مختصر عن المعتزلة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 


سبب تسميتهم بالمعتزلة:

هم أصحاب واصل بن عطاء والغزال الذي طرده الحسن البصري من حلقته بسبب قوله إن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين فاعتزل في سارية من سواري المسجد هو وجماعة ممن استحسنوا رأيه فسموا معتزلة لاعتزالهم حلقة الحسن البصري، ولقول الحسن اعتزلنا واصل .



نشأتهم وممن استقوا بدعتهم:

نشأت المعتزلة في أوائل القرن الثاني أي ما بعد 1.5 - 11. في البصرة نتيجة المناظرة في مرتكب الكبيرة وأنه قد خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر فهو في منزلة بين المنزلتين وإذا مات ولم يتب فهو خالد في النار وتعاظمت المعتزلة ونشطت في الفترة مابين 178 ـــ 3.. هـ وانتشرت أفكارها وكثر أتباعها وتوسعت مؤلفاتها ويمكن أن يطلق على هذه الفترة بأنها فترة المعتزلة، هذا وقد جمعت المعتزلة بين بدع قد سلفت وبدع حدثت . فأما البدع السالفة فقد اخذوا القول بالقدر ولكن ليس على طريقة القدرية الغلاة النفاة الذين يقولون بأن الأمر أنف، وإنما قالوا بنفي خلق الله لأعمال العباد وهو ما سموه بالعدل ونفي إرادة الله وقضائه وخلقه للشر ولذلك سموا بالقدرية .

- واخذوا من الخوارج الحكم على مرتكب الكبيرة ولكنهم حوروه إلى ما أطلقوا عليه المنزلة بين المنزلتين وأخذوا منهم الخروج على الحاكم الظالم وأخذوا من الجهمية نفي صفات الباري - سبحانه - والقول بخلق القرآن ولذلك سموا بالجهمية فإنهم كانوا أكثر الفرق ترسيخاً لبدعة الجهمية وعلى أيديهم انتشرت مقالات جهم ولذلك فإنه كما يقال المعتزلة القدرية فإنه يقال المعتزلة الجهمية.



أصولهم الخمسة:

لقد كانت المعتزلة في بداية نشأتها واحدة إلا أنهم افترقوا فيما بعد إلى اثنتين وعشرين فرقة كل فرقة لها بدع وآراء تختلف عن الفرقة الأخرى إلا أن هناك عقائد متبعة وأصولاً محدثة يكاد يتفق عليها سائر فرق المعتزلة وهي التي أسموها الأصول الخمسة وهي:

1- التوحيد: ويقصد به نفي صفات الباري - سبحانه وتعالى - تنزيهاً له بزعمهم - وهذا من أهم أصولهم فهم يصفون الله - سبحانه - بصفات السلوب فيقولون: لاحي ولا سميع ولا فوق العالم ولا يقوم به علم ولا قدرة، وبناءً على أصلهم هذا قالوا ببدعة خلق القرآن ونفي رؤية الله - سبحانه - في الآخرة .

2- العدل: ويقصدون به نفي القدر وأن الله لا يخلق الشر ولا يقضي به وأن الله لم يخلق أفعال العباد وأن الإنسان خالق أفعاله ... وقالوا إن الله لا يخلق الشر ولا يريده إذ لو خلق ثم عذب العباد لأجله يكون ذلك جوراً والله عادل لا يجور .

3- الوعد والوعيد: ويقصدون به إيجاب وقوع الثواب للمطيع وإيجاب وقوع العقاب على مرتكب المعاصي فلا يجوز على الله - بزعمهم - أن لا يعذبهم ويخلف وعيده ولا يجوز كذلك عفوه عن الكبيرة من غير توبة .

4- المنزلة بين المنزلتين: وهذا الأصل متلازم مع أصل الوعد والوعيد فزعموا أن المسلم العاصي بارتكاب الكبيرة في منزلة بين الإيمان والكفر فلا يسمى مؤمناً ولا يسمى كافراً وإذا مات وهو مقيم على كبيرة فهو من اهل النار خالداً فيها .

5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وقصدوا به الخروج على الحاكم الفاسق الظالم وحمل الناس على ما يؤمنون به بالحجة والبرهان أو بالقوة والسلطان كما فعلوا في محنة خلق القرآن .هذه أهم أصولهم التي بنوا بدعهم الكلامية عليها .



طريقتهم في الاستدلال على العقائد:

وأهم مسالك المعتزلة في الاستدلال على العقائد هي:

1- العقل:

فكل ما قبله العقل أقروه وكل ما لم يقبله رفضوه ولذلك جعلوه هو الأصل وجعلوا الشرع شاهداً له فكل ما خالف مقولاتهم من النصوص أولوه حتى يوافقها وسبب ذلك ثقتهم الطلقة بالعقل فقالوا إذا تعارضت الأدلة السمعية والعقلية .... فإما أن يجمع بينهما وهو محال لأنه جمع بين النقيضين وإما أن يردا جميعاً وإما أن يقوم السمع وهم محال لأن العقل أصل النقل فلو قدمناه عليه كان ذلك قدحاً في العقل الذي هو أصل النقل والقدح في أصل الشيء قدح فيه فكان تقديم النقل قدحاً في النقل والعقل جميعاً فوجب تقديم العقل ثم النقل إما أن يتأول وإما أن يفوض .

فهذا هو القانون الكلي الذي يعتمد عليه هؤلاء ويطرونه في سائر مسائل العلم والعمل الخبرية والإرادية.



2- الفلسفة:

تأثر المعتزلة بكتب الفلسفة بعد ترجمتها فكانت أدلتهم واستدلالاتهم وأقوالهم معتمدة على الآراء الفلسفية والمقدمات المنطقية و الأقيسة الكلامية التي تعود في مجملها إلى الفلسفة اليونانية وجعلوا ما جاء به الأنبياء من باب الظن الذي لا يفيد يقيناً كما تفيده مقولاتهم .ولذلك ادخلوا النقل في باب التأويل فهم يقولون بأن الأنبياء لم يصدوا بهذه الأقوال إلا الحق والحق ما علمناه بقولنا فيجتهدون في تأويل النصوص إلى ما يوافق رأيهم بأنواع التأويلات التي هي في حقيقتها تحريفات للشريعة .



أسباب انتشار مذهب المعتزلة:

هناك عوامل كثيرة ساعدت على ظهور وانتشار مذهب المعتزلة:

1- تأثيرهم على بعض خلفاء بني العباس وقد استطاعوا إقناع بعض خلفاء بني العباس بأقوالهم وبدعهم وأخذ بعض كبار المعتزلة مهاماً في الدولة والعمل فيها والتأثير من خلالها في نشر بدعهم وزع أفكارهم وحمل الناس عليها وفتنتهم فقد كان عمرو بن عبيد وهو المؤسس الثاني للمذهب بعد واصل بن عطاء من جلساء الخليفة أبي جعفر المنصور ر، وأحمد بن أبي دؤاد قاضي القضاة لثلاثة من لخلفاء المعتصم والواثق والمتوكل وفي زمن المتوكل طرد من القضاء وكان بشر المريسي أستاذاً للمأمون وأحد كبار المؤثرين فيه.

2- قدرتهم الكلامية وفصاحتهم اللسانية: فقد أوتوا قوة في الجدل وفصاحة في الألسن فكان منهم أهل البيان والفصاحة يلقون أفكارهم ممزوجة بحكم العرب وأمثالهم وأشعارهم فكان ذلك من أسباب انتشار مذهبهم وسبب ذلك أن المعتزلة جمعوا بين علوم الكلام والجدل وهذه بطبيعتها تقود إلى المناظرات والمخاصمات وكثرة الكلام وممن اشتهر بالفصاحة من المعتزلة ابن أبي دؤاد وواصل بن عطاء وأبوا الهذيل العلاف وأبوعلي الجبائي .

ولا تخلوا طبقة من طبقات المعتزلة من وجود مفوه فصيح .

3- وقوفهم أمام بعض الفرق والحركات المناوئة للإسلام كالرافضة والزنادقة وغيرهم إذ أنهم أقدر من غيرهم على المناظرة بسبب دراستهم للفلسفة وتعمقهم فيها .



المآخذ على مذهب المعتزلة:

وأهم المآخذ على مذهب المعتزلة بصورة إجمالية هي:

1- خالف المعتزلة طريقة السلف في فهم العقائد لقد كان القرآن الكريم الورد المورود عند السلف يلجأ إليه وإلى السنة كل من يريد معرفة صفات الله - تعالى -وما يجب الإيمان به من عقائد لا يصدرون عن غيره ولا يطمئنون لسواه كانوا يفهمون العقائد من آيات الكتاب وهي بينات . فلما كثرت العلوم واتسعت علوم الفلسفة جاء المعتزلة وخالفوا ذلك المنهج وحكموا العقل في كل شيء وجعلوه أساس بحثهم .

2- كانت طريقة المعتزلة في معرفة العقائد عقلية خالصة ... وإن هذه الطريقة أساسها الثقة بالعقل وللعقل نزوات وعرة ولذلك وقعوا في كثير من الهنات دفعتهم إليها نزعتهم العقلية الخالصة كقول الجبائي: وهو من أئمتهم (القول بأن الله - تعالى -مطيع للعبد إذا أجاب دعاه ) وقول أبي الهذيل من أئمتهم (إن أهل الجنة غير مختارين لأنهم لو كانوا مختارين لكانوا مكلفين، والآخرة دار جزاء لا دار تكليف) . وفي ذلك شطط عقلي.

3- خاصم المعتزلة كثيرين من أئمة السلف ممن لهم منزلة كبيرة عند الأمة ولم ينزهوا كلامهم في خصومتهم انظر إلى قول الجاحظ وهو من أئمتهم في رجال الفقه والحديث (وأصحاب الحديث هم العوام هم الذين يقلدون ولا يحصلون ولا يتخيرون والتقليد مرغوب عنه في حجة العقل منهي عنه في القرآن ....).

4- كان كثيرون من ذوي الإلحاد يجدون في المعتزلة عشاً يفرخون فيه بمقاصدهم وآرائهم ويلقون فيه دسهم على الإسلام والمسلمين حتى إذا ظهرت أغراضهم أقصاهم المعتزلة عنهم، فابن الراوندي كان يعد منهم وأبوعيسى الوراق وأحمد بن حائط وفضل الحدثي كانوا ينتمون إليهم وهؤلاء أظهروا آراء هادمة لبعض المقررات الإسلامية .

5- شغل المعتزلة بمجادلة الزنادقة و الروافض و الثنوية وغيرهم وكل مجادلة نوع من النزال والمحارب مأخوذ بطريقة محاربه في القتال مقيد بأسلحته متعرف لخططه دارس لمراميه وكل ذلك من شأنه أن يجعل الخصم متأثراً بخصمه آخذاً عنه بعض مناهجه فالمعتزلة قد سرى إليهم بعض من تفكير مخالفيهم وإن لم يكن جوهرياً .

6- كان من بني العباس من شايع المعتزلة وناصرهم واعتنق مذهبهم وتعصب لها فأراد أن يحمل الناس على اعتناقها فآذى الفقهاء والمحدثين وابتلاهم وأنزل بهم المحنة فصبروا ولقد صبر أولئك الفقهاء والمحدثون على هذه المحنة واستدرت محنتهم عطف الناس عليهم وسخطهم على من كان سبب هذه المحنة فرجعت آلام أولئك الأتقياء على المعتزلة وبالاً في سمعتهم وخصوصاً أنه كان من المعتزلة من أيد إنزال ذلك البلاء بالدفاع عنه في رسائل ومن ذلك قول الجاحظ (وبعد فنحن لم نكفر إلا من أوسعناه حجة ولم نمتحن إلا أهل التهمة وليس كشف المتهم من التجسس ولا امتحان الظنين من هتك الأستار فلو كان كل كشف هتكاً وكل امتحان تجسساً لكان القاضي أهتك الناس وأشد الناس تتبعاً لعورة .



ارتباط المدرسة العقلانية الحديثة بالفكر الاعتزالي:

مما لاشك فيه أن المدرسة العقلانية الحديثة هي امتداد للفكر الاعتزالي وكما هو واضح في كتابات أنصار المدرسة العقلانية الحديثة فالدكتور محمد عمارة يشيد بتلك الفترة التي ترجمت كتبا لفلاسفة فيه فيقول: (وإذا كانت أمتنا تفخر بصفحات ازدهار حضارتها في العباسي يوم تفتحت وانفتحت - من موقع الراشد المستقل والمتميز - على مختلف الحضارات العالمية والتيارات لفكرية الأجنبية فتأثرت وأثرت وأخذت وأعطت وترجمت وتمثلت ونهضت بذلك التفاعل الخلاق وأضافت إبداعاً عبقرياً جديداً ..)

ثم يعرض بمن ينتقد تعريب كتب الفلاسفة فيقول: (إذا كانت أمتنا قد صنعت هذا وتفخر به وتحتمي بهالاته وذكرياته من هجمات الأعداء الذين يغضون من شأن ماضيها المجيد ... فإن من أبناء هذه الأمة من خرج علينا منذ سنوات ليقول: إن من سيئات الخليفة العباسي المأمون أنه سمح بترجمة فكر اليونان إلى لغتنا العربية، ومن أبناء هذه الأمة من أرجع السبب في ترجمة فكر اليونان إلى مخطط وضعه الزنادقة والشكاك والملحدون ...) ثم يرد على هؤلاء ويبين أصالة المنهج العقلاني فيقول: (فمن تاريخ النشأة للتيار العقلاني في حضارتنا نتبين مدى أصالته وكيف سبق في النشأة حركة الترجمة عن اليونان والتأثر بفلسفتهم .... ومن ثم فلم يكن فكراً مستورداً خطط لاستيراده الزنادقة والشكاك والملحدون)

ولعلنا نختم هذا المبحث بهذا النص الذي تتضح فيه العلاقة بين العقلانية الحديثة ومذهب المعتزلة فيقول: (وإذا كان الجمود والانحطاط الذي أصاب حضارتنا بعد استعجام الدولة عندما سيطر عليها الترك المماليك وقد أصاب عقلانيتنا في الصميم وانتزعها من فوق عرشها ليضع مكانها \" سلفية نصوصية \" ضيقة الأفق أخلت بالتوازن لحساب \" النصوص والمأثورات \" وضد \" العقل وبراهينه \" فإن تيار التجديد الديني الذي عرفته حضارتنا في عصرها الحديث قد بذل جهوداً على درب إحياء عقلانيتنا الإسلامية المتميز ولازالت بانتظار المواصلة والتطوير والتدعيم .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply