بسم الله الرحمن الرحيم
قبل أيام قلائل ودّع المسلمون شهر رمضان المبارك وقد أغرورقت عيونهم بدموع الحزن وألم الفراق، كيف لا وهم يودعون شهر البركات والخيرات وشهر إجابة الدعوات ومضاعفة الحسنات، كيف لا وهم يودعون شهراً تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران وتصفد فيه مردة الشياطين والجان؟! ولكن هذه هي سنة الله - تعالى -في هذه الحياة تمضي الأيام فينتهي رمضان ويتبعه شوال وهكذا تتابع الشهور وتمضي السنون وتنتهي بمرورها الأعمار وتفنى الأجيال وهكذا تدور الأيام حتى يرث الله الأرض ومن عليها، لذا فنحمد الله أولاً وأخراً وظاهراً وباطنا ًونسأله - سبحانه - أن يتقبل منا فيه الصيام والقيام وأن يجعلنا فيه من عتقائه من النار كما نسأله أن يعيده علينا وأمتنا الإسلامية بعز وخير وأمن وأمان وقرب من الرحمن إنه سميع مجيب.
أيها الأحباب/ لن اقتطع هذه المساحة لأتكلم عن لوعة الفراق التي أصابت المسلمين بوداعه فهذه هي سنة الله في خلقه ولكن حديثي سيكون عن مسألة هامه نعاني ويعاني منها الكثيرون ألا وهي الانقطاع عن كثير من العبادات بعد انقضاء شهر رمضان المبارك فالمساجد تشكي من الهجران بعد الوصل والمصاحف عادت إلى أدراجها فقل قراء القرآن والصيام ودعه الكثيرون إلى حلول رمضان القادم وهكذا!! لذا فنحن بحاجة ماسة إلى تدارس هذا الوضع، والتناصح فيما بيننا علّ الله أن يفتح على قلوبنا ويوفقنا للعمل الصالح في جميع شهورنا.
أيها الأحباب إنه لمن أشد الحرمان وأعظم الخسران أن يرجع المسلم للضلال والغواية بعد تمام الهداية، وأن يعود لحرقة المعصية بعد لذة الطاعة فما أحسن الارتباط برب العالمين وما أسعد من اقتدى بسنة نبيه الأمين، وما أجمل الاستمرار على الطاعات والتمسك بالدين، لذا فمن الواجب علينا أن نبذل كل ما نستطيع في سبيل تحقيق تلك الغايات ومقاومة ما تدعو إليه النفس من المعاصي والشهوات ولعلي في هذه العجالة أتناول طرفاً من ذلك من خلال الإلمحات السريعة التالية:
1- لقد صمتَ - أخي المسلم- شهراً كاملاً أي تسعة وعشرين يوماً متواصلة ولم تفكر لحظه في الإفطار وكنت حريصاً على حفظ صيامك عمّا يفسده وينقص من أجره، وهذه نعمة عظيمة منّ الله - تعالى -بها عليك ولكن يا رعاك الله مالي أراك تعرض عن الصيام بعد انقضاء شهر رمضان مع سهولته وعظيم أجره وثوابه، وكيف تعجز عن صيام أيام معدودة مع أنك صمت شهراً كاملاً؟ ألا تشاركني الرأي بأن سبب ذلك هو إرخاء العنان لشهوات النفس وعدم كبح جماحها، لذا فوصيتي لك ولنفسي قبلك أن نجتهد في مقاومة شهوات النفس وإرغامها على الطاعات ومنها الصيام، واعلم أن الله - تعالى -حث على الصيام وجعل الجزاء عليه خاصاً به وجعل للصائمين باباً خاصاً بهم لا يدخل معه أحد غيرهم ألا وهو باب الريان، كما أنه - سبحانه - لم يطلب منا صيام الدهر كله بل نهانا عن ذلك. وشرع لنا أياماً نصومها ورتب على صيامها الأجر العظيم مثل صيام ستة أيام من شوال وثلاثة أيام (الأيام البيض) من كل شهر وكذا يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع وكذا يوم عرفة وعاشوراء ويوماً قبله أو بعده وهكذا، لذا ينبغي لنا أن نصوم تلك الأيام أو بعضها أو أكثر منها حسب طاقتنا وتوفيق الله لنا والمهم ألا نهجر الصيام بعد انقضاء رمضان بل يكون لنا من الصيام المستحب في السنة نصيب والله الموفق.
2- لقد كنت - أخي العزيز - مرتبطاً بكتاب الله - تعالى -ارتباطاً وثيقاً في شهر رمضان تتلوه قبل الصلوات وبعدها وكذا في المنزل حتى إنك تقرأ في اليوم الواحد عدداً من الأجزاء لذا لا تحرم نفسك من هذه النعمة التي هُديت إليها بعد انقضاء شهر رمضان واحرص أن يكون لك وردا يومياً من كتاب الله تحرص عليه وتتلوه، وليكن رمضان بداية الألفة والتلذذ بكلام الرحمن، وإياك أن تهجر قراءته لأن ذلك غاية الحرمان وقمة الخسران.
أيها الحبيب: لا يطالبك المحبون بأن تكون تلاوتك لكتاب الله - تعالى -بعد رمضان كما كانت فيه، ولكنه يتمنون منك أن تقرأ نصف أو ربع ما كنت تقرأ في رمضان، والمهم هو أن لا تهجر كتاب الله - تعالى -وأعلم أن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع ومع مرور الزمن وترويض النفس ستجد نفسك تتأقلم مع هذا الوضع ولن تسمح لنفسك بأن تفرط فيه بل وستجد في نفسك رغبة ماسه للتزود والازدياد من هذا المعين الذي لا ينضب.
3- لقد كنت يا رعاك الله من المحافظين على أداء الصلوات المفروضة مع جماعة المسلمين، كما كنت حريصاً على أداء صلاة التراويح، والقيام طوال شهر رمضان المبارك، لذا فمن الخسارة الفادحة أن تفرّط في هذا الفضل العظيم بمجرد بزوغ شهر شوال، واعلم أن المحافظة على الصلوات المفروضة مع الجماعة أمر محتم ولا يقبل التردد والتفريط، وأما صلاة القيام والوتر قبل النوم أو قبل الفجر فهذا أمر مشروع ومسنون لا يليق بالمسلم أن يتساهل فيه، وسائل نفسك الأمارة بالسوء والميالة للراحة والدعة كيف كنت تصلي في رمضان صلاة التراويح والقيام لمدة ساعة أو نصف ساعة ثم تعجز بعد انقضائه عن صلاة ثلاث ركعات مثلاً لا تتجاوز مدة أدائها خمس دقائق أو أكثر بقليل؟؟ إنه الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء فلا تسمح لها بحرمانك من الأجور العظيمة.
أخي الحبيب/ هذه بعض الخواطر والكلمات أوجهها أولاً لنفسي ثم لك سائلاً المولى جلت قدرته أن يعيننا على طاعته إنه سميع مجيب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد