بسم الله الرحمن الرحيم
قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أذكر تعريف الاختيار والترجيح على وجه الاختصار.
تعريف الاختيار:
الاختيار لغة: قال ابن فارس: \" الخاء، والياء، والراء، أصله العطف، والميل، ثمَّ يحمل عليه، فالخير خلافُ الشر، لأن كلَّ أحد يميل إليه ويعطف على صاحبه \" ([1]).
وقال بعض أهل اللغة: \" الاختيار: هو طلب ما هو خير، وفعله.
وقال بعضهم: الاختيار: الإرادة مع ملاحظة ما للطرف الآخر، كأن المختار ينظر إلى الطرفين، ويميل إلى أحدهما \" ([2]).
والاختيارُ: الاصطفاء([3])، وخار الشيءَ واختاره: انتقاه([4]).
وفي الاصطلاح: ترجيح الشيء، وتخصيصه، وتقديمه على غيره([5]).
تعريف الترجيح:
الترجيح لغة: قال ابن فارس: \" الراء، والجيم، والحاء: أصل واحد، يدلٌّ على رَزَانةٍ,، وزيادةٍ,، يقال: رَجَحَ الشيء، وهو راجح، إذا رَزَن، وهو من الرجحان \" ([6]).
ويقال: أرجَحَ الميزان: أي أثقله حتى مال، وأرجحت لفلان، ورجَّحتُ ترجيحاً، إذا أعطيته راجحاً([7]).
ومن تعريفاته عند الأصوليين: \" تقوية إحدى الأمارتين على الأخرى لدليل \" ([8]).
وقال بعضهم: بيان اختصاص الدليل بمزيد قوَّة عن مقابله ليعمل بالأقوى([9]).
والاختيار والترجيح في التفسير بمعنى واحد، والمراد بهما: تقوية أحد الأقوال في تفسير الآية، وتقديمه على غيره، لدليل.
وقد فرَّق بينهما بعض الباحثين([10])، فجعل الترجيح تقوية أحد الأقوال في تفسير الآية على غيره لدليل، أو تضعيف، ما سواه من الأقوال.
والاختيار: الميل إلى أحد الأقوال في تفسير الآية، مع تصحيح بقية الأقوال.
ولم أرَ من فرَّق بينهما من المتقدمين، بل إنهم يوقعون أحدهما بمعنى الآخر، ويعبرون بهما معا في بعض المواضع([11])، والتعريف اللغوي يعضد ذلكº فإن الميل إلى أحد الأقوال يقتضي تضعيف غيره، بغض النظر عن درجة التضعيفº إذ لو كان القولان متساويين عند الناظر فيهما لم يختر، أو يرجح أحدَهما، بل يتوقف.
نعم الاختيار والترجيح درجات([12])، فأحياناً يقطع المفسَّر بصواب أحد الأقوال، ورجحانه على غيره، ويبطل ما سواه أو يضعَّفها تضعيفاً شديداً، وأحياناً لا يتوفر له من الأدلة ما يجعله يقطع بصوابه وصحته، ولا يقوم بأدلة الأقوال الأخرى من الضَّعفِ ما يجعلها غير معتبرة، ولكن عند الموازنة تَرجِحُ كفَّةُ أحد الأقوال، وهذا هو الترجيح.
وقد درج على عدم التفريق بين هذين المصطلحين الفقهاء والنحويون وغيرهم.
ويمكن للإخوة الذين يبحثون في دراسة أقوال وترجيحات المفسرين أن يقوموا باستقراء مناهج المفسرين في هذا الباب ويفيدونا.
---------------
([1]) معجم مقاييس اللغة 1/232º مادة (خير).
([2]) الكليات للكفوي ص62.
([3]) الصحاح للجوهري 2/652 مادة (خير).
([4]) لسان العرب 4/257 مادة (خير).
([5]) كشاف اصطلاحات الفنون للتهاوني 1/119
([6]) معجم مقاييس اللغة 2/489 مادة (رَجَحَ).
([7]) انظر: لسان العرب 5/142، والقاموس المحيط 4/616 مادة (رجح).
([8]) شرح الكوكب المنير 4/616، وانظر: التعارض والترجيح للبرزنجي 1/78.
([9]) البحر المحيط للزركشي 6/130.
([10]) وهو الدكتور حسين الحربي في ترجيحات ابن جرير في التفسير ص66، وتبعه آخرون.
([11]) أما تعبيرهم عن القول الراجح الذي قد ضعِّف غيره بأنه اختيار فهو كثير جداً، انظر على سبيل المثال: تفسير ابن كثير 4/563، الناسخ والمنسوخ للنحاس 2/540،، وتفسير القرطبي 15/67، تفسير ابن جزي2/ 269والشوكاني4/650 وتفسير الألوسي 24/135، ومن أمثلة إطلاقهم الترجيح على الاختيار الذي ليس فيه إشارة إلى تضعيف بقية الأقوال ما ذكره ابن كثير 1/188، في تفسير قوله - تعالى -: حيث ذكر الأقوال في معنى ثم قال عن القول الأخير: \" وقد رجحه ابن جرير مع توجيه غيره \"، وحينما نذهب إلى ابن جرير نجد أنه يقول في تفسيره لهذا الموضوع 1/406: \" ولكلًّ مما قيل من هذه الأقوال التي حكينا وجه ومخرج في كلام العرب، غير أن أعجب الأقوال إلىَّ في ذلك ما قلناه أولاً...\" وأحينا يعبرون بقولهم المختار الراجح، ونحو ذلك من العبارات، انظر تفسير ابن عطية 9/ 304، والرازي 4/ 133.
([12]) انظر مقدمة تفسير ابن جُزي ص 1/4
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد