بسم الله الرحمن الرحيم
ها هو شهر رمضان قد قوِّضت خيامه، وغابت نجومه. وها أنت في ليلة العيد، فالمقبول منا هو السعيد. وإن الله قد شرع في ختام الشهر عبادات تقوي الإيمان وتزيد الحسنات. ومنها:
1- التكبير: من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، قال - تعالى -: {وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ}[البقرة: 185].
ومن الصفات الواردة فيه: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
2- زكاة الفطر: وهي صاع من طعام ويبلغ قدره بالوزن: كيلوين وأربعين غراماً من البر الجيد. فإذا أراد أن يعرف الصاع النبوي فليزن كيلوين وأربعين غراماً من البر، ويضعها في إناء بقدرها بحيث تملؤه ثم يكيل به. والأفضل أن يخرجها صباح العيد قبل الصلاةº لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: \"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة\" متفق عليه. ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين.
3- صلاة العيد: وقد أمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته رجالاً ونساء مما يدل على تأكدها. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنها واجبة على جميع المسلمين وأنها فرض عين. وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد واختاره ابن القيم أيضاً.
ومما يدل على أهمية صلاة العيد ما جاء في حديث أم عطية - رضي الله عنها - قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العوائق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن المصلى، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: (لتلبسها أختها من جلبابها) متفق عليه.
والسنة: أن يأكل قبل الخروج إليها تمرات وتراً ثلاثاً أو خمساً أو أكثر، يقطعهن على وترº لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً) رواه البخاري.
ويسن للرجل أن يتجمل ويلبس أحسن الثياب. كما في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما هذه لباس من لا خلاق له). وإنما قال ذلك لكونها حريراً. وهذا الحديث رواه البخاري. وبوب عليه: باب في العيدين والتجمل فيهما. وقال ابن حجر: وروى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين.
وأما المرأة فإنها تخرج إلى العيد متبذّلة، غير متجملة ولا متطيبة، ولا متبرجةº لأنها مأمورة بالستر، والبعد عن الطيب والزينة عند خروجها.
ويسن أن يخرج إلى مصلى العيد ماشياً لا راكباً إلا من عذر كعجز وبعد مسافة لقول علي - رضي الله عنه -: (من السنة أن يخرج إلى العيد ماشياً) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن. والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم، يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً، وأن لا يركب إلا من عذر...اهـ.
وينبغي مخالفة الطريق بأن يرجع من طريق غير الذي ذهب منه. فعن جابر - رضي الله عنه - قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم عيد خالف الطريق) رواه البخاري. وفي رواية الإسماعيلي: كان إذا خرج إلى العيد رجع من غير الطريق الذي ذهب فيه. قال ابن رجب: وقد استحب كثير من أهل العلم للإمام وغيره إذا ذهبوا في طريق إلى العيد أن يرجعوا في غيره. وهو قول مالك والثوري والشافعي وأحمد.
ويستحب التهنئة والدعاء يوم العيد. فعن محمد بن زياد قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك. قال أحمد: إسناده جيد. وقال ابن رجب: وقد روي عن جماعة من الصحابة التابعين أنهم كانوا يتلاقون يوم العيد ويدعو بعضهم لبعض بالقبول.
1- لا يجوز للمرأة أن تخرج إلى الرجال متبرجة متزينة متعطرة، حتى لا تحصل الفتنة منها وبها، فكم حصل من جرّاء التساهل بذلك من أمور لا تحمد عقباها. قال الله - تعالى -: (وَلَا تَبَرَّجنَ تَبَرٌّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) [الأحزاب: 33] وقال - صلى الله عليه وسلم -: (أيما امرأة استعطرت فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي زانية) رواه أحمد والثلاثة وقال الترمذي: حسن صحيح. وصححه ابن خزيمة وابن حبان. وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: لما نزلت (يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) [الأحزاب: 39] خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية) رواه أبو داود وصححه الألباني.
2- الحذر من الاختلاط المحرم بين الرجال والنساء، وهو محرم كل وقت وحين. وإنما حصل التنبيه هنا لكثرة اجتماع الناس في هذا اليوم وتكرر الزيارات واللقاءات العائلية والرحلات البرية فيه.
3- تحرم المصافحة بين المرأة والرجل الأجنبي. وهي عادة قبيحة مذمومة. وإذا كان النظر إلى الأجنبية محرماً فالمصافحة أعظم فتنة. ولما طلبت النساء المؤمنات من النبي - صلى الله عليه وسلم - في المبايعة على الإسلام أن يصافحهن امتنع وقال: (إني لا أصافح النساء) أخرجه مالك وأحمد والنسائي والترمذي بنحوه. وقال: حسن صحيح. وصححه ابن حبان. قال ابن عبد البر: في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إني لا أصافح النساء) دليل على أنه لا يجوز لرجل أن يباشر امرأة لا تحل له، ولا يمسها بيده ولا يصافحها. وفي حديث معقل بن يسار - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني والبيهقي، وقال المنذري: رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح. وصححه الألباني.
4- صلة الرحم فريضة وأمر حتم، وقطيعة الرحم كبيرة من كبائر الذنوب، قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) متفق عليه. ويوم العيد فرصة لصلة الرحم وزيارة الأقارب وإدخال السرور عليهم. وهذا من جلائل الأعمال وسبب في بسط الرزق وتأخير الأجل، قال - صلى الله عليه وسلم -: (من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) متفق عليه. ولا تكن صلتك لأقاربك مكافأة لهم على قيامهم بحقك، بل صلهم ولو قطعوك، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) رواه البخاري. واعلم أن من صلة الرحم الاتصال الهاتفي على الأقارب عند تعذر المقابلة، والاطمئنان على صحتهم، وسؤالهم عن أحوالهم، وتهنئتهم عند المحاب، ومواساتهم عند الشدائد والمكاره.
5- العيد مناسبة طيبة لتصفية القلوب، وإزالة الشوائب عن النفوس وتنقية الخواطر مما علق بها من بغضاء أو شحناء، فلتغتنم هذه الفرصة، ولتجدد المحبة، وتحل المسامحة والعفو محل العتب والهجران، مع جميع الناس من الأقارب والأصدقاء والجيران. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً) رواه مسلم. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) متفق عليه من حديث أبي أيوب - رضي الله عنه -، ورواه أبو داود من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وزاد: (فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار) وصححه الألباني. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه) رواه أبو داود، وصححه الألباني.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد