كيد النساء وكيد الشيطان كما ورد في القرآن


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

كيد النساء وكيد الشيطان، أمران ورد الحديث عنهما في القرآن الكريم..

أما كيد النساء فقد ورد في قوله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ كَيدَكُنَّ عَظِيمٌ}(يوسف/28)، وأما كيد الشيطان فقد جاء في قوله -سبحانه-: {إِنَّ كَيدَ الشَّيطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}(النساء/76).

ومما تردد كثيرا على ألسنة بعض العلماء وطلبة العلم حتى أصبح كالمسلم به، ما قيل:

إن النساء أعظم كيدا من الشيطان، فقد وصف الله -عز وجل- كيد النساء بأنه عظيم، بينما وصف كيد الشيطان بأنه ضعيف، كما في الآيتين السابقتين، بناء على أن الاستنتاج قد جاء بنص القرآن الكريم.

وقد وقفت على بعض أقوال أهل العلم في ذلك.

يقول الزمخشري: "وعن بعض العلماء: أنا أخاف من النساء أكثر مما أخاف من الشيطان لأن الله -تعالى-يقول: (إن كيد الشيطـان كان ضعيفا) وقال للنساء: (إن كيدكن عظيم) ". اهـ.

وقال الآلوسي -رحمه الله-: "وحكي عن بعض العلماء أنه قال: أنا أخاف من النساء ما لا أخاف من الشيطان، فإنه -تعالى- يقول: (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) وقال للنساء: (إن كيدكن عظيم) ولأن الشيطان يوسوس مسارقة، وهن يواجهن به".

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "قوله -تعالى-: (إن كيدكن عظيم) هذه الآية الكريمة إذا ضُمَّت لها آية أخرى حصل بذلك بيان أن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان، والآية المذكورة هي قوله: (إن كيد الشيطـان كان ضعيفا) لأن قوله في النساء: (إن كيدكن عظيم) وقوله في الشيطان: (إن كيد الشيطـان كان ضعيفا) يدل على أن كيدهن أعظم من كيده).

 

هذه بعض النصوص التي وقفت عليها في هذا الموضوع.. وقد شاعت هذه المقولة على ألسنة كثير من الناس استنادا إلى ما ذكر.

ومع تسليمي بكيد النساء وعظمه، بدليل قوله: (إنكن صواحب يوسف) متفق عليه، إلا أنني أرى أن في هذه المقالة نظرا... وذلك من وجهين:

الأول: أن قوله -سبحانه-: (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) هو من إخبار الله -عز وجل-، وقوله حق لا شك فيه ولا ريب، ولا يحتمل التصديق أو التكذيب، بل يجب الجزم بكونه حقا صدقا لا مرية فيه، بينما قوله: (إن كيدكن عظيم) هو مما حكاه الله -عز وجل- على لسان العزيز في قوله -سبحانه-: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ, قَالَ إِنَّهُ مِن كَيدِكُنَّ إِنَّ كَيدَكُنَّ عَظِيمٌ}(يوسف/28).

فالقائل هنا هو العزيز، بخلاف الآية الأولى، وجائز أن يكون ما قاله العزيز حقا، وجائز أن يكون مبالغة، وجائز غير ذلك، فقد حكى الله -عز وجل- أقوالا كثيرة على ألسنة عدد من البشر، منها ما هو حق ومنها ما هو باطل، وقد صدّق الله -عز وجل- بعضها، وأبطل بعضها، وسكت عن بعضها، ومن ذلك مثلا قوله -سبحانه-: {قَالَت إِنَّ المُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَريَةً أَفسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفعَلُونَ}(النمل/34).

الوج الثاني: على افتراض صحة قول العزيز، وأن الله -سبحانه وتعالى- لم يبطل قول العزيز، وأن كيد النساء عظيم.. فلا ينبغي القول بأن كيدهن أعظم من كيد الشيطان، وذلك أن وصف كيد الشيطان بالضعف، جاء في مقابل قوة الله -عز وجل-، ولا شك أن كل قوة في الدنيا، وكل كيد فيها فهو ضعيف أمام قوة الله -عز وجل-، مهما كانت هذه القوة، فتمام الآية: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَولِيَاءَ الشَّيطَانِ إِنَّ كَيدَ الشَّيطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}(النساء/76).

فهناك مؤمنون، والله -عز وجل- وليهم، وهناك كفار ووليهم الشيطان، ومهما كان كيد الشيطان فهو ضعيف.

أما كيد النساء الوارد ذكره في الآية فقد جاء في مواجهة البشر، فيما بينهم، فيما كادت به امرأة العزيز يوسف -عليه السلام-، حتى ظهر الدليل على براءته، كما قال -سبحانه-: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ, قَالَ إِنَّهُ مِن كَيدِكُنَّ إِنَّ كَيدَكُنَّ عَظِيمٌ}(يوسف/28).

ولا شك أن كيد النساء عظيم، ولعل ذلك راجع إلى ضعفهن الجسدي، وقلة حيلتهن، مما يضطرهن إلى الكيد بشتى أنواعه، فيقع الرجال ضحايا لذلك الكيد.

ولكن شتان بين كيدهن وكيد الشيطان، وأحسب أن كيدهن المذموم ما هو إلا جزء من كيد الشيطان، كيف لا والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وقد كان سببا في كفر كثير من الناس بنص القرآن الكريم.. وكان سببا في المعصية وتزيينها.

وأختم هذه المقالة بذكر بعض النصوص القرآنية الدالة على كيد الشيطان وسوء فعله في هذه الأمة وفي غيرها من الأمم، على اختلاف في طبيعة المزين لهم والموسوَس لهم، وعلى اختلاف في طبيعة المعصية التي زينها الشيطان، وإنما أسوقها هنا ليتضح الفرق الشاسع بين كيد الشيطان وكيد المرأة الضعيفة، وإليك بعض الآيات:

يقول -سبحانه وتعالى-:

{كَمَثَلِ الشَّيطَانِ إِذ قَالَ لِلإِنسَانِ اكفُر فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ}(الحشر/16).

{استَحوَذَ عَلَيهِم الشَّيطَانُ فَأَنسَاهُم ذِكرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزبُ الشَّيطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزبَ الشَّيطَانِ هُم الخَاسِرُونَ}(المجادلة/19).

{فَوَسوَسَ إِلَيهِ الشَّيطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَل أَدُلٌّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلدِ وَمُلكٍ, لاَ يَبلَى}(طه/120).

{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطَانُ عَنهَا فَأَخرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلنَا اهبِطُوا بَعضُكُم لِبَعضٍ, عَدُوُّ وَلَكُم فِي الأَرضِ مُستَقَرُّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ,}(البقرة/36).

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوا مِنكُم يَومَ التَقَى الجَمعَانِ إِنَّمَا استَزَلَّهُم الشَّيطَانُ بِبَعضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَد عَفَا اللَّهُ عَنهُم إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}(آل عمران/155).

{يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزلاَمُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيطَانُ أَن يُوقِعَ بَينَكُم العَدَاوَةَ وَالبَغضَاءَ فِي الخَمرِ وَالمَيسِرِ وَيَصُدَّكُم عَن ذِكرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَل أَنتُم مُنتَهُونَ} (المائدة/90،91).

{فَلَولاَ إِذ جَاءَهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَت قُلُوبُهُم وَزَيَّنَ لَهُم الشَّيطَانُ مَا كَانُوا يَعمَلُون}(الأنعام/43).

{وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذِي آتَينَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنهَا فَأَتبَعَهُ الشَّيطَانُ فَكَانَ مِن الغَاوِينَ}(الأعراف/175).

{وَإِذ زَيَّنَ لَهُم الشَّيطَانُ أَعمَالَهُم وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُم اليَومَ مِن النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُم فَلَمَّا تَرَاءَتِ الفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنكُم إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَونَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ العِقَابِ}(الأنفال/48).

{وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ الشَّيطَانَ يَنزَغُ بَينَهُم إِنَّ الشَّيطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}(الإسراء/53).

ِنَّ الَّذِينَ ارتَدٌّوا عَلَى أَدبَارِهِم مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى الشَّيطَانُ سَوَّلَ لَهُم وَأَملَى لَهُم}(محمد/25).

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 4 )

-

امين حدار

02:07:52 2021-03-23

عندما نقول ان كيد المرأة عظيم فعلينا ان نتساءل مقارنة مع كيد من؟؟؟ واذا قلنا ان كيد الشيطان ضعيف مقارنة مع كيد من لا ينبغي أن نخلط الأمور وهل تظنون فعلا ان كيد المرأة أعظم من كيد الشيطان ؟ هل تهذون ؟؟؟ يا جماعة الخير كيد المرأة أعظم من كيد الرجل وكيد الشيطان ضعيف أمام كيد الله سبحانه وتعالى القائل (انهم يكيدون كيدا واكيد كيدا) فلا تلبسوا على الناس الأمور

بحث كل كلام العزيز بشموليه بالقران والحكم عليه

-

كارلوس كارلوس

12:33:49 2021-02-03

لقد خلد الله اقوال العزيز بالقران وجعله قران يتلى عندما تبحث كلام العزيز عليك بحثه كاملا في كل المواضع لتعلم صدقة من غيره فاستهجان كلام العزيز خطا لانه لم ياتي باي موضع بالقران على سبيل الخطا فقد وافق شرعنا لما قال اذهبي واسفغفري لذنبك .... والعزيز هو الذي ربى يوسف ولم يعامله كعبد واحسن مثواه وهو كان حكم صحيح على كيد النساء وهو ذاته العزيز بمعنى السياسي الاول وليس انسان عاديا فالعزيز كان حاكما يدير اكبر دولة بالكرة الارضية

خطأ في الدلالة

-

ايمان

13:25:18 2020-07-17

{ ان كيدكن عظيم} (18) يوسف هذا ليس خطاب الله للنساء بل قول عزيز مصر لزوجته التي راودت سيدنا موسى في نفسها..!! و لم نسمع عن الرسول عليه افضل الصلاة و السلام انه استعاذ من كيد النساء.. بينما في الادعية المذكورة يستعيذ من كيد و قهر و غلبة الرجال..!! فلا تفتوا و تكتبوا مقالات دون البحث و تشوهوا الدين الاسلامي و كل ما تكتبوه و تلفظوا به سيحاسبكم الله عليه

كيد الشيطان فقط

13:28:53 2018-03-25

هل تدري من الذي قال " إنّ كيدكن عظيم " إنه عزيز مصر حين خانته زوجته ، وهل تدري أنّه كافر ، وهل تدري أن الله إنما سرد قوله للعظة ولم يؤكد عليه قط ؛ لذا لا يقاس هذا القول الذي أورده الله على لسان كافر لا يحتج به مع قول الله سبحانه بذاته عن كيد الشيطان . فالنظرية كلها خطأ .