الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..
أما بعد: فقه النوازل والواقعات أحد موضوعات الساعة أبدأه بقول الرب - عز وجل -: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذَّكر إلا أولو الألباب) [سورة البقرة: 269]، قال مجاهد - رحمه الله -: » الحكمة: العلم والفقه والقرآن «، وقال الإمام مالك - رحمه الله -: » وقع في قلبي أنه الفقه في الدين «، ومما يدل على ذلك ما جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها) [1]، ويدل عليه أيضاً قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) [2]، فالخير كل الخير في الفقه في الدين، ومن أوتي الفقه فحري به أن يعرف كتاب الله - عز وجل -، وأن يعرف سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأن يَذّكر فإن التذكّر من شيم أهل العلم والفقه والفهم، والفقه هو الفهم: فهم مرامي الكلام ومرادات الحديث، قال - تعالى -في ذم المنافقين: (فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) [سورة النساء: 78]، وقال - سبحانه وتعالى - منبهاً المؤمنين: (قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون) [سورة الأنعام].
فهذا القرآن قد أحكمت وفصلت آياته، وهذه سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ثبتت ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولا يفقهون، فكم من مرتل لآيات القرآن الكريم لا يفقه كثيراً مما يُرتل، وكم من حافظ لحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يفقه ما يحفظ والفقه مراتب، والفقهاء مراتب بعضهم أفقه من بعض كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: (رب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) [3].
وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم أصدق هذه الأمة إيماناً وأنقاها قلوباً وأغزرها علماً كانوا يتفاوتون في الفقه، وهم في الجملة -رضوان الله عليهم- أفقه ممن جاء بعدهم، يقول مسروق - رحمه الله -: » جالست أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فكانوا كالإخاذ جمع إخاذة، والإخاذة الغدير يقول: الإخاذة تروي الراكب والإخاذة تروي الراكبين، والإخاذة تروي العشرة والإخاذة لو نزل بها أهل الأرض جميعاً لأصدرتهم «، وكان عبد الله من هذه الإخاذ، يعني عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، أي من تلك الإخاذ التي تروي أهل الأرض جميعاً لو نزلوا بها، وقال أيضاً: شاممت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فوجدت علمهم انتهى إلى ستة: علي وابن مسعود وعمر وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وأبي بن كعب، ثم وجدت علم هؤلاء الستة انتهى إلى اثنين: إلى علي وعبد الله بن مسعود » فالفقه درجات والله - سبحانه وتعالى - يؤتي الحكمة من يشاء.
والمقصود من هذه المقدمة حث شباب الصحوة على العناية بالفقه في الدين، فإن الفقه هو الواجب وما عداه من العلوم أكثره نافلة.
حقيقة الفقه:
الفقه في الدين بنوعيه فقه العقيدة وفقه الأحكام هذا هو الواجب وما عداه من العلوم أكثره نافلة.
قال - تعالى -: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) [سورة التوبة: 122]، فهذه الآية دلت على مسألتين أولاهما: أن الناس جميعاً بأمس الحاجة إلى الفقه لقوله (لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم)، فإذاً كل قوم هم بأمس الحاجة إلى فقهاء في الدين يبينون لهم وينذرونهم، والأخرى: أنه ينبغي أو يجب أن يَنتَدب أناسٌ أنفسهم، أو يُنتَدَبُونَ للتفقه في الدين وبقصد أن يعلّموا غيرهم (لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم)، فالتفقه بقصد تعليم الآخرين واجب كفائي بدليل أول الآية وهو قوله - تعالى -: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة)، فالتفقه بذلك القصد واجب كفائي، أما التفقه بقصد معرفة الأحكام للامتثال فهذا واجب عيني على كل مسلم بقدر طاقته ووسعه.
وقفة مع ظاهرة جديدة:
أقول هذا ونحن نشاهد أبناء الصحوة المباركة قد انشغلوا عن الفقه بعلوم الصناعة الحديثية، من مصطلح وأسانيد وتخريج وعلم رجال ونحو ذلك، ولا شك أن علم الصناعة الحديثية علم شريف جليل الشأن والمقدار، ولكنه من علوم الخواص ليس الخواص بالمعني الصوفي حاشا وكلا التي لا يشتغل بها العوام ولا صغار طلبة العلم ولا المبتدئون، فإذا اشتغلوا بها عن الفقه فإنهم في الغالب يَضلّون ويُضلون، فلابد من التفقه قبل ذلك، وبخاصة أنه واجب قبل الاشتغال بمثل هذه العلوم على شرفها وقدرها، وهذا ليس تقليلاً من قيمتها أبداً لكنني أشفق على المبتدئين من تبعتها، فالأمور مرتبة والواجبات مرتبة، فالفقه أولاً في العقيدة وفي الأحكام الشرعية، ومن نتائج الخوض في غير الأولويات أننا نشاهد نوعاً من الفوضى الفكرية تتخلل هذه الصحوة المباركة، وإن كانت لن تؤثر فيها إن شاء الله.
نشاهد مثلاً أقواماً وإن كانوا قلة اشتغلوا بالجرح والتعديل لا لنصرة الدين ولا للذب عن السنة النبوية، وإنما لزرع الشقاق بين أبناء العقيدة الواحدة.
ونرى أقواماً حملوا أختاماً يختمون بها على ظهور المسلمين ولا يتورعون في إصدار الأحكام مع قلة بضاعتهم، وغلبة الأهواء عليهم.
نعود إلى مقصودنا وهو الفقه، فمقصودنا بالفقه اليوم تحت هذا العنوان المذكور سلفاً، هو ما قاله العلماء في تعريفه أنه: » الأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية «، أي فقه الأحكام.
والمراد بالأدلة التفصيلية كما يعرف غالب المتفقهين: الكتاب والسنة فهما المصدران الأساسيان، ويلحق بهما الإجماع والقياس فإن لهما قوة إثبات الأحكام باعتبار أنهما يستندان إلى دلالات المصدرين الأساسيين: الكتاب والسنة، ثم يأتي بعد ذلك الاجتهاد، والاجتهاد أوسع مدلولاً من القياس فإنه قد ينحل إلى قياس سواء أكان جلياً أو خفياً، أو ينحل إلى غير ذلك من أنواع الأدلة المعروفة عند العلماء كالاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع ونحو ذلك، وهذه الأنواع وإن كانت لم تعرف بهذه المسميات في جيل الصحابة لكنها مقتبسة ومستنبطة من فتاويهم واجتهاداتهم، فمعانيها متشبعة بها عقولهم مغروسة في نفوسهم وملموسة من فتاويهم رضوان الله عليهم أجمعين.
مسألة مهمة حول الاجتهاد:
ولأن نصوص الكتاب والسنة محدودة والنوازل والوقائع والحوادث غير محدودة، فمن هنا تأتي أهمية الاجتهاد.
وهنا مسألة لا بد من التنبيه عليها، وهي أن الاجتهاد في حقيقة الأمر ليس تشريعاً، بمعنى أنه ليس منشئاً للحكم، لكنه مظهر له، فالاجتهاد فهم لنصوص الكتاب والسنة، أو إظهار لحكم مسألة لم يجد فيها المجتهد نصاً فيجتهد في استخراج الحكم الشرعي لها بفهم نصوص المصدرين الأساسيين ولذلك كما سيأتي فإنه مقيد بأن يكون ضمن القواعد الكلية والأصول والضوابط الشرعية المستنبطة من الكتاب والسنة، وأن يكون بواسطة إحدى دلالات الكتاب أو السنة المعتبرة لدى العلماء، وذلك الاجتهاد حث عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه والأمة من بعده، بل ودرب أصحابه عليه، وأشرف عليهم مصوباً ومقوماً، فمثلاً قال - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل وهو واحد من أشهر وأفقه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أرسله إلى اليمن، (قال له: ماذا تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال معاذ: أحكم بما في كتاب الله، فقال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال أحكم بما في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو، قال معاذ: فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدري بيده وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله)، وقد تكلم بعضهم في سند هذا الحديث من جهة الجهالة في بعض أصحاب معاذ، ولكنها جهالة لا تضر، فقد روي موصولاً من طرق أخرى ومن أراد التفصيل فليراجع » أعلام الموقعين «[*].
وهكذا سن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه وللأمة من بعده منهج الاجتهاد، بل درّب أصحابه على الاجتهاد وأشرف عليهم، وقد اجتهدوا مثلاً بين يديه في فهم أمره - صلى الله عليه وسلم -: (ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة) [4] في غزوة بني قريظة، وكان اختلافهم مؤثراً فبعضهم صلاها في وقتها في الطريق وبعضهم أخرها وصلاها في بني قريظة ولم يكن اختلافهم في هذا الأمر لفظياً كما يقال في بعض الاختلافات، ومع ذلك سكت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الفريقين، ولم ينكر على أي منهما، فقلنا بذلك: إن من أدب الاختلاف أن لا ينكر أحد المجتهدين على صاحبه إذا كان النص محتملاً لفهمين، نعم قد يكون أحد الفهمين أرجح أو أصوب، ومع ذلك مادام ظاهر النص يحتمل الوجهين، فلا يجوز أن ينكر أحد المجتهدين على صاحبه، لكن عندما يشتط الفهم بمجتهد إلى فهم بعيد عن النص، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوب له فهمه، وقد يلومه بأسلوب لطيف كما حدث مع عدي بن حاتم - رضي الله عنه - لما وضع خيطين أسود وأبيض تحت وسادته يفسر بذلك قول الله - عز وجل -: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) [سورة البقرة: 187]، فقال له النبي: » إن وسادك إذاً لعريض) [5].
فالاجتهاد إذاً مهم جداً، وعظيم الأثر في حياة الناس، وعظيم الأثر في بيان الأحكام الشرعية، لكنه يحتاج إلى ذكاء وإلى قريحة فقهية قوية، وإلى فراسة وإلى فهم للواقع وإدراك للوقائع..
فمن لم يفهم الواقع ولم يدرك الوقائع وإن فهم الحكم قد يعجز عن التطبيق، فالفقه في حقيقة الأمر في مجال الأحكام الشرعية فقه للحكم الشرعي وفقه للتطبيق، وكان من أفقه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التطبيق عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم - أجمعين، هؤلاء كانوا أفقه وأبرز الصحابة في الفقه بعامة وفي فقه التطبيق بخاصة.
هذا هو فقه التطبيق:
وحتى نفهم فقه التطبيق إليكم هذه الواقعة، التي هي من أوضح الأمثلة على فقه التطبيق، واقعة تسمى واقعة (زبية الأسد)، وقعت لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن: روى الإمام أحمد في مسنده [6] عن حنش بن المعتمر قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، فانتهينا إلى قوم قد بنوا » زبية « للأسد، فبينما هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل، فتعلق بآخر، ثم تعلق رجل بآخر، حتى صاروا فيها أربعة، فجرحهم الأسد، فانتدب له رجل بحربة فقتله، وماتوا من جراحهم كلهم، فقاموا، أولياء الأول إلى أولياء الآخر فأخرجوا السلاح ليقتتلوا، فأتاهم علي على تفيئة ذلك، فقال: تريدون أن تقاتلوا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي؟ ! إني أقضي بينكم قضاء إن رضيتم فهو القضاء وإلا حجز بعضكم عن بعض حتى تأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون هو الذي يقضي بينكم فمن عدا بعد ذلك فلا حق له، اجمعوا من قبائل الذين حفروا البئر ربع الدية وثلث الدية ونصف الدية والدية كاملة، للأول الربع، لأنه هلك من فوقه وللثاني ثلث الدية، وللثالث نصف الدية، فأبوا أن يرضوا، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عند مقام إبراهيم، فقصوا عليه القصة، فقال: أنا أقضي بينكم، واحتبى فقال رجل من القوم: إن علياً قضى فينا، فقصوا عليه القصة، فأجازه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولقد حكم علي - رضي الله عنه - في تلك النازلة بفقه عجيب دقيق: للأول ربع الديةº لأن ديته حسم منها دية الثلاثة الذين تسبب في قتلهم لأنه لما تعلق برجل وتعلق الرجل برجل وتعلق ذاك برجل، وقع الثلاثة بسببه في الحفرة فحسم من ديته نصيب الثلاثة وبقي له الربع، والثاني تسبب في قتل اثنين فبقي له الثلث والثالث تسبب في قتل واحد فبقي من ديته النصف، والرابع لم يتسبب في قتل أحد فاستحق الديّة كاملة.
هل هناك مثال أوضح من هذا المثال في فقه التطبيق على أهمية معرفة الوقائع ومعرفة الواقع حتى ينجح المجتهد في التطبيق؟ ! ولما تعلم الصحابة -رضوان الله عليهم- أجمعين الفقه في مدرسة النبوة بإشراف النبي - صلى الله عليه وسلم -، واجهوا النوازل والحوادث والواقعات المستجدة بعقلية فقهية راقية وممتازة تدل ليس فقط على علم بكتاب الله - عز وجل - وسنة النبيص وعلم بأحكام الشريعة فحسب، بل تدل على بصر نافذ وبصيرة ممتازة بواقع الحياة الذي كانوا يعيشونه، وبحقيقة الوقائع التي كانوا يواجهونها فبصرهم في ذلك بصر نافذ وبصيرتهم صحيحة، ولذلك برعوا رضوان الله عليهم أجمعين في فقه التطبيق مؤسساً على معرفة الواقع وكيف يطبق الفقه عليه، وإدراك لحقيقة الوقائع وكيف يستخرج الحكم لها.
فقه الصحابة ومعرفتهم بالواقع:
قبل أن أسوق بعض الأمثلة من فقه الصحابة بالوقائع والنازلات التي استجدت عندهم، أمهد بهذه الحقيقة وهي أن الفقه مرتبط بالحياة بل الشريعة نفسها مرتبطة بالحياة، لأننا في هذا الصدد وفي هذا المجال أمام أمرين: أمام شريعة منزلة وأمام فقه يمثل فهم العلماء والمجتهدين لهذه الشريعة، وكلاهما يكونان ثروة من الأحكام لا يستغني عنهما أحد أبدا، فالفقه مرتبط بالحياة.
الحياة يجب أن ترتبط بالفقه ولا يزدهر الفقه إلا إذا كان مرتبطاً بالحياة، كما أن الحياة لا تزدهر إلا إذا كانت تحت سلطة الفقه والفقهاء، فأما إذا كان هناك خصام نكد بينهما فإنهما يفقدان الازدهار، فالفقه يصيبه الشلل وقد يموت كما حصل في عصور الجمود والانحطاط، والحياة يصيبها الفساد، والمجتمع قد ينهار بل ينهار فعلاً ويتفكك، فالارتباط بين الفقه وبين الحياة ارتباط وثيق...
ثم حقيقة أخرى: وهي أن الفقه الإسلامي لا يؤتي ثمرته المرجوة إلا إذا كانت جوانب الحياة كلها مرتبطة به خاضعة لسلطته.
في أي مجتمع إذا كانت هناك جوانب من الحياة أو بعض مرافق المجتمع خرجت عن سلطة الفقه، فإن الفقه لا يؤتي ثمرته المرجوة، كما هو الحال اليوم في أكثر مجتمعات المسلمين، إذ أن هناك جوانب من الحياة لا تخضع للفقه وبخاصة الجانب السياسي، والإعلامي وفي بعض المجتمعات لا يخضع التعليم أيضاً للفقه، فإذا خرجت مثل هذه الجوانب الأساسية في المجتمع عن سلطة الفقه يفسد المجتمع، ولكن الحقيقة الأخرى أن الفقه أيضاً ينقص ولا يؤتي ثمرته المرجوة لأن الفقه لا يزدهر إلا بالتطبيق.
الفقه ليس نظريات فقط:
والفقه الإسلامي ليس مجرد نظريات ميتة في الكتب فقط كنظريات الفلاسفة، بل هو فقه للحياة لأن الشريعة التي أنزلها الله - عز وجل - أنزلها قانوناً للحياة، فالفقه يواكب الحياة دائما مرتبطاً بحركتها، ويزدهر بهذا الارتباط يزدهر على أيدي القضاة وأيدي المفتين وأيدي المجتهدين الذين يتقون الله - عز وجل - في بيان الأحكام، من أراد أن يتلمس أمثلة لهذا الازدهار في الكتب فليقرأ كتب النوازل وكتب الواقعات وكتب الفتاوى، فعندما تقرأ مختصر الفتاوى أو مجموعها لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - لو قدر لك أن تقرأ هذا المجموع كله فإنك تقرأ حياة كاملة بكل نواحيها السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية...
بل حتى الجغرافية، ففي بعض الأجزاء جغرف شيخ الإسلام ابن تيمية المناطق السياسية للعالم الإسلامي في وقته، ما رأيت أعجب من كتابته تلك في تصوير حالة العالم الإسلامي من الناحية العقدية والسياسية والاجتماعية في عصره: بين حال العراق وحال الشام وحال الحجاز، وغير ذلك من الأقطار.
فهذا كتاب من الكتب إذا قرأته ترى كيف يرتبط الفقه بالحياة، كيف يواكب الفقه الحياة، وفي عهد الصحابة - رضي الله عنهم - كان الفقه مرتبطاً بالحياة بالواقع لو سميناه فقهاً واقعياً أو فقه الواقع بهذا المعنى، لصحت هذه التسمية، ما كان الفقهاء يفترضون مسألة من المسائل أبداً بل كانت الواقعة تقع، والنازلة تنزل فيسألون فتصدر الفتوى وإذا لم يجدوا نصاً في النازلة اجتهدوا في استخراج الحكم لها، وربما كان الاجتهاد جماعياً.
وللحديث بقية...
---------------------------------------------------------------
(*) انظر أعلام الموقعين، ج1، ص154، تحقيق محمد عبد السلام إبراهيم.
(1) البخاري، كتاب العلم، ج1، ص26، ح 15.
(2) البخاري، كتاب العلم، ج1، ص 25، ح10، 13.
(3) أبو داود، كتاب العلم، ج2، ص 696º صحيح أبي داود، السلسلة الصحيحة، ح404.
(4) البخاري، كتاب المغازي، ج7، ص 471، ح/4119.
(5) البخاري، كتاب التفسيرº مسلم، كتاب الصيام.
(6) مسند أحمد، تحقيق أحمد شاكر، ج1، حديث 573.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد