تفسير سورة العنكبوت

رجوع
 
<div class="wrapper" style="padding:10px;">
 <h1 class="title">سورة العنكبوت - تفسير السعدي</h1>
 
  
 <div class=Section1 dir=RTL>
  
 <p><h1>&quot; أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون &quot; </h1></p>
  
 <p>يخبر تعالى, عن
 تمام حكمته, وأن حكمته, لا تقتضي أن كل من قال &quot; إنه مؤمن &quot; وادعى لنفسه
 الإيمان, أن يبقوا في حالة, يسلمون فيها من الفتن والمحن, ولا يعرض لهم, ما يشوش
 عليهم إيمانهم وفروعه. <br>
 فإنهم لو كان الأمر كذلك, لم يتميز الصادق من الكاذب, والحق من المبطل, ولكن سنته
 تعالى وعادته في الأولين, وفي هذه الأمه, أن يبتليهم بالسراء والضراء, والعسر
 واليسر, والمنشط والمكره, والغنى والفقر, وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان,
 ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل, ونحو ذلك من الفتن, التي ترجع كلها, إلى فتنة
 الشبهات المعارضة للعقيدة, والشهوات المعارضة للإرادة. <br>
 فمن كان عند ورود الشبهات, يثبت إيمانه ولا يتزلزل, ويدفعها بما معه من الحق. <br>
 وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب, أو الصارفة عن ما أمر
 اللّه به ورسوله, يعمل بمقتضى الإيمان, ويجاهد شهوته, دل ذلك على صدق إيمانه
 وصحته. <br>
 ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه, شكا وريبا, وعند اعتراض الشهوات, تصرفه
 إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات, دل ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه. <br>
 والناس في هذا المقام: درجات, لا يحصيها إلا اللّه, فمستقل ومستكثر. <br>
 فنسأل اللّه تعالى, أن يثبتنا بالقول الثابت, في الحياة الدنيا وفي الآخرة, وأن
 يثبت قلوبنا على دينه. <br>
 فالابتلاء والامتحان للنفوس, بمنزلة الكير, يخرج خبثها, وطيبها. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون &quot; </h1>
  
 <p>أي: أحسب الذين همهم, فعل السيئات, وارتكاب الجنايات, أن أعمالهم
 ستهمل, وأن اللّه سيغفل عنهم, أو يفوتونه, فلذلك أقدموا عليها, وسهل عليهم عملها؟.
 <br>
 &quot; سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ &quot; أي: ساء حكمهم, فإنه
 حكم جائر, لتضمنه إنكار قدرة اللّه وحكمته, وأن لديهم قدرة, يمتنعون بها من عقاب
 اللّه, وهم أضعف شيء وأعجزه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم
 &quot; </h1>
  
 <p>يعني: يا أيها الحب لربه المشتاق لقربه ولقائه, المسارع في مرضاته,
 أبشر بقرب لقاء الحبيب, فإنه آت, وكل ما هو آت, قريب. <br>
 فتزود للقائه, وسر نحوه, مستصحبا الرجاء, مؤملا الوصول إليه. <br>
 ولكن, ما كل من يَدَّعِي يُعْطَى بدعواه, ولا كل من تمنى, يعطى ما تمناه, فإن
 اللّه سميع للأصوات, عليم بالنيات. <br>
 فمن كان صادقا في ذلك, أناله ما يرجو, ومن كان كاذبا, لم تنفعه دعواه. <br>
 وهو العليم بمن يصلح لحبه, ومن لا يصلح. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَمَنْ جَاهَدَ &quot; نفسه وشيطانه, وعدوه
 الكافر, &quot; فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ &quot; لأن
 نفعه, راجع إليه, وثمرته, عائدة إليه. <br>
 و &quot; إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ &quot; لم
 يأمرهم به, لينتفع به, ولا نهاهم عما نهاهم عنه, بُخْلًا منه عليهم. <br>
 وقد علم أن الأوامر والنواهي, يحتاج المكلف فيها, إلى جهاد, لأن نفسه, تتثاقل
 بطبعها, عن الخير, وشيطانه ينهاه عنه, وعدوه الكافر يمنعه من إقامة دينه, كما
 ينبغي. <br>
 وكل هذه, معارضات, تحتاج إلى مجاهدات وسعي شديد. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم
 أحسن الذي كانوا يعملون &quot; </h1>
  
 <p>يعني أن الذين منَّ اللّه عليهم بالإيمان والعمل الصالح, سيكفر اللّه
 عنهم سيئاتهم, لأن الحسنات يذهبن السيئات. <br>
 &quot; وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ
 &quot; وهي أعمال الخير, من واجبات, ومستحبات, فهي أحسن ما يعمل العبد,
 لأنه يعمل المباحات أيضا, وغيرها. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به
 علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون &quot; </h1>
  
 <p>أي: وأمرنا الإنسان, ووصيناه بوالديه حسنا, أي: ببرهما, الإحسان
 إليهما, بالقول والعمل, وأن يحافظ على ذلك, ولا يعقهما, ويسيء إليها, في قوله
 وعمله. <br>
 &quot; وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
 عِلْمٌ &quot; , وليس لأحد علم بصحة الشرك باللّه, وهذا تعظيم لأمر الشرك. <br>
 &quot; فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ
 بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ &quot; فأجازيكم بأعمالكم. <br>
 فبروا والديكم وقدموا طاعتهما, إلا على طاعة اللّه ورسوله, فإنها مقدمة على كل
 شيء. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين &quot; </h1>
  
 <p>أي: من آمن باللّه, وعمل صالحا, فإن اللّه
 وعده, أن يدخله الجنة في جملة عباد اللّه الصالحين, مى النبيين, والصديقين,
 والشهداء, والصالحين, كل على حسب درجته, ومرتبته عند اللّه. <br>
 فالإيمان الصحيح, والعمل الصالح, عنوان على سعادة صاحبه, وأنه من أهل الرحمن, ومن
 الصالحين من عباد اللّه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس
 كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور
 العالمين &quot; </h1>
  
 <p>لما ذكر تعالى, أنه لا بد أن يمتحن من
 ادَّعى الإيمان, ليظهر الصادق من الكاذب, بيَّن تعالى, أن من الناس فريقا, لا صبر
 لهم على المحن, ولا ثبات لهم على بعض الزلازل فقال: &quot; وَمِنَ
 النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ &quot; بضرب,
 أو أخذ مال, أو تعيير, ليرتد عن دينه, وليراجع الباطل. <br>
 &quot; جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ &quot; أي:
 يجعلها صادَّة له عن الإيمان, والثبات عليه, كما أن العذاب صادٌّ عما هو سببه. <br>
 &quot; وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا
 كُنَّا مَعَكُمْ &quot; , لأنه موافق للهوى, فهذا الصنف من الناس من الذين
 قال اللّه فيهم,: &quot; وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ
 عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ
 فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ
 الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ &quot; . <br>
 &quot; أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ
 الْعَالَمِينَ &quot; حيث أخبركم بهذا الفريق, الذي حاله كما وصف لكم,
 فتعرفون بذلك, كمال علمه, وسعة حكمته. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
 الْمُنَافِقِينَ &quot; أي: فلذلك قَدَّرَ مِحَنًا
 وابتلاء, ليظهر علمه فيهم, فيجازيهم بما ظهر منهم, لا بما يعلمه بمجرده, لأنهم قد
 يحتجون على اللّه, أنهم لو اْبتُلُوا, لَثَبتُوا. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما
 هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون &quot; </h1>
  
 <p>يخبر تعالى عن افتراء الكفار ودعوتهم للمؤمنين إلى دينهم, وفي ضمن ذلك,
 تحذير المؤمنين, من الاغترار بهم, والوقوع في مكرهم فقال: &quot;
 وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا &quot; فاتركوا
 دينكم أو بعضه, واتبعونا في ديننا, فإننا نضمن لكم الأمر &quot;
 وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ &quot; . <br>
 وهذا الأمر ليس بأيديهم, فلهذا قال: &quot; وَمَا هُمْ
 بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ &quot; لا قليل ولا كثير. <br>
 فهذا التحمل, ولو رضي به صاحبه, فإنه لا يفيد شيئا, فإن الحق للّه واللّه تعالى,
 لم يمكن العبد من التصرف في حقه, إلا بأمره وحكمه, وحكمه &quot;
 أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى &quot; . <br>
 ولما كان قوله &quot; وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ
 مِنْ شَيْءٍ &quot; قد يتوهم منه أيضا, أن الكفار الداعين إلى كفرهم -
 ونحوهم ممن دعا إلى باطله - ليس عليهم إلا ذنبهم, الذي ارتكبوه, دون الذنب الذي
 فعله غيرهم, ولو كانوا متسببين فيه, قال محترزا عن هذا الوهم: &quot;
 وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ &quot; </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما
 كانوا يفترون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ &quot; أي: أثقال ذنوبهم التي عملوها &quot; وَأَثْقَالًا مَعَ
 أَثْقَالِهِمْ &quot; وهي الذنوب التي حصلت بسببهم, ومن جرائهم. <br>
 فالذنب الذي فعله التابع, لكل من التابع والمتبوع, حصة منه حصلت هذا لأنه فعله
 وباشره. <br>
 والمتبوع, لأنه تسبب في فعله ودعا إليه. <br>
 كما أن الحسنة إذا فعلها التابع, له أجرها بالمباشرة وللداعي, أجره بالتسبب. <br>
 &quot; وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا
 يَفْتَرُونَ &quot; من الشر وتزيينه, وقولهم &quot;
 وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما
 فأخذهم الطوفان وهم ظالمون &quot; </h1>
  
 <p>يخبر تعالى, عن حكمه وحكمته, في عقوبات
 الأمم المكذبة, وأن اللّه أرسل عبده ورسوله, نوحا عليه السلام, إلى قومه, يدعوهم
 إلى التوحيد, وإفراد اللّه بالعبادة, والنهي عن الأنداد, والأصنام. <br>
 &quot; فَلَبِثَ فِيهِمْ &quot; نبيا داعيا &quot;
 أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا &quot; , وهو لا يَنِي بدعوتهم, ولا
 يفتر في نصحهم, يدعوهم ليلا ونهارا وسرا وجهارا, فلم يرشدوا, ولا اهتدوا. <br>
 بلى استمروا على كفرهم وطغيانهم, حتى دعا عليهم نبيهم نوح, عليه الصلاة والسلام مع
 شدة صبره, وحلمه, واحتماله فقال: &quot; رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى
 الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا &quot; . <br>
 &quot; فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ &quot; أي: الماء الذي نزل
 من السماء بكثرة, ونبع من الأرض بشدة &quot; وَهُمْ ظَالِمُونَ
 &quot; مستحقون العذاب. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين &quot; </h1>
  
 <p>&quot; فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ &quot; الذين ركبوا معه, أهله ومن آمن به. <br>
 &quot; وَجَعَلْنَاهَا &quot; أي: السفينة, أو قصة نوح &quot; آيَةً لِلْعَالَمِينَ &quot; يعتبرون بها, على أن من كذب
 الرسل, آخر أمره, الهلاك, وأن المؤمنين, سيجعل اللّه لهم, من كل هم فرجا, ومن كل
 ضيق, مخرجا. <br>
 وجعل اللّه أيضا السفينة, أي: جنسها آية للعالمين, يعتبرون بها رحمة ربهم, الذي
 قيض لهم أسبابها, ويسر لهم أمرها, وجعلها تحملهم, وتحمل متاعهم, من محل إلى محل,
 ومن قطر إلى قطر. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم
 تعلمون &quot; </h1>
  
 <p>يذكر تعالى, أنه أرسل خليله, إبراهيم عليه السلام إلى قومه, يدعوهم إلى
 الله. <br>
 فقال لهم: &quot; اعْبُدُوا اللَّهَ &quot; أي: وحِّدوه,
 وأخلصوا له العبادة, وامتثلوا ما أمركم به. <br>
 &quot; وَاتَّقُوهُ &quot; أن يغضب عليكم, فيعذبكم, وذلك
 بترك ما يغضبه من المعاصي. <br>
 &quot; ذَلِكُمْ &quot; أي: عبادة الله وتقواه &quot; خَيْرٌ لَكُمْ &quot; من ترك ذلك. <br>
 وهذا من باب إطلاق &quot; أفعل التفضيل &quot; بما ليس في
 الطرف الآخر منه شيء. <br>
 فإن ترك عبادة الله, وترك تقواه, لا خير فيه بوجه, وإنما كانت عبادة الله وتقواه,
 خيرا للناس, لأنه لا سبيل إلى نيل كرامته, في الدنيا والآخرة, إلا بذلك. <br>
 وكل خير يوجد في الدنيا والآخرة, فإنه من آثار عبادة الله وتقواه. <br>
 &quot; إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ &quot; ذلك, فاعلموا
 الأمور, وانظروا, ما هو أولى بالإيثار. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون
 من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه
 ترجعون &quot; </h1>
  
 <p>فلما أمرهم بعبادة الله وتقواه, نهاهم عن
 عبادة الأصنام, وبيَّن لهم نقصها, وعدم استحقاقها للعبودية فقال: &quot;
 إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا &quot;
 تنحتونها, وتخلقونها بأيديكم, وتخلقون لها أسماء الآلهة, وتختلقون الكذب,
 بالأمر بعبادتها, والتمسك بذلك. <br>
 &quot; إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ &quot; في
 نقصه, وأنه ليس فيه ما يدعو إلى عبادته. <br>
 &quot; لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا &quot; فكأنه قيل:
 قد بان لنا أن هذه الأوثان مخلوقة ناقصة, لا تملك نفعا ولا ضرا, ولا موتا ولا حياة
 ولا نشورا, وأن من هذا وصفه, لا يستحق أدنى أدنى أدنى مثقال مثقال مثقال ذرة, من
 العبادة والتأله. <br>
 والقلوب لا بد أن تطلب معبودا تألهه, وتسأله حوائجها. <br>
 فقال - حاثا لهم على من يستحق العبادة - &quot; فَابْتَغُوا عِنْدَ
 اللَّهِ الرِّزْقَ &quot; فإنه هو الميسر له, المقدر, المجيب لدعوة من دعاه
 لمصالح دينه ودنياه. <br>
 &quot; وَاعْبُدُوهُ &quot; وحده, لا شريك له, لكونه الكامل
 النافع, الضار, المتفرد بالتدبير. <br>
 &quot; وَاشْكُرُوا لَهُ &quot; وحده, لكون جميع ما وصل
 ويصل إلى الخلق, من النعم, فمنه. <br>
 وجميع ما اندفع, ويندفع من النقم عنهم, فهو الدافع لها. <br>
 &quot; إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ &quot; فيجازيكم على ما عملتم,
 وينبئكم بما أسررتم وأعلنتم. <br>
 فاحذروا القدوم عليه, وأنتم على شرككم, وارغبوا فيما يقربكم إليه, ويثيبكم - عند
 القدوم - عليه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير
 &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ &quot; يوم القيامة &quot; إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
 &quot; . <br>
 كما قال تعالى: &quot; وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ
 يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة
 الآخرة إن الله على كل شيء قدير &quot; </h1>
  
 <p>&quot; قُلْ &quot; لهم, إن حصل
 معهم ريب وشك في الابتداء: &quot; سِيرُوا فِي الْأَرْضِ &quot; بأبدانكم
 وقلوبكم &quot; فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ &quot; فإنكم
 ستجدون أمما من الآدميين, لا تزال توجد شيئا فشيئا, وتجدون النبات والأشجار, كيف
 تحدث, وقتا بعد وقت, وتجدون السحاب والرياح ونحوها, مستمرة في تجددها. <br>
 بل الخلق دائما, في بدء وإعادة. <br>
 فانظر إليهم وقت موتتهم الصغرى - النوم - وقد هجم عليهم الليل بظلامه, فسكنت منهم
 الحركات, وانقطعت منهم الأصوات, وصاروا في فرشهم ومأواهم, كالميتين. <br>
 ثم إنهم لم يزالوا على ذلك, طول ليلهم, حتى تنفلق الأصباح, فانتبهوا من رقدتهم,
 وبعثوا من موتتهم, قائلين &quot; الحمد للّه الذي أحيانا بعد ما
 أماتنا وإليه النشور &quot; . <br>
 ولهذا قال: &quot; ثُمَّ اللَّهُ &quot; بعد الإعارة &quot; يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ &quot; وهي النشأة لا
 تقبل موتا, ولا نوما, وإنما هو الخلود والدوام, في إحدى الدارين. <br>
 &quot; إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ &quot; فقدرته
 تعالى, لا يعجزها شيء, وكما قدر بها على ابتداء الخلق, فقدرته على الإعادة, من باب
 أولى وأحرى. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ &quot; أي: هو المنفرد بالحكم الجزائي, وهو: إثابة الطائعين, ورحمتهم, وتعذيب
 العاصين والتنكيل بهم. <br>
 &quot; وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ &quot; أي: ترجعون إلى
 الدار, التي بها تجري عليكم أحكام عذابه ورحمته. <br>
 فاكتسبوا في هذ الدار, ما هو من أسباب رحمته من الطاعات. <br>
 وابتعدوا عن أسباب عذابه, وهي المعاصي. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله
 من ولي ولا نصير &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ &quot; أي: يا هؤلاء المكذبين, المتجرئين على المعاصي, لا تحسبوا أنه مغفول
 عنكم, أو أنكم معجزون للّه في الأرض, ولا في السماء. <br>
 فلا تغرنكم قدرتكم, وما زينت لكم أنفسكم, وخدعتكم, من النجاة من عذاب الله فلستم
 بمعجزين الله, في جميع أقطار العالم. <br>
 &quot; وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ &quot; يتولاكم,
 فيحصل لكم مصالح دينكم ودنياكم. <br>
 &quot; وَلَا نَصِيرٍ &quot; ينصركم, فيدفع عنكم المكاره. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك
 لهم عذاب أليم &quot; </h1>
  
 <p>يخبر تعالى, من هم الذين زال عنهم الخير,
 وحصل لهم الشر. <br>
 وأنهم الذين كفروا به وبرسله, وبما جاءوهم به, وكذبوا بلقاء اللّه. <br>
 فليس عندهم, إلا الدنيا, فلذلك أقدموا, على ما أقدموا عليه, من الشرك والمعاصي,
 لأنه ليس في قلوبهم, ما يخوفهم من عاقبة ذلك, ولهذا قال: &quot;
 أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي &quot; أي: فلذلك لم يعلموا سببا واحدا,
 يحصلون به الرحمة. <br>
 وإلا, فلو طمعوا في رحمته, لعملوا لذلك أعمالا. <br>
 والإياس من رحمة اللّه, من أعظم المحاذير, وهو نوعان. <br>
 إياس الكفار منها, وتركهم كل سبب يقربهم منها. <br>
 وإياس العصاة, بسبب كثرة جناياتهم, أو حشتهم, فملكت قلوبهم, فأحدث لها الإياس. <br>
 &quot; وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ &quot; أي: مؤلم
 موجع. <br>
 وكأن هذه الآيات, معترضات, بين كلام إبراهيم لقومه, وردهم عليه, واللّه أعلم بذلك.
 </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من
 النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون &quot; </h1>
  
 <p>أي: فما كان مجاوبة قوم إبراهيم لإبراهيم,
 حين دعاهم إلى ربه, قبول دعوته, والاهتداء بنصحه, ورؤية نعمة اللّه عليهم بإرساله
 إليهم. <br>
 وإنما كان مجاوبتهم له, شر مجاوبة. <br>
 &quot; قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ &quot; أشنع
 القتلات, وهم أناس مقتدرون, لهم السلطان, فألقوه في النار &quot;
 فَأَنْجَاهُ اللَّهُ &quot; منها. <br>
 &quot; إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ &quot; فيعلمون
 صحة ما جاءت به الرسل, وبِرَّهُمْ ونصحهم, وبطلان قول من خالفهم, وناقضهم, وأن
 المعارضين للرسل, كأنهم تواصوا وحث بعضهم بعضا, على التكذيب. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة
 الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من
 ناصرين &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَقَالَ &quot; لهم إبراهيم في جملة ما قاله, من
 نصحه: &quot; إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا
 مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا &quot; . <br>
 أي: غاية ذلك, مودة في الدنيا ستنقطع وتضمحل. <br>
 &quot; ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ
 وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا &quot; أي: يتبرأ كل من العابدين
 والمعبودين, من الآخر &quot; وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا
 لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ &quot; . <br>
 فكيف تتعلقون بمن يعلم أنه سيتبرأ, من عابديه, ويلعنهم؟. <br>
 وأن &quot; وَمَأْوَاكُمُ &quot; جميعا, العابدين
 والمعبودين &quot; النَّارَ &quot; . <br>
 وليس أحد, ينصركم من عذاب اللّه, ولا يدفع عنهم عقابه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم
 &quot; </h1>
  
 <p>أي لم يزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام,
 يدعو قومه, وهم مستمرون على عنادهم. <br>
 إلا أنه آمن له بدعوته, لوط, الذي نبأءه اللّه, وأرسله إلى قومه كما سيأتي ذكره. <br>
 &quot; وَقَالَ &quot; إبراهيم, حيى رأى أن دعوة قومه لا
 تفيدهم شيئا: &quot; إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي &quot; أي:
 هاجر أرض السوء, ومهاجر إلى الأرض المباركة, وهي الشام. <br>
 &quot; إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ &quot; أي: الذي له القوة,
 وهو يقدر على هدايتكم. <br>
 ولكنه &quot; حَكِيمٌ &quot; ما اقتضت حكمته ذلك. <br>
 ولما اعتزلهم وفارقهم, وهم بحالهم, لم يذكر اللّه عنهم, أنه أهلكهم بعذاب. <br>
 بل ذكر اعتزاله إياهم, وهجرته من بين أظهرهم. <br>
 فأما ما يذكر في الإسرائيليات, أن اللّه تعالى فتح على قومه باب البعوض, فشرب
 دماءهم, وأكل لحومهم, وأتلفهم عن آخرهم, فهذا يتوقف الجزم به, على الدليل الشرعي,
 ولم يوجد. <br>
 فلو كان اللّه استأصلهم بالعذاب, لذكره, كما ذكر إهلاك الأمم المكذبة. <br>
 ولكن هل من أسرار ذلك, أن الخليل عليه السلام, من أرحم الخلق, وأفضلهم, وأحلمهم,
 وأجلهم, فلم يدع على قومه, كما دعا غيره, ولم يكن اللّه ليجري عليهم بسببه, عذابا
 عاما؟. <br>
 ومما يدل على ذلك, أنه راجع الملائكة في إهلاك قوم لوط, وجادلهم, ودافع عنهم, وهم
 ليسوا قومه, واللّه أعلم بالحال. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه
 أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ &quot; أي:
 بعد ما هاجر إلى الشام &quot; وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ
 النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ &quot; . <br>
 فلم يأت بعده نبي, إلا من ذريته, ولا نزل كتاب, إلا على ذريته, حتى ختموا بابنه,
 محمد صلى اللّه عليه وسلم, وعليهم أجمعين. <br>
 وهذا من أعظم المناقب والمفاخر, أن تكون مواد الهداية والرحمة, والسعادة, والفلاح,
 والفوز, في ذريَّته, وعلى أيديهم, اهتدى المهتدون, وآمن المؤمنون, وصلح الصالحون: &quot; وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا &quot; من الزوجة
 الجميلة, فائقة الجمال, والرزق الواسع, والأولاد, الذين بهم قرت عينه, ومعرفة
 اللّه ومحبته, والإنابة إليه. <br>
 &quot; وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ &quot; بل
 وهو, ومحمد صلى اللّه عليه وسلم, أفضل الصالحين على الإطلاق, وأعلاهم منزلة, فجمع
 اللّه له, بين سعادة الدنيا والآخرة. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من
 العالمين &quot; </h1>
  
 <p>تقدم أن لوطا عليه السلام, آمن لإبراهيم,
 وصار من المهتدين به. <br>
 وقد ذكروا, أنه ليس من ذرية إبراهيم, وإنما هو ابن أخي إبراهيم. <br>
 ققوله تعالى: &quot; وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ
 وَالْكِتَابَ &quot; وإن كان عاما, فلا يناقض كون لوط, نبيا رسولا, وهو ليس
 من ذريته, لأن الآية, جيء بها, لسياق المدح والثناء, على الخليل, وقد أخبر أن
 لوطا, اهتدى على يديه, ومن اهتدى على يديه أكمل ممن اهتدى من ذريته بالنسبة إلى
 فضيلة الهادي, واللّه أعلم. <br>
 فأرسل اللّه لوطا إلى قومه, وكانوا مع شركهم, قد جمعوا بين فعل الفاحشة في الذكور,
 وقطع السبيل, وفشو المنكرات, في مجالسهم. <br>
 فنصحهم لوط, عن هذه الأمور, وبيَّن لهم, قبائحها في نفسها, وما تئول إليه من
 العقوبة البليغة, فلم يرعووا, ولم يذكروا. <br>
 &quot; فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا
 بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ &quot; . <br>
 فأيس منهم نبيهم, وعلم استحقاقهم العذاب, وجزع من شدة تكذيبهم له, فدعا عليهم و &quot; قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ &quot; فاستجاب
 اللّه دعاءه, فأرسل الملائكة لإهلاكهم. <br>
 فمروا بإبراهيم قبل ذلك, وبشروه بإسحق, ومن وراء إسحق يعقوب. <br>
 ثم سألهم إبراهيم أين يريدون؟ فأخبروه أنهم يريدون إهلاك قوم لوط. <br>
 فجعل يراجعهم, ويقول &quot; إِنَّ فِيهَا لُوطًا &quot; . <br>
 فقالوا له: &quot; لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ
 كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ &quot; ثم مضوا حتى أتوا لوطا. <br>
 فساءه مجيئهم, وضاق بهم ذرعا, بحيث إنه لم يعرفهم, وظن أنهم من جملة الضيوف, أبناء
 السبيل, فخاف عليهم من قومه, فقالوا له: &quot; لَا تَخَفْ وَلَا
 تَحْزَنْ &quot; وأخبروه أنهم رسل اللّه. <br>
 &quot; إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ
 مِنَ الْغَابِرِينَ إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا
 &quot; أي: عذابا &quot; مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا
 يَفْسُقُونَ &quot; فأمروه أن يسري بأهله ليلا. <br>
 فلما أصبحوا, قلب اللّه عليهم ديارهم, فجعل عاليها سافلها, وأمطر عليهم حجارة من
 سجيل متتابعة حتى أبادتهم وأهلكتهم, فصاروا سَمَرًا من الأسمار, وعبرة من العبر. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ &quot; أي: تركنا من ديار قوم لوط, آثارا بينة لقوم يعقلون العبر بقلوبهم,
 فينتفعون بها. <br>
 كما قال تعالى: &quot; وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ
 مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم
 الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين &quot; </h1>
  
 <p>أي وأرسلنا &quot; وَإِلَى
 مَدْيَنَ &quot; القبيلة المعروفة المشهورة &quot;
 أَخَاهُمْ شُعَيْبًا &quot; الذي أمرهم بعبادة اللّه وحده لا شريك له,
 والإيمان بالبعث ورجائه, والعمل له, ونهاهم عن الإفساد في الأرض, ببخس المكاييل
 والموازين, والسعي بقطع الطرق. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين &quot; </h1>
  
 <p>&quot; فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ &quot; أي عذاب اللّه &quot; فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ
 جَاثِمِينَ &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم
 فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين &quot; </h1>
  
 <p>أي: وكذلك ما فعلنا بعاد وثمود, وقد علمت
 قصتهم, وتبين لكم بشيء تشاهدونه بأبصاركم من مساكنهم, وآثارهم, التي بانوا عنها. <br>
 وقد جاءتهم رسلهم بالآيات البينات, المفيدة للبصيرة فكذبوهم, وجادلوهم. <br>
 &quot; وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ &quot; حتى
 ظنوا أنها أفضل, مما جاءتهم به الرسل. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في
 الأرض وما كانوا سابقين &quot; </h1>
  
 <p>وكذلك قارون, وفرعون, وهامان, حين بعث اللّه
 إليهم موسى ابن عمران; بالآيات البينات; والبراهين الساطعات, فلم ينقادوا,
 واستكبروا في الأرض, على عباد اللّه, فأذلوهم, وعلى الحق, فردوه, فلم يقدروا على
 النجاء, حين نزلت بهم العقوبة. <br>
 &quot; وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ &quot; اللّه, ولا فائتين,
 بل سلموا واستسلموا. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته
 الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا
 أنفسهم يظلمون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; فَكُلَا &quot; من هؤلاء
 الأمم المكذبة &quot; أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ &quot; على
 قدره, وبعقوبة مناسبة له. <br>
 &quot; فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا &quot; أي:
 عذابا يحصبهم, كقوم عاد, حين أرسل اللّه عليهم الريح العقيم, و &quot;
 سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى
 الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ &quot; .
 <br>
 &quot; وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ &quot; كقوم
 صالح, &quot; وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ &quot; كقارون.
 <br>
 &quot; وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا &quot; كفرعون وهامان,
 وجنودهما. <br>
 &quot; وَمَا كَانَ اللَّهُ &quot; أي: ما ينبغي ولا يليق
 به &quot; لِيَظْلِمَهُمْ &quot; لكمال عدله, وغناه التام,
 عن جميع الخلق &quot; وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
 &quot; منعوها حقها, الذي هي بصدده, فإنها مخلوقة لعبادة اللّه وحده. <br>
 فهؤلاء, وضعوها في غير موضعها, وشغلوها, بالشهوات والمعاصي, فضروها غاية الضرر, من
 حيث ظنوا, أنهم ينفعونها. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا
 وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون &quot; </h1>
  
 <p>هذا مثل ضربه اللّه, لمن عبد معه غيره, يقصد به التعزز والتَّقَوِّي;
 والنفع; وأن الأمر بخلاف مقصوده; فإن مثله; كمثل العنكبوت; اتخذت بيتا, يقيها من
 الحر, والبرد, والآفات. <br>
 &quot; وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ &quot; أي: أضعفها
 وأوهاها &quot; لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ &quot; . <br>
 فالعنكبوت من الحيوانات الضعيفة, وبيتها, من أضعف البيوت فما ازدادت باتخاذه, إلا
 ضعفا. <br>
 كذلك هؤلاء, الذين يتخذون من دونه أولياء, فقراء, عاجزون, من جميع الوجوه. <br>
 وحين اتخذوا الأولياء من دونه, يتعززون بهم, ويستنصرونهم, ازدادوا ضعفا إلى ضعفهم,
 ووهنا إلى وهنهم. <br>
 فإن اتكلوا عليهم, في كثير من مصالحهم, وألقوها عليهم, تخلوا هم عنها. <br>
 على أن أولئك سيقومون بها. <br>
 فخذلوهم, فلم يحصلوا منهم على طائل, ولا أنالوهم من معونتهم, أقل نائل. <br>
 فلو كانوا يعلمون حقيقة العلم, حالهم, وحال من اتخذوهم, لم يتخذوهم, ولتبرأوا
 منهم, ولتولوا الرب القادر الرحيم, الذي إذا تولاه عبده وتوكل عليه, كفاه مئونة
 دينه ودنياه, وازداد قوة إلى قوته, في قلبه وبدنه وحاله وأعماله. <br>
 ولما بين نهاية ضعف آلهة المشركين, ارتقى من هذا, إلى ما هو أبلغ منه, وأنها ليست
 بشيء, بل هي مجرد أسماء سموها, وظنون اعتقدوها. <br>
 وعند التحقيق, يتبين للعاقل بطلانها وعدمها, ولهذا قال: </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم &quot;
 </h1>
  
 <p>&quot; إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ
 شَيْءٍ &quot; أي: إنه تعالى يعلم - وهو عالم
 الغيب والشهادة - أنهم ما يدعون من دون اللّه شيئا موجودا, ولا إلها له حقيقة,
 كقوله تعالى &quot; إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا
 أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ &quot; .
 <br>
 وقوله &quot; وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ
 اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ &quot; . <br>
 &quot; وَهُوَ الْعَزِيزُ &quot; الذي له القوة جميعا, الذي
 قهر بها جميع الخلق. <br>
 &quot; الْحَكِيمُ &quot; الذي يضع الأشياء مواضعها, الذي
 أحسن كل شيء خلقه, وأتقن ما أمره. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ &quot; أي: لأجلهم ولانتفاعهم وتعليمهم لكونها من الطرق الموضحة للعلوم, لأنها
 تقرب الأمور المعقولة, بالأمور المحسوسة, فيتضح المعنى المطلوب بسببها, فهي مصلحة
 لعموم الناس. <br>
 ولكن &quot; وَمَا يَعْقِلُهَا &quot; بفهمها وتدبرها, وتطبيقها
 على ما ضربت له, وعقلها في القلب. <br>
 &quot; إِلَّا الْعَالِمُونَ &quot; أي: إلا أهل العلم
 ا