بسم الله الرحمن الرحيم
[الدين آفة المجتمعات]، عبارة أطلقها رائد الطب النفسي الحديث [سيجموند فرويد]، صاحب نظرية التحليل النفسي، لقد رأى فرويد أن الدين هو سبب من أسباب الأمراض النفسية التي تصيب الناس، وقال كذلك لأن الفرد عندما يتمسك بالدين يكون داخله صراعات ومشاكل نفسية، والسبب هو الدين في نظر فرويد، وعندما تعرض فرويد للنقد قال: أن هذا يكون للمرضي وليس الأسوياء.
ثم جاء بعده عالم النفس السويسري [كارل يونج]، وهو أحد تلامذة فرويد، الذي اختلف مع أستاذه فرويد في هذه النقطة، فماذا قال يونج عن الدين؟
رأى يونج أن السعي وراء الأهداف وتحقيقها لا يتم إلا عن طريق \'الدين\'، وهو أول من أشار إلى أهمية الدين بالنسبة للشخصية السوية، ورأى أن الدين يُعتبر عنصراً أساسياً من عناصر الحياة النفسية، وأن الإنسان بعد سن الأربعين يتمسك بالقيم الدينية، ومن يفتقدها يكون عرضة للمرض النفسي.
انظري عزيزتي الزهرة المسلمة إلى قول الحق منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام حين قال: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَربَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوزِعنِي أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتِي أَنعَمتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَن أَعمَلَ صَالِحًا تَرضَاهُ وَأَصلِح لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبتُ إِلَيكَ وَإِنِّي مِنَ المُسلِمِينَ} [سورة الأحقاف: 15].
عصر القلق
يؤكد علماء النفس أننا نعيش في عصر يُطلق عليه الآن [عصر القلق]، وكل إنسان يبحث عن الراحة النفسية وهدوء الأعصاب وتجنب الاضطرابات النفسية، ووالله لا يكون هذا إلا بالعبادة والقرب من الله - تعالى -، ويشاء الله العزيز العليم أن يخلق الإنسان مزيجاً من جسد وروح، جسد له مطالب واحتياجات، وروح لها مطالبها واحتياجاتها، وقد ألزمنا الله بإعطاء كل منها حقه، وحتى تستقيم الحياة الهانئة للنفس البشرية لا بد لها من تحقيق التوازن بين حاجات الجسد وحاجات الروح، وحاجات الروح تقتضي تحقيق قول الله - تعالى -: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطمَئِنٌّ قُلُوبُهُم بِذِكرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكرِ اللّهِ تَطمَئِنٌّ القُلُوبُ} [سورة الرعد: 28].
إن العبادة -وخاصة في رمضان- تبني الشخصية المسلمة السوية، رجلاً كان أو امرأة، التي تتمتع بالراحة النفسية والهدوء والرضا عن ذاتها وعمن حولها، أما من يعرض عن العبادة وعن ذكر اللهº فلا يلقى إلا ما قال الله في كتابه: {وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيَامَةِ أَعمَى} [سورة طـه: 124].
قلب مفعم بالإيمان
هذا هو قلب الزهرة المسلمة، امتلأ يحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وإيمان راسخº فظهر ذلك علي الجوارح، فتجدها تقرأ القرآن، تصلي وتستغفر، وتجد قلبها يفيض بالدعاء والمناجاة والتسبيح والرضا، والشكر عند النعم والصبر عند الابتلاءات والمصائب، قلب يتذكر أحبابها السالفين العابدين، وعلى رأسهم رسولنا الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهذا عروة بن الزبير الذي طلب أن تبتر قدمه وهو ساجد، يصلي لله حتى لا يشعر بآلام البتر، وبلال بن رباح الذين كان يُعذَّب وهو يردد: أحد أحد، وابن تيميه - رحمه الله - الذي كان يستشعر أن نفيه سياحة وسجنه خلوة، وكان يتلذذ بالسجن رغم ظلمته الموحشةº لأنه كان في معية الله - تعالى -.
الصحة النفسية مع العبودية
إن الدين والعبادة ليست آفة كما ذكر فرويد، بل إنها العلاج والوقاية من الأمراض والاضطرابات النفسية، إن الزهرة المسلمة تؤمن إيماناً عميقاً بأنها خُلقت في هذه الحياة الدنيا لهدف كبير، حدَّده رب العزة بقوله: {وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعبُدُونِ} [سورة الذاريات: 56].
فالحياة في نظر الزهرة المسلمة ليست في قضاء الوقت بالأعمال اليومية المألوفة، والاستمتاع بطيبات الحياة وزينتها، وإنما الحياة رسالة على كل مؤمن أن ينهض بها علي الوجه الذي تتحقق فيه عبادته لله، وعليها أن تستحضر النية في أعمالها كلها أنها تبتغي وجه الله، لأن الأعمال محصورة موقوفة على النيات، كما أكد رسول الله في حديثه الشهير: [[إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى... ]]. متفق عليه.
معبد متحرك
ومن هنا تكون الزهرة المسلمة في عبادة دائمة، وهى تقوم بأعمالها كلها، كأنها في معبد متحرك دائم، ما دامت تستحضر في نيتها أنها تقوم بأداء رسالتها في الحياة، كما أراد الله لها أن تكون.
فهي في عبادة وهي تبر والديها، وتحسن تبعل زوجها، وتعتني بتربية أولادها، وتقوم بأعبائها المنزلية، وتصل أرحامها، وتذهب لعملها إن كانت امرأة عاملة، وتدرس في مدرستها أو كليتها إن كانت دارسة...إلخ، مادامت تفعل كل ذلك امتثالاً لأمر الله ونبيه - صلى الله عليه وسلم -.
وفق الله الزهرة المسلمة إلى حسن العمل وحسن العبادة في رمضان.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد