سورة الزخرف - تفسير السعدي | |
| | |
" حم " | |
(حم) سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة. | |
" والكتاب المبين " | |
أقسم الله تعالى بالقرآن الواضح لفظا ومعنى. | |
" إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " | |
إنا أنزلنا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بلسان العرب لعلكم | |
| تفهمون, وتتدبرون معانيه وحججه | |
" وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم " | |
وإنه في اللوح المحفوظ لدينا لعلي في قدره. | |
| وشرفه, محكم لا اختلات فيه ولا تناقض. | |
" أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين " | |
أفنعرض عنكم, ونترك إنزال القرآن إليكم لأجل إعراضكم وعدم انقيادكم, | |
| وإسرافكم في عدم الإيمان به؟ | |
" وكم أرسلنا من نبي في الأولين " | |
كثيرا من الأنبياء أرسلنا في القرون الأولى التي مضت قبل قومك يا محمد. | |
" وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون " | |
وما يأتيهم بن نبي إلا كانوا به يستهزئون كاستهزاء قومك بك, | |
" فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين " | |
فأهلكنا من كذبوا رسلنا, وكأنوا أشد قوة وبأسا من قومك يا محمد, ومضت | |
| عقوبة الأولين بأن أهلكوا بسبب كفرهم وطغيانهم واستهزائهم بأنبيائهم. وفي هذا | |
| تلبية للنبي صلى الله عليه وسلم. | |
" ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم | |
| " | |
ولئن سألت- يا محمد- هؤلاء المشركين من قومك من خلق السموات والأرض؟ | |
| ليقولقن: خلقهن العزيز في سلطانه, العليم بهن وما فيهن من الأشياء, لا يخفى عليه | |
| شيء. | |
" الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون | |
| " | |
الذي جعل لكم الأرض فراشا وبساطا, يسهل لكم فيها طرفا لمعاشكم ومتاجركم | |
| ; لكي تهتديا بتلك السبل إلى مصالحكم الدينية والدنيوية. | |
" والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون | |
| " | |
والذي نزل من السماء مطرا بقدر, ليس طوفانا مغرقا ولا قاصرا عن الحاجة. | |
| حتى يكون معاشا لكم ولأنعامكم, فأحيينا بالماء بلدة مقفرة من النبات , كما أخرجنا | |
| بهذا الماء الذي نزلناه من السماء من هذه البلده الميتة النبات والزرع, تخرجون- | |
| أيها الناس- من قبوركم بعد فنائكم. | |
" والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون | |
| " | |
والذي خلق الأصناف كلها من حيوان ونبات, وجعل لكم من السفن ما تركبون | |
| في البحر, ومن البهائم كالإبل والخيل والبغال والحمير ما تركبون في البر. | |
" لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه | |
| وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " | |
لكي تستووا على ظهور ما تركبون, ثم تذكروا | |
| نعمة ربكم إذا ركبتم عليه, وتقولوا الحمد لله الذي سخر لنا هذا, وما كنا له | |
| مطيقين, | |
" وإنا إلى ربنا لمنقلبون " | |
ولتقولوا أيضا: وإنا إلى ربنا بعد مماتنا لصائرون إليه راجعون. | |
| وفي هذا بيان أن الله المنعم على عباده بشتى النعم, هو المستحق للعبادة في كل حال | |
| . | |
" وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين " | |
وجعل هؤلاء المشركون لله من خلقه نصيبا, وذلك قولهم للملائكة: بنات | |
| الله إن الإنسان لجحود لنعم ربه التي أنعم بها عليه, مظهر لجحوده وكفره يعدد | |
| المصائب, وينسى النعم. | |
" أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين " | |
بل أتزعمون- أيها الجاهلون- أن ربكم اتخذ مما يخلق بنات وأنتم لا ترضون | |
| ذلك لأنفسكم, وخصكم بالبنين فجعلهم لكم؟ وفي هذا توبيخ لهم. | |
" وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم | |
| " | |
وإذا بشر أحدهم بالأنثى التي نسبها للرحمن | |
| حين زعم أن الملائكة بنات الله صار وجهه مسودا من سوء البشارة بالأنثى, وهو حزين | |
| مملوء من الهم والكرب (فكيف يرضون لله ما لا يرضونه لأنفسهم؟ تعالى الله وتقدس عما | |
| يقول الكافرون علوا كبيرا). | |
" أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين " | |
أتجترئون وتنسبون إلى الله تعالى من يربى في الزينة, وهو في الجدال غير | |
| مبين لحجته; لأنوثته؟ | |
" وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب | |
| شهادتهم ويسألون " | |
وجعل هؤلاء المشركون بالله الملائكة الذين | |
| هم عباد الرحمن إناثا, أحضروا حالة خلقهم حتى يحكموا بأنهم إناث؟ ستكتب شهادتهم, | |
| ويسألون عنها في الآخرة. | |
" وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا | |
| يخرصون " | |
وقال هؤلاء المشركون من قريش: لو شاء الرحمن ما عبدنا أحدا من دونه, | |
| وهذه حجة باطلة, فقد أقام الله الحجة على العباد بإرسال الرسل وإنزال الكتب, | |
| فاحتجاجهم بالقضاء والقدر من أبطل الباطل من بعد إنذار الرسل لهم. | |
| ما لهم بحقيقة ما يقولون من ذلك من علم, وإنما يقولونه تخرصا وكذبا. | |
| لأنه لا خبر عندهم من الله بتلك ولا برهان. | |
" أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون " | |
أحضروا خلق الملائكة, أم أعطيناهم كتابا من | |
| قبل القرآن الذي أنزلناه, فهم به مستمسكون يعمل بما فيه, ويحتجون به عليك يا محمد؟ | |
" بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون | |
| " | |
بل قالوا: إنا وجدنا آباءنا على طريقة ومذهب | |
| ودين, وإنا على آثار آبائنا فيما كانوا عليه متبعون لهم, ومقتدون بهم. | |
" وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا | |
| وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون " | |
وكذلك ما أرسلنا من قبلك - يا محمد- في قرية | |
| من نذير ينذرهم عقابنا على كفرهم بنا, فأنذروهم وحذروهم سخطنا وحلول عقوبتنا, إلا | |
| قال الذين أبطرتهم النعمة من الرؤساء والكبراء: إنا وجدنا آباءنا على ملة ودين, | |
| إنا على منهاجهم وطريقتهم مقتدون. | |
" قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما | |
| أرسلتم به كافرون " | |
قال محمد صلى الله عليه وسلم ومن سبقه من | |
| الرسل لمن عارضه بهذه الشبهة الباطلة: أتتبعون أباءكم, ولو جئتكم من عند ربكم | |
| بأهدى إلى طريق الحق وأدل على سبيل الرشاد مما وجدتم عليه آبائكم من الدين والملة | |
| فقالوا في عناد: إنا بما أرسلتم به جاحدون كافرون. | |
" فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين " | |
فانتقمنا من هذه الأمم المكذبة رسلها | |
| بإحلالنا العقوبة بهم خسفا وغرقا وغير ذلك, فانظر- يا محمد- كيف كان عاقبة أمرهم | |
| إذ كذبوا بآيات الله ورسله؟ وليحذر قومك أن يستمروا على تكذيبهم, فيصيبهم مثل ما | |
| أصابهم. | |
" وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون " | |
واذكر- يا محمد- إذ قال إبراهيم لأبيه وقومه | |
| الذين كانوا يعبدون ما يعبده قومك يا محمد: إنني براء مما تعبدون من دون الله. | |
" إلا الذي فطرني فإنه سيهدين " | |
إلا الذي خلقني, فإنه سيوفقني لاتباع سبيل الرشاد. | |
" وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون " | |
وجعل إبراهيم عليه السلام كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) باقية في من | |
| بعده, لعلهم يرجعون إلى طاعة ربهم وتوحيده, ويتوبون من كفرهم وذنوبهم. | |
" بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين " | |
بل متعت- يا محمد- هؤلاء المشركين من قومك وآبائهم من قبلهم بالحياة, | |
| فلم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم, حتى جائهم القرآن برسول بين لهم ما يحتاجون إليه | |
| من أمور دينهم. | |
" ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون " | |
ولما جاءهم القرآن من عند الله قالوا: هذا | |
| الذي جاءنا به هذا الرسول سحر يسحرنا به, وليس بوحي من عند الله, وإنا به جاحدون. | |
" وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " | |
وقال هؤلاء المشركون من قريش: إن كان هذا القرآن من عند الله حقا, فهلا | |
| نزل على رجل عظيم من إحدى هاتين القريتين " مكة " أو | |
| " الطائف " . | |
" أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا | |
| ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون | |
| " | |
أهم يقسمون النبوة فيضعونها حيث شاؤوا؟ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في | |
| حياتهم الدنيا من الأرزاق والأقوات, ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات: هذا غني وهذا | |
| فقير, وهذا قوي وهذا ضعيف ليكون بعضهم سببا لبعض في المعاش ورحمة ربك - يا محمد - | |
| بإدخالهم الجنة خير مما يجمعون من حطام الدنيا الفاني | |
" ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم | |
| سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون " | |
ولولا أن يكون الناس جماعة واحدة على الكفر, | |
| لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة وسلالم عليها يصعدون. | |
" ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون " | |
وجعلنا لبيوتهم أبوابا من فضة, جعلنا لهم سررا عليها يتكئون, | |
" وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك | |
| للمتقين " | |
وجعلنا لهم ذهبا, وما كل ذلك إلا متاع | |
| الحياة الدنيا, وهو متاع قليل زائل, ونعيم الآخرة مدخر عند ربك للمتقين ليس | |
| لغيرهم. | |
" ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين " | |
ومن يعرض عن ذكر الرحمن, وهو القرآن, فلم يخف عقابه, ولم يهتد بهدايته, | |
| نجعل له شيطانا في الدنيا يغويه; جزاء له على إعراضه عن ذكر الله, فهو له ملازم | |
| ومصاحب يمنعه الحلال, ويبعثه على الحرام. | |
" وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون " | |
إن الشياطين ليصدون عن سبيل الحق هؤلاء | |
| الذين يعرضون عن ذكر الله, فيزينون لهم الضلالة, ويكرهون لهم الإيمان بالله وللعمل | |
| بطاعته, ويظن هؤلاء المعرضون بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلال أنهم على | |
| الحق والهدى. | |
" حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين | |
| " | |
حتى إذا جاءنا الذي أعرض عن ذكر الرحمن وقرينه من الشياطين للحساب | |
| والجزاء, قال المعرض عن ذكر الله لقرينه: وددت أن بيني وبينك بعد ما بين المشرق | |
| والمغرب, فبئس القرين لي حيث أغويتني. | |
" ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون " | |
ولن ينفعكم اليوم- أيها المعرضون- عن ذكر | |
| الله إذ أشركتم في الدنيا أنكم في العذاب مشركون أنتم وقرناؤكم, فلكل واحد نصيبه | |
| الأوفر من العذاب, كما أشركم في الكفر. | |
" أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين " | |
أفأنت- يا محمد- تسمع من أصمه الله عن سماع | |
| الحق, أو تهدي إلى طريق الهدى من أعمى قلبه عن إبصاره, أو تهدي من كان في ضلال عن | |
| الحق بين واضح؟ ليس ذلك إليك, إنما عليك البلاغ, وليس عليك هداهم, ولكن الله يهدي | |
| من يشاء, ويضل من يشاء. | |
" فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون " | |
فإن توفيناك- يا محمد- قبل نصرك على المكذبين من قومك, فإنا منهم | |
| منتقمون في الآخرة, | |
" أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون " | |
أو نرينك الذي وعدناهم من العذاب النازل بهم | |
| كيوم " بدر " , فإنا عليهم مقتدرون نظهرك عليهم, | |
| ونخزيهم بيدك وأيدي المؤمنين بك. | |
" فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم " | |
فاستمسك- يا محمد- بما يأمرك به الله في هذا | |
| القرآن الذي أوحاه إليك إنك على صراط مستقيم, وذلك هو دين الله الذي أمر به, وهو | |
| الإسلام. وفي هذا تثبيت للرسول صلى الله عليه وسلم, وثناء عليه. | |
" وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون " | |
لأن هذا القرآن لشرف لك ولقومك من قريش حيث أنزل بلغتهم, فهم أفهم | |
| الناس له, فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به, وأعملهم بمقتضاه, وسوف تسألون أنت ومن | |
| معك عن الشكر لله عليه والعمل به. | |
" واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة | |
| يعبدون " | |
واسأل- يا محمد- أتباع من أرسلنا من قبلك من | |
| رسلنا وحملة شرائعهم: أجاءت رسلهم بعبادة غير الله؟ فإنهم يخبرونك أن ذلك لم يقع; | |
| فإن جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة الله وحده, لا شريك له, | |
| ونهوا عن عبادة ما سوى الله. | |
" ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب | |
| العالمين " | |
ولقد أرسلنا موسى بحججنا إلى فرعون وأشراف قومه, كما أرسلناك - يا محمد | |
| - إلى هؤلاء المشركين من قومك, فقال لهم موسى: إني رسول رب العالمين, | |
" فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون " | |
فلما جاءهم بالبينات الواضحات الدالة على صدقه في دعوته, إذا فرعون | |
| وملؤه مما جاءهم به موسى من الآيات والعبر يضحكون. | |
| " وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ | |
| أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " | |
| وما نري فرعون وملأه من حجة إلا هي أعظم من التي قبلها, وأدل على صحة ما يدعوهم | |
| موسى عليه, وأخذناهم بصنوف العذاب كالجراد والقمل والضفادع والطوفان, وغير ذلك; | |
| لعلهم يرجعون عن كفرهم بالله إلى توحيده وطاعته. | |
" وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون | |
| " | |
وقال فرعون وملؤه لموسى: يا أيها العالم | |
| (وكان الساحر فيهم عظيما يوقرونه ولم يكن السحر صفة ذم) ادع لنا ربك بعهده الذي | |
| عهد إليك وما خصك به من الفضائل أن يكشف عنا العذاب, فإن كف عنا العذاب فإننا | |
| لمهتدون مؤمنون بما جئتنا به. | |
" فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون " | |
فلما دعا موسى برفع العذاب عنهم, ورفعناه عنهم إذا هم يغدرون, ويصرون | |
| على ضلالهم | |
" ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار | |
| تجري من تحتي أفلا تبصرون " | |
ونادى فرعون في عظماء قومه متبجحا مفتخرا بملك " | |
| مصر " : أليس لي ملك " مصر " وهذه الأنهار | |
| تجري من تحتي؟ أفلا تبصرون عظمتي وقوتي, وضعف موسى وفقره؟ | |
" أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين " | |
بل أنا خير من هذا الذي لا عز معه, فهو يمتهن نفسه في حاجاته لضعفه | |
| وحقارته, ولا يكاد يبين الكلام لعي لسانه, وقد حمل فرعون على هذا القول الكفر والعناد | |
| والصد عن سبيل الله. | |
" فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين | |
| " | |
فهلا ألقي على موسى- إن كان صادقا أنه رسول رب العالمين- أسورة من ذهب, | |
| أو جاء معه الملائكة قد اقترن بعضهم ببعض, فتتابعوا يشهدون له بأنه رسول الله | |
| إلينا. | |
" فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين " | |
فاستخف فرعون عقول قومه فدعاهم إلى الضلالة, | |
| فأطاعوه وكذبوا موسى, إنهم كانوا قوما خارجين عن طاعة الله وصراطه المستقيم. | |
" فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين " | |
فلما أغضبونا- بعصياننا, وتكذيب موسى وما | |
| جاء به من الآيات- انتقمنا منهم بعاجل العذاب الذي عجلناه لهم, فأغرقناهم أجمعين | |
| في البحر. | |
" فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين " | |
فجعلنا هؤلاء الذين أغرقناهم في البحر سلفا | |
| لمن يعمل مثل عملهم ممن يأتي بعدهم في استحقاق العذاب, وعبرة وعظة للآخرين. | |
" ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون " | |
ولما ضرب المشركون عى ابن مريم مثلا حين خاصموا محمدا صلى الله عليه | |
| وسلم, وحاجوه بعبادة النصارى إياه, إذا قومك من ذلك ولأجله يرتفع لهم جلبة وضجيج | |
| فرحا وسرورا, وذلك عندما نزل فيه تعالى (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم | |
| أنتم لها واردون), وقال المشركون: رضينا أن تكون آلهتنا بمنزلة عيسى, فأنزل الله | |
| قوله: (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون), فالذي يلقى في النار من | |
| آلهة المشركين من رضي بعبادتهم إياه | |
" وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون | |
| " | |
وقال مشركوا قومك- يا محمد-: آلهتنا التي نعبدها خير أم عيسى الذي يعبد | |
| قومه؟ فإذا كان عيسى في النار, فلنكن نحن وآلهتنا معه, ما ضربوا لك هذا المثل إلا | |
| جدلا, بل هم قوم مخاصمون بالباطل. | |
" إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل " | |
ما عيسى ابن مريم إلا عبد أنعمنا عليه بالنبوة, | |
| وجعلناه آية وعبرة لبني إسرائيل يستدل بها على قدرتا. | |
" ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون " | |
ولو نشاء لجعلنا بدلا منكم ملائكة يخلف بعضهم بعضا بدلا من بني أدم. | |
" وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم " | |
وإن نزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة لدليل على قرب, وقوع | |
| الساعة, فلا تشكوا أنها واقعة لا محالة, واتبعون فيما أخبركم به عن الله تعالى, | |
| هذا طريق قويم يلي الجنة, لا اعوجاج فيه. | |
" ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين " | |
ولا يصدنكم الشيطان بوساوسه عن طاعتي فيما | |
| آمركم به وأنهاكم عنه, إنه لكم عدو بين العداوة. | |
" ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض | |
| الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون " | |
ولما جاء عيس بني إسرائيل بالبينات الواضحات من الأدلة قال: قد جئنكم | |
| بالنبوة, ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه من أمور الدين, فاتقوا الله بامتنال | |
| أوامره واجتناب نواهيه, وأطيعون فيما أمرتكم به من تقوى الله وطاعته. | |
" إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم " | |
إن الله سبحانه وتعالى هو ربي وربكم جميعا | |
| فاعبدوه وحده, ولا تشركوا به شيئا, هذا الذي أمرتكم به من تقوى الله وإفراده | |
| بالألوهية هو الطريق المستقيم, وهو دين الله الحق الذي لا يقبل من أحد سواه. | |
" فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم | |
| " | |
فاختلفت الفرق في أمر عيسى عليه السلام, وصاروا فيه شيعا ; منهم من يقر | |
| بأنه عبد الله ورسوله, وهو الحق, ومنهم من يزعم أنه ابن الله, ومنهم من يقول, إنه | |
| الله, تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا, فهلاك ودمار, وعذاب أليم يوم القيامة لمن | |
| وصفوا عيسى بغير ما وصفه الله به. | |
" هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون " | |
هل ينتظر هؤلاء الأحزاب المختلفون في عيسى | |
| ابن مريم إلا الساعة أن تأتيهم فجأة, وهم لا يشعرون ولا يفطنون؟ | |
" الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين " | |
الأصدفاء على معاصي الله في الدنيا يتبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة, | |
| لكن الذين تصادقوا على تقى الله, فإن صداقتهم دائمة في الدنيا والآخرة. | |
" يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون " | |
يقال لهؤلاء المتقين: يا عبادي لا خوف عليكم | |
| اليوم من عقابي, ولا أنتم تحزنون على ما فاتكم من حظوظ الدنيا. | |
" الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين " | |
الذين أمنوا بآياتنا وعملوا بما جاءتهم به رسلهم, وكانوا منقادين لله | |
| رب العالمين بقلوبهم وجوارحهم | |
" ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون " | |
يقال لهم: ادخلوا الجنة أنتم وقرنائكم المؤمنون تنعمون وتسرون. | |
" يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ | |
| الأعين وأنتم فيها خالدون " | |
يطاف على هؤلاء الذين آمنوا بالله ورسله في الجنة بالطعام في أوان من | |
| ذهب, وبالشراب في أكواب من ذهب, وفيها لهم ما تشتهي أنفسهم وتلذه أعينهم, وهم | |
| ماكثون فيها أبدا. | |
" وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون " | |
وهذه الجنة التي أورثكم الله إياها. | |
| بسبب ما كنتم تعملون في الدنيا من الخيرات والأعمال الصالحات, وجعلها من فضله | |
| ورحمته جزاء لكم. | |
" لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون " | |
لكم في الجنة فاكهة كثيرة من كل نوع منها تأكلون. | |
" إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون " | |
إن الذين اكتسبوا الذنوب بكفرهم, في عذاب جهنم ماكثون | |
" لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون " | |
لا يخفف عنهم, وهم فيه آيسون من رحمة الله, | |
" وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين " | |
وما ظلمنا هؤلاء المجرمين بالعزاب, ولكن كانوا هم الظالمين أنفسهم | |
| بشركهم وجحودهم توحيد ربهم. | |
" ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون " | |
ونادى هؤلاء المجرمون بعد أن أدخلهم الله جهنم " | |
| مالكا " خازن جهنم: يا مالك ليمتنا ربك, فنستريح مما نحن فيه, فأجابهم | |
| مالك; إنكم ماكثون, لا خروج لكم منها, ولا محيد لكم عنها, | |
" لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون " | |
لقد جئناكم بالحق ووضحناه لكم, ولكن أكثركم لما جاء به الرسل من الحق | |
| كارهون. | |
" أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون " | |
بل أأحكم هؤلاء المشركون أمرا يكيدون به | |
| الحق الذي جئناهم به؟ فإنا مدبرون لهم ما يجزيهم من العذاب والنكال. | |
" أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون | |
| " | |
أم يظن هؤلاء المشركون بالله أنا لا نسمع ما | |
| يسرونه في أنفسهم, ويتناجون به بينهم؟ بلى نسمع ونعلم, ورسلنا الملائكة الكرام | |
| الحفظة يكتبون عليهم كل ما عملوا. | |
" قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين " | |
قل- يا محمد- لمشركي قومك الزاعمين أن الملائكة بنات الله: ما كان | |
| للرحمن من ولد كما تزعمون, فأنا أول العابدين له سبحانه, المنكرين لما تزعمونه, | |
| فتقدس الله عن الصاحبة والولد. | |
" سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون " | |
تنزيها وتقديسا لرب السموات والأرض رب العرش العظيم عما يصفون من الكذب | |
| والافتراء من نسبة المشركين الولد إلى الله, وغير ذلك مما يزعمون من الباطل. | |
" فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون " | |
فاترك- يا محمد- هؤلاء المفترين على الله يخوضوا في باطلهم, ويلعبوا في | |
| دنياهم, حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يوعدون بالعذاب: إما في الدنيا وإما في الآخرة | |
| وإما فيهما معا. | |
" وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم " | |
وهو الله وحده المعبود بحق في السماء وفي الأرض, وهو الحكيم الذي أحكم | |
| خلقه, وأتقن شرعه, العليم بكل شيء من أحوال خلقه, لا يخفى عليه شيء منها. | |
" وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم | |
| الساعة وإليه ترجعون " | |
وتكاثرت بركة للله, وكثر خيره, وعظم ملكه, الذي له وحده سلطان السموات | |
| السبع والأرضين السبع وما بينهما من الأشياء كلها, وعنده علم الساعة التي تقم فيها | |
| القيامة, ويحشر فيها الخلق من قبورهم لموقف الحساب, وإليه تردون - أيها الناس- بعد | |
| مماتكم, فيجازى كلا بما يستحق. | |
" ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم | |
| يعلمون " | |
ولا يملك الذين يعبدهم المشركون الشفاعة | |
| عنده لأحد إلا من شهد بالحق, وأقر بتوحيد الله وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم, | |
| وهم يعلمون حقيقة ما أقروا وشهدوا به. | |
" ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون " | |
ولئن سألت- يا محمد- هؤلاء المشركين من قومك من خلقهم؟ ليقولن: الله | |
| خلقنا, فكيف ينقلبون وينصرفون عن عبادة الله, ويشركون به غيره؟ | |
" وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون " | |
وقال محمد صلى الله عليه وسلم شاكيا إلى ربه | |
| قومه الذين كذبوه: يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون بك وبما أرسلتني به إليهم. | |
" فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون " | |
فاصفح- يا محمد- عنهم, وأعرض عن أذاهم, ولا يبدر منك إلا السلام لهم | |
| الذي يقوله أولو الألباب والبصائر للجاهلين, فهم لا يسافهونهم ولا يعاملونهم بمثل | |
| أعمالهم السيئة, فسوف يعلمون ما يلقونه من البلاء والنكال وفي هذا تهديد ووعيد | |
| شديد لهؤلاء الكافرين المعاندين وأمثالهم. | |
| |
أكثر المصاحف تفاعلاً