بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله وحده..والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً..أما بعد،،،
فإنه لما كانت الأسرة هي نواة المجتمع وأساسه عُني الإسلام بها عناية تحفظ كيانها متماسكة متجانسة، قوية الإيمان محاطة بأحكام الدين وآدابه، وذلك لا يتأتى إلا بأن يختار الزوج المسلم الصالح المرأة المسلمة الصالحة، وبهما تبدأ الأسرة المسلمة التي ترضي ربها بتنشئة أبنائها على دين الله وطاعته.
الأسرة في أول البعثة النبوية:
عندما نزل القرآن الكريم على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا الدين كان للناس الذين بعث فيهم عادات ومعاملات يتعاطونها فيما بينهم وكان المسلمون مرتبطين بالمجتمع الجاهلي ارتباطاً أسرياً واجتماعياً واقتصادياً، ومن الصعب أن يطلب منهم فك ذلك الارتباط دفعة واحدة، والله - تعالى - يعلم ما جبلت عليه النفوس من حب العوائد والتمسك بها والدفاع عنها، ويعلم - تعالى - أن التكليف بالأحكام الشرعية التي لم يألفها الناس فيه صعوبة على نفوسهم، وأن السبيل إلى قبولهم ذلك التكليف سواء كان بأحكام لم يألفوا العمل بها، أو ترك عادات ألفوها إنما يكون بغرس الإيمان به أولاً في قلوبهم، وكذلك الإيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم - واليوم الآخر، فإذا ما ثبت ذلك في النفوس أذعنوا وانقادوا لأمر الله وتركوا كل شيء من عاداتهم لرضا ربهم - سبحانه وتعالى -.
ولهذا بدأ الإسلام بهذا الأساس، فنزل القرآن الكريم يدعو إلى الإيمان بالغيب الذي يشمل الإيمان بالله - تعالى -وحده وعبادته دون ما سواه، والإيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطاعته وحده، وعدم طاعة كل من خالفه، والإيمان بالوحي المنزل من عند الله الذي هو منهج حياة البشر، والإيمان باليوم الآخر الذي فيه البعث والعرض والجزاء والحساب والثواب والعقاب.
واستمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى هذا الأساس وترك كل ما يخالفه ثلاثة عشر عاماً، ما كان يدعو إلى أحكام شرعية أخرى إلا ما ندر منها ومن الآداب والأخلاق العامة التي اتفقت على حسنها الأمم، كالصدق والأمانة وصلة الأرحام.
لذلك كان الناس يتعاملون فيما بينهم بما ألفوا من عادات اجتماعية واقتصادية وغيرها.
ومن ذلك الزواج، فكان المسلم يتزوج الكافرة والمشركة، والكافر يتزوج المسلمة الطاهرة، وبقي كثير من تلك المعاملات والعادات على حالها، حتى هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة، وهناك صار للمسلمين أرض يعيشون عليها أعزة، جمع الله فيها بين كتيبتي الإسلام: المهاجرين والأنصار، فأصبحوا قوة تتولى شؤون الدولة الإسلامية الناشئة، وتنفذ أوامر الله، فبدأ القرآن ينزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالأحكام الشرعية في تدرج إلى أن أكمل الله لخلقه دينهم الذي ارتضاه لهم.
تحريم زواج المسلم بالكافرة وتحريم زواج الكافر بالمسلمة
ومن تلكم الأحكام التي نزلت تحريم التناكح بين المسلمين والمشركين، فلا يجوز للمسلم أن ينكح مشركة ابتداء ولا أن يمسكها في عصمته إن كان زوجه له من قبل إلا أن تسلم، كما لا يجوز لمسلمة أن تتزوج كافراً كذلك، كما قال - تعالى -: ) يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أ‘لم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله بينكم والله عليم حكيم ((1).
قال القرطبي - رحمه الله -: \" والمراد بالعصمة هنا النكاح، يقول: من كانت له امرأة فقد انقطعت عصمتها... وكان الكفار يتزوجون المسلمات والمسلمون يتزوجون المشركات، ثم نسخ ذلك في هذه الآية \"(2)، \"وكان هذا بعد صلح الحديبية \"(3).
وفي هذا التحريم تحقيق لأمرين: الأمر الأول المفاصلة بين عباد الله المؤمنين وأعدائهم الكافرين، والأمر الثاني تأكيد ولاء المسلمين فيما بينهم وهما أمران تواترت بهما النصوص القرآنية، كما وردت بهما السنة النبوية، والتطبيق العملي الذي سار عليه السلف الصالح - رضي الله عنهم - أجمعين.
وقد اتفق العلماء على تحريم زواج المسلم بالكوافر من غير أهل الكتاب، وهن اليهوديات والنصرانيات، وفي المجوسيات والصائبات خلاف...
قال ابن قدامه - رحمه الله -: \" وسائر الكفار غير أهل الكتاب كمن عبد ما استحسن من الأصنام والأحجار والشجر والحيوان فلا خلاف بين أهل العلم في تحريم نسائهم وذبائحهم، وذلك لما ذكرنا من الآيتين (4) وعدم المعارض لهما، والمرتدة يحرم نكاحها على أي دين كانت، لأنه لم يثبت لها حكم أهل الدين الذي انتقلت إليه في إقرارها عليه، ففي حلها أولى \"(5).
وإذا خرجت الكتابية عن دينها إلى عبادة الأوثان صار حكمها حكم الوثنية لا يجوز نكاحها للمسلم، وإن ادعت أنها من أهل الكتاب، وكذلك إذا ألحدت فأنكرت الدين مطلقاً، كما هو حال الشيوعيين في هذا العصر.
قال الخرقي - رحمه الله -: \" وإذا تزوج كتابية فانتقلت إلى دين آخر من الكفر غير دين أهل الكتاب أجبرت على الإسلام، فإن لم تسلم حتى انقضت عدتها انفسخ نكاحها \"(6).
وإذا لم يجز استدامة نكاحها فالابتداء أولى بعدم الجواز.
----------------------------------------
(1) الممتحنة: 10.
(2) الجامع لأحكام القرآن (18/65).
(3) نفس المرجع (18/61).
(4) يعني آية الممتحنة وآية البقرة السابقتين.
(5)المغني (7/131).
(6)نفس المرجع:(7/132) وراجع كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي (7/157).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد