الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد طالعتنا بعض صحفنا المحلية بمملكة البحرين خلال الأسابيع الماضية بمسألة تعتبر من المسائل الشرعية، وقد أبدى فيها بعض المشايخ الأفاضل آراءهم حولها، وكم كنا نرجو أن يذكروا لنا مستندهم الشرعي فيما ذهبوا إليه من جواز تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم الدينية، وذلك من خلال تراث فقهنا الإسلاميّ الثريّ.
وللحديث عن هذه المسألة فإنه ينبغي أن نلقي الضوء على عدة أمور:
أولاً: معنى التهنئة ومدلولها:
اتفق أهل اللغة على أن التهنئة ضد التعزية، قال العلامة البجيرمي: \"التهنئة ضد التعزية فهي الدعاء بعد السرور، والتعزية حمل المصاب على الصبر بوعد الأجر والدعاء له\".
والسنّة مضت على أن التهنئة والبشارة تكون بين الناس على قدر المودة بينهم في المعرفة والخلطة والممازجة، بخلاف تحية السلام مثلاً، فإنها مشروعة على من عرفناه ومن لم نعرفه من المسلمين، كما قال العلامة ابن الحاج المالكي.
ثانياً: هل هذه المسألة حديثة معاصرة؟
قد نظن أن هذه المسألة من المسائل العصرية الحديثة التي لا وجود لها في تراث فقهنا الإسلامي، ولكن يظهر لنا عند تصفح المراجع الفقهية المعتمدة خلاف ما كنا نظن، ونجد أن أهل العلم قد تكلموا عنها باستفاضة، فجزاهم الله عنا كل خير، وبالتالي ليس هناك أي داع لطرح فتاوى جديدة في هذا الشأن تُلغي ما قرره علماؤنا في هذه المسألة بعلم وإتقان.
ثالثاً: مذهب أهل العلم في هذه المسألة:
سأقتصر على أهم ما ذكره أهل العلم من المذاهب السنية الأربعة في هذه المسألة سالكاً سبيل الاختصار:
1. مذهب السادة الحنفية:
(قال أبو حفص الكبير - رحمه الله -: لو أن رجلا عبد الله - تعالى -خمسين سنة ثم جاء يوم النيروز وأهدى إلى بعض المشركين بيضة يريد تعظيم ذلك اليوم فقد كفر وحبط عمله\" وقال صاحب الجامع الأصغر إذا أهدى يوم النيروز إلى مسلم آخر ولم يرد به تعظيم اليوم ولكن على ما اعتاده بعض الناس لا يكفر ولكن ينبغي له أن لا يفعل ذلك في ذلك اليوم خاصة ويفعله قبله أو بعده لكي لا يكون تشبيها بأولئك القوم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - {من تشبه بقوم فهو منهم}, وقال في الجامع الأصغر رجل اشترى يوم النيروز شيئا يشتريه الكفرة منه وهو لم يكن يشتريه قبل ذلك إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما تعظمه المشركون كفر، وإن أراد الأكل والشرب والتنعم لا يكفر)ا. هـ البحر الرائق شرح كنز الدقائق للعلامة ابن نجيم (8/555)
2. مذهب السادة المالكية:
(فصل) في ذكر بعض مواسم أهل الكتاب فهذا بعض الكلام على المواسم التي ينسبونها إلى الشرع وليست منه وبقي الكلام على المواسم التي اعتادها أكثرهم وهم يعلمون أنها مواسم مختصة بأهل الكتاب فتشبه بعض أهل الوقت بهم فيها وشاركوهم في تعظيمها يا ليت ذلك لو كان في العامة خصوصا ولكنك ترى بعض من ينتسب إلى العلم يفعل ذلك في بيته ويعينهم عليه ويعجبه منهم ويدخل السرور على من عنده في البيت من كبير وصغير بتوسعة النفقة والكسوة على زعمه, بل زاد بعضهم أنهم يهادون بعض أهل الكتاب في مواسمهم ويرسلون إليهم ما يحتاجونه لمواسمهم فيستعينون بذلك على زيادة كفرهم ويرسل بعضهم الخرفان وبعضهم البطيخ الأخضر وبعضهم البلح وغير ذلك مما يكون في وقتهم وقد يجمع ذلك أكثرهم، وهذا كله مخالف للشرع الشريف.
ومن العتبية قال أشهب: قيل لمالك: أترى بأسا أن يهدي الرجل لجاره النصراني مكافأة له على هدية أهداها إليه؟ قال: ما يعجبني ذلك قال الله - عز وجل -: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} الآية قال ابن رشد - رحمه الله تعالى - : قوله مكافأة له على هدية أهداها إليه إذ لا ينبغي له أن يقبل منه هدية ; لأن المقصود من الهدايا التودد لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - {تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء}، فإن أخطأ وقبل منه هديته وفاتت عنده فالأحسن أن يكافئه عليها حتى لا يكون له عليه فضل في معروف صنعه معه. وسئل مالك - رحمه الله - عن مؤاكلة النصراني في إناء واحد قال تركه أحب إلي ولا يصادق نصرانيا. قال ابن رشد - رحمه الله - الوجه في كراهة مصادقة النصراني بين ; لأن الله - عز وجل – يقول: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} الآية.
فواجب على كل مسلم أن يبغض في الله من يكفر به ويجعل معه إلها غيره ويكذب رسوله - صلى الله عليه وسلم- ، ومؤاكلته في إناء واحد تقتضي الألفة بينهما والمودة فهي تكره من هذا الوجه وإن علمت طهارة يده.
ومن مختصر الواضحة سئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي يركب فيها النصارى لأعيادهم فكره ذلك مخافة نزول السخط عليهم لكفرهم الذي اجتمعوا له. قال وكره ابن القاسم للمسلم أن يهدي إلى النصراني في عيده مكافأة له. ورآه من تعظيم عيده وعونا له على مصلحة كفره. ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئا من مصلحة عيدهم لا لحما ولا إداما ولا ثوبا ولا يعارون دابة ولا يعانون على شيء من دينهم ; لأن ذلك من التعظيم لشركهم وعونهم على كفرهم وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك، وهو قول مالك وغيره لم أعلم أحدا اختلف في ذلك انتهى.
ويمنع التشبه بهم كما تقدم لما ورد في الحديث {من تشبه بقوم فهو منهم} ومعنى ذلك تنفير المسلمين عن موافقة الكفار في كل ما اختصوا به. وقد كان - عليه الصلاة والسلام - يكره موافقة أهل الكتاب في كل أحوالهم حتى قالت اليهود إن محمدا يريد أن لا يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه. وقد جمع هؤلاء بين التشبه بهم فيما ذكر والإعانة لهم على كفرهم فيزدادون به طغيانا إذ أنهم إذا رأوا المسلمين يوافقونهم أو يساعدونهم، أو هما معا كان ذلك سببا لغبطتهم بدينهم ويظنون أنهم على حق وكثر هذا بينهم. أعني المهاداة حتى إن بعض أهل الكتاب ليهادون ببعض ما يفعلونه في مواسمهم لبعض من له رياسة من المسلمين فيقبلون ذلك منهم ويشكرونهم ويكافئونهم. وأكثر أهل الكتاب يغتبطون بدينهم ويسرون عند قبول المسلم ذلك منهم ; لأنهم أهل صور وزخارف فيظنون أن أرباب الرياسة في الدنيا من المسلمين هم أهل العلم والفضل والمشار إليهم في الدين وتعدى هذا السم لعامة المسلمين فسرى فيهم فعظموا مواسم أهل الكتاب وتكلفوا فيها النفقة..) ا.هـ
المدخل للعلامة ابن الحاج المالكي (2/46-48)
3.مذهب السادة الشافعية:
قال الإمام الدَّمِيري - رحمه الله تعالى -في (فصل التعزير):
(تتمة: يُعزّر من وافق الكفار في أعيادهم، ومن يمسك الحية، ومن يدخل النار، ومن قال لذمي: يا حاج، ومَـن هَـنّـأه بِـعِـيـدٍ,، ومن سمى زائر قبور الصالحين حاجاً، والساعي بالنميمة لكثرة إفسادها بين الناس، قال يحيى بن أبي كثير: يفسد النمام في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة) ا. هـ
النجم الوهاج في شرح المنهاج للعلامة الدَّمِيري (9/244)، وكذا قال العلامة الخطيب الشربيني في مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (4/191).
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي - رحمه الله تعالى -في (باب الردة):
(ثم رأيت بعض أئمتنا المتأخرين ذكر ما يوافق ما ذكرته فقال: ومن أقبح البدع موافقة المسلمين النصارى في أعيادهم بالتشبه بأكلهم والهدية لهم وقبول هديتهم فيه وأكثر الناس اعتناء بذلك المصريون وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: {من تشبه بقوم فهو منهم} بل قال ابن الحاج لا يحل لمسلم أن يبيع نصرانيا شيئا من مصلحة عيده لا لحما ولا أدما ولا ثوبا ولا يعارون شيئا ولو دابة إذ هو معاونة لهم على كفرهم وعلى ولاة الأمر منع المسلمين من ذلك ومنها اهتمامهم في النيروز بأكل الهريسة واستعمال البخور في خميس العيدين سبع مرات زاعمين أنه يدفع الكسل والمرض وصبغ البيض أصفر وأحمر وبيعه والأدوية في السبت الذي يسمونه سبت النور وهو في الحقيقة سبت الظلام ويشترون فيه الشبث ويقولون إنه للبركة, ويجمعون ورق الشجر ويلقونها ليلة السبت بماء يغتسلون به فيه لزوال السحر, ويكتحلون فيه لزيادة نور أعينهم, ويدهنون فيه بالكبريت والزيت ويجلسون عرايا في الشمس لدفع الجرب والحكة, ويطبخون طعام اللبن ويأكلونه في الحمام إلى غير ذلك من البدع التي اخترعوها ويجب منعهم من التظاهر بأعيادهم) ا. هـ
الفتاوى الفقهية الكبرى لللعلامة ابن حجر الهيتمي (4/238-239)
4. مذهب السادة الحنابلة:
((و) يكره (التعرض لما يوجب المودة بينهما) لعموم قوله - تعالى -: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} الآية.
(وإن شمته كافر أجابه) ; لأن طلب الهداية جائز للخبر السابق.
(ويحرم تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم) ; لأنه تعظيم لهم أشبه السلام.
(وعنه تجوز العيادة) أي: عيادة الذمي (إن رجي إسلامه فيعرضه عليه واختاره الشيخ وغيره) لما روى أنس {أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عاد يهوديا، وعرض عليه الإسلام فأسلم فخرج وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار} رواه البخاري ولأنه من مكارم الأخلاق.
(وقال) الشيخ (ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى) وغيرهم من الكفار (وبيعه لهم فيه). وفي المنتهى: لا بيعنا لهم فيه (ومهاداتهم لعيدهم) لما في ذلك من تعظيمهم فيشبه بداءتهم بالسلام.
(ويحرم بيعهم) وإجارتهم (ما يعملونه كنيسة أو تمثالا) أي: صنما (ونحوه) كالذي يعملونه صليبا ; لأنه إعانة لهم على كفرهم. وقال - تعالى -: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (و) يحرم (كل ما فيه تخصيص كعيدهم وتمييز لهم وهو من التشبه بهم، والتشبه بهم منهي عنه إجماعا) للخبر (وتجب عقوبة فاعله)) ا. هـ
كشف القناع عن متن الإقناع للعلامة البهوتي (3/131)
وقال فضيلة الشيخ علي محفوظ الأزهري - رحمه الله تعالى -:
(مما ابتلي به المسلمون وفشا بين العامة والخاصة مشاركة أهل الكتاب من اليهود والنصارى في كثير من مواسمهم كاستحسان كثير من عوائدهم، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يكره موافقة أهل الكتاب في كل أحوالهم حتى قالت اليهود أن محمداً يريد ألا يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه.. فانظر هذا مع ما يقع من الناس اليوم من العناية بأعيادهم وعاداتهم، فتراهم يتركون أعمالهم من الصناعات والتجارات والاشتغال بالعلم في تلك المواسم ويتخذونها أيام فرح وراحة يوسعون فيها على أهليهم ويلبسون أجمل الثياب ويصبغون فيها البيض لأولادهم كما يصنع أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فهذا وما شاكله مصداق قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح \"لتتبعن سَنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم\" قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال \" فمن غيرهم\" رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.. فعلى من يريد السلامة في دينه وعرضه أن يحتجب في بيته في ذلك اليوم المشئوم ويمنع عياله وأهله وكل من تحت ولايته عن الخروج فيه حتى لا يشارك اليهود والنصارى في مراسمهم والفاسقين في أماكنهم ويظفر بإحسان الله ورحمته)ا. هـ
باختصار من كتاب الإبداع في مضار الإبتداع ص 274-276
ولذا لا نتعجب بعد هذا كله أن ينقل الإمام المحقق ابن القيم الجوزية الاتفاق على حرمة تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم حيث قال - رحمه الله تعالى -:
(وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه.
وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء تجنباً لمقت الله وسقوطهم من عينه وإن بلي الرجل بذلك فتعاطاه دفعا لشر يتوقعه منهم فمشى إليهم ولم يقل إلا خيراً ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك وبالله التوفيق) ا. هـ
أحكام أهل الذمة (1/441-442)
يُضاف إلى ذلك ما ذكره الإمام ابن القاسم من أنه لم يعلم أن أحداً اختلف في ذلك، وخلال بحثي القاصر في المراجع الفقهية لم أجد أحداً تساهل في هذه المسألة، بل وجدت الأمر على العكس تماماً، حيث يذكر كثير من الفقهاء هذه المسألة في أبواب التعزير والردة!
والخلاصة المستفادة من كلام أهل العلم في حكم التهنئة أنها إن كانت مع تعظيم فإنه يُخشى على صاحبها الكفر والعياذ بالله، أما إن كانت من غير تعظيم فإنها مُحرمة تقتضي التعزير لما فيها من مشاركة أهل الكتاب في أعيادهم ولكونها ذريعة إلى تعظيم شعائرهم وإقرار دينهم.
رابعاً: عـلام نـهـنئ الآخر، وكيف سندعوهم؟
ينبغي أن يتبادر إلى أذهاننا سؤال في غاية الأهمية، وهو علام نهنئ؟ وهل نعلم حقيقة ما نهنئ به الآخرين؟
إن مَن نهنئهم يُجددون ذكرى مولد المسيح عيسى - عليه السلام -، الذي يعتبرونه رباً! وابناً للرب! وثالث ثلاثة!
معاشر القراء ألا تصادم هذه العقيدةُ الخطيرة عقيدةَ التوحيد التي من أجلها بعث الله - تعالى -جميع الأنبياء والرسل ومن بينهم عيسى - عليه السلام -!
أنتبادل بطاقات التهاني وعبارات التبريكات مع من قال الواحد الأحد فيهم:
(وقالوا اتخذ الرحمن ولداً*لقد جئتم شيئاً إداً*تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً*أن دعوا للرحمن ولداً*وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً*إن كلّ من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً*لقد أحصاهم وعدّهم عدّا*وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً)! [سورة مريم: 88-95]
أنتبادل بطاقات التهاني وعبارات التبريكات مع أناس شتموا الله - سبحانه وتعالى -، حيث جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه (4482) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال:
(قال الله: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذبيه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه أياي فقوله لي ولد، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا)!
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال:
(قال الله: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفأ أحد)! [رواه الإمام البخاري في صحيحه (4974-4975)]
وإذا كنا قد وصلنا إلى هذا الحال، فكيف سندعو الآخرين إلى خاتمة الأديان، وفي الوقت ذاته نحن نبارك لهم أعيادهم ونشاركهم في مواسمهم الدينية بالهدايا وبطاقات التهاني؟ وأين نذهب بالشعيرة العظيمة التي هي السبب في خيريتنا بين الأمم \"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر\"!
ولا أدري هل تبنينا لموقف التهنئة مثلاً يجعل الآخرين ينظرون إلينا نظرة مغايرة أم أنهم لا يعيروننا أي اهتمام سواء خضعنا لمراسمهم أم لم نخضع!
حقيقة إن التساهل في مثل هذه القضايا الشرعية سوف يُخرج أمتنا الإسلامية عن أصالتها، وسيجهز على هويتها-على الأقل المتبقية منها-، وسيجعلها تنصهر في المناهج الأخرى، وسيجعل شبابنا يتبعونهم حذو القذة بالقذة حتى في معتقداتهم الدينية فضلاً عن عاداتهم وتقاليدهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولا يخفى على العاقل المنصف أن ديننا الإسلامي قد ضرب أروع الأمثلة في سماحته ويسره وحسن تعامله مع أهل الذمة طوال القرون السالفة بشهادة المخالفين قبل الموافقين، لكن واقع المذلّة وحال الهوان الذي أصاب كيان الأمة الإسلامية جعلها تتخلى شيئاً فشيئاً عن ثوابتها الراسخة في سبيل إرضاء الآخر، ونتناسى ما حسمه الله - تعالى -قبل 14 قرناً من الآن حين قال: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير) [سورة البقرة: 120].
والله نسأل أن يهيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية وأن يأخذ بنواصينا إلى البر والتقوى ويهدينا الصراط المستقيم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد