اللـه جلّ جلاله واحد أم ثلاثة أولا المسيح في معتقد المسلمين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 



يتلخص معتقد المسلمين في المسيح - عليه السلام - أنه المسيح ابن مريم الصديقة، ولد بمعجزة إلهية من غير تدخل بشري، وقد ابتعثه الله نبياً ورسولاً إلى بني إسرائيل، يدعو إلى توحيد الله، ويبشر بمقدم خاتم النبيين، وأيده بالمعجزات العظيمة، فاستمر في دعوته، حتى أراد اليهود قتله، جرياً على عادتهم في قتل الأنبياء لكن الله أنجاه من مكر اليهود ومؤامرتهم لقتله، ورفعه إلى سماواته، وسيعود - عليه السلام - قبيل قيام الساعة، داعية إلى الله من جديد، ومطبقاً لشرعه، منكساً للصليب، ورافعاً لأعلام التوحيد.



ويتضح ذلك كله لمن قرأ الآيات التي أنزلها الله بشأنه في القرآن الكريم.



فقد تحدثت الآيات عن عيسى - عليه السلام - فذكرت أن الله صوره في رحم مريم التي اصطفاها الله وطهرها [إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين] (سورة آل عمران: 42) وأكرمها الله بالكرامات ومنها [كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله] (سورة آل عمران: 37) وحكى القرآن عن كفالة زكريا لها بعد نذر أمها بأن يكون حملها محرراً لله، وقد أمرها الله - عز وجل - بعبادته [يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين] (سورة آل عمران: 43)



و قد حملت مريم بمولودها بعد أن بشرها الله به عن طريق الملائكة، وسماه لها [إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم] (سورة آل عمران: 45)، وذكرت الآيات أنه كلمة منه، وأن الله خلقه من غير أب، وأن ليس في ذلك ما يقتضي ألوهيته، فقد خلق الله آدم أيضاً على غير الصورة المألوفة [إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون]. (سورة آل عمران: 59).



و تحدثت الآيات عن معجزات هذا المولود المبارك، والتي كان أولها حديثه في المهد حال طفولته، فقد أنطقه الله ليرد فرية اليهود على أمه العذراء [قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيّاً * قال إنّي عبد اللّه آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً * وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصّلاة والزّكاة ما دمت حيّاً * وبرّاً بوالدتي ولم يجعلني جبّاراً شقيّاً * والسّلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيّا?] (مريم: 28-33)، [ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين] (سورة آل عمران: 46).



ولما بلغ مبلغ الرجال أرسله الله كما أرسل رسلاً قبله [وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم] (سورة المائدة: 41)، ورسالة عيسى تصديق وتتمة لرسالة موسى الكليم [ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم] (سورة آل عمران: 50)، لذا آتاه الله العلم بالتوراة [وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل] (سورة المائدة: 110)، وأنزل الله عليه الإنجيل [وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور] (سورة المائدة: 41).



و قد أيده الله بالمعجزات وجعل ميلاده من غير أب أول معجزاته - عليه السلام - [وجعلنا ابن مريم وأمه آية] (سورة المؤمنون: 50)، وآتاه من الآيات ما ينبغي أن يؤمن له قومه الذين أرسل إليهم [وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني] (سورة المائدة: 110)، ومن آياته أيضاً علمه ببعض الغيوب [وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين] (سورة آل عمران: 49).



و كما أيده الله بالبينات أيده بروح القدس جبريل - عليه السلام - [وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس] (سورة البقرة: 87).



و كانت رسالته - عليه السلام - إلى بني إسرائيل خاصة [و رسولاً إلى بني إسرائيل] (سورة آل عمران: 49)، فدعاهم [يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة] (سورة الصف: 6).



و قد انقسم بنو إسرائيل حيال دعوته إلى مؤمن به وكافر [فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة] (سورة الصف: 14). و المؤمنون به هم حواريوه - عليه السلام -.



و أما غيرهم من اليهود فكادوا عيسى ابن مريم ولم يؤمنوا به، فاستحقوا اللعنة والغضب [لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون] (سورة المائدة، 78-79).



و تحدثت الآيات القرآنية أيضاً بوضوح عن نجاة عيسى من الصلب الذي لم تنف الآيات وقوعه، لكنها أكدت على أن المصلوب غيره - عليه السلام - [وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم] (سورة النساء: 157)، وأكد القرآن قلة علم أهل الكتاب في هذا الموضوع وعدم تيقنهم منه [ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً] (سورة النساء: 157).



ويذكر القرآن مصير عيسى - عليه السلام - [بل رفعه الله إليه] (سورة النساء: 158)، ويذكر القرآن أيضاً نزوله آخر الزمان وإيمان أهل الكتاب به [وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته] (سورة النساء: 159).



و أشارت الآيات أيضاً إلى نزوله في آخر الزمان، فذكرت في سياق معجزاته أنه [يكلم الناس في المهد وكهلاً] (سورة آل عمران: 46)، وليس في كلام الكهل إعجاز إلا إذا كان صاحبه قد رفع إلى السماء ولما يبلغ بعد سن الكهولة، أي أنه سيعود مرة أخرى، ويكلم الناس حال كهولته.



و ذكرت الآيات وفاة عيسى - عليه السلام -، ورفعه إليه [إني متوفيك ورافعك إلي] (سورة آل عمران: 55)، وأشارت الآيات إلى نجاته من الصلب في قوله [ومطهرك من الذين كفروا] (سورة آل عمران: 55)، وقوله [ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين] (سورة آل عمران: 54).



وحذرت الآيات من الغلو في عيسى - عليه السلام - [يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه] (سورة النساء: 171)، فهذه هي حقيقة المسيح، فهو لم يدع ألوهية نفسه قط [أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم] (سورة المائدة: 116-117)، فعيسى بشر رسول.



وأما مذاهب النصارى فيه فهي افتراء [ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون] (سورة مريم: 34)، ومن افترائهم قولهم الذي كفرهم الله به: [وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بأفواههم] (سورة التوبة: 30)، وذمت قول آخرين: [لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً] (سورة المائدة: 17).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply