بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
فهذا فصل من كتابي \"الفوائد العِذاب فيما جاء في الكلاب\"، رأيت أن في عرضه نفعاً إن شاء الله.
1- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:إِذَا وَلَغَ الكَلبُ في إِنَاءِ أحَدِكُم فَليُرِقهُ ثُمَّ ليَغسِلهُ سَبعَ مَرَّاتٍ,.رواه مسلم [3/182]
ولفظ البخاري: إِذَا شَرِبَ الكَلبُ في إِنَاءِ أحَدِكُم فَليَغسِلهُ سَبعاً.[1/364].
2- عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُم إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلبُ أن يَغسِلَهُ سَبعَ مَرَّاتٍ, أُولاَهُنَّ بِالتٌّرَابِ. رواه مسلم [3/183].
وفي رواية لمسلم [3/183]: إِذَا وَلَغَ الكُلبُ في الإِنَاءِ فَاغسِلُوهُ سَبعَ مَرَّاتٍ,، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتٌّرَابِ.
فوائد الأحاديث:
1- نجاسة ما ولغ فيه الكلب، لأنَّ إراقة الماء إضاعة له-ذكر الإمام!! الشعراني الصوفي أنَّ علة النهي عن شرب سؤر الكلب قسوة القلب!!. ا. هـ مقدمة المغني [ص24]. وهذا كلامٌ ساقطٌ، وله مثله كثير- فلو كان طاهراً لم نُؤمر بإراقته. وهو قول جماهير العلماء.
2- لا فرق بين أن يكون في الإناء ماءٌ أو لبنٌ أو زيتٌ أو طعامٌ لعموم قوله: (فليُرِقه) وعموم قوله (طُهُورُ إِنَاءِ) وعليه فتفريق المالكية بين إناء الماء فيراق ويغسل وبين إناء الطعام فيؤكل ثم يغسل الإناء تعبداً مما لا دليل عليه.
3- تنجس الإناء، ووجوب تطهيره، لعموم قوله (طُهُورُ إِنَاءِ …).
4- الأمر بالإراقة لما في الإناء.
وقد تكلم بعض العلماء - كالنسائي وحمزة الكناني وابن عبد البر وابن مندة. انظر: فتح الباري [1/365]- على زيادة (فليُرِقه) عند مسلم، وحكموا عليها بالشذوذ، ولا داعي لهذا فالمعنى فيها صحيح، إذ الحكم بنجاسة الإناء يستلزم الإراقة، ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم -: (طُهُورُ إِنَاءِ…) وراوي هذه الزيادة هو: (علي بن مُسهِر) عن الأعمش وهو ثقةٌ احتج به البخاري ومسلم، ووثقه أحمد وابن معين والعجلي وغيرهم فلا يضر تفرٌّده.
5- اقتصار هذا الحكم على الولوغ والشرب، دون الصيد والأكل وإدخال الرأس.
6- اقتصار الحكم على الولوغ والشرب بالفم دون باقي أجزائه أو أعضائه. فلو أصاب عضوٌ من أعضائه شيئاً طاهراً -سواء في حال الرطوبة أو عدمها - لا يجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب، إذا قلنا بنجاسة الكلب وإذا قلنا بطهارته -كما هو الراجح- لم يجب الغسل أصلاً.
ومثله يقال في بول الكلب وروثه، فإنهما وإن كانا نجسين إلا أنهما ليس لهما الحكم نفسه-قال النووي: وقيل: يكفي غسله في غير الولوغ -كالبول والروث- مرة كسائر النجاسات، حكاه المتولي والرافعي وغيرهما، وهذا الوجه متجه وقوي من حيث الدليل. ا. هـ المجموع [2/604]-.
7- العموم في الكلاب، لعموم اللفظ، فيشمل المأذون باتخاذه والمنهي عنه.
وادّعى بعض المالكية -كابن عبد البر- في التمهيد [1/336] أنَّ المأمور بالغسل من ولوغه هو: الكلب المنهي عن اتخاذه، دون الكلب المأذون فيه.
والرد على هذا من وجوه: قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
أ- يحتاج هذا الأمر إلى ثبوت تقدم النهي عن الاتخاذ على الأمر بالغسل.
ب- ويحتاج إلى قرينة تدل على أنَّ المراد ما لم يؤذن في اتخاذه.
جـ- أنَّ الظاهر من (اللام) في قوله (الكلب) أنها للجنس أو لتعريف الماهية، فيحتاج المدّعي أنها للعهد إلى دليل. ا. هـ (الفتح [1/367]).
وقال الإمام النووي:
د- ويدلٌّ لإبطال هذا القول رواية عبد الله بن مغفل قال: أمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقَتلِ الكِلاَبِ ثُمَّ قال: (مَا بَالُهُم وَبَالُ الكِلاَبِ) ثُمَّ رَخَّصَ في كَلبِ الصَّيدِ وَكَلبِ الغَنَمِ، وقال: (إِذَا وَلَغَ الكَلبُ في الإِنَاءِ فَاغسِلُوهُ سَبعَ مَرَّاتٍ,، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتٌّرَابِ) -شرح مسلم [3/83] وقد قاس ابن عبد البر سؤر الكلب على سؤر الهرة، وقال: إنَّ الجامع بينهما أنهما من الطوافين علينا!! وهذا إن كان صحيحاً فإن النصَّ قد أخرج (الكلب) فبقيت العلة في غيره-.
8- إذا ولغ كلبان أو أكثر، أو ولغ كلب واحد مرات، فالصحيح أنه يكفيه للجميع سبع مراتٍ, أولاهنَّ بالتراب.
9- وجوب التسبيع، إذ لا صارف للأمر عن الوجوب وهو قول الشافعي ومالك وأحمد وابن المنذر. (المغني [1/45]، (المجموع [2/580]).
وعليه: فمن قال بالاستحباب -كأبي حنيفة كما في (بدائع الصنائع [1/87])- فقد أخطأ.
ويرى أبو حنيفة أنَّ الغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرات، واحتج له أصحابه بما يلي:
أ- عن أبي هريرة موقوفاً: أنه يغسل من ولوغه ثلاث مرات-وانظر المحلى [1/124] ففيه ردُّ وافٍ, أيضاً-.
قالوا: وأبو هريرة هو الراوي للغسل من الولوغ سبعاً، فالعبرة بما رأى لا بما روى تحسيناً للظن عن مخالفة النص.
قلت: الأثر رواه الدارقطني [1/66]، وقال: هذا موقوفٌ، ولم يروه هكذا غير عبد الملك عن عطاء، والله أعلم. ا. هـ.
وقال البيهقي [1/242]: وفي ذلك دلالة على خطأ رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة في الثلاث. وعبد الملك لا يقبل منه ما يخالف الثقات. ا. هـ.
وقال الحافظ: … فالموافقة- أي: موافقة رأي أبي هريرة لما رواه من السبع - وَرَدَت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه. وهذا من أصح الأسانيد وأما المخالفة: فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه، وهو دون الأول في القوة بكثير. ا. هـ (الفتح [1/367]). وانظر (المجموع [2/599-600]).
- وأما قولهم (العبرة بما رأى لا بما روى) فباطلٌ لأنَّه:
أولاً: غيرُ ثابتٍ, أنَّه - رضي الله عنه - خالف ما روى.
وثانياً:
قال ابن حزم:
لكن السنَّة الثابتة لا يحل خلافها، وما نبالي بخلاف ابن عباس [أي: في بيع أمهات الأولاد]، فقد يخالفها متأوِّلاً أنَّه خصوصٌ، أو قد ينسى ما روى، وما كلَّفَنا الله - تعالى -أن نراعي أقوال القائلين، إنما أَمرنا بقبول رواية النافرين ليتفقهوا في الدين، المنذرين لمن خلفهم من المؤمنين، بما بلغهم وصحَّ عنهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ا. هـ - انظر \"الإحكام في أصول الأحكام\" [4/161-162]-.
وقال ابن القيم:
والذي نَدينُ الله به، ولا يَسَعُنا غيره، وهو القصد في هذا الباب: بأنَّ الحديثَ إذا صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يصحَّ عنه حديثٌ آخر ينسخه أنَّ الفرض علينا وعلى الأمَّة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحدٍ, من الناس كائناً من كان لا راويه ولا غيره، إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث، أو لايحضره وقت الفتيا، أو لا يتفطن لدلالته على تلك المسألـة أو يتأول فيه تأويلاً مرجوحاً، أو يقوم في ظنِّه ما يعارضه ولا يكون معارضاً في نفس الأمر أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنَّه أعلم منه، أو أنَّه إنما خالفه لما هو أقوى منه.
ولو قُدِّر انتفاء ذلك كله -ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه- لم يكن الراوي معصوماً، ولم توجب مخالفته لما رواه سقوط عدالته حتى تغلب سيئاتُه حسناتِه، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له حجة. ا. هـ. - انظر \"إعلام الموقعين\" [3/52]-.
وقال الشوكاني:
وترجيح رأي الصحابي على روايته عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ورواية غيره: من الغرائب التي لا يُدرَى ما الحامل عليها. ا. هـ. - انظر \"نيل الأوطار\" [1/21].
ب- واحتجوا لأبي حنيفة أيضاً بأنه جاء في بعض طرق حديث أبي هريرة مرفوعاً: في الكلب يلغ في الإناء يغسله ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً.
قلت: الرواية في الدارقطني [1/66] وهي روايةٌ ضعيفةٌ جدّاً، لأنَّ فيها (عبد الوهاب ابن الضحاك) وهو متروك -كما قال الدارقطني نفسه بعد تلك الرواية- وفيها (إسماعيل ابن عياش) وروايته عن الحجازيين ضعيفةٌ وهي هنا عن واحدٍ, منهم وهو هشام بن عروة. -وانظر المجموع [2/599] ففيه تفصيلٌ لما أجملناه من سبب ضعف الحديث-.
جـ- وقال الأحناف: إنَّ الحديثَ محمولٌ على حالة الأمر بقتل الكلاب، فلما نهى عن قتلها نسخ ذلك.
قلت: وهذا مردودٌ لأنَّ النسخ لا يثبت بالحدس والرأي. بل ظاهر سياق حديث عبد الله بن مغفل عند مسلم: أمره بالتسبيع من ولوغها بعد النهي عن قتلها، فإنه قال فيه أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب ثم قال: (مَا بَالُهُم وَبَالُ الكِلاَبِ؟) ثم رخص في كلب الصيد والغنم وقال: (إِذَا وَلَغَ الكَلبُ في الإِنَاءِ فَاغسِلُوهُ سَبعَ مَرَّاتٍ, وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتٌّرَابِ).
يؤيده: أنَّ الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة، والأمر بالغسل متأخرٌ جدّاً لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل. وقد ذكر ابن مغفل أنَّه سمع النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالغسل وكان إسلامه سنة سبعٍ, كأبي هريرة.
د- واستدل بعضهم بفعل البغيِّ التي سقت الكلبَ بخفِّها؟
قال ابن حزم: وهذا عجبٌ جدّاً، لأنَّ ذلك الخبر كان في غيرنا، ولا تلزمنا شريعة مَن قبلَنا. وأيضاً: فمن أين لهم أنَّ ذلك الخف شُرب فيه ما بعد ذلك، وأنه لم يغسل، وأنَّ تلك البغي عرفت سنَّةَ غسل الإناء من ولوغ الكلب؟ ولم تكن تلك البغي نَبيَّةً فيحتج بفعلها. وهذا كله دفعٌ بالراح، وخبطٌ يجب أن يُستحى منه. ا. هـ (المحلى [1/125]).
هـ- واستدل بعضهم: بأنَّ العذرة أشد في النجاسة مِن سؤر الكلب ولم يقيد بالسبع فيكون الولوغ كذلك مِن باب الأولى.
قال الحافظ ابن حجر:
لا يلزم مِن كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون أشد منها في تغليظ الحكم. وبأنَّه قياسٌ في مقابلة النَّص وهو فاسد الاعتبار. (الفتح [1/367]).
10- وجوب التتريب في الغسل - أي استعمال التراب- وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور والطبري وأكثر الظاهرية.
ومَن لم يقُل به -كبعض المالكية- فليس له حجةٌ إلا عدم ذكر التراب في الرواية الأولى (سَبعَ مِرَارٍ,) و (سَبعاً) ويرد عليه بثبوت (أُولاهُنَّ بِالتٌّرَابِ) و (عَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتٌّرَابِ) وكلاهما في \"مسلم\" وعن أبي هريرة.
11- لا يقوم الصابون والأشنان -والأشنان: شجر يدق ويكون حبيبات كحبيبات السكر تغسل به الثياب وهو منظفٌ ومزيلٌ-وما أشبههما مقام التراب، إذ الأمر تعبدي.
12- ما هو الإناء الذي يراق ما فيه من ولوغ الكلب؟
قال ابن القيم:
وإذا كان لابد لهم مِن تقييد الحديث وتخصيصه ومخالفة ظاهره: كان أسعد الناس به: مَن حمله على الولوغ المعتاد في الآنية المعتادة التي يمكن إراقتها-قلت: وهو يشبه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إِذَا وَقَعَ الذٌّبَابُ في إِنَاءِ أَحَدِكُم فَليَغمِسهُ كُلَّهُ ثُمَّ ليَطرَحهُ. رواه البخاري [10/306]، والمراد: الإناء المعتاد. والله أعلم- وهو ولوغٌ متتابعٌ في آنيةٍ, صغارٍ, يتحلل مِن فم الكلب في كلِّ مرَّةٍ, ريقٌ ولعابٌ نجسٌ يخالط الماء، ولا يخالف لونُه لونَه فيظهر فيه التغير، فتكون أعيان النجاسة قائمة بالماء وإن لم تُر. فأمر بإراقته وغسل الإناء، فهذا المعنى أقـرب إلى الحديث وألصـق به، وليس في حمله عليه ما يخالف ظاهره، بل الظاهر أنَّه أراد الآنية المعتادة التي تتخذ للاستعمال فيلغ فيها الكلاب. ا. هـ (تهذيب سنن أبي داود [1/69]).
13- كيف نجمع بين قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أُولاَهُنَّ بِالتٌّرَابِ) وقوله: (إِحدَاهُنَّ) وقوله: (عَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتٌّرَابِ) ورابعة (السَّابِعَةَ بِالتٌّرَابِ)؟.
قال الحافظ ابن حجر:
فطريق الجمع أن يقال: (إِحدَاهُنَّ) -وهذا على فرض صحتها، وإلا فهي ضعيفةٌ، لأنَّ في إسنادها الجارود بن يزيد وهو متروكٌ. وانظر: سبل السلام [1/53]- مبهمةٌ. و (أُولاَهُنَّ) و (السَّابِعَةَ) معينة. و (أَو) إن كانت في نفس الخبر فهي للتخيير، فمقتضى حمل المطلق على المقيد: أن يحمل على أحدهما لأنَّ فيه زيـادة على الرواية المعينة… وإن كانت شكّاً من الراوي، فرواية مَن عيّن ولم يشك أولى من رواية من أبهم أو شك. فيبقى النظر في الترجيح بين رواية (أُولاَهُنَّ) ورواية (السَّابِعَةَ)، ورواية (أُولاَهُنَّ): أرجح مِن حيث الأحفظية والأكثرية ومِن حيث المعنى. لأنَّ في تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسله أخرى لتنظيفه. ا. هـ (الفتح [1/36]).
وقال ابن حزم: وكل ذلك لا يختلف معناه، لأنَّ الأُولى: هي بلا شك إحدى الغسلات وفي لفظة (الأولى) بيان أيتهن هي فمن جعل التراب في (أُولاَهُنَّ) فقد جعله في (إِحدَاهُنَّ) بلا شك واستعمل اللفظتين معاً. ومن جعله في غير أولاهن فقد خالف أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أن يكون ذلك في (أُولاَهُنَّ) وهذا لا يحل. ولا شك ندري أنَّ تعفيره بالتراب في أولاهن تطهيرٌ ثامنٌ إلى السبع غسلات وأنَّ تلك الغسلة سابقة لسائرهن إذا جمعهن، وبهذا تصح الطاعة لجميع ألفاظه - عليه السلام - في هذا الخبر. ا. هـ (المحلى [1/121-122]).
14- من لم يجد إلا ماء مولوغاً فيه، هل يتوضأ به أم يتيمم؟.
قال شيخ الإسلام:
وأما التوضأ بماء الولوغ: فلا يجوز عند جماهير العلماء، بل يعدل عنه إلى التيمم. ا. هـ
(مجموع الفتاوى [21/80]). وانظر (فتح الباري [1/368]). -قلت: ويَستدل بعضهم بطهارة سؤر السباع بحديث جابر عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنه سئل أيُتوضأ بما أفضلت الحُمُر؟ قال: نعم وبما أفضلت السباع.
والحديثُ ضعيفٌ فيه: الحصين والد داود وهو ضعيف. وفيه: الإبراهيمان: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وإبراهيم بن إسماعيل بن حبيبة. وقد ضعّفه البغوي وابن الجوزي والنووي. انظر: شرح السنة [2/71]و التحقيق [1/67]و المجموع [1/226]-.
15- أدخل كلب رأسه في إناء وأخرجه ولم يُعلم هل ولغ فيه أو لا، فما حكم الماء؟.
قال النووي - رحمه الله -:
قال صاحب الحاوي وغيره: إن كان فمه يابساً، فالماء طاهرٌ بلا خلاف، وإن كان رطباً: فوجهان: (أحدهما) يحكم بنجاسة الماء لأنَّ الرطوبة دليلٌ ظاهرٌ في ولوغه، فصار كالحيوان إذا بال في ماءٍ, ثم وجده متغيراً، حكم بنجاسته بناءً على هذا السبب المعين.
(وأصحهما) أنَّ الماء باقٍ, على طهارته. لأنَّ الطهارةَ يقينٌ والنجاسةَ مشكوكٌ فيها.
ويحتمل كون الرطوبة من لعابه، وليس كمسألة بول الحيوان، لأنَّا هناك تيَقنَّا حصول النجاسة وهو سبب ظاهر في تغير الماء بخلاف هذا. ا. هـ (المجموع [1/233]).
16- لو وقع كلب في ماء -بئر أو غيره- فمات، فما حكم الماء؟
قال ابن المنذر - رحمه الله -:
أجمع أهل العلم أنَّ الماء القليل أو الكثير إذا وقعت فيه نجاسةٌ فغيّرت النجاسةُ الماءَ طعماً أو لوناً أو ريحاً: أنه نجس مادام الماء كذلك ولا يجزئ الوضوء والاغتسال به. ا. هـ (الأوسط [1/260]).
فأما إذا لم تُغيِّر النجاسةُ لوناً أو طعماً أو ريحاً فهو طاهر وهو الذي رجّحه ابن المنذر وهو قول: ابن عباس وابن المسيب والحسن البصري وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجابر بن زيد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي-انظر الأوسط [1/273-276]و التمهيد [1/327]-.
وقال شيخ الإسلام - رحمه الله -:
أيٌّ بئرٍ, وقع فيه شيءٌ مما ذكر -أي: كلبٌ أو خنـزيرٌ أو جملٌ أو بقرةٌ أو شاةٌ أو غيره- إن كان الماء لم يتغير بالنجاسة فهو طاهرٌ، فإن كانت عينُ النجاسة باقيةً: نُزحت منه وأُلقيت، وسائر الماء طاهر وشعر الكلب والخنـزير إذا بقي في الماء لم يضره ذلك في أصح قولي العلماء، فإنه طاهرٌ في أحد أقوالهم، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وهذا القول أظهر في الدليل، فإنَّ جميع الشعر والريش والوبر والصوف طاهر، سواء كان على جلد ما يؤكل لحمه أو جلد ما لا يؤكل لحمه. وسواء كان على حيٍّ, أو ميِّتٍ,.
وهذا أظهر الأقوال للعلماء، وهو إحدى الروايات عن أحمد. وأما إن كان الماء قد تغير بالنجاسة، فإنه ينـزح منه حتى يَطيبَ، وإن لم يتغير الماء لم ينـزح منه شيء. ا. هـ (مجموع الفتاوى [21/38-39]).
17- ما معنى حديث ابن عمر: كَانَتِ الكِلاَبُ تَبُولُ وَتُقبِلُ وَتُدبِرُ في المَسجِدِ، فَلَم يَكُونُوا يَرشٌّونَ شَيئاً مِن ذلكَ. رواه البخاري [1/369].
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
أشكل هذا الحديث على العلماء - رحمهم الله - واختلفوا في تخريجه:
فقال أبو داود: إنَّ الأرض إذا يَبِست طَهُرت واستدل بهذا الحديث وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام فإنَّه ذكر أنَّ الأرض تطهر بالشمس والريح، واستدل بهذا الحديث.
وذهب بعض العلماء إلى أنَّ قوله: (وَتَبُولُ) يعني: في غير المسجد وأنَّ الذي في المسجد إنما هو الإقبال والإدبار. لكنَّ هذا التخريجَ ضعيفٌ، لأنها لو كانت لا تبول في المسجد لم يكن فائدة في قوله: (وَلَم يَكُونُوا يَرُشٌّونَ شَيئاً مِن ذلكَ).
وقال ابن حجر في فتح الباري: والأقرب أن يقال أنَّ ذلك في أول الأمر قبل أن يؤمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها. والذي يظهر لي: أنَّ كلام شيخ الإسلام هو الصحيح وأنَّ الأرض إذا أصابتها النجاسة فيبست حتى زال أثرها فإنها تطهر لأنَّ الحكم يدور مع علته، فإذا لم يبق للنجاسة أثرٌ صارت معدومة فتطهر الأرض بذلك. ا. هـ- انظر \"مجموع فتاوى ابن عثيمين\" [ص247].
18- هل يقاس الخنـزير على الكلب في تطهير الإناء من الولوغ؟.
قاله بعض العلماء -كالشافعي وأحمد - رحمهما الله -. انظر المجموع [2/604] وقال النووي: واعلم أنَّ الراجح من حيث الدليل: أنه يكفي غسلة واحدة بلا تراب، وبه قال أكثر العلماء الذين قالوا بنجاسة الخنـزير وهذا هو المختار لأنَّ الأصل عدم الوجوب حتى يرد الشرع. ا. هـ -وردَّ عليهم ابن حزم - رحمه الله - فقال:
وأما قياس الخنـزير على الكلب فخطأٌ ظاهر -لو كان القياس حقّاً- لأنَّ الكلب بعض السباع، لم يحرم إلا بعموم تحريم لحوم السباع فقط، فكان قياس السباع وما ولغت فيه على الكلب الذي هو بعضها والتي يجوز أكل صيدها إذا علِّمت أولى من قياس الخنـزير على الكلب.
وكما لم يجز أن يقاس الخنـزير على الكلب في جواز اتخاذه وأكل صيده فكذلك لا يجـوز أن يقاس الخنـزير على الكلب في عدد غسل الإناء من ولوغه، فكيف والقياس كلٌّه باطلٌ!!. ا. هـ. -انظر المحلى [1/123]-.
انظر في فوائد هذه الأحاديث: معالم السنن [1/76 هامش مختصر السنن]. شرح مسلم [3/184]. طرح التثريب [2/123]. شرح السنَّة [2/71-75].
والله أعلم وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد