المسلم المعاق واحتياجاته الخاصة


بسم الله الرحمن الرحيم

 

إقامة الحق والعدل بين الناس وتحقيق التوازن في الربط بين الحقوق والواجبات ووضع الضمانات الحقيقية الكفيلة بنيل كل صاحب حق حقه بصورة ميسورة وعند الاقتضاء يلجأ إلى الإحسان حسب الحالات الخاصة والظروف الاستثنائية.

من هذا المدخل المنهجي الأساسي ننطلق إلى الموضوع المقصود، وهو تحديد واجبات المسلم المعاق في الإسلام وبيان التناغم الموجود بين قدراته وتكاليفه.

وجوب رعاية المحتاجين

من ذوي الاحتياجات الخاصة

من المتفق عليه بين الفقهاء وجوب إعانة المضطر إلى الطعام والشراب بإعطائه ما يدفع عنه المضرة والهلاك ويحفظ عليه حياته وما يتهددها من غرق أو حريق أو سبع أو غير ذلك، وقد يكون الواجب عينيا على القادر أو كفائياً إذا وجد غيره للقيام بهذا الواجب وإن تركوه جميعاً بلا عذر حتى هلك المضطر أثموا جميعاً لما روي أن قوماً وردوا ماء فسألوا أهله أن يدلوهم على البئر، فأبوا فسألوهم أن يعطوهم دلواً، فأبوا أن يعطوهم، فقالوا لهم: إن أعناق مطايانا قد كادت أن تقطع، فأبوا أن يعطوهم، فذكروا ذلك لعمر - رضي الله عنه - فقال لهم: فهلا وضعتم فيهم السلاح؟ ومثل ذلك إعانة الأعمى إذا تعرض لهلاك وإعانة الصغير لإنقاذه من عقرب ونحوه.

ويدخل هذا في عموم أمر الله - تعالى - بالتعاون على البر ودفع الضر، قال الله - عز وجل -:{وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} >المائدة: 2<.

وكلما كان هناك رابطة قرابة أو حرفة، كان التعاون بينهم أوجب.

- جوانب العناية بذوي الاحتياجات الخاصة

تتم العناية بهذه الفئة من الجانب المادي أولاً وذلك بتوفير الوسائل المناسبة لهم والتكفل بأعباء المعوق علاجاً ورعاية، وهو عبء واقع بصفة إلزامية على الأسرة أو الكافل الشرعي، وعند العجز تنتقل المسؤولية إلى المجتمع أو الدولة عن طريق فريضة الزكاة وبيت المال والأوقاف.

ويتوازى مع العناية المادية الجانب النفسي والاجتماعي، وهو على درجة بالغة الأهمية والأثر، وعلى المجتمع دور أساسي في الرعاية النفسية والاجتماعية للمعوق وإدماجه في الحياة وكسر حاجز الطوق النفسي الذي عزله عن مجريات الأحداث ومشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم وتتمثل هذه العناية في دوائر متاحة تبدأ من نطاق الأسرة وهي المحضن الأصلي الطبيعي للإنسان السوي وذي الاحتياجات الخاصة على السواء، ثم تتوسع الدائرة لتشمل المدرسة ثم المجتمع العام بمؤسساته المختلفة الرسمية والأهلية، وكل يقوم بدوره تجاه هؤلاء المحرومين.

 

أنماط من التشريعات تخص المعوق

في الفقه الإسلامي

- التشريعات الخاصة بالمعوقين في الإسلام يضبطها الأصل العام في قول الله - عز وجل-  : {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}, وقوله - عز وجل - :{وما جعل عليكم في الدين من حرج} سورة الحج: 87.

- ومن هنا وضعت قاعدة أساسية من قواعد الفقه الإسلامي وهي أن المشقة تجلب التيسير وحدد الفقهاء مسائل كثيرة تحت نظرية الضرورة ورفع الحرج.

- ويضم القرآن والسنة وكتب الفقه طائفة من هذه الأحكام منها:

- التخفيف على المريض بإباحة التيمم عند العجز عن استعمال الماء.

- جواز الصلاة قاعداً لمن عجز عن القيام.

- إباحة الفطر بسبب المرض وقضائه عند القدرة.

- جواز الجمع بين الصلاتين للمستحاضة والمصاب بسلس البول وللمبطون الذي أصابه الإسهال لتعذر الحفاظ على الطهارة وقتاً طويلاً.

- سقوط وجوب الجمعة عن العاجز عن المشي للصلاة.

- كما يسقط الحج عند العجز البدني.

- وراعى الفقه حالة الأصم في تكاليفه بما يتناسب وقدراته.

- أسقط عن الأخرس فرض القراءة في الصلاة وكذا شهادته وعقوده تصح بما يكشف عن مقصوده بالإشارة الموضحة.

- وعفا عن الأعمى فلم يوجب عليه ما أوجب على المبصرين.

 

نماذج من رعاية التخفيف

على المعوق والعاجز عن التكاليف:

جواز التيمم عند فقد الماء والعجز عنه كمن فقد الماء للصلاة فإن التيمم يكفيه ولو طال به الأمد وكذا المريض الذي يضره الماء وهو صريح نص القرآن الكريم {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً}سورة النساء: 43-.

- جاء في كتاب المحلي لابن حزم -ومن كان محبوساً في حضر أو سفر بحيث لم يجد تراباً ولا ماء أو كان مصلوباً وجاءت الصلاة فليصل كما هو وصلاته تامة ولا يعيدها. سواء وجد الماء في الوقت، أو لم يجده إلا بعد الوقت وبرهان ذلك قول الله - تعالى -: {فاتقوا الله ما استطعتم} وقوله - تعالى -:{ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} وقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم), وقوله - تعالى -: {وقد فصّل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} فصح بهذه النصوص أنه لا يلزمنا من الشرائع إلا ما استطعنا وأما ما لم نستطعه فساقط عنا، وصح أن الله - تعالى - حرم علينا ترك الوضوء أو التيمم للصلاة إلا أن نضطر إليه والممنوع من الماء والتراب مضطر إلى ما حرم عليه من ترك التطهر بالماء أو التراب فسقط عنه تحريم ذلك عليه، وهو قادر على الصلاة بتوقيتها وأحكامها وبالأيمان فبقي عليه ما قدر عليه فإذا صلى كما ذكرنا فقد صلى كما أمره الله - تعالى -ومن صلى كما أمره الله - تعالى -فلا شيء عليه.

- وفي نفس المصدر جاء من عجز عن بعض أعضائه في الطهارة مثل من قطعت يداه أو رجلاه أو بعض ذلك سقط عنه حكمه وبقي عليه غسل ما بقي لقوله - صلى الله عليه وسلم -:( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فإن كان في الجسد جرح سقط حكمه وبقي فرض غسل سائر الجسد أو الأعضاء لما ذكرناه فإن عمت القروح يديه أو يده أو رجليه أو وجهه أو بعض جسده فإنه أخرجه ذلك إلى اسم المرض وكان عليه من إمساس الماء حرج تيمم فقطº لأن هذا حكم المريض وإن كان لا مشقة عليه في الماء غمسه فقط وأجزأه أو صب عليه الماء وأجزأه وإن كان لم يخرجه إلى اسم المرض غسل ما أمكنه وسقط عنه ما عليه فيه حرج فقط كثر أو قل لما ذكرناه.

العجز عن الركوع والسجود في الصلاة

- وقال في العاجز عن الركوع أو السجود فمن عجز عن الركوع أو عن السجود خفض لذلك قدر طاقته فمن لم يقدر على أكثر من الإيماء أومأ ومن لم يجد للزحام أن يضع جبهته وأنفه للسجود فليسجد على رجل من أمامه أو على ظهر من أمامه...وروينا أن عمر بن الخطاب قال: من آذاه الحر يوم الجمعة فليبسط ثوبه ويسجد عليه ومن زحمه الناس يوم الجمعة حتى لا يستطيع أن يسجد على الأرض فليسجد على ظهر رجل... وعن نافع عن ابن عمر قال: إذا كان المريض لا يقدر على الركوع ولا على السجود أومأ برأسه.

 

صلاة المريض

- وجاء في كتاب المبسوط حول صلاة المريض الأصل في صلاة المريض قوله - تعالى -: {الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم} سورة آل عمران 191-، قال الضحاك في تفسيره هو بيان حال المريض في أداء الصلاة على حسب الطاقة، ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عمران ابن حصين يعوده في مرضه فقال: كيف أصلي؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى الجنب تومئ إيماءً فإن لم تستطع فالله أولى بالعذر -أي بقبول العذر منك- ولأن الطاعة على حسب الطاقة قال الله - تعالى -: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}, ولقوله - تعالى -: {فاتقوا الله ما استطعتم} فإذا عجز عن القيام يصلي قاعداً بركوع وسجود وإذا كان عاجزاً عن القعود يصلي بالإيماء لأنه وسع مثله فإن كان قادراً على القيام في أول الصلاة وعجز عن القيام فإنه يقعد.

 

يمين الأبكم واستثناؤه

قال ابن حزم في يمين الأبكم واستثنائه ويمين الأبكم واستثناؤه لازمان على حسب طاقته من صوت بصوته أو إشارة إن كان مصمتاً لا يقدر على أكثر لما ذكرنا من أن الأيمان إخبار من الحالف عن نفسه والأبكم والمصمت مخاطبان بشرائع الإسلام كغيرهما... فوجب عليهما من هذه الشريعة ما استطاعاه وأن يسقط عنهما ما ليس في وسعهما وأن يقبل منهما ما يخبران به أنفسهما حسب ما يطيقان ويلزمهما ما التزماه .

 

طلاق الأبكم

- وفي طلاق الأبكم ومن لا يحسن العربية قال ابن حزم أيضاً ويطلق من لا يحسن العربية بلغته باللفظ اللذي يترجم عنه في العربية بالطلاق ويطلق الأبكم والمريض بما يقدر عليه من الصوت أو الإشارة التي يوقن بها من سمعها قطعاً أنهما أرادا الطلاق.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply