سورة فصلت - تفسير السعدي | |
| | |
" حم " | |
(حم) سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة. | |
" تنزيل من الرحمن الرحيم " | |
هذا القرآن الكريم تنزيل من الرحمن الرحيم, نزله على نبيه محمد صلى | |
| الله عليه وسلم. | |
" كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون " | |
كتاب بينت آياته تمام البيان؟ ووضحت معانيه | |
| وأحكامه, قرآنا عربيا ميسرا فهمه لقوم يعلمون اللسان العربي. | |
" بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون " | |
بشيرا بالثواب العاجل والآجل لمن آمن به وعمل بمقتضاه, ونذيرا بالعقاب | |
| العاجل والآجل لمن كفر به, فأعرض عنه أكثر الناس, فهم لا يسمعون له سماع قبول | |
| وإجابة. | |
" وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن | |
| بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون " | |
وقال هؤلاء المعرضون الكافرون للنبي محمد | |
| صلى الله عليه وسلم: قلوبنا في أغطية مانعة لنا من فهم ما تدعونا إليه, وفي أذاننا | |
| صمم فلا نسمع, ومن بيننا وبينك- يا محمد- ساتر يحجبنا عن إجابة دعوتك, فاعمل على | |
| وفق دينك, كما أننا عاملون على وفق ديننا. | |
" قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا | |
| إليه واستغفروه وويل للمشركين " | |
قل لهم- يا محمد-: إنما أنا بشر مثلكم يوحي الله إلي أنما إلهكم الذي | |
| تصلح العبادة له, إله واحد لا شريك له, فاسلكوا الطريق الموصل إليه, واطلبوا | |
| مغفرته. | |
" الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون " | |
وعذاب للمشركين الذين عبدوا من دون الله | |
| أوثانا لا تنفع ولا تضر, والذين لم يطهروا أنفسهم توحيد ربهم, والإخلاص لله, ولم | |
| يصلوا ولم يزكوا, فلا إخلاص منهم للخالق ولا نفع فيهم للخلق, وهم لا يؤمنون | |
| بالبعث, ولا بالجنة والنار, ولا ينفقون في طاعة الله. | |
" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون " | |
إن الذين آمنوا بالله ورسوله وكتابه وعملوا | |
| الأعمال الصالحة مخلصين لله فيها, لهم ثواب عظيم غير مقطوع ولا ممنوع. | |
" قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا | |
| ذلك رب العالمين " | |
فل- يا محمد- لهؤلاء المشركين مؤبخا لهم ومتعجبا من فعلهم: أإنكم | |
| لتكفرون بالله الذي خلق الأرض في يومين اثنين, وتجعلون له نظراء وشركاء تعبدونهم | |
| معه؟ ذلك الخالق هو رب العالمين كلهم. | |
" وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في | |
| أربعة أيام سواء للسائلين " | |
وجعل سبحانه في الأرض جبالا ثوابت من فوقها, وبارك فيها فجعلها دائمة | |
| الخير لأهلها, وقدر فيها أرزاق أهلها من الغذاء, وما يصلحهم من المعاش في تمام | |
| أربعة أيام: يومان خلق فيهما الأرض, ويومان جعل فيها رواسي وقدر فيها أقواتها, | |
| سواء للسائلين أي: لمن أراد السؤال عن ذلك؟ ليعلمه. | |
" ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو | |
| كرها قالتا أتينا طائعين " | |
ثم استوى سبحانه وتعالى, أي قصد إلى السماء وكانت دخانا من قبل, فقال | |
| للسماء وللأرض: انقادا لأمري مختارتين أو مجبرتين. | |
| قالتا: أتينا مذعنين لك, ليس لنا إرادة تخالف إرادتك. | |
" فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا | |
| السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم " | |
فقضى الله خلق السموات السبع وتسويتهن في | |
| يومين, فتم بذلك خلق السموات والأرض في ستة أيام, لحكمة يعلمها الله, مع قدرته | |
| سبحانه على خلقهما في لحظة واحدة, وأوحى في كل سماء ما أراده وما أمر به فيها, | |
| وصلنا السماء الدنيا بالنجوم المضيئة, وحفظا لها من الشياطين الذين يسترقون السمع, | |
| ذلك الخلق البديع تقدير العزيز في ملكه, العليم الذي أحاط علمه بكل شيء. | |
" فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " | |
فإن أعرض هؤلاء المكذبون بعدما بين لهم من أوصاف القرآن الحميدة, ومن | |
| صفات الله العظيم, فقل لهم: قد أنذرتكم عذابا يستأصلكم مثل عذاب عاد وثمود حين | |
| كفروا بربهم وعصوا رسله. | |
" إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله | |
| قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون " | |
حين جاءت الرسل عادا وثمود, يتبع بعضهم بعضا متوالين, يأمرونهم بعبادة | |
| الله وحده لا شريك له, قالوا لرسلهم: لو شاء ربنا أن نوحده, ولا نعبد من دونه شيئا | |
| غبره, لأنزل إلينا ملائكة من السماء رسلا بما تدعوننا إليه, ولم يرسلكم وأنتم بشر | |
| مثلنا, فإنا بما أرسلكم الله به إلينا من الإيمان بالله وحده جاحدون. | |
" فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة | |
| أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون " | |
فأما عاد قوم هود فقد استعلوا في الأرض على | |
| العباد بغير حق, وقالوا في غرور: من أشد منا قوة؟ أو لم يروا أن الله تعالى الذي | |
| خلقهم هو أشد منهم قوة وبطشا؟ وكانوا بأدلتنا وحججنا يجحدون. | |
" فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في | |
| الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون " | |
فأرسلنا عليهم ريحا شديدة البرودة عالية الصوت في أيام مشؤومات عليهم؟ | |
| لنذيقهم عذاب الذل والهوان في الحياة الدنيا, ولعذاب الآخرة أشد ذلا وهوانا, ومم | |
| لا ينصرون بمنع العذاب عنهم. | |
" وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة | |
| العذاب الهون بما كانوا يكسبون " | |
وأما ثمود قوم صالح فقد بينا لهم سبيل الحق وطريق الرشد, فاختاروا | |
| العمى على الهدى, فأهلكتهم صاعقة العذاب المهين؟ بسبب ما كانوا يقترفون من الآثام | |
| بكفرهم بالله, وتكذيبهم رسله. | |
" ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون " | |
ونجينا الذين آمنوا من العذاب الذي أخذ عادا وثمود, وكان هؤلاء الناجون | |
| يخافون الله ويتقونه. | |
" ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون " | |
ويوم نحشر أعداء الله إلى نار جهنم, ترد زبانية العذاب أولهم على | |
| آخرهم, | |
" حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا | |
| يعملون " | |
حتى إذا ما جاؤوا النار, وأنكروا جرائمهم | |
| شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون في الدنيا من الذنوب والآثام. | |
" وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل | |
| شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون " | |
وقال هؤلاء الذين يحشرون إلى النار من أعداء | |
| الله لجلودهم معاتبين: لم شهدتم علينا؟ فأجابتهم جلودهم: أنطقنا الله الذي أنطق كل | |
| شيء, وهو الذي خلقكم أول مرة ولم تكونوا شيئا, وإليه مصيركم بعد الموت للحساب | |
| والجزاء. | |
" وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم | |
| ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون " | |
وما كنتم تستخفون عند ارتكابكم المعاصي؟ خوفا من أن يشهد عليكم سمعكم | |
| ولا أبصاركم ولا جلودكم يوم القيامة, ولكن ظننتم بارتكابكم المعاصي أن الله لا | |
| يعلم كثيرا من أعمالكم التي تعصون الله بها. | |
" وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين " | |
وذلكم ظنكم السيء الذي ظننتموه بربكم | |
| أهلككم, فأوردكم النار, فأصبحتم اليوم من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم. | |
" فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين | |
| " | |
فإن يصبروا على العذاب فالنار مأواهم, وإن | |
| يسألوا الرجوع إلى الدنيا؟ ليستأنفوا العمل الصالح لا يجابوا إلى ذلك, ولا تقبل | |
| لهم أعذار. | |
" وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم | |
| القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين " | |
وهيأنا لهؤلاء الظالمين الجاحدين قرناء | |
| فاسدين من شياطين الإنس والجن, فزينوا لهم قبائح أعمالهم في الدنيا, ودعوهم إلى | |
| لذاتها وشهواتها المحرمة, وزينوا لهم ما خلفهم من أمور الآخرة, فأنسوهم ذكرها, | |
| ودعوهم إلى التكذيب بالمعاد, وبذلك وجب عليهم دخول النار في جملة أمم سابقة من | |
| كفرة الجن والإنس, إنهم كانوا خاسرين أعمالهم في الدنيا وأنفسهم وأهليهم يوم | |
| القيامة. | |
" وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم | |
| تغلبون " | |
وقال الكافرون بعضهم لبعض متواصين فيما بينهم: لا تسمعوا لهذا القرآن, | |
| ولا تطيعوه ولا تنقادوا لأوامره, وارفعوا أصواتكم بالصياح والصفير والتخليط على | |
| محمد إذا قرأ القرآن؟ لعلكم تغلبونه, فيترك القراءة, وننتصر عليه. | |
" فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا | |
| يعملون " | |
فلنذيقن الذين قالوا هذا القول عذابا شديدا | |
| في الدنيا والآخرة, ولنجزينهم أسوأ ما كانوا يعملون من السيئات. | |
" ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا | |
| بآياتنا يجحدون " | |
هذا الجزاء الذي يجزى به هؤلاء الذين كفروا | |
| جزاء أعداء الله النار, لهم فيها دار الخلود الدائم؟ جزاء بما كانوا بحججنا | |
| وأدلتنا يجحدون في الدنيا. | |
| والآية دالة على عظم جريمه من صرف الناس عن القرآن العظيم, وصدهم عن تدبره وهدايته | |
| بأي وسيلة كانت. | |
" وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس | |
| نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين " | |
وقال الذين كفروا بالله ورسوله, وهم في النار: ربنا أرنا اللذين أضلانا | |
| من خلقك من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا؟ ليكونا في الدرك الأسفل من النار. | |
" إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا | |
| تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون " | |
إن الذين قالوا ربنا الله تعالى, وحده لا | |
| شريك له, ثم استقاموا على شريعته, تتنزل عليهم الملائكة عند الموت قائلين لهم: لا | |
| تخافوا من الموت وما بعده, ولا تحزنوا على ما تخلفونه وراءكم من أمور الدنيا, | |
| وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون بها. | |
" نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي | |
| أنفسكم ولكم فيها ما تدعون " | |
وتقول لهم الملائكة: نحن أنصاركم في الحياة | |
| الدنيا؟ نسددكم ونحفظكم بأمر الله, وكذلك نكون معكم في الآخرة, ولكم في الجنة كل | |
| ما تثشهيه أنفسكم مما تختارونه, وتقر به أعينكم, | |
" نزلا من غفور رحيم " | |
ومهما طلبتم من شيء وجدتموه بين أيديكم | |
| ضيافة وإنعاما لكم من غفور لذنوبكم, رحيم بكم. | |
" ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من | |
| المسلمين " | |
لا أحد أحسن قولا ممن دعا إلى توحيد الله | |
| وعبادته وحده وعمل صالحا وقال: إنني من المسلمين المنقادين لأمر الله وشرعه وفي | |
| الآية حث على الدعوة إلى الله سبحانه, وبيان فضل العلماء الداعين إليه على بصيرة, | |
| وفق ما جاء عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. | |
" ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك | |
| وبينه عداوة كأنه ولي حميم " | |
ولا تستوي حسنة الذين آمنوا بالله, واستقاموا على شرعه, وأحسنوا إلى | |
| خلقه, وسيئة الذين كفروا به وخالفوا أمره, وأساؤوا إلى خلقه. | |
| ادفع بعفوك وحلمك وإحسانك من أساء إليك, وقابل إساءته لك بالإحسان إليه, فبذلك | |
| يصير المسيء إليك الذي بينك وبينه عداوة كأنه قريب لك شفيق عليك. | |
" وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " | |
وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة إلا الذين صبروا أنفسهم على ما تكره, | |
| وأجبروها على ما يحبه الله, وما يوفق لها إلا ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا | |
| والآخرة. | |
" وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم | |
| " | |
وإما يلقين الشيطان في نفسك وسوسة من حديث النفس لحملك على مجازاة | |
| المسيء بالإساءة, فاستجر بالله واعتصم به, إن الله هو السميع لاستعاذتك به, العليم | |
| بأمور خلقه جميعها. | |
" ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا | |
| للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون " | |
ومن حجج الله على خلقه, ودلائله على | |
| وحدانيته وكمال قدرته اختلاف الليل والنهار, وتعاقبهما, واختلاف الشمس والقمر | |
| وتعاقبهما, كل ذلك تحت تسخيره وقهره. | |
| لا تجدوا للشمس ولا للقمر- فإنهما مدبران مخلوقان- واسجدوا لله الذي خلقهن, إن | |
| كنتم تعبدونه وحده لا شريك له. | |
" فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا | |
| يسأمون " | |
فإن استكبر هؤلاء المشركون عن السجود لله, فإن الملائكة الذين عند ربك | |
| لا يستكبرون عن ذلك, بل يسبحون له, وينزهونه عن كل نقص بالليل والنهار, وهم لا | |
| يفترون عن ذلك, ولا يملون. | |
" ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت | |
| وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير " | |
ومن علامات وحدانية الله وقدرته؟ أنك ترى | |
| الأرض يابسة لا نبات فيها؟ فإذا أنزلنا عليها المطر دبت فيها الحياة, وتحركت | |
| بالنبات, وانتفخت وعلت, إن الذي أحيا هذه الأرض بعد همودها, قادر على إحياء الخلق | |
| بعد موتهم, إنه على كل شيء قدير, فكما لا تعجز قدرته عن إحياء الأرض بعد موتها, | |
| فكذلك لا تعجز عن إحياء الموتى. | |
" إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار | |
| خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير " | |
إن الذين يميلون عن الحق, فيكفرون بالقرآن ويحرفونه, لا يخفون علينا, | |
| بل نحن مطلعون عليهم. | |
| أفهذا الملحد في آيات الله الذي يلقى في النار خير, أم الذي يأتي يوم القيامة آمنا | |
| من عذاب الله, مستحقا لثوابه; لإيمانه به وتصديقه بآياته؟ اعملوا- أيها الملحدون- | |
| ما شئتم, فإن الله تعالى بأعمالكم بصير, لا يخفى عليه شيء منها, وسيجازلكم على | |
| ذلك. | |
| وفي هذا وعيد وتهديد لهم. | |
" إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز " | |
إن الذين جحدوا هذا القرآن حين جاءهم هالكون ومعذبون, وإن هذا القرآن | |
| لكتاب عزيز بإعزاز الله إياه وحفظه له من كل تغيير أو تبديل, | |
" لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد | |
| " | |
لا يأتيه الباطل من أي ناحية من نواحيه ولا يبطله شيء, فهو محفوظ من أي | |
| نقص منه, أو يزاد فيه, تنزيل من حكيم بتدير أمور عاده, محمود على ما له من صفات | |
| الكمال. | |
" ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو | |
| عقاب أليم " | |
ما يقول لك هؤلاء المشركون- يا محمد- إلا ما قد قاله من قبلهم من الأمم | |
| لرسلهم, فاصبر على ما ينالك في سبيل الدعوة إلى الله. | |
| إن ربك لذو مغفرة لذنوب التائبين, وذو عقاب لمن أصر على كفره وتكذيبه. | |
" ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي | |
| قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك | |
| ينادون من مكان بعيد " | |
ولو جعلنا هذا القرآن الذي أنزلناه عليك- يا | |
| محمد- أعجميا, لقال المشركون: هلا بينت آياته, فنفقهه ونعلمه, لأعجمي هذا القرآن, | |
| ولسان الذي أنزل عليه عربي؟ هذا لا يكون قل لهم- يا محمد-: هذا القرآن للذين آمنوا | |
| بالله ورسوله هدى من الضلالة, وشفاء لما في الصدور من الشكوك والأمراض, والذين لا | |
| يؤمنون بالقرآن في آذانهم صمم من سماعه وتدبره, وهو على قلوبهم عمى, فلا يهتدون | |
| به, أولئك المشركون كمن ينادي, وهو في مكان بعيد لا يسمع داعيا, ولا يجيب مناديا. | |
" ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي | |
| بينهم وإنهم لفي شك منه مريب " | |
ولقد آتينا موسى التوراة كما آتيناك القرآن- | |
| يا محمد- فاختلف فيها قومه: فمنهم من آمن, ومنهم من كذب ولولا كلمة سبقت من ربك | |
| بتأجيل العذاب عن قومك لفصل بينهم لإهلاك الكافرين في الحال, وإن المشركين لفي شك | |
| من القرآن شديد الريبة. | |
" من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد | |
| " | |
من عمل صالحا فأطاع الله ورسوله فلنفسه ثواب عمله, ومن أساء فعصى الله | |
| ورسوله فعلى نفسه وزر عمله. | |
| وما ربك بظلام للعبيد, بنقص حسنة أو زيادة سيئة | |
" إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من | |
| أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد | |
| " | |
إلى الله تعالى وحده لا شريك له يرتجع علم | |
| الساعة, فإنه لا يعلم أحد متى قيامها غيره, وما تخرج من ثمرات من أوعيتها, وما | |
| تحمل من أنثى ولا تضع حملها إلا بعلم من الله, لا يخفى عليه شيء من ذلك ويوم ينادي | |
| الله تعالى المشركين يوم القيامة توبيخا لهم وإظهارا لكذبهم: أين شركائي الذين | |
| كنتم تشركونهم في عبادتي؟ قالوا: أعلمناك الآن ما منا من أحد يشهد اليوم أن معك | |
| شريكا, | |
" وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص " | |
وذهب عن هؤلاء المشركين شركاؤهم الذين كانوا يعبدونهم من دون الله, فلم | |
| ينفعوهم, وأيقنوا أن لا ملجأ لهم من عذاب الله, ولا محيد عنه. | |
" لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط " | |
لا يمل الإنسان من دعاء ربه طالبا الخير | |
| الدنيوي, وإن أصابه فقر وشدة فهو يؤوس من رحمة الله, قنوط بسوء الظن بربه. | |
" ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن | |
| الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا | |
| ولنذيقنهم من عذاب غليظ " | |
ولئن أذقنا الإنسان نعمة منا من بعد شدة وبلاء لم يشكر الله تعالى, بل | |
| يطغى ويقول: أتاني هذا؟ لأني مستحق له, وما أعتقد أن الساعة آتية, وذلك إنكار منه | |
| للبعث, وعلى تقدير إتيان الساعة وأني سأرجع إلى ربي, فإن لي عنده الجنة, فلنخبرن | |
| الذين كفروا يوم القيامة بما عملوا من سيئات, ولنذيقنهم من العذاب الشديد. | |
" وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو | |
| دعاء عريض " | |
وإذا أنعمنا على الإنسان بصحة أو رزق أو | |
| غيرهما أعرض وترفع عن الانقياد إلى الحق؟ فإن أصابه ضر فهو ذو دعاء كثير بأن يكشف | |
| الله ضره, فهو يعرف ربه في الشدة, ولا يعرفه في الرخاء. | |
" قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في | |
| شقاق بعيد " | |
قل- يا محمد- لهؤلاء المكذبين: أخبروني إن | |
| كان هذا القرآن من عند الله ثم جحدتم به, لا أحد أضل منكم؟ لأنكم في خلاف بعيد عن | |
| الحق بكفركم بالقرآن وتكذيبكم به. | |
" سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق | |
| أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد " | |
سنري هؤلاء المكذبين أياتنا في أقطار السموات والأرض, وما يحدثه الله | |
| فيهما من الحوادث العظيمة, وفي أنفسهم وما اشتملت عليه من بديع آيات الله وعجائب | |
| صنعه, حتى يتبين لهم من تلك الآيات بيان لا يقبل الشك أن القرآن الكريم هو الحق | |
| الموحى به من رب العالمين. | |
| أو لم يكفهم دليلا على أن القرآن حق, ومن جاء به صادق, شهادة الله تعالى؟ فإنه قد | |
| شهد له بالتصديق, وهو على كل شيء شهيد, ولا شيء أكبر شهادة من شهادته سبحانه | |
| وتعالى. | |
" ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط " | |
ألا إن هؤلاء الكافرين في شك عظيم من البعث | |
| بعد الممات. | |
| ألا إن الله- جل وعلا- بكل شيء محيط علما وقدرة وعزة, لا يخفى عليه شيء في الأرض | |
| ولا في السماء. | |
| |
أكثر المصاحف تفاعلاً