أحكام الذبائح (2)


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق اللَّه محمد بن عبد اللَّه ومن والاه. أما بعد:

فقد سبق الحديث عن الأحكام الخاصة بالهدي والأضاحي والفدية والعقيقة، وإليك الأحكام الخاصة بالوليمة.

 

5- أحكام الوليمة:

أولاً: تعريفها:

الوليمة: طعامُ العُرس، أو كُلٌّ طعامٍ, صُنِعَ لدعوةٍ, وغيرها. القاموس المحيط، للفيروز آبادي (ص1902).

 

ثانيًا: حكمها:

جمهور العلماء على أن الوليمة سنة مؤكدة، وهو مشهور مذهب المالكية، والحنابلة، وبعض الشافعية.

 

ثالثًا: حكمة مشروعيتها:

الإسلام دين المحبة والمودة والإخاء، دين الترابط والتكاتف والتعاون والتراحم، يحث على كل ما يحقق هذه الأهداف السامية، ويرغب في الوسائل المؤدية إليها، وأهم هذه الركائز إطعام الطعام، وقد عبر الحديث الصحيح أوضح تعبير عن هذه الوسيلة حين سئل - صلى الله عليه وسلم -: أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف».

والدعوة إلى الوليمة تجمع الأمرين: السلام والطعام، والإجابة إليها تجمع الأمرين: السلام والطعام، وقد شرع الإسلام الدعوة إلى الطعام في كل وقت بصفة عامة، وزادها تأكيدًا في مناسبات خاصة، وجعلها أساسًا من أسس إشهار النكاح وإعلانه، فكانت وليمة العرس، ومن بعدها وليمة الولادة «العقيقة»، وعند كل فرح وسرور ونعمة كبرى.

وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من يدعى إلى ضيافة من هذه الضيافات أن يجيب، وليعلم أن ما بعث الداعي إلى الدعوة إلا صدق المحبة والسرور بحضور المدعو، والتحبب إليه بالمؤاكلة، وإقامة الطعام كعهد أمان بينهما.

 

رابعًا: وقت الوليمة:

اختلف السلف في وقت الوليمة، هل هو عند العقد، أو عقبه، أو عند الدخول، أو عقبه، أو من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول؟

قال الإمام النووي: اختلفوا، فحكى القاضي عياض أن الأصح عند المالكية استحبابها بعد الدخول. قال السبكي: والمنقول من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها بعد الدخول.

روى البخاري والبيهقي من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بامرأة فأرسلني، فدعوت رجالاً على الطعام.

وروى البخاري ومسلم من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبنى بصفية فدعوت المسلمين إلى وليمته.

 

خامسًا: إجابة الدعوة:

جمهور العلماء على أن إجابة الدعوة إلى الوليمة واجبة وجوبًا عينيًا عند المالكية والشافعية والحنابلة حيث لا عذر من نحو برد وحر وشغل.

روى مسلم وغيره من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا دُعي أحدكُم إلى الوليمة فليأتها». وفي رواية: «فليجب». وفي رواية: «إذا دعي أحدكم إلى وليمة عُرس فليجب».

وفي الحديث المتفق عليه من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: «إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها عرسًا كان أو نحوه». «ومن لم يجب الدعوة، فقد عصى اللَّه ورسوله».

وفيه دليل على وجوب الإجابة لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب. راجع الفتح.

ونقل القاضي عياض: اتفاق العلماء على وجوب الإجابة في وليمة العرس. قال: واختلفوا فيما سواها.

فقال مالك والجمهور: لا تجب الإجابة إليها (أي الولائم غير وليمة العرس)، وقال أهل الظاهر: تجب الإجابة لكل دعوة من عرس وغيره، وبه قال بعض السلف. فتح المنعم (9/569).

وإذا دعي وكان صائمًا فيجب أن يجيب، روى مسلم وغيره من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا دُعي أحدكم فليجب، فإن كان صائمًا فَيلُصَلِّ، وإن كان مفطرًا فَليَطعَم». ومعنى: «فليصل» أي فليدع، فالمقصود بالصلاة هنا الدعاء.

والصائم لا يجب عليه الأكل، لكن فإن كان صومه فرضًا لم يجز له الأكل لأن الفرض لا يجوز الخروج منه.

وإن كان نفلاً جاز له الفطر وتركه، والبعض قال باستحباب الفطر على رأي من يُجوِّز الخروج من صوم النفل، وخاصة إذا أَلَحَّ عليه الداعي. ويؤيد ذلك ما رواه مسلم وأحمد وغيرهما: «إذا دُعي أحدكم إلى طعام فليُجب، فإن شاء طَعِم، وإن شاء ترك».

وروى الطيالسي والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد، قال: دعا رجل إلى طعام، فقال رجل: إني صائم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «دعاكم أخوكم وتكلف لكم، أفطر وصم يومًا مكانه إن شئت».

وروى النسائي والحاكم والبيهقي والحديث صحيح الإسناد «الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر» ولا يجب قضاء يوم النفل.

 

ويستحب لمن حضر الدعوة الدعاء لصاحب الدعوة، والسلام عليهم:

روى أحمد وأبو داود والبيهقي من حديث أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يزور الأنصار فأتى إلى باب سعد بن عبادة، فقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه، ثم أدخله البيت، فقرب له زبيبًا، فأكل نبي اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغ قال: «أكل طَعَامَكُم الأبرَارُ، وصلت عليكم الملائكةُ، وأفطرَ عندكمُ الصائمون».

وروى مسلم وأبو داود من حديث عبد اللَّه بن بسر أن أباه صنع للنبي - صلى الله عليه وسلم - طعامًا فدعاه، فأجابه، فلما فرغ من طعامه قال: «اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وبارك لهم فيما رزقتهم».

وروى مسلم وأحمد من حديث المقداد بن الأسود، وفيه: «اللهم أطعم من أطعمني، وأسق من سقاني».

وروى الطبراني بسند حسن: «اللهم بارك فيهما وبارك لهما في بنائهما».

وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي والألباني، وفيه: «بارك اللَّه لك، وبارك اللَّه عليك، وجمع بينكما في خير - على خير».

- تكره إجابةُ من كان ماله حرامًا، كما يكره قبول هديته وهبته وصدقته، وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته.

- إن كان المكان فيه منكر من معازف أو خمر، فلا يجوز حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية، إلا أن يقصدَ إنكارَها ومحاولةَ إزالتِها، وإن لم يقدر على إزالتها لا يحضر.

قال الإمام الأوزاعي: لا ندخل وليمة فيها طبل ولا معازف.

وكذلك لو كان في الموضع ستائر بها تصاوير ذوات الأرواح أو كانت منقوشة على الحائط.

روى البيهقي وسنده صحيح من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو أن رجلاً صنع له طعامًا، فدعاه، فقال: أفي البيت صورة؟ قال: نعم، فأبى أن يدخل حتى كسر الصورة، ثم دخل.

سادسًا: الأعذار المبيحة لعدم الحضور:

أ- العذر الذي يبيح التخلف عن الجمعة: مثل كثرة المطر، أو خوف على مال، أو مرض، أو تمريض قريب ونحوها يبيح التخلف عن الوليمة.

د- تخصيص الأغنياء بالدعوة:

لا يجوز أن يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء، روى مسلم وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «شرٌّ الطعام طعامُ الوليمة، يُمنعها من يأتيها ويُدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى اللَّه ورسوله». وفي رواية: «بئس الطعام طعام الوليمة يُدعى إليه الأغنياء ويُترك المساكين».

ومن ذلك أخذ بعض العلماء أن دعوة الأغنياء دون الفقراء عذر في عدم الحضور، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «إذا خص الغني وترك الفقير أمرنا أن لا نجيب».

قال ابن بطال: إذا ميز الداعي بين الأغنياء والفقراء، فأطعم كلاً على حدة لم يكن به بأس، وقد فعله ابن عمر. انظر فتح المنعم (5/570).

ويستحب مشاركة الأغنياء بمالهم في الوليمة «من كان عنده شيء فليجيء به»، «من كان عنده فضل زاد فليأتنا به» متفق عليه.

سابعًا: جواز الوليمة بغير لحم:

يجوز أن تؤدى الوليمة بأي طعام تيسر، ولو لم يكن فيه لحم، لحديث أنس، وقد سبق «أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بين خيبر والمدينة ثلاث ليالي يبنى عليه بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها من خبز ولا لحم، وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع فبُسطت. (وفي رواية: فحصت الأرض أفاحيص، وجيء بالأنطاع فوضعت فيها، فألقى عليها التمر والأقط والسمن فشبع الناس». البخاري (7/387)، انظر آداب الزفاف (ص42).

والأنطاع: جمع نطع، وهو بساط متخذ من الأديم وهو الجلد المدبوغ.

أفاحيص: جمع أفحوص القطاة، وهو موضعها الذي تجثم فيه وتبيض كأنها تفحص عند التراب: أي تكشفه.

والحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلامًا على إمام الأنبياء.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply