم الحساب: ليت لي رجعة إلى | |
| الحياة الدنيا فأكون فيها من الذين أحسنوا بطاعة ربهم , والعمل بما أمرتهم به | |
| الرسل. | |
" بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين " | |
ما القول كما تقول, فد جاءتك آياتي الواضحة الدالة على الحق, فكذبت | |
| بها, واستكبرت عن قبولها واتباعها, وكنت من الكافرين بالله ورسله. | |
" ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في | |
| جهنم مثوى للمتكبرين " | |
ويوم القيامة ترى هؤلاء المكذبين الذين | |
| وصفوا ربهم بما لا يليق به, ونسبوا إليه الشريك والولد وجوههم مسودة. | |
| أليس في جهنم مأوى ومسكن لمن تكبر على الله, فامتنع من توحيده وطاعته؟ بلى. | |
" وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون | |
| " | |
وينجي الله من جهنم وعذابها الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه واجتناب | |
| نواهيه بفوزهم وتحقق أمنيتهم, وهي الظفر بالجنة, لا يمسهم من عذاب جهنم شيء, ولا | |
| هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا. | |
" الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل " | |
الله تعالى هو خالق الأشياء كلها, وربها | |
| ومليكها والمتصرف فيها, وكل تحت تدبيره وقهره, وهو على كل شيء وكيل. | |
" له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم | |
| الخاسرون " | |
لله مفاتيح خزائن السموات والأرض, يعطي منها | |
| خلقه كيف يشاء والذين جحدوا بآيات القرآن وما فيها من الدلائل الواضحة, أولئك هم | |
| الخاسرون في الدنيا بخذلانهم عن الإيمان, وفي الآخرة بخلودهم في النار. | |
" قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون " | |
قل- يا محمد- لمشركي قومك: أفغير الله أيها | |
| الجاهلون بالله تأمرونن أن أعبد, ولا تصلح العبادة لشيء سواه؟ | |
" ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك | |
| ولتكونن من الخاسرين " | |
ولقد أوحي إليك- يا محمد- وإلى من قبلك من | |
| الرسل: لئن أشركت بالله غيره ليبطلن عملك, ولتكونن من الهالكين الخاسرين دينك | |
| وآخرتك, لأنه لا تقبل مع الشرك عمل صالح. | |
" بل الله فاعبد وكن من الشاكرين " | |
بل الله فاعبد- يا محمد- مخلصا له العبادة وحده لا شريك له, وكن من | |
| الشاكرين لله نعمه | |
" وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة | |
| والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون " | |
وما عظم هؤلاء المشركون الله حق تعظيمه; إذ | |
| عبدوا معه غيره مما لا ينفع ولا يضر, فسووا المخلوق مع عجزه بالخالق العظيم, الذي | |
| من عظيم فدرته أن جميع الأرض في فبضته يوم القيامة, والسموات مطويات بيمينه, تنزه | |
| وتعاظم سبحانه وتعالى عما يشرك به هؤلاء المشركون وفي الآية دليل على إثبات | |
| القبضة, واليمين, والطي, لله كما يليق بجلاله وعظمته, من غير تكييف ولا | |
" ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء | |
| الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " | |
ونفخ في " القرن " فمات كل من في | |
| السموات والأرض, إلا من شاء الله عدم موته, ثم نفخ الملك فيه نفخة ثانية مؤذنا | |
| بإحياء جميع الخلائق للحساب أمام ربهم, فإذا هم قيام من قبورهم ينظرون ماذا يفعل | |
| الله بهم؟ | |
" وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء | |
| وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون " | |
وأضاءت الأرض يوم القيامة إذا تجلى الحق جل | |
| وعلا للخلائق لفصل القضاء, ونشرت الملائكة صحيفة كل فرد, وجيء بالنبيين والشهود | |
| على الأم؟ ليسأل الله النبيين عن التبليغ وعما أجابتهم به أممهم, كما تأتي أمة | |
| محمد صلى الله عليه وسلم؟ لتشهد بتبليغ الرسل السابقين لأممهم إذا أنكرت هذا | |
| التبليغ, فتقوم الحجة على الأمم, وقضى رب العالمين بين العباد بالعدل التام, وهم | |
| لا يظلمون شيئا بنقص ثواب أو زيادة عقاب. | |
" ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون " | |
ووفى الله كل نفس جزاء عملها من خير وضر, وهو سبحانه وتعالى أعلم بما | |
| يفعلون في الدنيا من طاعة أو معصية | |
" وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها | |
| وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم | |
| هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين " | |
وسيق الذين كفروا بالله ورسله إلى جهنم | |
| جماعات, حتى إذا جاؤوها فتح الخزنة الموكلون بها أبوابها السبعة, وزجروهم قائلين: | |
| كيف تعصون الله وتجحدون ربوبيته؟ ألم يرسل إليكم رسلا منكم يتلون عليكم أيات ربكم, | |
| ويحذرونكم أهوال هذا اليوم؟ قالوا مقرين بذنبهم, بلى قد جاءت رسل ربنا بالحق, | |
| وحذرونا هذا اليوم, ولكن وجبت كلمة الله أن عذابه لأهل الكفر به. | |
" قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين " | |
قيل للجاحدين إهانة لهم وإذلالا: ادخلوا | |
| أبواب جهنم ماكثين فيها أبدا, ففتح مصير المتعالين على الإيمان بالله والعمل | |
| بشرعه. | |
" وسيأكثر المصاحف تفاعلاً |