بسم الله الرحمن الرحيم
هناك جُملة من الأحاديث المشتهرة على ألسنة الناس في فضل الصيام ورمضان، ومن بينهم أئمّةُ مساجدَ وخطباءُ منابرَ مع أنها ضعيفة أو موضوعة مكذوبة. ومن المعلوم أن الحديث الضعيف والموضوع لا يُحتَجّ بهما ولا يُستَنَدُ عليهما في مسائل العقيدة وأحكام الحلال والحرام، وإن كان الحديثُ الضعيف ضعفاً غيرَ شديد يجوز العملُ به في فضائل الأعمال الثابتةِ مشورعيَّتُها. وهو ما ذهب إليه جماهير العلماء بشرط أن تُروى مع بيان ضعفها.
أما الحديث الموضوع فلا يجوز الاحتجاج به مطلقاً وتَحرُمُ روايته ويأثم ناقِلُهُ إلا بغَرَض تحذير الناس منه وبيان وَضعِهِ وكَذِبه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا فلا بُدّ من التثبٌّت في الاستشهاد بالأحاديث ولو كانت بليغةَ المعنى جَزلَة المبنى، وما أعلى وأنفَسَ كلمةَ الإمامِ حافظِ الدنيا في عصره ومَفخَرَة المسلمين في دهره وبعدَ دهره أبي الحجَّاج المِزِّيّ (ت 742 هـ) في هذا الشأن، وهي كلمة ذهبيَّة غالية لو بُذل، لنَيلها وتعلٌّمها أغلى المهور في الدنيا لكان قاصراً عن الدلالة على نفاستها وحُسنها، يقول - رحمه الله - تعالى -: \"كلٌّ ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حسن، وليس كلٌّ حسن قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -\".
والأحاديث المراد الإفادةُ عنها وبيانُ حالها هي:
1 ـ حديث: \"صوموا تصحوا\" ضعيف. ضعّفه الحافظ العراقي في \"تخريج أحاديث الإحياء\": 3/87.
2 ـ حديث: \"نومُ الصائم عبادة\" ضعيف. ضعّفه أيضاً الحافظ العراقي في المصدر نفسه: 1/231.
3 ـ حديث: \"لو يعملُ العبادُ ما في رمضان لتمنَّت أمّتي أن يكون رمضان السَّنَةَ كلَّها\" موضوع. حكم عليه بالوضع الإمام ابن الجوزي في \"الموضوعات\": 2/188.
4 ـ حديث: \"إن الجنَّةَ تَزَيَّنُ لرمضانَ من رأس الحول\" موضوع أيضاً، وهو من تتمة الحديث السابق.
5 ـ حديث خُطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر يوم من شعبان وقولِهِ: \"أيها الناس قد أظلّكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامَه فريضة وقيامَ ليله تطوّعاً، من تقرَّب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدّى فريضةً فيما سواه ومن أدّى فيه فريضة كان كمن أدّى سبعين فريضةً فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنّة، وشهر المواساة... وهو شهر أوَّلُهُ رحمة وأوسَطُهُ مغفرة وآخره عتق من النار... \" إلى آخر الحديث وهو طويل يكثر تداوله خاصةً في الخُطَب ودروس الوعظ، ولكنه ضعيف. ضعّفه الحافظ ابن حجر وغيره.
6 ـ حديث: \"شهر رمضان شهر الله، وشهر شعبان شهري، شعبان المطهِّر ورمضان المكفِّر\" ضعيف. ضعّفه العلاّمة المُناوي في كتابه \"التيسير\": 1/77 و79.
7 ـ حديث: \"شهر رمضان معلَّق بين السماء والأرض ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر\" ضعيف. قال المُناوي في \"التيسير\" 1/79: أورده ابن الجوزي في \"الواهيات\".
وفي الختام لا بدّ من ملاحظة مهمة وهي أنه ليس من اللازم أن يكون كل حديثٍ, ضعيفٍ, سنداً: غيرَ صحيح دلالة وفكرة وفقهاً كشأن الحديث السابع السابق، إذ بعض الأحاديث الضعيفة قد تكون صحيحة الفكرة والمضمون باعتبار نصوص أخرى أو باعتبار الواقع والعلم البشري الصحيح كشأن الحديث الأول، وإن كان هذا لا يسوِّغ نسبة الكلام إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - خاصةً وأنه في كثير من الأحيان تتسلَّل الخرافات والبدع من طريق الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
وكذلك فإن الكلامَ عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة المتقدِّمة لا ينافيه وجودُ كَثرَةٍ, متكاثِرَةٍ, من أحاديث صحيحةٍ, وسننٍ, ثابتةٍ, في فضل الصيام وفضائل شهر رمضان فيها الغَناءُ والغذاء، والدَّواءُ والشِّفاء.
وفّقنا الله - تعالى - لحماية السٌّنَّة وجعلنا من أهلها والمحبِّين لها.آمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد