هل صحيح أن أمير المؤمنين أو الخليفة يجب أن يكون قرشياً، وأن الخلفاء العثمانيين أثموا عندما لم يولوا قرشياً؟
الجواب:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين، وبعد:
اختلف الفقهاء في اشتراط أن يكون الإمام قرشياً، فذهب جماهير العلماء إلى أنه يشترط في الإمام أن يكون قرشيّاً، واستدلوا بقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: (الأئمة من قريش، أبرارها أمراء أبرارها، وفجارها أمراء فجارها)، وهذا الحديث أخرجه الحاكم من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وله شواهد أخرى، ورواه الإمام أحمد، والنسائي في السنن الكبرى، وابن أبي شيبة، وممن صحح الحديث الألباني، وشعيب الأرناؤوط، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير \"رواه النَّسائيٌّ عن أَنسٍ,، ورواهُ الطَّبرانِيٌّ في الدٌّعاء والبزَّارُ والبيهقِيٌّ من طُرُقٍ, عن أَنَسٍ,، قُلت: وقد جمعت طُرُقهُ فِي جُزءٍ, مُفردٍ, عن نحوٍ, من أَربعِين صحابِيّاً، ورواهُ الحاكم والطَّبرانِيٌّ وَالبَيهَقِيٌّ من حدِيثِ عَلِيٍّ,، وَاختُلِفَ فِي وَقفِهِ وَرَفعِهِ، وَرَجَّحَ الدَّارَقُطنِيٌّ فِي العِلَلِ المَوقُوفَ، وَرَوَاهُ أَبُو بَكرِ بنُ أَبِي عَاصِمٍ, عَن أَبِي بَكرِ بنِ أَبِي شَيبَةَ مِن حَدِيثِ أَبِي بَرزَةَ الأَسلَمِيّ، وَإِسنَادُهُ حَسَنٌ، وَفِي البَابِ عَن أَبِي هُرَيرَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ بِلَفظِ: (النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيشٍ,)، وَعَن جَابِرٍ, لِمُسلِمٍ, مِثلُهُ، وَعَن ابنِ عُمَرَ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ بِلَفظِ: (لا يَزَالُ هَذَا الأَمرُ فِي قُرَيشٍ, مَا بَقِيَ مِنهُم اثنَانِ)، وَعَن مُعَاوِيَةَ بِلَفظِ: (إنَّ هَذَا الأَمرَ فِي قُرَيشٍ,) رَوَاهُ البُخَارِيٌّ، وَعَن عَمرِو بنِ العَاصِ بِلَفظ: (قُرَيشٌ وُلاةُ النَّاسِ فِي الخَيرِ وَالشَّرِّ إلَى يَومِ القِيَامَةِ) رَوَاهُ التِّرمِذِيٌّ وَالنَّسَائِيٌّ \".
قال القاضي عياض: \"اشتراط كون الإمام قرشياً مذهب العلماء كافَّة، وقد عدٌّوها في مسائل الإِجماع، ولم يُنقل عن أَحدٍ, من السَّلف فيها خلاف، وكذلكَ من بعدهم في جميع الأمصار\".
وقد كان عمل الصحابة والتابعين ومن بعدهم على هذا إلى زمن الإمام النووي، والذين حصروا الخلافة في قريش اختلفوا في تعميمها في كل قريش، أو تخصيصها ببعض منهم كبني عبد المطلب، أو بني أمية، أو غيرهما، وذهب ببعضهم التعصب إلى حد التجاوز عن الشروط الأخرى التي يجب توافرها في الإمام، فأجازوا عقدها للقرشي ولو كان عاجزاً عن القيام بأمور المسلمين.
وخلاصة القول في المسألة أن حديث (الأئمة من قريش) يدل على أن القرشي أولى بالإمامة من غيره إذا توفرت فيه شروط الإمامة، ولا يعني تولية القرشي ولو لم تتوفر فيه شروط الإمامة، وذلك إنما يكون عند الاختيار بين إمامين.
وأما إذا تولى غير القرشي فلم يقل أحد بعدم صحة إمامته، بل تجب طاعته، ولا يأثم من قدمه على غيرهº ذلك لكونه أحق بالإمامة، ولعل علة اشتراط كون الإمام من قريش هو أن من مقاصد الإمامة قوة النفوذ، وهيبة السلطانº لتحقيق المصلحة للأمة، ودفع الشرور عنها، وهذا إنما يتحقق في الإمام أصيل النسب، وليس المقصود به التبرك بالأنساب، ولهذا رأى بعض الفقهاء إلغاء هذا الشرطº لأنه كان موجوداً في زمن النبي - عليه الصلاة والسلام - وبعده، وأما في الأزمان اللاحقة فلا يتحقق فيها ذلك، وقد أشار إلى ذلك ابن خلدون في مقدمته فقال: \"ومن القائلين بنفي اشتراط القرشية أبوبكر الباقلاني لما أدرك ما عليه عصبية قريش من التلاشي والاضمحلال، واستبداد ملوك العجم على الخلفاء، فأسقط القرشية، وإن كان موافقاً لرأي الخوارج لما رأى عليه حال الخلفاء بعهده\".
وقال ابن عثيمين معلقاً على حديث (الأئمة من قريش): \"إنما قال ذلك في الاختيار، إذا أردنا أن نختار إماماً للمسلمين فلنختر من قريش، ولكن مِن قريش مَن؟ الذين قاموا بالدين، أما مجرد الانتساب لقريش، أو إلى الرسول - عليه الصلاة والسلام - فإنه ليس بفضيلة إلا إذا اقترن بالدين، لو جاءنا رجل من قريش وقال: إنه أحق بالإمامة من غيره وهو فاسق! قلنا: لا، لأن من شرط الإمامة عند ابتداء الاستخلاف: أن يكون عدلاً، لكن لو أن أحداً قهر الناس وحكمهم فإنه يجب له السمع والطاعة\".
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد