بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً: إذا كان الإمام خارج المسجد
ثانياً: إن كان الإمام داخل المسجد
الحمد لله الذي جعل الصلاة عماد الدين، وأمر بالمحافظة عليها وأدائها مع جماعة المسلمين، حيث ينادى بها، وصلى الله وسلم على محمد القائل: \"صلوا كما رأيتموني أصلي\"1، وعلى آله، وصحبه، والتابعين.
وبعد..
فمن الأمور التي تتباين فيها الأقوال ويختلف فيها البعض مسألة متى يقوم المأمومون ويصطفون للصلاة؟
فمن الناس من لا يقوم إلا إذا رأى الإمام، ومنهم من لا يقوم إلا إذا قال المقيم قد قامت الصلاة، ومنهم من يقوم إذا حان الوقت المحدد للإقامة، وهكذا، فما هي أرجح الأقوال وأولاها في ذلك؟
نقول وبالله التوفيق في المسألة تفصيل، وهو:
أولاً: إذا كان الإمام خارج المسجد
فلا يقام للصلاة إذا حضر ورآه الناس، فإذا رأوه قاموا واصطفوا وسعوا لتسوية صفوفهم وتناظروا فيما بينهم.
ثانياً: إن كان الإمام داخل المسجد
فالأمر فيه سعة، فمن أهل العلم من قال:
1.يقوم المأمومون إذا تقدم الإمام إلى مصلاه.
2. يقوم المأمومون إذا قال المقيم: \"قد قامت الصلاة\".
3. يقوم المأمومون إذا حان وقت إقامة الصلاة ولو لم يتقدم الإمام ويشرع المقيم في الإقامة.
الدليل على أن المأمومين لا يقومون إذا كان الإمام خارج المسجد إلا إذا رأوه قوله - صلى الله عليه وسلم - عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني\".
والدليل على سعة الأمر إذا كان الإمام داخل المسجد ما قاله مالك - رحمه الله - في الموطأس: (لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحد محدود، إلا أني أرى ذلك على طاقة الناس، فمنهم الثقيل والخفيف).
قال الحافظ ابن عبد البر في شرحه لما قاله مالك في \"الاستذكار\"4: (فدل على أنه لم يكن عنده فيه عن السلف ما ينزع به في جواب سائله، وهذه مسألة قديمة لكبار التابعين من فقهاء المسلمين، ثم ذكر عدداً من الآثار أوردها في التمهيد له على شرح الموطأ، منها:
عن عمرو بن مهاجر قال: رأيت عمر بن عبد العزيز، ومحمد بن كعب القرظي، وسالم بن عبد الله، وعراك بن مالك الغفاري، ومحمد بن مسلم الزهري، وسليمان بن حبيب يقومون إلى الصلاة في أول بدء الإقامة.
قال: وسمعت عمر بن عبد العزيز يقول: إذا سمعت النداء بالإقامة فكن أول من أجاب.
وقال أي عمر بن مهاجر -: إذا قال المؤذن \"قد قامت الصلاة\" عَدَل الصفوف بيده عن يمينه ويساره، فإذا فرغ المؤذن كبر.
وعن عمر بن عجلان قال: سمعت عمر بن عبد العزيز بخناصرة يقول حين يقول المؤذن قد قامت الصلاة: قوموا قد قامت الصلاة.
وعن ابن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: سمعت الزهري يقول: ما كان المؤذن يقول: قد قامت الصلاة، حتى تعتدل الصفوف.
وعن ابن المبارك عن أبي يَعلى قال: رأيت أنسَ بن مالك إذا قيل قد قامت الصلاة قام فوثب.
وعن الحسن وابن سيرين أنهما كانا يكرهان أن يقوما حتى يقول المؤذن قد قامت الصلاة.
وقال فرقد السَبَخيّ للحسن: أرأيت إذا أخذ المؤذن في الإقامة أأقوم أم حتى يقول: قد قامت الصلاة؟ فقال الحسن: أي ذلك شئت.
وروى كلثوم بن زياد عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: إذا قال المؤذن \"الله أكبر\" وجب القيام، فإذا قال: \"حي على الصلاة\" اعتدلت الصفوف، فإذا قال \"لا إله إلا الله\" كبر الإمام.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا لم يكن الإمام معهم في المسجد فإنهم لا يقومون حتى يروا الإمام.
وهو قول الشافعي وداود.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: إذا كان الإمام معهم في المسجد فإنهم يقومون في الصف إذا قال المؤذن حي على الفلاح.
وقال الشافعي وأصحابه وداود: البدار في القيام إلى الصلاة أولى، إذا أخذ المؤذن في الإقامة لأنه بدار إلى فعل بر، وليس في شيء من ذلك شيء محدود عندهم.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن الإمام أيكبر إذا قال المؤذن \"حي على الصلاة قد قامت الصلاة\" أوحين يفرغ من الإقامة؟ فقال: حديث أبي قتادة: \"لا تقوموا حتى تروني\".
قال ابن عبد البر: وقد ذكرنا أسانيد هذه الآثار كلها في التمهيد.
وقال الحافظ ابن حجر معلقاً على ترجمة البخاري لحديث أبي قتادة السابق \"باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة؟ \": (قيل: أورد الترجمة بلفظ الاستفهام لأن قوله في الحديث: \"لا تقوموا\" نهي عن القيام، وقوله: \"حتى تروني\" تسويغ للقيام عند الرؤية، وهو مطلق غير مقيد بشيء من ألفاظ الإقامة، ومن ثم اختلف السلف في ذلك.
ثم ذكر بعض الآثار التي أوردها ابن عبد البر، ثم قال: (وأما إذا لم يكن الإمام في المسجد فذهب الجمهور إلى أنهم لا يقومون حتى يروه، وخالف من ذكر على التفصيل الذي شرحنا، وحديث الباب حجة عليهم، وفيه جواز الإقامة والإمام في منزله إذا كان يسمعها وتقدم إذنه في ذلك.
قال القرطبي: ظاهر الحديث أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من بيته، وهو معارض لحديث جابر بن سمرة: \"أن بلالاً كان لا يقيم حتى يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم -\"، أخرجه مسلم، ويجمع بينهما بأن بلالاً كان يراقب خروج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس، ثم إذا رأوه قاموا فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم، ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب: \"أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن \"الله أكبر\" يقومون إلى الصلاة، فلا يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى تعتدل الصفوف\".
وأما حديث أبي هريرة الآتي قريباً بلفظ: \"أقيمت الصلاة، فسوى الناس صفوفهم\"، بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز وبأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النهي عن ذلك في حديث أبي قتادة، وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولم يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره، ولا يرد هذا حديث أنس الآتي: أنه قام في مقامه طويلاً في حاجة بعض القوم، لاحتمال أن يكون ذلك وقع نادراً أو فعله لبيان الجواز).
نسأل الله أن يسعنا ما وسع سلفنا الصالح، وأن يفقهنا في الدين، ويعلمنا التأويل، وصلى الله وسلم وبارك على البشير النذير، وعلى آله، وصحابته، والتابعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد