حكم السفر والإقامة في بلاد الكفار


 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...أما بعد:

فقد اضطر المسلمون في العقود الماضية إلى السفر إلى بلاد الكفار والإقامة فيها لأسباب كثيرة يرجع معظمها إلى ما تعيشه بلاد المسلمين من بعد عن الدين وضعف اقتصادي وتخبط في السياسة وأحيانا أخرى -وهي قاصمة الظهر - ما يبتلى به المسلمون من فتن وحروب داخلية واضطهاد من حكومات علمانية مستبدة - و الله المستعان - ولهذا كله وجب تجلية حكم السفر والإقامة في ديار الكفر، وننبه إلى أنه ليس المقصود هنا الكلام في كل جزئيات هذا الموضوع وإنما المراد وضع قواعد وأطر يبني عليها المسلم أحكام هذه المسألة.والكلام في هذا المقام في مسألتين:

الأولى: السفر إلى بلاد الكفار.

الثانية: الإقامة في بلاد الكفار.

المسألة الأولى: حكم السفر إلى بلاد الكفار.

السفر إلى بلاد الكفار جائز بشروط:-

1-أن يكون السفر إما لغرض مشروع أو مباح (شرح ثلاثة الأصول لابن عثيمين 131)

مثال المشروع: الدعوة إلى الله وتعليم المسلمين هناك.

مثال المباح: التجارة والعلاج ونحو ذلك.

2-القدرة على إظهار الدين وعدم موالاة المشركين. فقد أجمع المسلمون على أن من لم يستطع إظهار دينه هناك حرم عليه السفر] تفسير المنار (3/281)(ولا فرق في ذلك بين المدة الطويلة والقصيرة. ]مجلة البحوث العدد (25) ص 210)

3-أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات (شرح ثلاثة الأصول لابن عثيمين 131).

 

المسألة الثانية: الإقامة في بلاد الكفار.

و هذه أخطر من سابقتها و أعظم تأثيرا في إفساد دين المسلم وعقيدته وسلوكه، كما أن نشأة أهله وأبنائه بين الكفار مما يدفعهم إلى تقليدهم والتأثر بعاداتهم وأخلاقهم، الأمر الذي يثمر موالاتهم ومودتهم.

وهذه المسألة على أقسام:

الأول: المضطر إلى الإقامة فيها كالمضطهدين من المسلمين في ديارهم الممنوعين من إظهار دينهم فيها ولا يستطيعون حماية أعراضهم وأموالهم والمحافظة على أديانهم فيها، فهؤلاء يجوز لهم الإقامة في ديار الكفر إذا لم يجدوا في بلاد المسلمين مأوى لهم وكانوا يستطيعون إظهار دينهم وممارسة شعائر الإسلام بحرية. (الأحكام السياسية للأقليات المسلمة ص 69).

الثاني: من ليس مضطرا للإقامة في ديار الكفار ولكنه يستطيع إظهار دينه ولا يجد معارضة لذلك، فهذا جمهور العلماء على أنه يجوز له البقاء فيها مادام يستطيع إظهار دينه.

الثالث: من تكون إقامته في بلاد الكفار فيها مصلحة للمسلمين كتعليمهم أمور دينهم أو يكون له مدخل في تحصيل مصالح للمسلمين أو دفع الشر عنهم فهذا إقامته هناك مستحبة على أقل الأحوال.

الرابع: من لا يكون قادرا على إظهار شعائر دينه فهذا يحرم عليه البقاء فيها بالإجماع كما سبق.

·مسألة: هل يجب على من أسلم من الكفار أن يهاجر إلى بلاد الإسلام؟ في هذا تفصيل على النحو الآتي:

أولا: من تجب عليه الهجرة وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه كالصلوات ونحوها، قال - تعالى -(إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم. قالوا كنا مستضعفين في الأرض. قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا)وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، و إقامة الدين في هذه الحال لا تتم إلا بالهجرة فتكون الهجرة واجبة.

ثانيا: من لا تجب عليه الهجرة وهو من يعجز عنها لمرض أو إكراه أو ضعف، قال - تعالى -(إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا).

ثالثا: من تستحب في حقه ولا تجب عليه، وهو من يقدر على الهجرة ولكنه يستطيع إظهار دينه، فهذا تستحب له الهجرة ليتمكن من جهاد الكفار، وتكثير المسلمين ومعونتهم، ويتخلص من تكثير الكفار ومخالطتهم ورؤية المنكر بينهم، وقد كان العباس - رضي الله عنه - وهو عم النبي - صلى الله عليه وسلم - مقيما بمكة مع إسلامه (المغنى (13/149) بتصرف).

الحِكَم التي شُرعت لأجلها الهجرة:-

لقد شرعت الهجرة لثلاث حكم، اثنتان تتعلقان بالأفراد والثالثة بالجماعة.

فأما اللتان تتعلقان بالأفراد فهما:

1- ألا يبقى المسلم في بلد ذليلا مضطهدا في دينه وحريته الشخصية.

2- تلقي الدين والتفقه فيه. فمن كان في بلد ليس فيه من أهل العلم من يعرف أحكام الدين وجب عليه أن يهاجر إلى حيث يتلقى الدين والعلم.

و أما الثالثة المتعلقة بجماعة المسلمين: فهو أنه يجب على المسلمين أن تكون لهم جماعة أو دولة قوية تنشر دعوة الإسلام و تقيم أحكامه وحدوده و تحمي بيضته.

فإذا كانت هذه الجماعة أو الدولة ضعيفة يخشى عليها من إغارة الأعداء وجب على المسلمين حيثما كانوا أن يشدوا أزرها حتى تقوى ونقوم بما يجب عليها، فإذا توقف ذلك على هجرة البعيد وجب عليه ذلك و إلا كان راضيا بضعفها معينا لأعداء الإسلام على إبطال دعوته وخفض كلمته. ]تفسير المنار (5/361-362) بتصرف). والله - تعالى -أعلم

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply