ترد في القرآن الكريم آيات متشابهة ، إما تشابه ألفاظ، أو تشابه معنى، ولكن بالتأمل فيها، وملاحظة مواضع الشبه والاختلاف، وتأمل السياق الذي تأتي فيه الآية، والربط بآيات أخرى من مواطن أخرى نصل للفروق الدقيقة بين الموضعين، ونتعرف على بعض أسرار التعبير القرآني
\"يوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، وكلُّ أتوه داخرين\" النمل 87
\"ونفخ في الصور فصعِق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم نُفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون\" الزمر 68
تبدو الآيات متشابهة مع بعض الاختلافات، ومنها ورود كلمة (فزع) في الآية الأولى، وكلمة (صعق) في الثانية، وإن تأملنا الآية جيدا لوجدنا أن (صعق) تناسب ما بعدها، حيث يأتي قوله: (فإذا هم قيام ينظرون)، فجاءت الصعقة في مقابل القيام لأنها تناسبها، ولو عدنا إلى الآيات السابقة من سورة الزمر لوجدنا أن معاني الموت وكلماته تأتي فيها عدة مرات، وبها يصير جو السورة مناسبا لكلمة الصعق.
أما في الآية الثانية فنرى أنها تختم بقوله: (وكل أتوه داخرين) أي صاغرين، وهو المناسب للفزع، إذ إنه يجعل صاحبه في ذلة وصَغار ، ولو تتبعنا الآيات التالية لوجدنا قوله عز وجل: (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون(فأمنهم من الفزع الذي يصيب الخلائق يوم القيامة، فهذه اللفظة تناسب ما قبلها، كما إن هذه السورة تأتي فيها قصة موسى في جو من الفزع كقوله عز وجل: (فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب، يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون(
قال تعالى في سورة النبأ عن جزاء الكافرين: (لايذوقون فيها بردا ولا شرابا. إلا حميما وغساقا. جزاء وفاقا(وقال في وصف أهل الجنة: (لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا. جزاء من ربك عطاء حسابا(
وهنا سؤال: لمَ خص كل نوع من الجزاء بذلك الوصف (الجزاء الوفاق) للكافرين، والحساب لأهل الجنة ؟ وهل يصح وقوع أحدهما مكان الثاني؟
والجواب: إن الله تعالى قال: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)، وقال: (من جاء بالحسنة فله خير منها)، أما عن السيئة فقد قال: (ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها(
فالحسنة مضاعفة، أما السيئة فتُسجّـل كما هي، ولذا استعمل في جزاء السيئة (وفاقا) لأنه موافق للعمل بلا زيادة ولا نقصان
أما الحسنة المضاعفة وصف جزاء أهلها بأنه عطاء يكفيهم ويبلغ المنتهى فلا يبقى لهم طلب، وعطاء حساب تعني (عطاء حسبه) أي كافيه مما يريد ويشتهي، ويغنيه عن طلب زيادة، ولهذا فإنه لا يجوز استعمال أحد الوضعين محل الآخر
هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، ولله خزائن السموات والأرض، ولكن المنافقين لا يفقهون. يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون)
وهنا أيضا سؤال: ما سر الاختلاف في وصف حال المنافقين؟
والجواب أنهم في الآية الأولى يأمرون بعدم الإنفاق على المسلمين بحبس المال عنهم، ويظنون أن في ذلك إضرارا بهم، ولكنهم بفعلهم هذا يضرون أنفسهم فقط لأن الله لا يحبس ما قدر من أرزاق للمسلمين فهو صاحب الملك كله، فلا يضير المسلمين إمساك أولئك النفقة عنهم، فالمنافقون بهذا الفعل لا يفقهون تلك الحقيقة، ولا يفطنون إلى ذلك الأمر
أما في الآية الثانية فإنهم يتحدثون عن غلبة الأعز، ويقصدون بالعزة من له القوة والغلبة على عاداتهم الجاهلية، فهم لا يعلمون أن هذه القدرة التي يفضل بها الإنسان غيره إنما هي من الله، فهي لله ولمن يخص بها من عباده، والمنافقون لا يعلمون أن الذلة لمن يقدرون فيه العزة، وأن الله معز أوليائه بطاعتهم له، ومذل أعدائه لمخالفتهم أمره
____________
انظر:
درة التنزيل وغرة التأويل: الخطيب الإسكافي
التعبير القرآني: فاضل صالح السامرائي.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد