لا يجوز التبرك بفضلات وآثار غيره - صلى الله عليه وسلم - من البشر وشبه من أجاز ذلك والرد عليها


 بسم الله الرحمن الرحيم

 

عدم جواز التبرك بهذه الأشياء المذكورة لغير النبي - صلى الله عليه وسلم -:

1- قال الشيخ الإمام  ابن باز - رحمه الله تعالى -: \"لا يجوز التبرك بأحد غير النبي- صلى الله عليه وسلم - لا بوضوئه، ولا بشعره، ولا بعرقه، ولا بشيء من جسده، بل هذا كله خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما جعل الله في جسده وما مسه من الخير والبركة.

ولهذا لم يتبرك الصحابة - رضي الله عنهم - بأحد منهم، لا في حياته ولا بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- لا مع الخلفاء الراشدين ولا مع غيرهم. فدل على أنهم قد عرفوا أن ذلك خاصُّ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- دون غيرهº ولأن ذلك وسيلة إلى الشرك وعبادة غير الله - سبحانه -\". راجع: \"فتاوى مهمة تتعلق بالعقيدة\" : ابن باز.

2- وقال الشيخ صالح الفوزان في كتابه عقيدة التوحيد: \"وأما ما كان الصحابة يفعلونه من التبرك بشعر النبي - صلى الله عليه وسلم- وريقه وما انفصل من جسمه - صلى الله عليه وسلم - فذلك خاص به - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن الصحابة يتبركون بحجرته وقبره بعد موته، ولا كانوا يقصدون الأماكن التي صلّى فيها أو جلس فيها، ليتبركوا بها). \"عقيدة التوحيد\"ص (194-195).

3- وقال ابن تيمية -رحمه الله - : \"فإن المكان الذي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي فيه بالمدينة المنورة دائماً لم يكن أحد من السلف يستلمه ولا يُقبله، ولا الموضع الذي صلى فيه بمكة وغيرها، فإذا كان الموضع الذي كان يطؤه -صلى الله عليه وسلم- بقدميه الكريمتين، ويصلي عليه، لم يُشرع لأمته التمسح به ولا تقبيله، فكيف بما يُقال إن غيره صلّى فيه أو نام عليه؟ فتقبيل شيء من ذلك، والتمسح به قد علم العلماء بالاضطرار من دين الإسلام: أن هذا ليس من شريعته -صلى الله عليه وسلم-. راجع: \"الصراط المستقيم\". (2/795-802) تحقيق الدكتور/ ناصر العقل.

وهناك تبرك مشروع كالتبرك بالأقوال, والأفعال, والهيئات إذا جاء بها المسلم ملتمساً للخير والبركة حصل له ما أراد إذا اتبع في ذلك السنة، ولم يكن في ذلك مانع فمن هذه الأقوال: ذكر الله, وتلاوة كتابه، ومن الأفعال التي تكون سبباً للبركة: طلب العلم وتعلمه، ومن الهيئات المباركة: الاجتماع على الطعام، والأكل من جوانب القصعة، ولعق الأصابع، وكيل الطعام فقد قال -عليه الصلاة والسلام- : (اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه يُبارك لكم فيه). أخرجه أحمد وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (2/717).

وكذلك من التبرك المشروع التبرك بالأمكنة: فهناك أمكنة جعل الله فيها البركة إذا تحقق في العمل الإخلاص والمتابعة فمن هذه الأماكن المساجد والتماس البركة فيها إنما يكون بأداء الصلاة فيها، والاعتكاف، وحضور مجالس العلم وغير ذلك مما هو مشروع، ولا يكون بالتمسح بجدرانها أو ترابها مما هو ممنوع.

ومن المساجد ما يكون لها مزية وزيادة في البركة كالمسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى - خلصه الله من أيدي اليهود - فصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف، وفي المسجد النبوي بألف صلاة، وفي المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- : من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء وصلّى فيه صلاة كان له كأجر عمره). أخرجه أحمد وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/238) قلت: ولا يجوز التمسح بشيء من هذه المساجد الثلاثة من جدرانها أو معالمها طلباً للبركة منها.

ومن الأمكنة المباركة: مكة والمدينة والشام، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثل ما دعا إبراهيم لأهل مكة).صحيح مسلم (2/991) رقم(1360)، كتاب الحج ، باب فضل المدينة ودعا النبي فيها بالبركة. وقال -صلى الله عليه وسلم- طوبى للشام، فقلنا: لأي شيء ذاك؟ فقال: لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه). سنن الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي ص(3099).

فمن سكن مكة أو المدينة أو الشام طلباً لما فيها من البركة التي أخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم- ، فقد وفِّق إلى خيرٍ, كثير، بخلاف ما لو طلب التبرك بالتمسح بترابها وجدرانها وأشجارها وغير ذلك مما لم يرد به الشرع فإنه بدعة، وكذا المشاعر المقدسة كعرفة ومزدلفة ومنى فهي أماكن مبارك لما في الاقتداء بالرسول -صلى الله عليه وسلم- بالحصول فيها في الأوقات المشروعة من غفران الذنوب وحصول الأجر الكبير.

 

شبه من  أجاز التبرك بذوات الصالحين والرد عليها:

هناك من أجاز التبرك بذوات الصالحين وبآثارهم ومواضع عبادتهم، ونحو ذلكº استناداً على بعض الشبه التي تعلقوا بها.

فمن هذه الشبه:

1.    قياس الصالحين على الرسول - صلى الله عليه وسلم - في شرعية التبرك بالذوات والآثار.

الرد عليها:

أولاً: هل فعل الصحابة ذلك التبرك مع غيره -صلى الله عليه وسلم-؟.

لم يُؤثر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بالتبرك بغيره من الصحابة -رضي الله عنهم- أو غيرهم، سواءً بذواتهم أو بآثارهم، أو أرشد إلى شيء من ذلك. وكذا فلم يُنقل حصول هذا النوع من التبرك من قبل الصحابة -رضي الله عنهم- بغيره-صلى الله عليه وسلم-لا في حياته -صلى الله عليه وسلم- ولا بعد مماته -صلى الله عليه وسلم-.

ولم يفعله الصحابة مع السابقين منهم إلى الإسلام وفضلائهم مثلاً، ومنهم الخلفاء الراشدون وهم - أفضل الصحابة- وبقية العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم.

قال الإمام الشاطبي -رحمه الله - بعد أن أشار إلى ثبوت تبرك الصحابة -رضي الله عنهم- بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبآثاره مناقشاً مسألة إمكان التبرك أيضاً بالصالحين وبآثارهم – وهو من المحققين  الذين تطرقوا لهذه المسألة.

قال -رحمه الله تعالى- : \"الصحابة -رضي الله عنهم- بعد موته - عليه الصلاة والسلام- لم يقع من أحدٍ, منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه، إذ لم يترك النبي -صلى الله عليه وسلم - بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ، فهو كان خليفته، ولم يُفعل به شيءٌ من ذلك، ولا عمر - رضي الله عنه-، وهو كان أفضل الأمة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركاً تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسير التي اتبعوا فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو إذاً إجماع منهم على ترك تلك الأشياء.\" الاعتصام\" (2/8-9).

فإذا لم يثبت حصول ذلك النوع من التبرك من جهة الصحابة-رضي الله عنهم - مع بعضهم وهم أفضل القرون كما قرره الشاطبي -رحمه الله تعالى- وغيره مع وجود مقتضيات هذا التبرك  طلب الخير والشفاء والبركة  وتوفر أسبابه، حيث توافر الصحابة السابقين والعشرة المبشرين بالجنة - رضي الله عنهم- جميعاً.

كما أن الوفود التي كانت تُبعث خارج المدينة لبعض المهمات - ومنهم كبار الصحابة- لم يحصل التبرك بهم من قبل من بُعثوا إليهم، مع بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- عنهم في حياته.

إذا كان الأمر كذلك، ما سبب إجماعهم على ترك هذا التبرك إذن؟ ولماذا لم يفعلوه مع بعضهم كما كانوا يفعلونه مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ؟.

إذاً فما هو السبب في ترك الصحابة لهذا التبرك؟

إن السبب الرئيسي في ترك الصحابة -رضي الله عنهم- ذلك التبرك مع بعضهم - والله أعلم - هو اعتقاد اختصاص النبي-صلى الله عليه وسلم -به دون سواه - ما عدا سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - \"راجع \" التبرك أنواعه وأحكامه\" (262-263).

وقال الشاطبي -رحمه الله- مبيناً حكم ذلك التبرك بغيره -صلى الله عليه وسلم-: \"فعلى هذا المأخذ: لا يصح لمن بعده الاقتداء به في التبرك على أحد تلك الوجوه، ونحوها ومن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة، كما كان الاقتداء به في الزيادة على أربع نسوة بدعة\" \"الاعتصام\" 2/9.

وذكر في موضع آخر ما يرجح هذا الوجه: (وهو إطباقهم -أي الصحابة-على الترك إذ لو كان اعتقادهم التشريع (أي اعتقادهم أن هذا التبرك مشروع) لعمل به بعضهم بعده، أو عملوا به ولو في بعض الأحوال، إما وقوفاً مع أصل المشروعية، وإما بناء على اعتقاد انتفاء العلة الموجبة للامتناع\". \"الاعتصام\" 2/10.

وقال \"الإمام ابن رجب\" في معرض سياقه للنهي عن المبالغة في تعظيم الأولياء والصالحين وتنزيلهم منزلة الأنبياء: \"وكذلك التبرك بالآثار، فإنما كان يفعله الصحابة مع النبي-صلى الله عليه وسلم- ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم.. ولا يفعله التابعون مع الصحابة، مع علو قدرهم فدل على أن هذا لا يُفعل إلا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل التبرك بوضوئه، وفضلاته، وشعره، وشرب فضل شرابه وطعامه. راجع \"الحكم الجديرة بالإذاعة من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - بُعثت بين يدي الساعة\". لابن رجب ص55.

يتبين لنا مما سبق أن ما رآه بعض أهل العلم من قياس الصالحين على الرسول -صلى الله عليه وسلم - في جواز التبرك بذواتهم وآثارهم غير صحيح.

فإن إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- على ترك التبرك بالذوات والآثار مع غير النبي-صلى الله عليه وسلم -مع وجود مقتضياته - يدل على أن هذا من خصائصه -صلى الله عليه وسلم-حيث إن الله - تعالى- اختص نبيه بجعل البركة في ذاته وآثاره، تكريماً وتشريفاً لصفوة خلقه -عليه الصلاة والسلام-.

ولو كان الفعل مشروعاً لسارعوا إلى فعله، ولم يجمعوا على تركه, فهم أحرص الناس على فعل الخير.

تبين لنا في الكلام السابق عدم مشروعية التبرك بذوات الصالحين أو بآثارهم، وأن هذا النوع خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقط.

ولعلنا نذكر بعض الأمثلة لهذا التبرك الممنوع ألا وهو التبرك بذوات وآثار الصالحين.

فمن أشهر هذه الأمثلة تقبيل اليد ونحوها أو التمسح بها تبركاً, أو تقبيل الميت الصالح للتبرك. راجع \"المدخل لابن الحاج\" (1/263). و\" فتح الباري\" (3/115) مع تعليق الشيخ ابن بارز رقم (1).

ومن العادات الشائعة عند بعض العوام التمسح بالخطيب -بكتفه وظهره مثلاً- بعد خطبة الجمعة والتمسح بأئمة الحرم المكي والمدني بعد كل صلاة. راجع\" الإبداع في مضار الابتداع\" لعلي محفوظ ص79.

ومن أمثلة التبرك بآثار الصالحين (وهو باطل): التبرك بما انفصل منهم، كالشعر، والريق، والعرق، وشرب ماء الوضوء، أو التمسح به، أو الاحتفاظ بملابسهم وأدواتهم للتبرك بها، ونحو ذلك. رجع \" التبرك أنواعه وأحكامه\" (382-383)

تقدم في ما مضى بيان عدم مشروعية التبرك بآثار الرسول -صلى الله عليه وسلم-المكانية، كمواضع صلاته ودعائه، أو جلوسه، أو نومه، ونحو ذلك مما يفعله -صلى الله عليه وسلم- على وجه التعبد.

ولا ريب أن هذا إذا لم يشرع في حق المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فإن ما عداه من الصالحين وغيرهم ليس مشروعاً في حقهم من باب أولى. راجع:\" التبرك أنواعه وأحكامه\" (384).

وأما ما ذكره بعض المؤرخين عن اشتهار أمكنة موالد بعض الصاحبة في مكة مثلاً، كموالد علي بن أبي طالب، وفاطمة، وعمر بن الخطاب. \"شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام 1/270-272) - رضي الله عنهم جميعاً- ، وأن بعض هذه المواضع تزار مرة كل سنة، ويتمسح بها تبركاً. راجع \"رحلة ابن جبير\" ص42. فإن هذا لا أصل له، وعلى ضوء ما تقدم في حكم التبرك بمكان ولادة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

قال \"الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ\" تعليقاً على قول بعض شراح الحديث: \"لا بأس بالتبرك بآثار الصالحين\" إذا مروا بذكر شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحوه.

قال -رحمه الله- : (وهذا غلط ظاهر، لا يوافقهم عليه أهل العلم والحق وذلك أنه ما ورد إلا في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فأبو بكر, وعمر, وذو النورين عثمان, وعلي, وبقية العشرة المبشرين بالجنة، وبقية البدريين، وأهل بيعة الرضوان ما فعل السلف مع واحد منهم، أفيكون هذا منهم نقصاً في تعظيم الخلفاء التعظيم اللائق بهم، أو أنهم لا يلتمسون ما ينفعهم. فاقتصارهم على النبي-صلى الله عليه وسلم -يدل على أنه من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم-.. من راجع: \"مجموع فتاوى ورسائل  ابن إبراهيم\" 1/103- 104. \"وفتح  المجيد\" ص106

ومما يؤكد الاختصاص أيضاً أنه لم يرد دليل شرعي على  أن غير النبي -صلى الله عليه وسلم - مثله في التبرك بأجزاء ذاته وآثاره، فهو خاص به كغيره من خصائصه.راجع: كتاب هذه مفاهيمنا (209). ولا شك أن اختصاص النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا التبرك يدل على عدم جواز قياس الصالحين عليه - صلى الله عليه وسلم- بجامع الفضل، وأن هذا الأمر قاصر عليه -صلى الله عليه وسلم- لا يتعداه إلى غيره.

فقد أجمع العلماء على أنه إذا ثبتت الخصوصية في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنها تقتضي أن حكم غيره ليس كحكمه، إذ لو كان حكم غيره كحكمه لما كان للاختصاص معنى. راجع\" أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودلالتها على الأحكام الشرعية\". الأشقر 277بتصرف.

الشبهة الثانية: أثبت القرآن الكريم أن بقايا الصالحين وآثارهم يمكن التبرك بها في قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُم نِبِيٌّهُم إِنَّ آيَةَ مُلكِهِ أَن يَأتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُم وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحمِلُهُ المَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُم إِن كُنتُم مٌّؤمِنِينَ} (248) سورة البقرة .

الرد عليها: يجاب على هذه الشبهة بأن المراد بآل موسى وآل هارون هما موسى وهارون أنفسهما وأن لفظ (آل)  مقحمة لتفخيم شأنهما وعلى هذا جمهور المفسرين.

وقيل: المراد الأنبياء من بني يعقوبº لأنهما من ذرية يعقوب، فسائر قرابته ومن تناسل منه آل لهما. راجع \"فتح القدير\" (1/265).

وعلى ما تقدم فإن تلك البقايا المذكورة في الآية خاصة بالأنبياء فقط، ليست لغيرهم والتبرك بآثار الأنبياء -غير المكانية- لا نزاع شرعيته، كما تقدم.

فهذه الآية ليست فيها ما يدل على جواز التبرك ببقايا الصالحين وآثارهم، ومن زعم أنها تدل على ذلك فقد قال في القرآن بمجرد رأيه، وسلك طريق اتباع ما تشابه من  القرآن، وابتغاء الفتنة وتضليل الجهال، الذين لا يفرقون بين الحق والباطل. راجع \"رسالة الإجابة الجلية على الأسئلة الكويتية\" التويجري ص18-19.

الشبهة الثالثة: نقل حصول هذا التبرك عن بعض الأئمة، كما يُروى عن الربيع بن سليمان أن \"الإمام الشافعي\" -رحمه الله- بعثه بكتاب من مصر إلى \"الإمام أحمد بن حنبل\" -رحمه الله- ببغداد، ذكر فيه أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في نومه، وأنه أمره أن يبشر أحمد بأنه سيمتحن في القول بخلق القرآن، وأن الله سيرفع له بذلك علماً إلى يوم القيامة. فدفع إلى الربيع أحد ثوبيه بشارة، فلما رجع الربيع إلى مصر تبرك \"الشافعي\" بغُسالة ثوب \"الإمام أحمد\". راجع\" تاريخ دمشق\" (7/270-271) و\"مناقب الإمام أحمد\" لابن الجوزي ص551.

 

الرد عليها:

هذه الحكاية غير صحيحة لما يأتي:-

1.     أن الإمام الذهبي قد نص على عدم صحتها.

فقد قال -رحمه الله- في كتابه \"سير أعلام النبلاء\" عند ترجمته للربيع: \"ولم يكن صاحب رحلة، فأما ما يُروى أن الشافعي بعثه إلى بغداد بكتابه إلى أحمد بن حنبل فغير صحيح\" راجع \"سير أعلام النبلاء\" (12/578-588).

2.       أن \"الشافعي\" لقي من هو أكبر من \"الإمام أحمد\" وأفضل ولم يتبرك به، \"كالإمام مالك\" -رحمه الله- وهو شيخه، وكذا سفيان بن عيينة -رحمه الله-.

على أنه لو صحت تلك الحكاية أو غيرها عن بعض العلماء -افتراضاً- فليس هذا بحجة، لاختصاص النبي -صلى الله عليه وسلم- بجواز التبرك بذاته وآثاره، واقتصاره عليه، كما تقدم إثباته. راجع \"التبرك وأنواعه وأحكامه\" 384-387.

وفي ختام هذا المبحث نسأل الله -عز وجل - أن يجبنا البدع والشركيات, وأن يوفقنا إلى عبادته على الوجه الذي يرضيه عنا إن سميع عليم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply