صورة من بيع التورق المنظم


بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد:

فيعد فقه المعاملات من أهم المهمات التي ينبغي لكل من يتعامل بها المعرفة به حتى لا يقع في محظور شرعي، وبخاصة في هذا الزمان الذي اختلطت فيه الأمور وكثرت فيه المعاملات وأصبح بعض الناس لا يتورعون في كسبهم من تجارتهم وبيعهم وشرائهم، فكم واحد من الناس لا ينظر إلى نوع المعاملات وحكم الشرع فيها ثم بعد وقوعه في المخالفة يسأل وهذا مما نلاحظه كثيراً من خلال الأسئلة التي تعرض على أهل العلم.

وحيث إن الفقه في المعاملات وبخاصة فقه البيوع مما يحتاج الناس إليه كثيراً إذ لا يمر يوم إلا فيه بيع وشراء من أفراد الناس، لذا رأيت وضع رسالة بسيطة أوضح فيها ما يجب أن يكون في البيع والشراء لا سيما بيوع التقسيط.

وهذه الرسالة بينت فيها نوعاً من أنواع البيوع التي انتشرت في هذه الفترة وهو ما يسمى ببيع الصابون ويقاس عليه غيره مما يتعامل به الناس في مسائل التورق الكثيرة كبيع بطاقات (سوى) والقهوة، والشاي، والهيل، والأرز، ومناديل الفاين، وغيرها كالسيارات والأسهم.

ولعل من أبرز أسباب تأليف الرسالة أنه أثناء لقاء مع فضيلة الشيخ عقيل الشمري الداعية في مركز الدعوة في حفر الباطن

وبعد طرحه مجموعة من الأسئلة حول هذا النوع من البيوع \"بيع الصابون\" طلب مني وضع رسالة صغيرة بأسلوب واضح يستفيد منها عامة الناس، وحيث إن طرّقَ هذا الموضوع كانت تراودني فكرته منذ وقت، وذلك عندما تم لقاء في منطقة تبوك مع بعض العسكريين وكانوا يسألون كثيراً عن هذا التعامل، ولما للشيخ عقيل من مكانة في نفسي، ورغبة في نشر العلم ونفع الأمة كانت هذه الرسالة التي أسأل الله أن يجعلها مباركة وأن يعم نفعها من كتبها أو قرأها، أو سمعها، أو أشار بها، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

أ. د. عبد الله بن محمد الطيار

 

التعريف بالرسالة:

الرسالة هي عبارة عن مسائل في فقه البيع وخاصة بيع الصابون، وهذه الأسئلة جمعها فضيلة الشيخ عقيل الشمري وأرسلها لي للإجابة عليها وجعلتها كما أسلفت في رسالة ليعم بها النفع ولتمام الفائدة أضفت بعض المسائل التي لم يذكرها الشيخ لعموم الوقوع فيها وكثرة السؤال عنها.

وليعلم أخي القارئ أن هذه المسائل في بيع الصابون تنطبق على غيره مما يتعامل به الناس في كل بلد مما يجعلونه وسيلة للحصول على المال، ومسائل التورق توسع فيها الناس كثيراً، ولكن إذا ضبطت بالضوابط الشرعية فلا حرج فيها، أما إذا كانت تحايلاً على الربا فهي محرمة مهما كانت المعاذير والأسباب، والله المستعان.

 

المسألة الأولى:

هل هناك في الشريعة بيع يسمى بهذا الاسم؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:

أقول وبالله التوفيق لا يوجد في الشريعة ما يسمى ببيع الصابون، ولا بيع الشاي، ولا القهوة، ولا بيع كذا وكذا، وإنما هو نوع من البيوع التي متى اشتملت على شروط صحة البيع حكم بصحة هذا البيع ومتى تخلفت هذه الشروط وفقدت أو فقد بعضها حكم ببطلان هذا البيع وعدم صحته.

فالأصل في البيع الحل لقوله - تعالى -: \"وأحل الله البيع\" (1) ولما كانت حاجة الناس إلى البيع ضرورية جاءت الشريعة بإباحته وحله، لكن جعلت له ضوابط تحكمه، وهذه الضوابط حماية لكل من البائع والمشتري، ومن تأمل فيها علم أن شريعة الإسلام ذات محاسن جمة بل علم أن شريعة الإسلام هي الشريعة المناسبة للفطرة التي ارتضاها الرب - سبحانه - لنفسه، ورضيها لخلقه، حيث قال: \"ورضيت لكم الإسلام ديناً\" (2) فكونه - سبحانه وتعالى - رضيها لنا وذلك يوجب أن نتحاكم إليها في جميع شؤوننا الدينية والدنيوية.

 

المسألة الثانية:

ما الاسم الشرعي الصحيح لمثل هذا البيع؟

الجواب:

ليس هناك اسم شرعي يسمى به هذا النوع من البيوع، بل هو نوع من أنواع البيوع التي يشترط فيها شروط فمتى استوفاها سمي بيعاً صحيحاً، ومتى افتقدها أو تخلف بعضها سمي بيعاً باطلاً.

أما تسمية بيع الصابون بهذا الاسم فلا أعرف أحداً من الفقهاء ذكره بهذا الاسم فهم يذكرون أسماء بيوع منهي عنها، أو مختلف فيها، كبيع المصحف مثلاً هل هو جائز أم غير جائز، أو بيع الأصنام، والتماثيل أو بيع الكلب، ونحو ذلك مما جاءت نصوص السنة بالنهي عنه.

 

المسألة الثالثة:

ما ضوابط بيع التورق؟

قبل أن نبين ضوابط هذا النوع من البيوع من الضروري بيان معناه وذلك لأن هذا النوع من البيوع لم يسمه بهذا الاسم أعني (التورق) إلا فقهاء الحنابلة أما غيرهم فقد جعلوه في المسائل المتعلقة ببيع العينة وأدرجوه فيها، ولم يفرده باسماً خاصاً إلا الحنابلة كما ذكرنا.

فنقول بيع التورق في اصطلاح الفقهاء هو: أن يشتري سلعة نسيئة (أي بأجل)

ثم يبيعها نقداً لغير البائع- بأقل مما اشتراها به ليحصل بذلك على النقد.

أما حكم هذه المسألة فقد اختلف فيها الفقهاء، فجمهور أهل العلم على أنها جائزة، وعللوا ذلك بأن المشتري للسلعة يكون غرضه منها إما عينها، وإما عوضها وكلاهما غرض صحيح، وعللوا أيضا بأنه نوع من البيوع التي لم يظهر فيها قصد الربا وصورته، ولهذا أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية بجوازه (3) وهذا هو الصحيح.

أما القول الثاني فهو القول بتحريمه (التورق) وهو رواية عن الإمام أحمد، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وكذا ابن القيم، وانتصر لها بقوة وعللوا ذلك بأن الغرض منها هو أخذ دراهم بدراهم ودخول السلعة بينها للتحليل وتحليل المحرم بالمسائل التي لا يرتفع بها حصول المفسدة لا يغني شيئاً لقوله - صلى الله عليه وسلم - \"وإنما لكل امرئ ما نوى\" (4).

الصحيح القول بجواز هذا النوع من البيوع نظراً لحاجة الناس وقلة من يقرضهم.

أما عن الضوابط الشرعية لمسألة التورق فقد ذكر بعض أهل العلم شروطاً لجوازها، منها:

(1) كون المشتري محتاجاً للدراهم فإن لم يكن محتاجاً لها فلا يجوز.

(2) أن لا يتمكن المحتاج من الحصول على المال بطرق أخرى مباحة غير هذه الطريقة كالقرض، أو السلم مثلاً، فإن كان يمكنه الحصول على حاجته بدون التورق لم يجز له ذلك.

(3) أن لا يشتمل العقد على ما يشبه صورة الربا كأن يقول له بعتك هذه السلعة العشرة أحد عشر، فهذا كأنه دراهم بدراهم فلا يصح.

أما الطريقة الصحيح في ذلك أن يقول له بعتك إياها بكذا وكذا إلى سنة مثلا.

(4) أن لا يبيعها المشتري إلا بعد قبضها وحيازتها لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث نهى عن بيع السلع قبل أن يحوزها التجار إلى رحالهم (5).

(5) أن لا يبيعها المشتري على من اشتراها منه بأقل مما اشتراها منه بأي حال من الأحوال لأن هذا هو بيع العينة الذي جاءت نصوص الشريعة بتحريمه.

فهذه جملة من الضوابط التي ذكرها بعض أهل العلم لجواز بيع التورق.

وقد رجح شيخنا الشيخ ع

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply