سورة الإنسان - تفسير السعدي | |
| | |
" هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا " | |
قد | |
| مضى على الإنسان وقت طويل من الزمان قبل أن تنفخ فيه الروح, لم يكن شيئا يذكر, ولا | |
| يعرف له أثر. | |
" إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا | |
| " | |
إنا خلقنا الإنسان من نطفة مختلطة من ماء | |
| الرجل وماء المرأة, نختبره بالتكاليف الشرعية فيما بعد, فجعناه من أجل ذلك ذا سمع | |
| وذا بصيرة ليسمع الآيات, ويرى الدلائل, | |
" إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " | |
إنا بينا له, وعرفناه طريق الهدى والضلال والخير والشر; ليكون إما | |
| مؤمنا شاكرا, وإما كفورا جاحدا. | |
" إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا " | |
إنا أعدنا للكافرين قيودا من حديد تشد بها أرجلهم, وأغلالا تغل بها | |
| أيديهم إلى أعناقهم, ونارا يحرقون بها. | |
" إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا " | |
إن أهل الطاعة والإخلاص الذين يؤدون حق الله, يشربون يوم القيامة من | |
| كأس فيها خمر ممزوجة بأحسن أنواع الطيب, وهو ماء الكافور. | |
" عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا " | |
هذا الشراب الذي مزج من الكافور هو عين يشرب | |
| منها عباد الله, يتصرفون فيها, ويجرونها حيث شاؤوا إجراء سهلا. | |
" يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا " | |
يوفون بما أوجبوا على أنفسهم من طاعة الله, ويخافون عقاب الله في يوم | |
| القيامة الذي يكون ضرره خطيرا, وشره فاشيا منتشرا على الناس, إلا من رحم الله, | |
" ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " | |
ويطعمون الطعام مع حبهم له وحاجتهم إليه, | |
| فقيرا عاجزا عن الكسب لا يملك من حطام الدنيا شيئا, وطفلا مات أبوه ولا مال له, | |
| وأسيرا أسر في الحرب من المشركين وغيرهم, | |
" إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا " | |
ويقولون في أنفسهم: إنما نحسن إليكم ابتغاء | |
| مرضاة الله, وطلب ثوابه, لا نبتغي عوضا ولا نقصد حمدا ولا ثناء منكم. | |
" إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا " | |
إنا نخاف من ربنا يوما شديدا تعبس فيه الوجوه, وتتقطب الجبال من فظاعة | |
| أمره وشدة هوله. | |
" فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا " | |
فوقاهم الله من شدائد ذلك اليوم, وأعطاهم حسنا ونورا في وجوههم, وبهجة | |
| وفرحا في قلوبهم, | |
" وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا " | |
وأثابهم بصبرهم في الدنيا على الطاعة جنة | |
| عظيمة يأكلون منها ما شاؤوا, ويلبسون فيها الحرير الناعم, | |
" متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا " | |
متكئين فيها على الأسرة المزينة بفاخر | |
| الثياب والستور, لا يرون فيها حر شمس ولا شدة برد, | |
" ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا " | |
وقريبة منهم أشجار الجنة مظللة عليهم, وسهل لهم آخذ ثمارها تسهيلا. | |
" ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير " | |
ويدور عليهم الخدم بأواني الطعام الفضية, | |
| وأكواب الشراب من الزجاج, | |
" قوارير من فضة قدروها تقديرا " | |
زجاج من فضة, قدرها السقاة على مقدار ما يشتهي الشاربون لا تزيد ولا | |
| تنقص, | |
" ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا " | |
ويسقى هؤلاء الأبرار في الجنة كأسا مملوءة خمرا مزجت بالزنجبيل, | |
" عينا فيها تسمى سلسبيلا " | |
يشربون من عين في الجنة تسمى سلسبيلا لسلامة شرابها وسهولة مساغه وطيبه | |
" ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا | |
| " | |
ويدور على هؤلاء الأبرار لخدمتهم غلمان دائمون على حالهم, إذا أبصرتهم | |
| ظننتهم- لحسنهم وصفاء ألوانهم إشراق وجوههم- اللؤلؤ المفرق المضيء. | |
" وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا " | |
وإذا أبصرت أي مكان في الجنة رأيت فيه نعيما لا يدركه الوصف؟ وملكا | |
| عظيما واسعا لا غاية له. | |
" عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم | |
| شرابا طهورا " | |
يعلوهم ويجمل أبدانهم ثياب بطائنها من | |
| الحرير الرقيق الأخضر, وظاهرها من الحرير الغليظ, ويحلون من الحلي بأساور من | |
| الفضة, وسقاهم ربهم فوق ذلك النعيم شرابا لا رجس فيه ولا دنس. | |
" إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا " | |
ويقال لهم, إن هذا أعد لكم مقابل أعمالكم الصالحة, وكان عملكم في | |
| الدنيا عند الله مرضيا مقبولا. | |
" إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا " | |
إنا نحن نزلنا عليك- يا محمد- القرآن تنزيلا من عندنا لتذكرهم بما فيه | |
| من الوعيد والوعيد والثواب والعقاب. | |
" فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا " | |
فاصبر لحكم ربك القدري واقبله, ولحكمه الديني فامض عليه, ولا تطع من | |
| المشركين من كان منغمسا في الشهوات أو مبالغا في الكفر والضلال, | |
" واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا " | |
ودوام على ذكر اسم ربك ودعائه في أول النهار | |
| وآخره. | |
" ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا " | |
ومن الليل فاخضع لربك, وصل له, وتهجد له زمنا طويلا من الليل. | |
" إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا " | |
إن هؤلاء المشركين يحبون الدنيا, وينشغلون | |
| بها, ويتركون خلف ظهورهم العمل للآخرة, ولما فيه نجاتهم في يوم عظيم الشدائد. | |
" نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا | |
| " | |
نحن خلقناهم, وأحكمنا خلقهم, وإذا شئنا أهلكناهم, وجئنا بأطوع لله | |
| منهم. | |
" إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا " | |
إن هذه السورة عظة للعالمين, فمن أراد الخير لنفسه في الدنيا والآخرة | |
| اتخذ بالإيمان والتقوى طريقا يوصله إلى مغفرة الله ورضوانه. | |
" وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما " | |
وما تريدون أمرا من الأمور إلا بتقدير الله ومشيئته إن الله كان عليما | |
| باحوال خلقه, حكيما في تدبيره وصنعه | |
" يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما " | |
ويدخل من يشاء من عباده في رحمته ورضوانه, وهم الموفون, وأعد للظالمين | |
| المتجاوزين حدود الله عذابا موجعا. | |
| |
أكثر المصاحف تفاعلاً