مسخ الهوية الإسلامية الهدف المنتهى لأعداء الأمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من مزايا شهر رمضان المبارك أعاده الله على الأمة بالخير والبركات والعزة والمنعـة أنـه معلم من معالم هويـة هذه الأمـة الربانية، ففيه أنزل القرآن إيذانـاً بربط البشرية بخالقها من جديد بعد أن اجتالتها الشياطين عن الحنيفية السمحة، وفيه يتجلى البعد الروحي للعبادات في الإسـلام كما لا يكون في سواه.

فبجانب الصيام الذي هو عبادة داخلية لا يعلم صدقها إلا الله ولا يجزي بها إلا الله وحده هدفها الأسمى تحقيق تقوى الله في النفوس تغص المساجد بالمصلين في رمضان، يؤدون الفرائض، ويقومون الليل تطوعـاً، ويحافظ المسلمون على أورادهم القرآنية اليومية بشكل منتظم، وتكثر الزكوات والتراحم بين المسلمين حتى لقد سماه سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بشهر الزكاة.

كما يكثر المعتمرون لبيت الله الحرام أحد أعظم رموز الانتماء للربانية على وجه الأرض، حيث العمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما ويعتكف الكثير من المسلمين و ينقطعون عن الدنيا في العشر الأواخر من رمضان.

كما وقعت في شهر رمضان العديد من المعارك التاريخية الحاسمـة التي غيرت مجرى التاريخ ومصير البشرية وأكدت على هويـة هذه الأمـة وعلى رأسهـا معركة بدرٍ, الكبرى تـاج معارك الإسـلام ومروراً بحطين وعين جالوت وغيرها الكثير، وانتهاءً بحرب العاشر من رمضان التي بددت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهـر.

غير أن رمضان هذا العام يعود على الأمة الإسلامية وهي كسيرة مهيضة الجناح جراحها غـائرة تنزف في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرهـا من ديار الإسـلام، والأعداء لا يكتفون بذلك بل لم ولن يرضيهم شيء أبداً، كما حكى الله - تعالى -عنهم في محكم التنزيل دون رد المسلمين عن دينهم إن استطاعوا أو طمس ومسخ الهويـة الإسـلامية الربانية لهذه الأمـة بدعاوى كاذبة، فتارة بتغيير المناهج لأنها تعلم الكراهية وعدم قبول الآخر، وتارة أخرى بدعاوى تحرير المرأة وإنقاذها من الظلم، وثالثة بدعوى نشر الديموقراطية والحرية بين الشعوب المسلمة وإصلاح نظمها السياسية...الخ تلك الادعاءات التي يأبى الله إلا أن يفضحها ما بين الفينة والفينة حتى لمن يصرون على إحسان الظن باليهود والصليبيين كما يصرون على جلد الذات وكيل التهم الجزاف لأمتهم.

 

أحد التقارير التي تفضح تلك النوايا التي أصبحت علنية تقرير صادر في ثمانٍ, وثمانين صفحة عن قسم أبحاث الأمن الوطني لمؤسسة \'\'راند\'\' للدراسات الإستراتيجية بالولايات المتحدة تحت عنوان (الإسـلام المدني الديمقراطي) لمؤلفته \'\'شيرلي بينـارد\'\' وهي متخصصة في مجال علم الاجتماع ولها مؤلفات تزعم فيهـا أن المرأة المسلمة مضطهدة ومغلوبة على أمرها في لبس الحجاب، وتزعم \'\'بينـارد\'\' لنفسهـا صفة \'\'الخبيرة في الفقة الإسـلامي، وهي متزوجة من رجل أفغاني الأصل يدعى \'\'خالي زاد\'\' يعمل حالياً مستشاراً لدى الرئيس الأمريكي جورج بوش كمستشار أمني خاص لمنطقة جنب غربي آسيا وإيران.

يأتي هذا التقرير ضمن سلسلة من التقارير الاستراتيجية التي لم تزل تنشر منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م لتشكيل الاستراتيجية الأمريكية في حربها على العالم الإسـلامي، وتتوالى دار \'\'راند\'\' هذه كبر الكثير من تلك الطروحات حيث تسربت الأنباء عن العرض الذي قدمه \'\'لورانت مورويك\'\' للبنتاغون الأمريكي في صيف عام 2002م متهماً فيه المملكة العربية السعودية بأنها (منبت الشر) ومردفاً بأن الاستراتيجية الإمبراطورية للولايات المتحدة بالشرق الأوسط يجب أن تكون تدريجية وأن تعتبر أن الحرب على العراق بمثابة خطوة تكتيكية، وعلى السعودية بمثابة خطوة استراتيجية، وعلى مصر بمثابة الجائزة العظمى.

تجـاهر \'\'شيرلي بينـارد\'\' من خلال ورقتها (الإسـلام المدني الديمقراطي) بالهدف من وراء كتابة هذا المؤلف بألفاظ صريحة لا تحتمل التأويلات، ألا وهو أطر المسلمين على انتهاج طريقة أو فهم جديد \'\'مسالم\'\' للإسلام أطراً ليكون ذلك المنهج مصمماً خصيصاً لتنفيذ الأجندة الغربية لمرحلة ما بعد 11 سبتمبر، ولا تتورع أبداً على النص في رغبتها في تغيير الدين الإسلامي ذاته.

حيث كان من ضمن ما جاء في ورقتها المذكورة التالي:

(ليس بالأمر السهل تغيير احدى أكبر الديانات العالمية، فإذا كانت مهمة اعادة بناء الدول مهمة مضلعة فإن تغيير \'\'إعـادة بناء الدين\'\' مهمة أكثر اضلاعـاً وتعقيداً).

وتسم الإسلام بأنه سبب تخلف المسلمين من خلال:

(إخفاقه في تحقيق الإزدهار وفقدان الصلة بالتوجهات العولمية).

 

كما يقوم هذا المؤلف بتصنيف المسلمين إلى أربـع فئات عقدية حسب قربهم وتقبلهم للقيم والمفاهيم فثمـة حسب تصنيفها:

1- الأصوليون: وهم أولئك الذين يرفضون القيم الديموقراطية والثقافة الغربية المعاصرة.

2- والتقليديون: وهم أصحاب المواقف المتشككة من التحديث والإبداع والتغيير.

3. الحداثيون: وهم أولئك الراغبون في انضمام العالم الإسلامي لركب الحداثة العالمي.

4- العلمانيون: وهم أولئك الراغبون في فصل الدين عن الدولة في العالم الإســلامي.

 

وتمضي الكاتبة في تفصيل تصنيفها المذكور إلى أن كلاً من العلمانيين والحداثيين هم الأقرب مشرباً من الغرب، غير أنهم هم الفئات الأضعف في المجتمعات الإسـلامية بسبب قلة التعداد والتمويل والبنية التحتية وتوفر المنصات السياسية التي يمكن لهم الانطلاق منهـا.

وتقترح تقوية هاتين الفئتين من الناس من خلال:

* تشجيعهم للكتابة لجمهور الأمة،

* وتقديم الدعم المادي اللازم لنشر وإدخال مرئياتهم ضمن مناهج التعليم العـام،

* ومساعدتهم على الظهور الإعلامي الذي يهيمن عليه الأصوليون والتقليديون كما ترى.

ثم تمضي قدماً في تقديم النصائح و المقترحات المسمومة لنشر الفتنة بين شرائح المجتمعات المسلمة من خلال وضع الفتنة بين من تسميهم بالأصوليين والتقليديين، وكيف أنه يجب على الولايات المتحدة تبني إذكاء الخلاف بين هاتين الفئتين من المسلمين، وتقترح العديد من الآليات لذلك من بينها كما ترى:

* تحدي فهم الأصوليين للإسلام و\'\'فضح\'\' صـلاتهم بالمجموعـات والفعاليات غير المشروعة.

* كما تقترح في ذات الوقت تقوية التيارات الصوفية التي صنفتها ضمن مجموعتي العلمانيين والحداثيين لأنهـا كما تزعم تشكل توجهـاً أقل فاعلية وأكثر تفهمـاً للآخر في الإسلام.

ويصر التقرير على مسخ حتى إنسانية المسلمين بعدم إعطائهم حق مقاومة المخططات الإمبريالية لدولهم وبلدانهم، و لا ترى المؤلفة في الاحتجاجات والعنف من قبل المسلمين مقاومة لتلك الخطط بل ترى فيهـا التعبير عن الجهل والأمية المستغلة من قبل الأصولية ذات الثراء العريض!؟. وهم الذين يشكلون الخطر الكبير لأنهم يدعون إلى إسلام شرس وتوسعي لا يخشى العنف وأن تعريفهم للمسلمين لا يقتصر على دولة أو شعب أو عرقية واحدة بل يشمل كامل الأمة المسلمة.

وتخلص إلى استنتاجات غير منطقية البتة، مبنية على وجهات نظر مسبقة، يقودها الحقد الأعمى. ففي رأيها إنما يلجأ المسلمون للعنف أو لكراهية الآخر فإن ذلك بسبب كونهم \'\'رادكاليين\'\' ومضللين، بينما عندما يقوم الغرب الذي تدافع عنه بذات الأعمال التي يقوم بها المسلمون، فهي إما أن تتجاهل تلك التعديات الغربية، أو تجد لها المبررات الشافية من وجهة نظرهـا مما يجعل كل تحليلاتها تندرج تحت الميكافيلية القائلة بأن الغاية تبرر الوسيلة من خلال الدعوة إلى نسخة معدلة و مهندسة وراثياً من الإسلام تتيح للغرب الهيمنة على الإسلام وأهله.

تلك هي بعض كتاباتهم وتنظيراتهم التي توفر رافداً من روافد تشكيل السياسات وصياغة الاستراتيجيات وصناعة القرار في البيت الأبيض وغيره من أماكن الكراهية الموجهة ضد الإسـلام كدين والمسلمين كأمـة، ويكفى أن مجرد كلمـة أمـة تعتبر عندهم ضرباً من ضروب الإرهــاب.

لنجعل من رمضاننا هذا وما بعده من أيـام ومناسبات مناسبة للتأكيد على التمسك بهويتنا الإيمانية الربانية الإسـلامية لا نساوم عليها ولا نتنازل عنها مهما بلغت بالقوم الأحقاد.

{ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.

وكل عـام وأمـة الإسـلام بألف خير وعافية وعزة ومنعـة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply