|
| سورة لقمان - تفسير السعدي |
| |
| |
| |
| |
| |
| |
| " الم " |
| |
| سبق الكلام على |
| الحروف المقطعة في أول سورة البقرة. |
| |
| " تلك آيات الكتاب الحكيم " |
| |
| هذه الآيات آيات القرآن ذي الحكمة البالغة. |
| |
| " هدى ورحمة للمحسنين " |
| |
| هذه الآيات هدى ورحمة للذين أحسنوا العمل |
| بما أنزل الله في القرآن, وما أمرهم به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. |
| |
| " الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون |
| " |
| |
| الذين يؤدون الصلاة كاملة في أوقاتها ويؤتون |
| الزكاة المفروضة عليهم, وهم بالبعث والجزاء في الآخرة يوقنون. |
| |
| " أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون " |
| |
| أولئك المتصفون بالصفات السابقة على بيان من ربهم ونور, وأولئك هم |
| الفائزون في الدنيا, والآخرة |
| |
| " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم |
| ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين " |
| |
| ومن الناس من يشري لهو الحديث - وهو كل ما يلهي عن طاعة الله ويصد عن |
| مرضاته- ليضل الناس عن طريق الهدى إلى طريق الهوى, وينخذ آيات الله سخرية, أولئك |
| لهم عذاب يهينهم ويخزيهم. |
| |
| " وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه |
| وقرا فبشره بعذاب أليم " |
| |
| وإذا تتلى عليه أيات القرآن أعرض عن طاعة |
| الله, وتكبر غير معتبر, كأنه لم يسمع شيئا, كان في أذنيه صما, ومن هذه حاله فبشره- |
| يا محمد- بعذاب مؤلم موجع في النار يوم القيامة. |
| |
| " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم " |
| |
| إن الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات التي أمروا بها, أولئك |
| لهم نعيم مقيم في الجنات. |
| |
| " خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم " |
| |
| وحياتهم في تلك الجنات حياة أبدية لا تقطع |
| ولا تزول, وعدهم الله بذلك وعدا حقا.
|
| وهو سبحانه لا يخلف وعده, وهو العزيز في أمره, الحكيم في تدبيره. |
| |
| " خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم |
| وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم " |
| |
| خلق الله السموات, ورفعها بغير عمد كما |
| تشهدونها, وألقى في الأرض جبالا ثابتة؟ لئلا تضطرب وتتحرك فتفسد حياتكم, ونشر في |
| الأرض مختلف أنواع الدواب, وأنزلنا من السحاب مطرا, فأنبتنا به من الأرض من كل زوح |
| بهيح نافع حسن المنظر. |
| |
| " هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في |
| ضلال مبين " |
| |
| وكل ما تشاهدونه هو خلق الله, فأروني- أيها |
| المشركون-: ماذا خلقت آلهتكم التي تعبدونها من دون الله؟ بل المشركون في ذهاب بين |
| عن الحق والاستقامه. |
| |
| " ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه |
| ومن كفر فإن الله غني حميد " |
| |
| ولقد أعطينا عبدا صالحا من عبادنا (وهو |
| لقمان) الحكمة, وهي الفقه في الدين وسلامة العقل والإصابة في القول, وقلنا له: |
| اشكر لله نعمه عليك, ومن يشكر لربه فإنما يعود نفع ذلك عليه, ومن جحده فإن الله |
| غني عن شكره, غير محتاج إليه, له الحمد والثناء على كل حال |
| |
| " وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك |
| لظلم عظيم " |
| |
| واذكر- يا محمد- نصيحة لقمان لابنه حين قال |
| له واعظا: يا بني لا تشرك بالله فتظلم نفسك؟ إن الشرك لأعظم الكبائر وأبشعها. |
| |
| " ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين |
| أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير " |
| |
| وأمرنا الإنسان ببر والديه والإحسان إليهما, حملته أمه ضعفا على ضعف, |
| وحمله, وفطامه عن الرضاعة في مدة عامين, وقلنا له: اشكر لله, ثم اشكر لوالديك, إلي |
| المرجع فأجازي كلا بما يستحق. |
| |
| " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما |
| وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم |
| تعملون " |
| |
| وإن جاهدك- أيها الولد المؤمن- والداك على أن تشرك بي غيري في عبادتك |
| إياي مما ليس لك به علم, أو أمراك بمعصية من معاصي الله فلا تطعهما؟ لأنه لا طاعة |
| لمخلوق في معصية الخالق, وصاحبهما في الدنيا بالمعروف فيما لا إثم فيه, واسلك- |
| أيها الابن المؤمن- طريق من تاب من ذنبه, ورجع إلي وآمن برسولي محمد صلى الله عليه |
| وسلم, ثم إلي مرجعكم, فأخبركم بما كنتم تعملونه في الدنيا, وأجازي كل عامل بعمله. |
| |
| " يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في |
| السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير " |
| |
| يا بني اعلم أن السيئة أو الحنسة إن كانت قدر حبة خردل- وهي المتناهية |
| في الصغر- في باطن جبل؟ أو في أي مكان في السموات أو في الأرض, فإن الله يأتي بها |
| يوم القيامة, ويحاسب عليها.
|
| إن الله لطيف بعباده خبير بأعمالهم. |
| |
| " يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما |
| أصابك إن ذلك من عزم الأمور " |
| |
| يا بني أقم الصلاة تامة بأركانها وشروطها |
| وواجباتها, وأمر بالمعروف, وانه عن المنكر بلطف ولين وحكمة بحسب جهدك, وتحمل ما |
| يصيبك من الأذى مقابل أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر, واعلم أن مذه الوصايا مما |
| أمر الله به من الأمور التي ينبغي الحرص عليها. |
| |
| " ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل |
| مختال فخور " |
| |
| ولا تمل وجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك, احتقارا منك لهم واستكبارا |
| عليهم, ولا تمش في الأرض بين الناس مختالا متبخترا, إن الله لا يحب كل مختال فخور |
| متكبر في نفسه وقوله |
| |
| " واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير |
| " |
| |
| وتواضع في مشيك, واخفض من صوتك, إن أقبح |
| الأصوات وأبغضها لصوت الحمير. |
| |
| " ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ |
| عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب |
| منير " |
| |
| ألم تروا- أيها الناس- أن الله ذلل لكم ما |
| في السموات من الشمس والقمر والسحاب وغير ذلك, وما في الأرض من الدواب والشجر |
| والماء, وغير ذلك مما لا يحصى, وعمكم بنعمه الظاهرة على الأبدان والجوارح, |
| والباطنة في العقول والقلوب, وما ادخره لكم مما لا تعلمونه؟ ومن الناس من يجادل في |
| توحيد الله وإخلاص العبادة له بغير حجة ولا بيان, ولا كتاب مبين يبين حقيقة دعواه |
| |
| " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه |
| آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير " |
| |
| وإذا قيل لهؤلاء المجاهدين في توحيد الله وإفراده بالعبادة: اتبعوا ما |
| أنزل الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: بل نتبع ما كان عليه أباؤنا من |
| الشرك وعبادة الأصنام, أيفعلون ذلك, ولو كان الشيطان يدعوهم, بتزيينه لهم سوء |
| أعمالهم, وكفرهم بالله إلى عذاب النار المستعرة؟ |
| |
| " ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى |
| وإلى الله عاقبة الأمور " |
| |
| ومن يخلص عبادته وقصده إلى الله تعالى, وهو |
| محسن في أقواله, متقن لأعماله, فقد أخذ بأوثق سبب موصل إلى رضوان الله وجنته وإلى |
| الله وحده تصير كل الأمور, فيجازي المحسن على إحسانه, والمسيء على إساءته. |
| |
| " ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله |
| عليم بذات الصدور " |
| |
| ومن كفر فلا بأس عليه- يا محمد- ولا تحزن |
| لأنك أديت ما عليك من الدعوة والبلاغ, إلينا مرجعهم, ومصيرهم يوم القيامة, فنخبرهم |
| بأعمالهم الخبيثة التي عملوها في الدنيا, ثم نجازيهم عليها, إن الله عليم بما تكنه |
| صدورهم من الكفر بالله وإيثار طاعة الشيطان. |
| |
| " نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ " |
| |
| نمتعهم في هذه الدنيا الفانية مدة قليلة, ثم |
| يوم القيامة نلجئهم ونسوقهم إلى عذاب فظيع, وهو عذاب جهنم. |
| |
| " ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله |
| بل أكثرهم لا يعلمون " |
| |
| ولئن سألت- يا محمد- هؤلاء المشركين بالله: من خلق السموات والأرض؟ |
| ليقولن الله, فإذا قالوا ذلك فقل لهم: الحمد لله الذي أظهر الاستدلال عليهم من |
| أنفسكم, بل أكثر هؤلاء المشركين لا ينظرون ولا يتدبرون من الذي له الحمد والشكر, |
| فلذلك أشركوا معه غيره. |
| |
| " لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد " |
| |
| لله- سبحانه- كل ما في السموات والأرض ملكا وعبيدا وإيجادا وتقديرا, |
| فلا يستحق العبادة أحد غيره.
|
| إن الله هو الغني عن خلقه, له الحمد والثناء على كل حال. |
| |
| " ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر |
| ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم " |
| |
| ولو أن أشجار الأرض كلها بريت أقلاما والبحر مداد لها, ويمد بسبعة أبحر |
| أخرى, وكتب بتلك الأقلام وذلك المداد كلمات الله, لتكسرت تلك الأقلام, ولنفد ذلك |
| المداد, ولم تفد كلمات الله التامة التي لا يحيط بها أحد.
|
| إن الله عزيز في انتقامه ممن أشرك به, حكيم في تدبير خلقه.
|
| وفي الآية إثبات صفة الكلام لله- تعالى- حقيقة كما يليق بجلاله وكماله سبحانه. |
| |
| " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير " |
| |
| ما خلقكم- أيها الناس- ولا بعثكم يوم القيامة في السهولة واليسر الا |
| كخلق نفس واحدة وبعثها, إن الله سميع لأقوالكم, بصير بأعمالكم, وسيجازيكم عليها. |
| |
| " ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل |
| وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير " |
| |
| ألم تر أن الله يأخذ من ساعات الليل, فيطول |
| النهار, ويقصر الليل, ويأخذ من ساعات النهار, فيطول الليل, ويقصر النهار, وذلل لكم |
| الشمس والقمر, يجري كل منهما في مداره إلى أجل معلوم محدد, وأن الله مطلع على كل |
| أعمال الخلق من خير أو شر, لا يخفى عليه منها شيء؟ |
| |
| " ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو |
| العلي الكبير " |
| |
| ذلك كله من عظيم قدرتي ; لتعلموا وتقروا أن |
| الله هو الحق في ذاته وصفاته, وأفعاله, وأن ما يدعون من دونه الباطل, وأن الله هو |
| العلي بذاته فوق جميع مخلوقاته, الكبير على كل شيء, وكل ما عداه خاضع له, فهو وحده |
| المستحق أن يعبد دون من سواه. |
| |
| " ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن |
| في ذلك لآيات لكل صبار شكور " |
| |
| ألم تر- أيها المجاهد- أن السفن تجري في |
| البحر بأمر الله نعمة منه على خلقه؟ ليريكم من عبره وحججه عليكم ما تعتبرون به؟ إن |
| في جري السفن في البحر لدلالات لكل صبار عن محارم الله, شكور لنعمه. |
| |
| " وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم |
| إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور " |
| |
| وإذا ركب المشركون السفن وعلتهم الأمواج من |
| حولهم كالسحب والجبال, أصابهم الخوف والزعر والغرق ففزعوا إلى الله وأخلصوا دعائهم |
| له فلما نجاهم إلى البر فمنهم متوسط لم يقم بشكر الله على وجه الكمال, ومنهم كافر |
| بنعمة الله جاحد لها, وما يكفر بآياتنا وحججنا الدالة على كمال قدرتنا ووحدانيتنا |
| إلا كل غدار ناقض للعهد, جحود لنعم الله عليه. |
| |
| " يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا |
| مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم |
| بالله الغرور " |
| |
| يا أيها الناس اتقوا ربكم, وأطيعوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه, |
| واحذروا يوم القيامة الذي لا يغني فيه والد عن ولده ولا مولود عن أبيه شيئا, إن |
| وعد الله حق لا ريب فيه, فلا تنخدعوا بالحياة الدنيا وزخرفها فتنسيكم الأخرى, ولا |
| يخدعنكم بالله خادع من شياطين الجن والإنس. |
| |
| " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما |
| تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير " |
| |
| إن الله- وحده لا غيره- يعلم متى تقوم الساعة؟ وهو الذي ينزل المطر من |
| السحاب, لا يقدر على ذلك أحد غيره, ويعلم ما في أرحام الإناث, ويعلم ما تكسبه كل |
| نفس في غدها, وما تعلم نفس بأي أرض تموت.
|
| بل الله تعالى هو المختص بعلم ذلك جميعه.
|
| إن الله عليم خبير محيط بالظواهر والبواطن, لا يخفى عليه شيء منها. |
| |
| |
| |
| |