الـنـفـاق حقيقته، أنواعه، صوره (2)


 

بسم الله الرحمن الرحيم



تـمـهـيـد :

صور النفاق الأكبر :

ذكــر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعض هذه الصور، فقال :( فمن النفاق ما هو أكبر، يكــون صاحبه في الدرك الأسفل من النار، كنفاق عبد الله بن أبيّ وغيره، بأن يـظــهــــر تكذيـب الرسـول أو جحـود بعض ما جاء بـه أو بُغضه، أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه، أو المسرة بانخفاض دينه، أو المساءة بظهور دينه، ونحو ذلك : مما لا يكون صاحبه إلا عدواً لله ورسوله، وهذا القدر كان موجوداً في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومازال بعده، بل هو بعده أكثر منه على عهده...)(1).

وقـال فـي مـوضـع آخر : (فأما النفاق المحض الذي لا ريب في كفر صاحبه، أن لا يرى وجوب تصديق الرســــول -صلى الله عليه وسلم- فيما أخبر بـه، ولا يرى أيضاً وجوب طاعته فيما أمر بـه، وإن اعتقـــد مع ذلك أن الرسول عظيم القدر علماً وعملاً وأنه يجوز تصديقه وطاعته لكنه يقول : إنه لا يضر اختلاف الملل إذا كان المعبود واحد، ويرى أنه تحصل النجاة والسعادة بمتابعة الـــرسول وبغير متابعته، إما بطريق الفلسفة والصبر، أو بطريق التهود والتنصر...)(2).

ونقل هذه الأنواع الشيخ محمد بن عبدالـوهـــاب رحمـه الله فـقــــــال : (... فأما النفاق الاعتقادي فهو ستة أنواع : تكذيب الرسول، أو تكذيب بعض ما جـــاء بـه الرسول، أو بُغض الرسول أو بغض ما جاء به الرسول، أو المسرة بانخفاض دين الرسول، أو الكراهية بانتصار دين الرسول، فهذه الأنواع الستة صاحبها من أهل الدرك الأسفل من النار)(3).

فيتحصل مما ذكره هذان الإمامان بعد دمج الأنواع المتشابهة أو المتقاربة خمس صفات أو أنواع هي :

1- تكذيب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو تكذيب بعض ما جاء بـه.

2- بغض الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو بغض ما جاء بـه.

3- المسرة بانخفاض دين الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو الكراهية بانتصار دين الرسول صلى الله عليه وسلم.

4- عدم اعتقاد وجوب تصديقه فيما أخبر.

5- عدم اعتقاد وجوب طاعته فيما أمر.

وبالنظر إلى الآيات التي ذكرت أحوال المنافقين، وكلام المفسرين حولها، يمكن أن يضاف إلى هذه الصفات صفات أخرى، وهي :

6- أذى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو عيبه ولمزه.

7- مظاهرة الكافرين ومناصرتهم على المؤمنين.

8- الاستهزاء والسخرية بالمؤمنين لأجل إيمانهم وطاعتهم لله ولرسوله.

9- التولي والإعراض عن حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم.

فالوقوع في أي صفة من هذه الصفات يُخرج من الملة، وهذه الصفات أكثـرهــا متعلق بحق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، يقول شيخ الإسلام رحمه الله : (... فالنفاق يقع كثيراً في حق الرسول، وهو أكثر ما ذكره الله في القرآن من نفاق المنافقين في حياته...)(4).

وسأشرح بعض هذه الصفات باختصار ذاكراً أدلة نفاق صاحبها :

1- أذى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو عيبه ولمزه :

وهذا داخل في سبه -صلى الله عليه وسلم- لأن السب : (هو الكلام الذي يـقـصــد بــــه الانتقاص والاستخفاف...)(5) والعيب، واللمز فيه انتقاص.

قال تعالى : ((ومنهم من يلمزك في الصدقات، فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون))[التوبة : 58].

نزلت هذه الآية في ذي الخويصرة التميمي حينما جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهــــو يقسم غنائم حُنين (فقال : اعدل يا رسول الله، فقال : ويلك، ومن يعدل إذا لم أعـــدل؟ قال عمر بن الخطاب : دعني أضرب عنقه، قال : دعه فإن له أصحاباً يحقر أحـدكـم صـــلاته مـع صلاته وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمـيّـة... قال أبو سعيد : أشهد سمعت من النبي -صلى الله عليه وسلم- وأشهد أن علياً قتلهم وأنا معه، جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : فنزلت فيه ((ومنهم من يلمزك في الصدقات)))(6).

قال الإمام الشوكاني فـي تفسيرها : (قوله : ومنهم من يلمزك)، يقال : لمزه يلمزه : إذا عابه، قال الجوهري : اللـمـز العيب، وأصله الإشارة بالعين ونحوها،... ومعنى الآية : ومن المنافقين من يعيبك في الصدقات : أي في تفريقها وقسمتها)(7).

وقال في آية أخرى : ((ومـنـهـــم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن، قل أذن خير لكم، يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين، ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم))[التوبة : 61]، إلى قوله سـبـحانه : ((ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم))[التوبة:63].

قال شيخ الإسلام رحمه الله : (فعلم أن إيذاء رسول الله محادة لله ولرسوله لأن ذكر الإيذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة، فيجب أن يكون داخلاً فيه، ولولا ذلك لم يكن الكلام مؤتلفاً،... ودل ذلك على أن الإيذاء والمحادة كفر لأنه أخبر أن له نار جهنم خالداً فيها...)(8)، وقال الشوكاني رحمه الله في تفسير هذه الآية : (قوله : (ومنهم) هذا نوع آخر مما حكاه الله من فضائح المنافقين وقبائحهم، وذلك أنهم كانوا يقولون للنبي -صلى الله عليه وسلم- على وجه الطعن والذم هو أذن، قال الجوهري : يقال رجل أذن : إذا كان يسمع مقال كل أحد، يستوي فيه الواحد والجمع ومرادهم أقمأهم الله أنهم إذا آذوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وبسطوا فيه ألسنتهم، وبلغه ذلك اعتذروا له وقَبل ذلك منهم، لأنه يسمع كل ما يقال له فيصدقه، وإنما أطلقت العرب على من يسمع ما يقال له فيصدقه أنه أذن مبالغة، لأنهم سموه بالجارحة التي هي آلة السماع، حتى كأن جملته أذن سامعة،... وإيذاؤهم له هو قولهم »هو أذن« لأنهم نسبوه إلى أنه يصدق كل ما يقال له ولا يفرق بين الصحيح والباطل اغتراراً منهم بحلمه عنهم وصفحه عن خباياهم كرماً وحِلماً وتغاضياً....)(9).

وهذه الآية والتي قبلها ذكرهما شيخ الإسلام ضمن الآيات الدالات على كفر شاتم الرسول وقتله(10).

وذكر أن إيذاء الرسول ولمزه من الصفات الدالة على نفاق صاحبها، فقال رحمه الله : (وذلك أن الإيمان والنفاق، أصله فـي القـلــب، وإنما الذي يظهر من القول والفعل فرع له ودليل عليه، فإذا ظهر من الرجل شيء من ذلك ترتب الحكم عليه، فلما أخبر سبحانه أن الذين يلمزون النبي -صلى الله عليه وسلم-، والذين يؤذونه من المنافقين، ثبت أن ذلك دليل على النفاق وفرع له، ومعلوم أنه إذا حصل فرع الشيء ودليله حصل أصل المدلول عليه، فثبت أنه حيث ما وجد ذلك كان صاحبه منافقاً سواء أكان منافقاً قبل هذا القول أو حدث له النفاق بهذا القول)(11)، وهذا السب من الإيذاء واللمز والاستخفاف مناف لعمل القلب من الانقياد والاستسلام (ومحال أن يهين القلب من قد انقاد له وخضع واستسلم أو يستخف به، فإذا حصل في القلب اسـتـخـفـــاف واسـتـهـانـة امتنع أن يكون فيه انقيـاد واسـتسلام، فلا يكون فيه إيمان، وهذا هـو بعينـه كفر إبليس فإنه سمع أمر الله فلم يكذب رسولاً ولكن لم ينقد للأمر، ولم يخضع له واستكبر عن الطاعة فصار كافراً)(12).

2- التولي والإعراض عن حكم الله ورسوله :

ذكرت هذه الصفة عنهم في سورتي النساء والنور، قال تعالى:((ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين، وإذا دعــــوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون))[النور : 47، 48]، يقول الحافـــظ ابن كـثـيـر في تفسيرها : (يخبر تعالى عن صفات المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون يقولون قـولاً بألسـنـتـهــم ((آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك)) أي يخالفون أقوالهم بأعمالهم، فيقولون ما لا يفعلون، ولهذا قال تعالى : ((وما أولئك بالمؤمنين))، وقوله تعالى : ((وإذا دعـــوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم)) أي إذا طلبوا إلى اتبـاع الهـدى فيما أنزل الله على رسـوله أعرضوا عنه واسـتكبروا في أنفسهم عن اتباعه، وهذه كقوله تعالى : ((ألم تر إلى الذين يزعمون...))(13)، يقول شيخ الإسلام رحمه الله : (فبين سبحانه أن من تولى عن طاعة الرســـول وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين، وليس بمؤمن وأن المؤمن هو الذي يقول سمعنا وأطعنا)(14)، وقال سبحانه في سورة النساء : ((ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا بـه، ويريد الشـيـطـان أن يضلهم ضلالا بعيدا، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافـقـيــن يصدون عنك صدودا))[النساء : 60، 61]، لا شك أن هؤلاء المعرضين ممن يدعون الإيـمـــان هـم الـمنافقين(15)، (فبين سبحانه أن من دعي إلى التحاكم إلى كتاب الله وإلى الرسول فصد عن رسوله كان منافقاً)(16).

وهذا النوع من النفاق مما ينافي عمل القلب من القبول والاستسلام.

3- مظاهرة الكافرين ومعاونتهم على المؤمنين :

وهذه من أخص صفات المنافقين، فهم في الظاهر مع المؤمنين، لكنهم في الحقيقة مع الكفار عيوناً وأعواناً لهم، يكشفون لهم عورات المسلمين وأسرارهم، ويتربصون بالمؤمنين الدوائر.

قال تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهـود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي الـقــوم الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين))[المائدة : 51، 52].

قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية بعدما ذكر الخلاف في المعني بهذه الآية: (والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين جميعاً أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصاراً وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أنه من اتخذهم نصيراً وحليفاً وولياً من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان)(17).

ومن الآيات الصريحة دلالتها في اتصاف المنافقين بهذه الصفة قوله تعالى: ((بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما، الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا))[النساء : 138، 139].

قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآيـــــة : (... أما قوله جل ثناؤه : ((الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين))، فمن صـفـــــة المنافقين، يقول الله لنبيه : يا محمد، بشر المنافقين الذين يتخذون أهل الكفر بي، والإلحاد في ديني »أولياء« يعني أنصاراً وأخلاء »من دون المؤمنين« يعني من غير المؤمنين، »أيبتغون عندهم العزة« أيطلبون عندهم المنعة والقوة باتخـاذهم إياهم أولياء من دون أهـل الإيمان بي؟، »فإن العزة لله جميعاً« يقول: فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاء العزة عـنــدهــم، هــم الأذلاء الأقلاء...)(18).

ومعلوم أن موالاة الكفار مراتب مختلفة(19)، منها ما يصل إلى درجة الكفر الأكبر، ومنها دون ذلك، وما نشير إليه هنا هو الموالاة المخرجة من الملة التي يختص بها المنافقون وهي اتخاذهم أنصاراً وأعواناً على المؤمنين، أو الموالاة التامة لهم بالرضى عن دينهم أو تصحيح مذهبهم ونحو ذلك، يقول الإمام الطبري رحمه الله مبيناً ذلك عند تفسيره لقوله تعالى : ((لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة))[ آل عمران : 28]، قال رحمه الله : (لا تتخذوا أيها المؤمنين، الكفار ظهراً وأنصاراً توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك ((فليس من الله في شيء)) يعني بذلك : فقد بريء من الله وبريء الله منه بارتداده عن دينه ودخوله فـي الـكفر...)(20)، وذكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ضمن نواقض الإسلام (الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى : ((ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين))(21).

ويقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى ((ومن يتولهم فأولئك هم الظالمـون)) : (وذلك الظلم يكون بحسـب التولي فإن كان تولياً تـامــــاً، كان ذلك كفراً مخرجاً من دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب، ما هو غليظ، وما هــو دونه)(22).

وهذه الموالاة تدل على فساد في اعتقاد صاحبها، وبخاصة من جهة منافاتها لعمل القلب من الحب والبغض، فالحب والبغض كما هو معلوم أصل الموالاة والبراءة، فمحبة المؤمنين تقتضي موالاتهم ونصرتهم، وبغض الكافرين يقتضي البراءة منهم ومن مذاهبهم وعداوتهم ومحاربتهم، فإذا عادى المرء المؤمنين وأبغضهم، ووالى الكافرين وناصرهم علـى المـؤمنين، فقد نقض أصل إيمانه.

4- المسرة بانخفاض دين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو الكراهية لانتصار دينه :

وهـــذه الـصـفـة ذكرها الله عز وجل عن المنافقين في أكثر من موضع، فهم بسبب موالاتهم للكافرين يسعون معهم لإضعاف المسلمين وإثارة الفتن بينهم والتخذيل ويسيئون الظن بوعد الله ونصره، ويحـبــون ظـهــور الكفار وانتصارهم على المسلمين ويفرحون بذلك، وبالمقابل يصيبهم الهم والغم حينما ينتصر المسلمون.

قال عز من قائل : ((إن تصبك حسنة تسؤهم، وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل، ويتولوا وهم فرحون))[ التوبة: 50]، قال الإمام الشوكاني رحمه الله : (إن تصبك حسنة) أي حسنة كانت بأي سبب اتفق كما يفيده وقوعها في حيز الشرط، وكذلك القول في المصيبة، وتدخل الحسنة والمصيبة الكائنة في القتال كما يفيده السياق دخولاً أولياً، فمن جملة ما تَصدُق عليه الحسنة، الغنيمة والظفر، ومن جملة ما تصدق عليه المصيبة الخيبة والانهزام، وهذا نوع آخر مــن خـبـث ضـمـائــر المنافقين وسوء أفعالهم، والإخبار بعظيم عداوتهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وللمـؤمنـيــن، فإن المساءة بالحسنة، والفرح بالمصيبة من أعظم ما يدل على أنهم في العداوة قد بلغوا الـغـايـة)(23)، ويقول الإمام ابن حزم رحمه الله : (وأما الذي أخبر الله تعالى بأنه إن أصابت رسوله عليه الصلاة والسلام سيئة ومصيبة تولوا وهم فرحون، أو أنه إن أصابته حسنة ساءتـهـم فـهـؤلاء كـفـــار بلا شك)(24).

والذين يسوءهم انتصار دين الرسول -صلى الله عليه وسلم- حكمهم حكم من يسوءه انتصار الرسول نفسه، ولذلك ورد في الآية السابقة : ((إن تمسسك حسنة تسؤهم... الآية))، وفي آيــة أخـــرى، يقول سبحانه وتعالى : ((إن تمسسكم حسنة تسؤهم، وإن تصبكم سيـئـة يفـرحوا بـهـــا، وإن تصـبـروا وتـتـقـوا لا يضـركم كيـدهم شـيـئــــا، إن الله بما يعملون محيط))[آل عمران : 120].

ومــا أكـثـــر ما نلاحظ هذه الصفة في المنافقين المعاصرين من الساسة والإعلاميين وغيرهم، حيث يصيبهم الـهــم والغم والحزن، ويظهرون الكراهية حينما ينتصر المسلمون في بلد من البلدان، وبالمقابل يظهرون الفرح والسرور والتشفي بما يصيب المؤمنين من هزيمة ومصائب ومحن، وقد يبررون هذا السلوك بوجود انحرافات وأخطاء لدى بعض المؤمنين، وهذا المبرر أو التأويل وإن عُذر بـه المتأولون المجتهدون، فلا عذر لكثير من هؤلاء لأنه لا يعرف عنهم حرص على التدين أو غيرة على الدين، وإنما يحرصون على ما يرضي أولياءهم الحقيقيين من اليهود والنصارى ونحــوهــم، وهذا السلوك المشين يدل على فساد في عمل القلب مـن الحب والفرح أو البـغض والكراهة، نسأل الله تبارك وتعالى السلامة والعافية.

ويمكن أن نذكر صنفاً آخر من أصـنــاف الـمـنافقين، الذين عُرفوا على مدار التاريخ بالكيد للسنة وأهلها ومعاونة الأعداء عليهم، والحــزن لظهور السنة وعلوها، والفرح بانهزام أهل السنة وانكسارهم، وهؤلاء هم الرافضة وقد صـــور شيخ الإسلام حالهم هذا أحسن تصوير، فقال:(... فالرافضة يوالون من حارب أهل الـسـنـــة والجماعة، ويوالون التتار، ويوالون النصارى، وقد كان بالساحل بين الرافضة وبين الفـرنـــج مهادنة، حتى صارت الرافضة تحمل إلى قبرص خيل المسلمين وسلاحهم، وغلمان السلطان، وغيرهم من الجند والصبيان، وإذا انتصر المسلمون على التتار أقاموا المآتم والحزن، وإذا انـتـصـــر التتار على الـمسلمين أقاموا الفرح والسرور، وهم الذين أشاروا على التتار بقـتل الخليفة، وقـتــل أهــل بغـداد، ووزيـــر بـغــداد ابن العلقمي الرافضي هو الذي خامر على المسلمين، وكاتب التتار، حتى أدخلهم أرض الـعـــراق بالـمـكـــر والخديعة ونهى الناس عن قتالهم، وقد عرف العارفون بالإسلام : أن الرافضة تميل مع أعداء الدين...)(25).

فهل يعي المسلمون بعامة، والـمـنـتـسـبون إلى الدعوة بخاصة، هذه الحقيقة؟ وهل يعي هذه الحقيقة من لايزالون يدافعون عن القوم ويحـسـنـــون الظن بهم أو يتحالفون معهم ويعلقون عليهم الآمال لنصرة الدين؟



هـوامـش :

(1)مجموع الفتاوى 28/434.

(2)الإيمان الأوسط 180.

(3)مجموعة التوحيد 7.

(4)الإيمان الأوسط 181، وانظر الإيمان 285.

(5)الصارم المسلول 561.

(6)رواه البخاري، كتاب استتابة المرتدين »باب من ترك قتال الخوارج للتألف..« رقم 6933 (الفتح 12/290).

(7)فتح القدير.

(8)الصارم المسلول 38.

(9)فتح القدير 2/375.

(10)الصارم المسلول 28، 34.

(11)نفسه 35.

(12)نفسه 521.

(13)تفسير ابن كثير 3/298، وانظر تفسير الطبري 18/15، وتفسير أبي السعود 4/134.

(13)تفسير ابن كثير 3/298، وانظر تفسير الطبري 18/15، وتفسير أبي السعود 4/134.

(14)الصارم المسلول 39.

(15)تفسير ابن كثير 1/519.

(16)الصارم المسلول 38.

(17)تفسير الطبري 10/398.

(18)تفسير الطبري 9/319.

(19)انظر الولاء والبراء، د. محمد القحطاني 231 247.

(20)تفسير الطبري 6/313.

(21)الرسائل الشخصية 213.

(22)تفسير كلام المنان 7/357، وانظر 2/304.

(23)فتح القدير 2/368، 369، وانظر تفسير الطبري 14/289.

(24)المحلى 11/205، 206.

(25)مجموع الفتاوى 28/636، وانظر 28/435.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply