سورة محمد - تفسير السعدي | |
| | |
" الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم " | |
الذين | |
| جحدوا توحيد الله, وصدوا الناس عن دينه, أذهب الله أعمالهم, وأبطلها, وأشقاهم | |
| بسببها. | |
" والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق | |
| من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم " | |
والذين صدقوا الله واتبعوا شرعه وصدقوا | |
| بالكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم, وهو الحق الذي لا شك فيه من ربهم, | |
| ستر عليهم ما عملوا من السيئات, فلم يعاقبهم عليها, وأصلح شأنهم في الدينا | |
| والآخرة. | |
" ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق | |
| من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم " | |
ذلك الإضلال والهدى سببه أن الذين كفروا اتبعوا الشيطان فأطاعوه, وأن | |
| وأن الذين آمنوا واتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الخير والهدى, | |
| كما بين الله تعالى فعله بالفريقين أهل الكفر وأهل الإيمان بما يستحقان يضرب | |
| سبحانه للناس أمثالهم, فيلحق بكل قوم من الأمثال والأشكال ما يناسبه. | |
" فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا | |
| الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر | |
| منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم " | |
فإذا لقيتم- أيها المؤمنون- الذين كفروا في ساحات الحرب فاصدقوهم | |
| القتال, واضربوا منهم الأعناق, حتى إذا أضعفتموهم بكثرة القتل, وكسرتم شوكتهم, | |
| فأحكموا قيد الأسرى: فإما أن تمنوا عليهم بفك أسرهم بغير عوض, وإما أن يفادوا | |
| أنفسهم بالمال أو غيره, وإما أن يسترقوا أو يقتلوا, واستمروا على ذلك حتى تنتهي | |
| الحرب. | |
| ذلك الحكم المذكور في ابتلاء المؤمنين بالكافرين ومداوله الأيام بينهم, ولو يشاء | |
| الله لانتصر للمؤمنين من الكافرين بغير قتال, ولكن جعل عقوبتهم على أيديكم, فشرع | |
| الجهاد, ليختبركم بهم, ولينصر بكم دينه والذين قتلوا في سبيل الله من المؤمنين فلن | |
| يبطل الله ثواب أعمالهم, | |
" سيهديهم ويصلح بالهم " | |
سيوفقهم إلى طاعته ومرضاته, ويصلح شأنهم في الدنيا والآخرة, | |
" ويدخلهم الجنة عرفها لهم " | |
ويدخلهم الجنة, بينها وعرفها لهم. | |
" يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم | |
| " | |
يا أيها اللذين صدقوا الله واتبعوا رسوله, إن تنصروا دين الله بالجهاد | |
| في سبيله, والحكم بكتابه, وامتثال أوامره, واجتناب نواهيه, ينصركم الله على | |
| أعدائكم, ويثبت أقدامكم عند القتال. | |
" والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم " | |
والذين كفروا فهلاكا لهم, وأذهب الله ثواب أعمالهم. | |
" ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم " | |
ذلك بسبب أنهم كرهوا كتاب الله المنزل على | |
| نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, فكذبوا به, فأبطل أعمالهم; لأنها كانت في طاعة | |
| الشيطان. | |
" أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر | |
| الله عليهم وللكافرين أمثالها " | |
أفلم يسر هؤلاء الكفار في أرض الله معتبرين بما حل بالأمم المكذبة | |
| قبلهم من العقاب؟ دمر الله عليهم ديارهم, وللكافرين أمثال تلك العاقبة التي حلت | |
| بتلك الأمم. | |
" ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم " | |
ذلك الذي فعلاه بالفريقين فريق الإيمان | |
| وفريق الكفر; بسبب أن الله ولي المؤمنين ونصيرهم, وأن الكافرين لا ولي لهم ولا | |
| نصير. | |
" إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها | |
| الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم " | |
إن الله يدخل الذين آمنوا بالله ورسوله | |
| وعملوا الصالحات جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار تكرمة لهم, ومثل الذين كفروا في | |
| أكلهم وتمتعهم بالدنيا, كمثل الأنعام من البهائم التي لا هم لها إلا في الاعتلاف دون | |
| غيره, ونار جهنم مسكن لهم ومأوى. | |
" وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا | |
| ناصر لهم " | |
وكثير من أهل قرى كانوا أشد بأسا من أهل | |
| قريتك- يا محمد, وهي " مكة " التي أخرجتك, | |
| دمرناهم بأنها من العذاب, فلم يكن لهم نصير ينصرهم من عذاب الله. | |
" أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم | |
| " | |
أفمن كان على برهان واضح من ربه والعلم بوحدانيته, كمن حسن له الشيطان | |
| قبيح عمله, واتبع ما دعته إليه نفسه من معصية الله وعبادة غيره من غير حجة ولا | |
| برهان؟ لا يستوون. | |
" مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار | |
| من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من | |
| كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم | |
| " | |
صفة الجنة التي وعدها الله المتقين فيها | |
| أنهار عظيمة من ماء غير متغير, وأنهار من لبن لم يتغير طعمه, وأنهار من خمر يتلذذ | |
| به الشاربون, وأنهار من عسل قد صفي من القذى, ولهؤلاء المتقين في هذه الجنة جميع | |
| الثمرات من مختلف الفواكه وغيرها, وأعظم من ذلك التجاوز عن ذنوبهم, هل من هو في | |
| هذه الجنة كمن هو ماكث في النار لا يخرج منها, وسقوا ماء كل تناهى في شدة حره فقطع | |
| أمعاءهم؟ | |
" ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا | |
| العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم " | |
ومن هؤلاء المنافقين من يستمع إليك- يا | |
| محمد- بغير فهم؟ تهاونا منهم واستخفافا, حتى إذا انصرفوا من مجلسك قالوا لمن حضروا | |
| مجلسك من أهل العلم بكتب الله على سبيل الاستهزاء: ماذا قال محمد الأن؟ أولئك | |
| الذين ختم الله على قلوبهم, فلا تفقه الحق ولا تهتدي إليه, واتبعوا أهواءهم في | |
| الكفر والضلال. | |
" والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم " | |
والذين اهتدوا لاتباع الحق زادهم الله هدى, فقوي بذلك هداهم, ووفقهم | |
| للتقوى, ويسرها لهم | |
" فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم | |
| إذا جاءتهم ذكراهم " | |
ما ينتظر هؤلاء المكذبون إلا الساعة التي وعدوا بها أن تجيئهم فجأة, | |
| فقد ظهرت علاماتها ولم ينتفعوا بذلك, فمن أين لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة؟ | |
" فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات | |
| والله يعلم متقلبكم ومثواكم " | |
فاعلم -يا محمد- أنه لا معبود بحق إلا الله, واستغفر لذنبك, واستغفر | |
| للمؤمنين والمؤمنات والله يعلم تصرفكم في يقظتكم نهارا, ومستقركم في نومكم ليلا. | |
" ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر | |
| فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى | |
| لهم " | |
ويقول الذين أمنوا بالله ورسوله: هلا نزلت سورة من الله تأمرنا بجهاد | |
| الكفار, فينا أنزلت سورة محكمة بالبيان والفرائض وذكر فيها الجهاد, رأيت الذين في | |
| قلوبهم شك في دين الله ونفاق ينظرون إليك- يا محمد- نظر الذي قد غشى عليه خوف | |
| الموت, فأولى لهؤلاء الذين في قلوبهم مرض | |
" طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم | |
| " | |
أن يطيعوا الله, وأن يقولوا قولا موافقا للشرع فإذا وجب القتال وجاء | |
| أمر الله بفرضه كره هؤلاء المنافقون ذلك, فلو صدقوا الله في الإيمان والعمل لكان | |
| خيرا لهم من المعصية والمخالفة. | |
" فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " | |
فلعلكم إن أعرضتم عن كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن | |
| تعصوا الله في الأرض, فتكفروا به وتسفكوا الدماء وتقطعوا أرحامكم. | |
" أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم " | |
أولئك الذين أبعدهم الله من رحمته, فجعلهم | |
| لا يسمعون ما ينفعهم ولا يبصرونه, فلم يتبينوا حجج الله مع كثرتها. | |
" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " | |
أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ القرآن ويتفكرون في حججه؟ بل هذه | |
| القلوب مغلقة لا يصل إليها شيء من هذا القرآن, فلا تتدبر مواعظ الله وعبره. | |
" إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان | |
| سول لهم وأملى لهم " | |
إن الذين ارتدوا عن الهدى والإيمان, ورجعوا على أعقابهم كفارا بالله من | |
| بعد ما وضح لهم الحق, الشيطان زين لهم خطاياهم, ومد لهم في الأمل. | |
" ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر | |
| والله يعلم إسرارهم " | |
ذلك الإمداد لهم حتى يتمادوا في الكفر ; بسبب أنهم قالوا لليهود الذين | |
| كرهوا ما نزل الله: سنطيعكم في بعض الأمر الذي هو خلاف لأمر الله وأمر رسوله, | |
| والله تعالى يعلم ما يخفيه هؤلاء ويسرونه, فليحذر المسلم من طاعة غير الله فيما | |
| يخالف أمر الله سبحانه, وأمر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. | |
" فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم " | |
فكيف حالهم إذا قبضت الملائكة أرواحهم وهم | |
| يضربون وجوههم وأدبارهم؟ | |
" ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم | |
| " | |
ذلك العذاب الذي استحقوه ونالوه بسبب أنهم | |
| اتبعوا ما أسخط الله عليهم من طاعة الشيطان, وكرهوا ما يرضيه عنهم من العمل | |
| الصالح, ومنه قتال الكفار بعدما افترضه عليهم, فأبطل الله ثواب أعمالهم من صدقة | |
| وصلة رحم وغير ذلك. | |
" أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم " | |
بل أظن المنافقون أن الله لن يخرج ما في | |
| قلوبهم من الحسد والحقد للإسلام وأهله؟ بلى فإن الله يميز الصادق من الكاذب. | |
" ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول | |
| والله يعلم أعمالكم " | |
ولو شاء- يا محمد- لأريناك أشخاصهم, | |
| فلعرفتهم بعلامات ظاهرة فيهم, ولتعرفنهم فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم. | |
| والله تعالى لا تخفى عليه أعمال من أطاعه ومن عصاه, وسيجازي كلا بما يستحق. | |
" ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم | |
| " | |
ولنختبرنكم- أيها المؤمنون- بالقتال والجهاد لأعداء الله حتى يظهر أهل | |
| الجهاد منكم والصبر على قتال أعداء الله, ونختبر أقوالكم وأفعالكم, فيظهر الصادق | |
| منكم من الكاذب. | |
" إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما | |
| تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم " | |
إن الذين جحدوا توحيد الله, وصدوا الناس عن | |
| دينه, وخالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فحاربوه من بعد ما جاءتهم الحجج | |
| والآيات أنه نبي من عند الله, لن يضروا دين الله شيئا, وسيبطل ثواب أعمالهم التي | |
| عملوها في الدنيا ولأنهم لم يريدوا بها وجه الله تعالى. | |
" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا | |
| أعمالكم " | |
يا أيها الذين صدقوا الله واتبعوا رسوله | |
| أطيعوا الله وأطيعوا الرسول في أمرهما ونهيهما, ولا تبطلوا ثواب أعمالكم بالكفر | |
| والمعاصي. | |
" إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر | |
| الله لهم " | |
إن الذين أنكروا توحيد الله وصدوا الناس عن دينه, ثم ماتوا على ذلك, | |
| فلن يغفر الله لهم, وسيعذبهم عقابا لهم على كفرهم, ويفضحهم على رؤوس الأشهاد. | |
" فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم | |
| أعمالكم " | |
فلا تضعفوا أيها المؤمنون بالله ورسوله- عن | |
| جهاد المشركين, وتجنبوا عن قتالهم, وتدعوهم إلى الصلح والمسالمة, وأنتم القاهرون | |
| لهم والعالون عليهم, والله تعالى معكم بنصره وتأييده. | |
| وفي ذلك بشارة عظيمة بالنصر والظفر على الأعداء ولن ينقصكم الله ثواب أعمالكم. | |
" إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم | |
| ولا يسألكم أموالكم " | |
إنما الحياة الدنيا لعب وغرور وإن تؤمنوا | |
| بالله ورسوله, وتتقوا الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه, يؤتكم ثواب أعمالكم, ولا | |
| يسألكم إخراج أموالكم جميعها في الزكاة, بل يسألكم إخراج بعضها | |
" إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم " | |
إن يسألكم أموالكم, فيلح عليكم ويجهدكم, | |
| تبخلوا بها وتمنعوه إياها, ويظهر ما في قلوبكم من الحقد إذا طلب منكم ما تكرهون | |
| بذله. | |
" ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن | |
| يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم | |
| ثم لا يكونوا أمثالكم " | |
ها أنتم أيها المؤمنون- تدعون إلى النفقة في | |
| جهاد أعداء الله ونصرة دينه, فمنكم من يبخل بالنفقة في سبيل الله, ومن يبخل فإنما | |
| يبخل عن نفسه, والله تعالى هو الغني عنكم وأنتم الفقراء إليه, وإن تتولوا عن | |
| الإيمان بالله وامتثال أمره يهلكم, ويأت بقوم آخرين, ثم لا يكونوا أمثالكم في | |
| التولي عن أمر الله, بل يطيعونه ويطيعون رسوله, ويجاهدون في سبيله بأموالهم | |
| وأنفسهم. | |
| |
أكثر المصاحف تفاعلاً