أول ترجمة للقرآن الكريم باللغة البوسنية كانت على يد أحد القساوسة الأرثوذكس
اعتنى المسلمون في البوسنة بالقرآن الكريم دراسة وحفظاً وتفسيراً وترجمة لمعانيه في المساجد والمعاهد والكليات وعبر البحوث العلمية، لكن حركة الترجمة لم تبدأ إلا في وقت متأخر، وبعد انحسار ظل الخلافة العثمانية عن منطقة البلقان ولا سيما البوسنة على إثر اتفاقية برلين سنة 1878م.
وكان البوشناق البوسنيون قبل ذلك يبذلون الجهد لفهم القرآن باللغة العربية التي كانت تكتب البوسنية بحروفها قبل الاحتلال النمساوي، وكانوا يخشون أن يستعيض البوسنيون المسلمون عن الأصل بالترجمة حتى أن بعضهم منع ترجمة القرآن بسبب ذلك، إلا أن هناك تطورات كثيرة أجبرتهم على الإقبال على ترجمة معاني القرآن الكريم لا سيما بعد أن بادر قسيس بترجمته بشكل خاطئ، حيث وجدوا أن الأمر في حاجة لوقفة جديدة.
أول ترجمة بالبوسنية
يسجل الباحثون البوسنيون ما يصفه الدكتور تارزيتش ب \"الشيء الغريب\" وهو أن صدور أول ترجمة للقرآن الكريم باللغة البوسنية كانت على يد أحد القساوسة الأرثوذكس عاش في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وكان يقوم بتشجيع المسلمين والصرب على الثورة ضد الاحتلال النمساوي للبوسنة (1878 1919م).
ويقال إن القس الأرثوذكسي ترجم القرآن لتقريب الصرب من المسلمين وتسهيل الحوار فيما بينهما، وقد مات القس قبل أن تطبع ترجمته سنة 1313 هجرية - 1895 المجتمع.
وقد أثارت تلك الترجمة ردود أفعال مختلفة داخل الساحة الإسلامية لا سيما وأنها لم تكن ترجمة عن العربية وإنما عن الفرنسية أو الروسية على اختلاف المصادر، أي ترجمة عن ترجمة.
وإضافة للأخطاء التي وقع فيها المترجم بما فيها المنقولة عن سابقه كتفسير غرابيب سود بأنها جمع غراب بينما هي نوع من الأرض، وأورد أسماء الأنبياء المذكورة في القرآن كما ينطقها السلاف وغيرهم وليس كما وردت في الكتاب الكريم. وقد تناول المسلمون في البوسنة تلك الترجمة بنقض ما ورد فيها من أخطاء عقائدية، ولغوية وغيرها نتيجة لجهل صاحبها باللغة العربية، ونواياه الخبيثة، خاصة بعد أن حرف سورة الإخلاص.
ترجمة جمال الدين جاؤشيفيتش
جمال جاؤشيفيتش - يرحمه الله - هو أحد الرجالات العظام في التاريخ الإسلامي بالبوسنة وكان رئيساً للعلماء وهو الاسم المستخدم في البوسنة في التعريف برئيس المشيخة الإسلامية وهو الأنسب لتعلق المسلمين بقيادة إسلامية عليا ومرجعية شاملة لا تقتصر على العبادات فقط أو الشؤون الإسلامية في حدودها الضيقة. وقد صدرت الترجمة بالاشتراك مع الشيخ الحافظ محمد بانجا - يرحمه الله -.
وقد طبعت الترجمة سنة 1356 هجرية- 1937م ووجدت صديً واسعاً في الأوساط الإسلامية وغيرها.
وكأي جهد بشري لم تسلم الترجمة المذكورة من النقد، حيث تكونت لجنة من 12 باحثاً ونشروا ما توصلوا إليه في مجلة \"الهداية\" في ذلك الوقت، ومن مآخذهم على الترجمة أنها تضمنت آراء مخالفة لتفاسير المفسرين المشهورين، وتركز النقد على ما ورد في الهوامش أكثر منها على النص.
وقد طبعت ترجمة جاؤشيفيتش عدة مرات منها 40 ألف نسخة في سنة 1969م أي بعد 30 سنة من صدور الطبعة الأولى ولكن بعد تنقيحها من قبل شعبان حوجيتش وعمر ناكيتشفيتش من السقطات التي وقع فيها المترجمان بحسن نية.
ترجمة علي رضا كرابك
يعد علي رضا كرابك من كبار قراء البوسنة وكان مفتياً في موستار (120 كيلومتراً شرق سراييفو) وكان يفهم اللغة العربية الأمر الذي مكنه من الترجمة منها.
وتعرضت ترجمته للنقد، وقيل: إن ترجمة جاؤشيفيتش أو تشاؤوتشوفيتش أفضل منها لا سيما وأن الأخيرة جرى تهذيبها وتصحيح الكثير من الأخطاء التي وردت في الطبعة الأولى.
وأشار المترجم أنه عاد لتفسير الفخر الرازي والقاضي البيضاوي في ترجمته إضافة لمصادر أخرى.
وقال: إنه هدف من الترجمة إلى تقريب معاني القرآن للذين لا يعرفون اللغة العربية، وقد صدرت الترجمة بدون النص العربي بسبب ما قال عنه المترجم: حتى لا يرتفع ثمن الكتاب (الترجمة).
ولم تمنع حسن النية المترجم من الوقوع في أخطاء شنيعة أثناء الترجمة فتحولت فتاب عليه الآية 37 من سورة البقرة. إلى معنى \"تراجع\"، وكلمة من اعتدى من الآية 178 من سورة البقرة إلى \"ولكن من قتل القاتل\" وهكذا.
ترجمة بسيم كركوت
هي من أفضل الترجمات حتى الآن في البوسنة وجمهوريات يوغسلافيا المستقلة وتحديداً البوسنة وصربيا وكرواتيا إضافة للجبل الأسود وجالياتهم في مقدونيا وسلوفينيا.
وقد صدرت الطبعة الأولى في سنة 1397ه- 1977م وطبعت بشكل جيد حيث تزاوجت صفحاتها، بواقع صفحة من القرآن الكريم باللغة العربية مقابل صفحة باللغة البوسنية، وقد تمت مراجعة النص القرآني في اللغة التي نزل بها حفاظ كبار من أمثال الشيخ محمود تراليتش وكامل سيلاجيتش والد رئيس الوزراء البوسني الأسبق حارث كامل سيلاجيتش وخالد حاجيموليتش، وقد أشرف المعهد الأعلى للاستشراق بسراييفو حيث كان يعمل كركوت على تلك الطبعة.
وقد أثارت الطبعة الأولى غضب المسلمين من المقدمة التي كتبها سلامون غروزدانيتش حيث توفي المترجم قبل طباعة الترجمة فأنكر أن يكون القرآن كتاب الله.
واعتبر الأستاذ حلمي نعيمارليا في مقالات له وقتذاك أن كلام كاتب المقدمة يهين مشاعر المسلمين وقامت المشيخة الإسلامية بشراء حقوق الطبع وأعادت كتابة مقدمة تليق بالجهد الذي بذله كركوت وبكتاب الله - تعالى -.
وقد لاقت ترجمة كركوت رضاءً عاماً رغم تأكيد المشيخة الإسلامية على أن الإعجاز متوقف على النص العربي الذي نزل به القرآن وأن لا أحد يمكنه النجاة من الوقوع في الخطأ أثناء الترجمة. وأشار أصحاب الأقلام الذين تناولوا الترجمة إلى تأثر المترجم بتفسير الزمخشري.
ترجمة مصطفى مليفو
ولد مصطفى مليفو في مدينة بوغينو سنة 1374 ه- 1955م حيث أكمل دراسته الابتدائية والثانوية، ثم رحل إلى موستار حيث أنهى دراسته الجامعية وتخرج مهندساً ميكانيكياً، لكن شغفه بالقرآن ملأ عليه حياته، وكان يقرأ كل شيء له علاقة بالقرآن الكريم.
وهو اليوم مدير المركز الإسلامي في بوغوينو. ويرى الباحثون أن مليفو ترجم القرآن عن الإنجليزية وليس كما يقال عن اللغة العربية.
ومن العجيب أن مُراجع الطبعة حامل شهادة في الهندسة الإلكترونية، ومنفذ العمل أستاذ في الرياضيات، وفي المقدمة يذكر المترجم أن \"...القرآن الأكثر قراءة والأكثر تأثيراً في فكر الإنسان ودوره في الإسلام أساسي ويفوق أدوار الكتب المقدسة الأخرى... \" و\"إن عظمة القرآن تكمن في إمكانية العمل به في كل مكان وزمان... وهو صريح في مناداته بعدم الإكراه في الدين\". ولم تخل ترجمة الرجل من أخطاء في إظهار معنى الآيات القرآنية، وقد عدد المراجعون تلك الأخطاء بما لا تتسع له هذه السطور.
ترجمة الدكتور أنس كاريتش
يعد الدكتور أنس كاريتش من المفكرين البوشناق ذوي الثقافة الإسلامية العالية إلى جانب اطلاعهم الواسع على الثقافة الغربية.
وقد مكنه ذلك من فهم أعمق لجدلية الشرق والغرب والوقوف على أرض فكرية إسلامية راسخة.
وقد ظهرت ترجمة الدكتور كاريتش في سنة 1415 ه- 1995 المجتمع. ويعمل الآن عميداً لكلية الدراسات الإسلامية في سراييفو، وهو من الذين لهم صولات وجولات في ميدان الدراسات القرآنية وما يتعلق بها بحكم التخصص واطلاعه على الترجمات السابقة وملاحظته للأخطاء التي وقع فيها من سبقه في ترجمة القرآن الكريم.
وهو ما حاول تفاديه في ترجمته، وحسب قول أهل الذكر في هذا الميدان فقد نجح الدكتور كاريتش في رسالته نجاحاً مُرضياً حيث عمد إلى أسلوب العمل الجماعي من خلال عرض الترجمة على عدد من المتخصصين لمراجعتها من بينهم الدكتور سناهيد خليلوفيتش والدكتور مصطفى تسيريتش والدكتور رشيد حافيظوفيتش والدكتور حلمي نعيمارليا والدكتور زياد ليفاكوفيتش والدكتور حارث سيلاجيتش.
أما مراجعة النص باللغة العربية فقد قام بها الحافظ محمد تراليتش والحافظ فاضل فضليتش. ويبدو أن حضور هؤلاء العلماء البوسنيين في هذا العمل يدل على قيمته العلمية العالية وضرورة أن يكون على درجة كبيرة من الجودة والإتقان.
وكان الدكتور كاريتش قد أعد دراسة عن ترجمات القرآن السابقة ضمنها أوجه الانتقاد الموجهة إليها.
وقال: إن \"القرآن لا يمكن ترجمته ترجمة نهائية وأخيرة بل يجب أن تتواصل عملية ترجمته بصفة دائمة ومستمرة بدون انقطاع\" ويستدل بالحديث الشريف: \"لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوهاً كثيرة\" وقال الدكتور كاريتش: إن \"القرآن الكريم يبقى كما هو في كل الأزمنة أما ترجماته فهي صورة لفهم المترجم في زمن ما، ولذا تبقى الترجمة منسوبة لتاريخ البشرية وتجربتها\"، وقال: إن أي ترجمة \"لا يمكن أن تكون خالية من الأخطاء، كما لن تكون مساوية للأصل مهما بذل من الجهد العلمي\". ومع ذلك لم تخل ترجمة الدكتور كاريتش من أخطاء وزيادة ونقصان كأي عمل بشري آخر. إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية الترجمة وتميزها.
ترجمة الدكتور أسعد دوراكوفيتش
الترجمة السابعة كانت للدكتور أسعد دوراكوفيتش أستاذ كرسي الفلسفة بالجامعة البوسنية الذي قال: إن القرآن الكريم يصر على قيمه الأسلوبية، وعلى بنية القوافي البارعة والترجيع والإيقاع والإيجاز مثلما يصر بصورة عامة على بلاغته الرائعة التي تعجبنا بدرجة لا نهائية\".
وأضاف أن \"أغلبية الترجمات تأتي فقيرة جداً على صعيد الأسلوب\".
وتحدث عن دوافعه لإضافة ترجمة سابعة للقرآن الكريم باللغة البوسنية فقال: \"نظري في الترجمات السابقة جعلني أجرؤ على ترجمة القرآن الكريم، وكان هدفي الأساسي هو أن أتناول بلاغته البارعة ولو إلى حد يمكن القارئ من تصور الإعجاز في النص الأصلي المنزل باللغة العربية\"، وقال: \"لذا قمت بترجمة معاني القرآن الكريم مهتماً بقيمه الأسلوبية وذلك لأول مرة باللغة البوسنية، وكان هذا الاهتمام نزعة أساسية لي وكان مبدأ التميز لترجمتي مقارنة بغيرها من الترجمات السابقة\". وحول كيفية ترجمته للآيات الطوال قال: \"في ترجمة الآيات الطوال أدخلت القافية الداخلية والإيقاع، محاولاً أن أقدم نتائج صوتية متشابهة إلى حد ما بالتي نجدها في النص العربي\".
وعن تركيب الجمل قال: \"أما تركيب الجمل فهناك اختلاف بين ترجمتي وبقية الترجمات السابقة، فقد كنت مهتماً بتحويل بعض الجمل العربية من حيث التركيب إلى تركيب الجمل البوسنية نظراً لأن هناك فرقاً كبيراً بين اللغتين في هذا المجال\"، وقال: \"أما القلب في تركيب الجملة البوسنية فقد استعملته كثيراً نسبياً لأنه يؤثر في التشديد على الفيض القدسي الذي يتميز به القرآن الكريم\".
وعن تصوره الأكاديمي كأستاذ لقسم الفلسفة بالجامعة البوسنية لبلاغة القرآن الكريم قال:\"أعتقد أن هذا النص العربي الذي أنزل به القرآن الكريم، هو نقل مكيف من اللوح المحفوظ موجود في الغيب\".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد