بسم الله الرحمن الرحيم
الدنيا تموج والأحداث تتسارع ومنذ ست سنوات تقريبا ونحن ندخل من حدث في حدث قبل أن نفهم ما قبله فضلا عن الاستعداد لهذا الحدث المتوقع والعلماء لابد لهم من تبيين حقائق الموجود وتوضيح حاله ليُتعامل معه على أساس معين, ولكن مع كثرة المسائل, وقلة العالم فيها يكون الحكم فيها خبط عشواء فإما حاضر أو موجب ولربما كان الأمر البسيط في حكمِ البعض إيمانا وكفر مع اختلال في الموازين وعدم اطراد في الأقيسة وتوسع في مكانة النفس وأهمية الحديث.
ولعل الكثيرين منا يرون أن القضية الواحدة لابد لكل شخص ولكل فرد أن يكون له فيها قولº محاكيا أو متبنيا، مع جلالة الأمر وعظمته, فالاجتهاديات هي المشاكل الموجودة السائدة على الساحة تقريبا وربما لا يند من إلا اليسير، فحدث مثل بعض المواقف في العراق أو فلسطين -حماس- مثلا يقطع العالم بهن سلامة واجتماع الأصول بينه وبينهم، إلا أنه يجلب بخيله ورجله مقررا ومحذرا دون جعل فسحة ولو يسيرة للاجتهاد، بل يخطِّئ ويقاطع ويهجر ويشن حملات ضد الفعل (الاجتهادي), ولربما عقد على هذا الفعل ولاءه وبراءه، فهل نحن قبل ذلك ملزمون بإصدار الأحكام على الأشخاص والأحداث روى البخاري من حديث أبي سعيد (إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الرجال ولا أن أشق عن بطونهم).
الدنيا تموج والأحداث تتسارع ومنذ ست سنوات تقريبا ونحن ندخل من حدث في حدث قبل أن نفهم ما قبله فضلا عن الاستعداد لهذا الحدث المتوقع, والعلماء لابد لهم من تبيين حقائق الموجود وتوضيح حاله ليُتعامل معه على أساس معين .
فلم يكن إصدار حكم على كل شخص حتى ولو كان بعد تنقيب منهجا نبويا مع جلالة تلك الأحكام لو صدرت مع علم الشخص أن الأمر والحكم قد يكون متعلقا باسم, وهذا الاسم لا ينطبق عليه الحكم إلا بأمور أخرى مصاحبة، ولربما كان هناك بُعد بين مسميات شرعية ومسميات عرفية بل ومسميات لغوية، فيدخل ما كان اسمه لغويا في الشرعيات، ولذلك يُنزّل عليها أحكامها ويُجري عليها خواتم الفعل وأوائله، ولربما وهو الغالب يُجري على هذه الأصول (اللا أصول) لوازم تبعية فتكون أحكامه كلها حيص بيص، وربما أوجب فعلا في فلسطين ويكون موجبه ظنه الهزيل بالاستطاعة البدنية - التي لا يعرف حدودها- فمن لا يعرف ويميز الأسماء وأحكامها الخاصة فلِم يحكم! وعلى أي أساس بنى حكمه؟
وقد لا يفرّق الحاكم على هذه الأحداث والأمور بين أحداث كان لها موجب من العلماء بجواب معين وعلى هذه الحادثة التي لها وقتها وأفرادها وحاجاتها ليس الكلام على مثل هذا الخلل نفلº بل هو واجب لوجوب ما يترتب عليه، ولتوسع وتشعب الحكم على الشيء أو الحدث الحالي، فاستقراء سابق ومتابعة حالية وربط شرعي وتنزيل للحدث على أصول الشريعة يكون الحكم وإلا لا يكون.
ولربما كان مدار الخلاف أيضا في العمل الاجتهادي هو درء المفسدة أو جلب مصلحة فيقرر هذا بأن المصلحة موجبة لكذا مع أن المصلحة قد لا يقررها بعيد أو حتى قريب جاهل بالوضع لا بالأصل، فمن زعم أن من يقرر المصلحة هم العلماء قيل وأي علماء تقصد؟ فعندنا من العلماء من قرر المصلحة فيضرب خبره بعضه ببعض لتلقينه هذه الكلمة التي لا يعي معناها ولا يعرف إلى أي شيء توصل، ثم يعود فيحصر هذه المصالح وهذه المفاسد على جهة معينة ويكون تبيينها وتبنيها حكرا عليهم، فيكون انفكاك بين جهات القول وجهات العمل، مما يجعل الثقة تزول من كلا الطرفين.
فحين يعلم الشخص أن مصلحته المزعومة إنما هي مفسدة تكاد تكون بحتة فيُترحم بتلك على أسس قد أصيبت، وليس الذي تأثر فقط الأمر الاجتهادي فيرى تراشق بالتهم بدل العمل التعاوني الجماعي، ويكون الاستدلال بالمصلحة أبغض ما يبغضه العامل بسبب تلك التكية التي يتكئ عليها أصحاب الظواهر الصوتية في نظره، وتكون المفسدة التي كان يتكلم عنها هي محل المفاخر فيتمسك بها، كل ذلك ردة فعل ممن يجهل حقيقة الأحكام الأصولية على من يجهل تطبيقها.
من أجل ذلك كانت كلمة \" المصلحة كذا \" من أصعب الأحكام وأكثرها ثقلا، لثقل ما تحمله الكلمة من معاني وتبعات، فيقع الشخص الجاهل حين يعجز عن بعض الجمع ولا يكل أمره لغيره في تعارض، وعلى مثل هذا يقول شيخ الإسلام: (وهذا باب التعارض باب واسع جدا لاسيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة فإن هذه المسائل تكثر فيها وكلما ازداد النقص ازدادت المسائل ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات ووقع الاشتباه والتلازم فأقوام فد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر, وإن ترك حسنات عظيمة والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة أو المضرة, أو يتبين لهم فلا يجدون من يعينهم العمل بالحسنات وترك السيئات لكون الأهواء قارنت الآراء ولهذا جاء الحديث: (إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات) ا. هـ.
وكذلك ربما بنى الشخص مصلحته على أن هذه المرحلة شبيهة بالمرحلة المكية والآخر يرى شبهها بالمرحلة المدنية, فيريد صاحب إحدى المرحلتين أن يبين ما عنده بإجبار الآخر على الأخذ برأيه, وإلا كان ليس عدوا فقط بل ربما كان مظاهرا للمجرمين عليه ضاربا بكل ما يصله به من الأخوة الإسلامية فضلا عن العمل الإسلامي عرض الحائط متخليا عن كل سبب بينه وبين أخيه!!.
وربما كان مبنى الأمر المختلف فيه والمحكوم عليه داخل في باب السياسات الشرعية، فهذا يرى أن تقرير أمر معين واجبº لأن ولي الأمر هو الآمر به في وقت يلزم فيه طاعته، وأما الآخر فيفرق بين الأفراد والأنظمة في الطاعة، وقد يفرق بين التحاكم في الأقضية وبناء الأحكام المجردة فتتوسع مدارات الخلاف، فيكون الشخص (المتوسط) كما يقول شيخ الإسلام يسعه السكوت بدل الجزم بأمر بهذا الحجم، مع العلم أن كثيراً من الأدلة في هذا الباب عامه مجملة فيها القواعد الضابطة، لكن ولاشك ومن الطبعي جداً أن يكون الاختلاف فيها والسير معها ذو توسع واضح يجب فيه، مع استحضار للنصوص ومقاصدها و معرفة لمحل الحكم.
وربما كان المعارض والحاكم قد جعل أمام عينيه نصا من كلام الرجال كل من خالفه مخطئ وكل من وافقه مصيب دون سؤال عن السبب أو طلب للحكمة مع أن عدم السؤال وارد، لكن الجزم والمفاصلة في الحكم من دون معرفة سبب أو حكمة غير وارد، مع ما تقرر عند سلف هذه الأمة أن كلا يؤخذ من قوله, ويرد إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يغيب عن الذهن أن كل هذا الاختلاف إنما يكون رابطه تحقيق مصالح العباد بتعبدهم.
وليس المقصد هوى في ولاية سلطانية خاصة أو عامة، ولم تكن الكتابة في هذا الموضوع إلا لنعلم أن كثيرا من الجزم الذي نجزم به والذي نراهن ونهجر من أجله ونستبق الأحداث بالخوض فيه إنما هو رجم بالغيب، وظن سيئ بالإخوة قد تدور دائرة السوء على ظانه، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد