بسم الله الرحمن الرحيم
في حالة نشوب حرب بين دولة غير إسلامية تعيش فيها أقلية مسلمة فإن الحرب إما أن تكون مع دولة غير إسلامية أي ضد كفار آخرين أو مع الدولة الإسلامية أي ضد المسلمين
بدءاً أقول: إنه لا يجوز للمسلم أن يعين الكفار على كفار مثلهم إذا لم يترتب على ذلك مصلحة للإسلام والمسلمين، وهذا هو رأي جمهور الفقهاء (1)من الحنفية و المالكية والشافعية والحنابلة.
جاء في السير الكبير: \" لا ينبغي للمسلمين أن يقاتلوا أهل الشرك مع أهل الشركº لأن الفئتين حزب الشيطان وحزب الشيطان هم الخاسرون، فلا ينبغي للمسلم أن ينضم إلى إحدى الفئتين فيكثر سوادهم ويقاتل دفعاً عنهم، وهذا لأن حكم الشرك هو الظاهر، والمسلم إنما يقاتل لنصرة أهل الحق لا لإظهار حكم الشرك (2).
وجاء في كشاف القناع: \"ويحرم أن يعينهم المسلم على عدوهم إلا خوفاً من شرهم \" (3).
وجاء في المدونة الكبرى: \" أرأيت لو أن قوماً من المسلمين في بلاد الشرك أو تجاراً استعان بهم صاحب تلك البلاد على قوم من المشركين ناوءوه من أهل مملكته، أو من غير أهل مملكته، أترى أن يقاتلوا معه أم لا؟ فأجاب سحنون: \" سمعت مالكاً يقول في الأسارى يكونون في بلاد المشركين، فيستعين بهم الملك على أن يقاتلوا معه عدوه، ويجاء بهم إلى بلد المسلمين، (قال): قال مالك: \" لا أرى أن يقاتلوا.
على هذا، ولا يحل لهم أن يسفكوا دماءهم على مثل ذلك، قال مالك: وإنما يقاتل الناس ليدخلوا في الإسلام من الشرك، فأما أن يقاتلوا الكفار ليدخلوهم من الكفر إلى الكفر ويسفكوا دماءهم في ذلك فهذا مما لا ينبغي للمسلم أن يسفك دمه عليه\"(4).
مما سبق نرى أن الفقهاء لا يجيزون قتال المسلم مع الكفار ضد أعدائهم، لأن ذلك يؤدي إلى تقوية المشركين وإلى إظهار الشرك، وإعزازه، وإلى تحقيق النصر للعدو كما أنه لا يجوز للمسلم أن يقاتل تحت إمرة الكفار وهو ممنوع لقوله - تعالى -: (وَلَن يَجعَلَ اللَّهُ لِلكَافِرينَ عَلَى الُمؤِمِنينَ سَبِيلاً) [سورة النساء: 141].
ولقوله - تعالى -(لا َتَجِدُ قَوماً يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَادٌّونَ مَن حَادَّ اللهُ وَرَسُولُهُ) [سورة المجادلة: 22](5).
هذا حكم مقاتلة المسلمين مع الكفار ضد أعدائهم في الأحوال العادية أي إذا لم يترتب على هذا القتال
أي مصلحة للإسلام والمسلمين أما إذا ترتب على هذا القتال مصلحة للمسلمين وهو لا يؤدي إلى تقوية الكفار.
فقد أجاز بعض الفقهاء للمسلم أن يقاتل مع الكفار ضد المشركين بشرط أن يترتب على هذا مصلحة للمسلمين ولا يترتب أي ضرر أو محظور، وأن يقاتل المسلمون تحت رايتهم، ويخضعون في الحرب لقيادتهم وأن لا يكون في ذلك تقوية للكفار على المسلمين، وعلى المسلمين أن يقصدوا بهذه الحرب تحقيق المصلحة للمسلمين فقط، وإعلاء كلمة الله والقيام بغرض الجهاد، دون أن يقصدوا لذلك تقوية جانب الكفار، أو موالاتهم، أو إعلاء كلمة الكفر(6).
جاء في السير الكبير: \" ولو أن أهل الحرب أرسلوا الأسرى خاصة أن يقاتلوا أهل حرب آخرين وجعلوا الأمير من الأسرى وجعلوا له أن يحكم بحكم الإسلام، ويسلموا لهم الغنائم يخرجونها إلى دار الإسلام فلا بأس بالقتال، على هذا إذا خافوهم أولم يخافواº لأنهم يقاتلون وحكم الإسلام هو الظاهر عليهم فيكون ذلك جهاداً منهم \"(7).
ومن هؤلاء العلماء محمد رشيد رضا حيث أوردنا رأيه فيما سبق (8).
وهذا رأي وجيه جدًا خاصة في هذا الوقت حيث المسلمون ضعفاء ولا توجد الدولة الإسلامية التي تنصفهم وتحميهم وتوفر لهم الحقوق الطبيعية عن طريق الضغط على تلك الدولة التي لا تعطيهم تلك الحقوق أو عن طرق أخرى، وهذه فرصتهم أن يحصلوا على ذلك فعليهم أن ينتهزوها مراعين الشروط التي ذكرناها.
الحالات التي يجوز فيها مشاركة المسلم القتال مع الكفار ضد الكفار.
ذكر الفقهاء بعض الحالات التي يجوز فيها للمسلم أن يقاتل مع الكفار ضد الكفار الآخرين للضرورة، وهذه الحالات هي:
1- إذا كان المسلمون مجبرين على القتال مع الكفار ضد أعدائهم، بحيث إن لم يفعلوا ذلك يقتلونهم، كما لو كانوا أسرى عند الكفار، أو أجبرتهم الدولة التي يقيمون فيها على القتال ضد كفار آخرين، وفي هذه الحالة يجوز لهم أن يقاتلوا لدفع الهلاك عن أنفسهم.
يقول الإمام محمد بن الحسن: \"وإن قالوا لهم أي للأسرى المسلمين قاتلوا معنا عدونا من المشركين وإلا قتلناكم فلا بأس بأن يقاتلوا دفعاً لهم، وقتل أولئك المشركين لهم حلال ولا بأس بالإقدام على ما هو حلال (9)عند تحقيق الضرورة، بسبب الإكراه وربما يجب ذلك كما في تناول الميتة وشرب الخمر.
2- أن يدفعوا عن أنفسهم الأسر والضعف والهوان جاء في السير الكبير:
\" ولو قالوا للأسرى، قاتلوا معنا عدونا من أهل حرب آخرين على أن نخلي سبيلكم إذا انقضت حربنا فلو وقع في قلوبهم أنهم صادقون فلا بأس بأن يقاتلوا معهم، ويعلل ذلك السرخسي ويقول: لأنهم يدفعون بهذا الأسر من أولئك المشركين، فكما يسعهم الإقدام هناك فكذلك يسعهم ها هنا \" (10).
3- يجوز للأقليات المسلمة أن يقاتلوا مع القائد الكافر إذا كان يحترم المسلمين يعطيهم حقوقهم إذا خشي أن ينتصر عليه من يتوقع ظلمه لهم وهذا ما نفهمه من معاونة المسلمين للنجاشي، روي عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت: فأقمنا عنده مع خير جار في خير دار فلم يلبث أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه فوالله ما علمنا حزناً قط هو أشد منه فرقاً من أن يظهر ذلك الملك عليه، فيأتي الملك لا يعرف من حقنا ما كان يعرفه فجلعنا ندعو الله ونستنصره للنجاشي، فخرج إليه سائراً فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعضهم لبعض من يخرج فيحضر الوقعة حتى ينظر لمن تكون؟ قال الزبير وكان أحدثهم سناً أنا فنفخوا لهم قربة فجعلها في صدره فجعل يسبح عليها في النيل حتى خرج من شقه الآخر إلى حيث التقى الناس فحضر الوقعة، فهزم الله ذلك الملك وقتله وظهر النجاشي عليه فجاءنا الزبير يليح لنا بردائه ويقول: ألا فابشروا فقد أظهر الله النجاشي، قلت: فوالله ما علمنا أننا فرحنا بشيء قط فرحنا بظهور النجاشي ثم أقمنا عنده حتى خرج منا من خرج وأقام من أقام(11).
ومن هذه القصة نرى بوضوح أن المسلمين كانوا يستنصرون الله للنجاشي، وأن الزبير حضر الوقعة مع النجاشي ضد خصمه، مخافة أن يكون مغلوباً فيأتي بدله غيره ولا يعرف من حقوقهم ما يعرفه، ولا يهمنا هنا إذا كان النجاشي مسلماً، في ذلك الوقت أم لا، إنما يهمنا أن جيشه كان غير مسلم، وكان يطبق عليهم نظاماً غير إسلامي.
ومما يستدل به في هذا المقام قاعدة تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما.
يقول ابن تيمية: \" إن الشريعة جاءت بتحصيل المصلحة وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما(12)
- وقد أشار ابن عطية إلى ضرورة أخرى وهي إذا خاف المسلمون عدواً كبيراً يجوز لهم معاونة العدو الصغير للقضاء على العدو الكبير ودفع أذاه (13).
قال ابن عطية في بيان فرح المسلمين لانتصار الروم على الفرس: \" ويشبه أن يعلل ذلك بما يقتضيه النظر من محبة أن يغلب العدو الأصغر لأنه أيسر مؤونة ومتى غلب الأكثر غلب الخوف منه فتأمل هذا المعنى مع ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترجاه من ظهور دينه وشرع الله الذي بعثه به وغلبته على الأمم إرادة كفار مكة أن يرميه الله بملك يستأصله ويريحهم منه \"(14).
ومما سبق نرى أن المسلمين الذين يعيشون أقلية في دولة غير إسلامية يجوز لهم أن يشاركوا في الحرب مع الكفار ضد أعدائهم من الكفار إذا كان لهم في ذلك مصلحة كأن يحصلوا على حقوقهم وتتحسن أوضاعهم وأن لا يترتب على ذلك ضرر على المسلمين، أو إذا كانوا مكرهين على ذلك. أما في غير ذلك فلا يجوز لهم أن يشاركوهم في قتالهم ضد كفار آخرين والله أعلم
----------------------------------------
(1)- انظر: محمد أحمد السرخسي، شرح كتاب السير الكبير، تحقيق د. صلاح الدين المنجد، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 4/1515 المدونة الكبرى، 1/518، كشاف القناع، 3/ 63ن والمبسوط، 10/97-98.
(2) شرح السير الكبير4/1515.
(2) كشاف القناع 3/63.
(4) المدونة الكبرى 1/518.
(5) المبسوط، 10/97، ومحمد عثمان شبير، الاستعانة بغير المسلمين في الجهاد الإسلامي، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، العدد السابع، 1978، ص 305.
(6) انظر: الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، 3/1636. (7) شرح السير الكبير، 4/1525.
(8) انظر: صفحة 114، من هذا البحث
(9) شرح السير الكبير، 4/1516-1517.
(10) المرجع السابق، 4/1518.
(11) البداية والنهاية، 3/ 123، الطبعة الأولى، 1992، دار الحديث، القاهرة، أبو الحسن علي أبو الكريم ابن الأثير، الكامل في التاريخ تحقيق: أبو الفداء عبد الله القاضي، الطبعة الأولى، دار الكتب العملية، بيروت 1987، 1/600.
(12) مجموع الفتاوى 20/48.
(13) أبو محمد عبد الحق بن عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق وتعليق: عبد بن إبراهيم الأنصاري، والسيد عبد العال السيد إبراهيم، الطبعة الأولى، مؤسسة دار العلوم، قطر، 1985، 11/425.
(14) أبو محمد عبد الحق بن عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق وتعليق: عبد بن إبراهيم الأنصاري، والسيد عبد العال اليد إبراهيم، الطبعة الأولى، مؤسسة دار العلوم، قطر، 1985، 11/425.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد