بسم الله الرحمن الرحيم
دقائق مرت سريعة في نشرة أخبار التليفزيون المصري في الإشارة لوفاة عالم مهيب لطالما جلس يستمع باهتمام إلى حلقات خواطره حول القرآن الكريم الصغار والكبار، المتعلمون وأنصافهم، في زمان لم يكن يشهد ذلك الخضم المتلاطم من البرامج الدينية (التي تظل ضئيلة بالنسبة لغيرها من التوسعات الإعلامية الأخرى في الفضاء).
كان مشهد جنازة فضيلة الشيخ متولي الشعراوي في يونيو 1998م معبراً عن حب تلاميذ الشيخ ومحبي دروسه، لكن الشقة قد نأت وقتها على الوزراء والرسميين عن قرية دقادوس بشمال مصر، أما كاميرات التلفزة فقد ضنت هي الأخرى على جنازة الشيخ ببث مباشر، أو حتى تغطية لائقة، وآلت بعض هيئات التحرير في صحف عربية ببلدان مجاورة على نفسها ألا تصف فقدانه بأنه خسارة للعالم الإسلامي، مقتصرة على \"منح هذا الخسران\" لمصر وحدها!!
عين الحال مضى والعالم الإسلامي ينكب بموت العلماء المسلمين بعضهم في إثر بعضº فقد غيب الموت العلامة عبدالعزيز بن باز (مفتي السعودية)، وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر جاد الحق، ومحدث الشام ناصر الدين الألباني، والمفكر الشيخ محمد الغزالي، والعالم الزاهد أبا الحسن الندوي في سنوات قلائل، وبعضهم لم ندر بغيابهم إلا بعد أيام عديدة، وكأنهم قد غدوا عبئاً على الزمان، زمان العولمة الجديد.
وزمن العولمة في بلاد بني يعرب يعني عولمة الإعلام، وهو بدوره عند أولي النهى في بلاد العربان هو أن العالم قد أمسى قرية رقص صغيرة.
على مضض قبل البعض منا هذا التوصيف - أو تلك الجريمة الإعلامية -، واستراح البعض راتعين فيما هم إليه يساقون بأن هذا زمانٌ مكان الدين فيه بأقصى يمين البيت العربي، وتطامن الليبراليون حول موائد التنظير، واستفقنا يوم وفاة البابا فإذا نحن مغفلون!!
أنا حقيقة أحسد العلمانيين العرب على فرط ما يتمتعون به من جلود سميكة تحجب دماءً شديدة البرودة، وحقيقة لا أريد لهم أن يخنسوا كعاداتهم، أو يتواروا وراء عبارات الثناء، وقصائد المديح لبابا روما، وأن يعمدوا إلى أسئلتنا فيمنحوننا إجاباتهم بكل صدق وتجرد ومكاشفة:
كيف يمكن لنا كبسطاء عرب ومسلمين أن نفك طلسم هذه الأحجية، \"روما تستعد لاستقبال مليوني مسيحي لإلقاء نظرة الوداع على البابا\"، أو بشكل أكثر وضوحاً روما رأس المسيحية الكاثوليكية يحج إليها مئات الآلاف من أوروبا \"العلمانية\"؟!
أي علمانية تلك التي يتمسك بها العلمانيون العرب حين يثنون على البابا (الذي تحرم العلمانية عليه أن يتدخل في السياسة) بأنه كان نصيراً للقضيتين الفلسطينية والعراقية أو هكذا يتوهمون، وهم يتحدثون عن دوره المشكور في إسقاط الاتحاد السوفيتي، وهو عمل سياسي بلا ريب لا تجيزه العلمانية لرجال الدين (المسلمين على الأقل).
أي علمانية رسمية تهفو بها قلوب رؤساء العالم إلى حيث البابا مسجى ينتظر طقوس الدفن؟
ولماذا إذا كانوا يرضون لنا دين الغرب ديناً لم ينبسوا ببنت شفة ناقدين تقاعس رؤسائنا عن الاحتفاء بعلمائنا، وتقبيل أيديهمº مثلما يفعل \"العلمانيون الأوروبيون\"؟!
ولماذا لم يزعجهم تكريس وسائل الإعلام في العالم المسيحي والإسلامي على حد سواء لتغطية هذه الطقوس؟
وكيف استقام لهم تجاهل أوروبا للتبرعات السخية غير الخاضعة لأية رقابة دولية التي يتلقاها الفاتيكان، وثرواته الذهبية، فيما المنظمات الخيرية الإسلامية بين سندانهم ومطرقة الغرب لا تقوى حتى على تلقي التبرعات لضحايا تسونامي، ودارفور المسلمين؟
وفي المقابل أحسد بعض موظفي المؤسسات الإسلامية في العالم العربي على سماحتهم المفرطة، وهم يثنون على البابا في أعقاب رفض الفاتيكان برئاسة يوحنا بولس خلال حوار الأديان مؤخراً الاعتراف بالإسلام كدين، في وقت اعتبر البابا فيه المسيح - عليه السلام - يهودياً!!
في مخيلتي لو أعيد تعريف العلمانية من جديد بأنها \"فصل الدين الإسلامي عن الدولة\" لكان أوفر صدقاً مع النفس، وأدعى لترك اللجاج، وإلا فما ترى العلمانيين العرب قائلين عن صليب كبير اتخذه حلف الناتو شعاراً له في مقر لا يبعد سوى عشرات الكيلو مترات عن كنيسة القديس بطرس، حيث البابا مسجى؟!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد