بطلان القول بعدم تخطئة المخالف


بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمّد وآله وصحبه.. وبعد:

فقد كثر على ألسنة بعض الكتاب أنه لا تجوز تخطئة المخالف، وأنه يجب احترام الرأي الآخر، وأنه لا يجوز الجزم بأن الصواب مع أحد المختلفين دون الآخر.

وهذا القول ليس على إطلاقهº لأنه يلزم عليه أن جميع المخالفين لأهل السنة والجماعة على صواب ولا تجوز تخطئتهم، وهذا تضليلº لأنه يخالف قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة.قيل: مَن هي يا رسول الله؟ قال: هم مَن كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي))

ويلزم على هذا القول أيضاً أن المخالف للدليل في مسائل الاجتهاد لا يقال له مخطئ، ولا يردّ عليه، وهذا يخالف قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران. وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد))º فدل على أن أحد المجتهدين المختلفين مخطئ، لكن له أجر على اجتهاده ولا يتابع عليهº لأن اجتهاده خالف الدليل، وإنما يصحّ اعتبار هذا القول، وهو عدم الجزم بتخطئة المخالف، في المسائل الاجتهادية التي لم يتبين فيها الدليل مع أحد المختلفين، وهو ما يعبر عنه بقولهم: \" لا إنكار في مسائل الاجتهاد \"، و \" الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد \"، وهذا من اختصاص أهل العلم وليس من حق المثقفين والمفكرين الذين ليس عندهم تخصص في معرفة مواضع الاجتهاد وقواعد الاستدلال أن يتكلموا ويكتبوا فيه.

ولو كان لا يخطأ أحد من أصحاب الأقوال والمذاهب لكانت كتب الردود والمعارضات التي ردّ بها العلماء على المخالفين كلها مرفوضة، ولما كان لقوله - تعالى -: {فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ, فَرُدٌّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} فائدة ولا مدلولº لأنه لا تجوز تخطئة المخالف، وهذا لازم باطلº فالملزوم باطل، وما نقرؤه وما نسمعه من اتهام للعلماء الذين يردّون على المخالفين بأنهم يحتكرون الصواب لهم، ويخطئون مَن خالفهم، وأنهم يصادرون الآراء والأفكار.. إلى آخر ما يقالº فهو اتهام باطلº فإن العلماء المعتبرين لا يحتكرون الصواب في أقوالهم، وإنما يخطئون مَن خالف الدليل، وأراد قلب الحقائقº فيردّون على مَن هذه صفته عملاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)).

وقد ردّ الله - سبحانه وتعالى - على أهل الضلال في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، وشرع لنا الردّ عليهمº إحقاقاً للحق، وإزهاقاً للباطل.

ولولا ذلك لشاع الضلال في الأرض، وخفي الحق، وصار المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، بل شرع الله لنا ما هو أعظم من ذلك، وهو جهاد أهل الباطل بالسيف والسنان، وبالحجة والبيانº قال - تعالى -: {يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ}.

وإذا كان حصل من بعض المتعالمين سوء أدب مع المخالفين، وتجاوز للحدود المشروعة في الردّ فهذا لا ينسب إلى العلماء، ولا يتخذ حجّة في السكوت عن بيان الحق، والردّ على المخالف.

هذا ما أحببت التنبيه عليهº {إِن أُرِيدُ إِلاَّ الإِصلاَحَ مَا استَطَعتُ وَمَا تَوفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنِيبُ}

وصلى الله وسلم على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply