بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فهذه كلمات يسيرات أوجهها إلى إخوتي أصحاب الفضيلة أئمة المساجد والجوامع بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك..وهي كلمات النصيحة دافعها، والمحبة في الله رائدها، والإخلاص وقودها..فآمل أن تجد لديك أخي الإمام قبولاً وأن تفتح لك في مهمتك آفاقاً..
أخي إمام المسجد: أهنئك بدخول شهر رمضان المبارك جعلني الله وإياك ممن يصوموه ويقوموه إيمانا واحتساباً، وأن يوفقنا وإياك فيه لصالح العمل..
أخي الأمام.. كما أن شهر رمضان هو شهر الصيام والقيام والصدقة، وشهر القرآن والطاعة والعبادة، فهو أيضاً شهر الدعوة والاحتساب خاصة لأئمة المساجد والجوامع، هو فرصة للتربية وتزكية النفوس.. لأن الناس يقبلون على المساجد ويؤمون الجوامع للصلاة والتراويح والاعتكاف ونفوسهم مهيئة لتقبل الخيرات وعمل الصالحات، وهذه من نعمة الله على عباده.. ولاشك أن الداعية الناجح يهتبل الفرص ويغتنمها وهذا منهج نبوي أمثلته كثيرة ليس هذا مجال طرقها..
نعم أخي في الله: رمضان فرصة للإمام الجاد في وظيفته المهتم بخطبته الحريص على جماعته وصلاته وقيامه ولا شك أن شهراً بعظمة رمضان يتطلب من الإمام جهداً لاغتنامه لنفسه والحرص على النفع المتعدي..
ولذا أوجه هذا الوصايا والوقفات على الله أن ينفعني وإياك بها..
الوصية الأولى: تقوى الله - جل وعلا - في السر والعلن وما تأتي وما تذر، والإخلاص في القول والعمل فهما سبب التوفيق والنجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، قال ابن الجوزي: \" إنما يتعثر من لم يخلص\". فاخلص نيتك في أمامتك ودعوتك وصلاتك ودعائك، والرجل كما قيل: إنما يُعطى على قدر نيته.
الوصية الثانية: وأنت تستعد للعمل والدعوة في رمضان ولاشك أن ذلك عبء كبير لمن يحملون هم الإسلام استعن بالله - جل وعلا - وتوكل عليه وسل ربك أن ييسر أمرك ويبارك في إمامتك ودعوتك، فلا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله - تعالى - عن موسى - عليه السلام - وقد جاءه التكليف بالدعوة وتبليغ الرسالة: (قَالَ رَبِّ اشرَح لِي صَدرِي* وَيَسِّر لِي أَمرِي * وَاحلُل عُقدَةً مِن لِسَانِي*يَفقَهُوا قَولِي) (طـه: 25، 28).
الوصية الثالثة: الإمامة أمانة.. فالله الله في أداء الأمانة بالحرص على أداء الصلاة في وقتها، وعدم التخلف عنها إلا لعذر شرعي وإنابة من تبرؤ به الذمة حال الغياب الضروري فأنت قدوة في قولك وعملك فكيف تريد من الناس المحافظة على الصلاة وأنت لا تحافظ عليها أو تتخلف عن أدائها..
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
الوصية الرابعة: احرص بارك الله فيك على تعاهد المسجد وتهيئته للمصلين والمتهجدين والمعتكفين وذلك بتطيبه والعناية بنظافته وتنظيم أثاثه والاهتمام بدورات المياه وصيانتها والحفاظ على محتوياته، والعناية بالصوتيات والاعتدال في ذلك.
الوصية الرابعة: احرص على الاستعداد العلمي لرمضان بمعرفة أحكام الصيام والقيام والاعتكاف وزكاة الفطر وأحكام العيد والست من شوال حيث إنك تحتاج لذلك لتقوم بعبادتك على الوجه المطلوب، والناس سيسألونك ولاشك - عن ذلك، ويستطيع الإمام أن يتفقه في ذلك بقراءة الكتب الفقهية عن الصيام أو قراءة فتاوى العلماء الكبار في ذلك أو الملخصات الفقهية المعتمدة أو سماع الدروس العلمية التي تتحدث عن الصيام وأحكامه ومخالفاته مثل: الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان، الصيام آداب وأحكام للدكتور عبد الله الطيار، مخالفات الصيام للشيخ / عبد العزيز السدحان.
الوصية الخامسة: احرص على القراءة على المصلين في الوقت الذي تراه مناسباً لحال جماعتك، واحرص على الاختصار مع التحضير للدرس والتعليق المفيد إن اقتضى الأمر ومن الكتب المفيدة في هذا الباب \" على سبيل المثال لا الحصر \": مجالس شهر رمضان للعلامة ابن عثيمين - رحمه الله -، أحاديث الصيام آداب وأحكام للشيخ عبد الله الفوزان، فتاوى رمضان لمجموعة من العلماء جمع أشرف عبد المقصود، دروس رمضان لعبد الملك القاسم، رمضان دروس وعبر للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد وغيرها.
الوصية السادسة: احرص على اتباع السنة في صلاة التراويح والاقتصاد في الدعاء وعدم الاعتداء واحذر من السرعة في الصلاة قال أهل العلم: إنه يكره للإمام أن يسرع بالجماعة سرعة تمنعهم من فعل ما يُسن فكيف بفعل ما يجب..
الوصية السابعة: يكثر سفر بعض الأئمة للعمرة في رمضان فيتركون المسجد أياماً أو يختمون مبكرين في أول العشر الأواخر وبذهبون إلى مكة ويقولون نحن وكلنا من يقوم بالمهمة على أكمل وجه، وهذا خطأ لأن أداء العمرة سنة والقيام بالإمامة واجب فكيف يقدم النفل على الفرض، ثم إن العمرة نفع قاصر والإمامة والصلاة نفع متعد وهو مقدم.
الوصية الثامنة: الدعوة في الحي أثناء رمضان وهناك بعض الأعمال الدعوية التي لها ثمارها المجربة في رمضان ومنها:
1- هداية رمضان: فالهدية تفتح القلوب وطريق للدعوة ووسيلة سهلة ميسرة للتواصل مع الناس مع مراعاة أحوال الجماعة فمنهم الصالحون ومنهم دون ذلك وهم يختلفون بحسب حرصهم على الصلاة ومحافظتهم على أسرهم ومَن تحت ولايتهم فيراعى في الهدية ذلك..
2- طرح المسابقات الهادفة لأهل الحي ومراعاة المراحل العمرية ووضع عليها جوائز رمزية وقيمة.
3- زيارة المقصرين في بيوتهم لمناصحتهم عما هم واقعون فيه من ترك للصلاة أو تفريط في تربية البنين والبنات أو تركيب للدشوش والقنوات الماجنة وغير ذلك من المخالفات.
4- استضافة العلماء والدعاة لإلقاء الدروس والكلمات بعد التراويح أو غيرها.
5- استغلال حضور المصليات وتوزيع المفيد عليهنَّ من الأشرطة والكتب والمطويات، وإعطائهن نصيباً من التوجيه والاهتمام باستضافة الداعيات وطالبات العلم.
6- تعاهد لوحة إعلانات المسجد والإشراف التام عليها مع الحرص على تنوع مادتها وتجديدها بين الحين والآخر.
7- إعداد برنامج للعيد وتنسيق اجتماع للجيران بعد صلاة العيد في المسجد لبذل السلام وإشاعة روح التعاون والمودة والتواصل بين الجيران والإصلاح بين المتخاصمين.
الوصية التاسعة: وعلى الإمام أن يكلل هذه الأمور كلها بدعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة والرفق وعدم التعنيف والحرص على هداية الناس كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال - تعالى -: (فَبِمَا رَحمَةٍ, مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلبِ لَانفَضٌّوا مِن حَولِكَ فَاعفُ عَنهُم وَاستَغفِر لَهُم وَشَاوِرهُم فِي الأَمرِ... ) (آل عمران: 159) وقال - سبحانه -: (ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدِينَ) (النحل: 125)
الوصية العاشرة: تفطير الصائمين في هذا الشهر الكريم وتهيئة المكان لذلك وحث لجماعة على المساهمة في ذلك، وإن كان هناك وافدون وهم الأغلب فاجعل مع غذاء البدن غذاء الروح وهذا - بحمد لله - متوفر عند مكاتب دعوة الجاليات فهم يمدونك بالكتيبات والدعاة وبجميع اللغات.
الوصية الحادية عشرة: العناية بفقراء الحي وتفقدهم فهم أولى بالمعروف وذلك إعداد برنامج لجمع الزكاة وتوزيعها على فقراء الحي وإعناة محتاجهم وسد فاقتهم وستر خلتهم أو السعي لدى من يعينهم.
وفي الختام:
أخي إمام المسجد: إن أهل الباطل يتسابقون لخطف رمضان وهدم روحانيته وإفساد حلاوته بالمسلسلات الطائشة والأفلام الماجنة والفوازير الهازلة، فلابد أن نسعى للحفاظ على هيبة رمضان وجلاله وذلك بالحرص على أن نقدم برامج تكون بدائل مزاحمة لهذا الإعلام الملوث وإحياء دور المسجد وتفعيله..
وفقني الله وإياك لما يحب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد