بسم الله الرحمن الرحيم
ناقش المجلس البحوث المقدمة إليه حول التأمين على الحياة، واطلع عل ما صدر عن المجامع الفقهية والمؤتمرات والندوات العلمية بهذا الشأن.
وبعد المناقشة والتحاور حول جوانب هذا الموضوع، وما عليه أحوال المسلمين في أوروبا وسائر البلاد غير الإسلامية، ومع مراعاة ما يجري عليه العمل في شركات التأمين التجاري، والتأمين التعاوني في أوروبا، انتهى إلى ما يأتي:
أولاً: تأكيد ما صدر عن المجلس في دورته السادسة حول موضوع التأمين وإعادة التأمين.
ثانياً: تأكيد ما صدر عن بعض المجامع الفقهية من حرمة التأمين التجاري على الحياة، وجواز التأمين التعاوني إذا خلا عن الربا والمحظورات الشرعية، وعلى ما صدر من الندوة الفقهية الثالثة لبيت التمويل الكويتي التي حضرها ثلة من الفقهاء المعاصرين والاقتصاديين في 1413 هـ - 1992 م وانتهت إلى إصدار الفتوى التالية:
1 - التأمين على الحياة بصورته التقليدية القائمة على المعاوضة بين الأقساط والمبالغ المستحدثة عند وقوع الخطر أو المستردة مع فوائدها عند عدم وقوعه هو من المعاملات الممنوعة شرعاً لاشتماله على الغرر، والربا، والجهالة.
2 - لا مانع شرعاً من التأمين على الحياة إذا أقيم على أساس التأمين التعاوني (التكافلي) وذلك من خلال التزام المتبرع بأقساط غير مرتجعة (1)، وتنظيم تغطية الأخطار التي تقع على المشتركين من الصندوق المخصص لهذا الغرض، وهو ما يتناوله عموم الأدلة الشرعية التي تحض على التعاون، وعلى البر والتقوى وإغاثة الملهوف ورعاية حقوق المسلمين، والمبدأ الذي لا يتعارض مع نصوص الشريعة وقواعدها العامة.
ثالثاً: ومع ما سبق فإن حالات الإلزام قانونياً، أو وظيفياً، مسموح بها شرعاً، إضافة إلى ما سبق إثباته في قرارات الدورة السادسة.
تعليق:
قلت: لأهمية موضوع التأمين أردت أن أعلق عليه تعليقاً موجزاً، لكنه يبين باختصار حقيقة التأمين التجاري، والتأمين التكافلي، وعناصرهما، والفرق بينهما.
أولا: التأمين التقليدي يعرف بأنه: ضمان يقدمه مؤمن إلى مؤمن له بتعويضه عن خطر محتمل، مقابل نقود يدفعها، أو اشتراك. (لاروس الصغير الفرنسي)
ويعرفه الفرنسي هيمار: بأنه عقد بموجبه يحصل أحد المتعاقدين وهو المؤمن له في نظير مقابل يدفعه على تعهد بمبلغ يدفعه له، أو للغير إذا تحقق خطر معين، المتعاقد الآخر وهو المؤمن الذي يدخل في عهدته مجموع من هذه الأخطار يجري مقاصة فيما بينها طبقاً لقوانين الإحصاء. \"(الوسيط للسنهوري 7/1090)
أهم مميزات التأمين التجاري:
الانفصال الكامل لشخصية المأمن \"صاحب المشروع\" عن شخصية المؤمن له \"مالك وثيقة التأمين\".
تهدف الهيئات الممارسة للتأمين التجاري أساساً إلى تحقيق الربح، فالمال الذي يجمع من الأقساط يصبح ملكاً للمؤمن، والربح أو الخسارة عبارة عن الناتج عن زيادة الأقساط المتحصلة أو نقصها عن التكلفة الفعلية للتأمين، مع ملاحظة تحمل قسط التأمين التجاري المقدر منذ بداية العقد بجزء لمقابلة الأرباح المراد تحقيقها.
يتميز التأمين التجاري بأن الأقساط التي يدفعها المؤمن لهم ثابتة منذ إبرام العقد تتحرر على أسس معينة، وتبقى كذلك طيلة مدة العقد فيكون المؤمن لهم لهم على علم بما يلتزمون به منذ البداية.
أما التأمين التكافلي فقد ورد تعريفه في قرارات المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث بما نصه: والبديل الشرعي لذلك هو التأمين التكافلي القائم على تكوين محفظة تأمينية لصالح حملة وثائق التأمين، بحيث يكون لهم الغنم وعليهم الغرم، ويقتصر دور الشركة على الإدارة بأجر، واستثمار موجودات التأمين بأجر، أو بحصة على أساس المضاربة.
وإذا حصل فائض من الأقساط وعوائدها بعد دفع التعويضات فهو حق خالص لحملة الوثائق، وما في التأمين التكافلي من غرر يعتبر مغتفراًº لأن أساس هذا التأمين هو التعاون والتبرع المنظم، والغرر يتجاوز عنه في التبرعات.
وأهم مميزات التأمين التعاوني هي:
اتحاد شخصية المؤمن \"صاحب المشروع\" وشخصية المؤمن له \"حامل وثيقة التأمين\" ومن هنا جاء وصف هذا النوع من التأمين بالتكافلي حيث يؤمن الأعضاء بعضهم بعضاً، فكل منهم مؤمن ومؤمن له في وقت واحد.
إن تعريف المجلس الأوربي إنما هو تعريف لصورة مفضلة من التأمين التكافلي لأن التأمين التكافلي قد يأخذ صوراً متعددة كأن تأسس جماعة شركة مضاربة تقوم بالتجارة في موجودات الشركة ويلحقون بنظام الشركة عقداً تكافلياً يلتزم فيه أعضاء الشركة بتأمين بعضهم البعض وحمايته من الأخطار سواء كان ذلك من ربح الشركة، وهو أمر جائز أن يتبرع المضارب بربحه.
وهناك صيغة أخرى طبقناها في بعض البلاد وهي تكوين شركة مضاربة بأموال يقوم فيها بعض أعضاء الشركة بالإدارة لصالح الجميع فيكون لهؤلاء مزيد من الأرباح لأنهم مؤسسون ومشتركون بأموالهم وأبدانهم وهو جائز على مذهب أحمد وقد بين ذلك ابن قدامة حيث قال: وأما المضاربة التي فيها شركة وهي أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما مثل أن يخرج كل واحد منهما ألفاً ويأذن أحدهما للآخر في التجارة بهما فمهما شرطا للعامل من الربح إذا زيد على النصف جاز لأنه مضارب لصاحبه في ألف ولعامل المضاربة ما اتفقا عليه بغير خلاف...
وبعد شرح طويل قال: فحصل مما ذكرنا أن الربح بينهما على ما اصطلحا عليه في جميع أنواع الشركة.(المغني 7/ 138-139-140 دار هجر).
ومما ذكرنا يتبين أنه قد تكون أفضل صيغة للتأمين الإسلامي أن تكون شركة مضاربة ومعها شركة أموال فيمنح المساهمون الكبار وهم المضاربون بأبدانهم لتوليهم الإدارة وأرباب المال لاشتراكهم بأموالهم حصةً من الربح أكبر من حصص المشتركين حملة الوثائق لوجود التراضى ولهذا فيكون لهؤلاء المشتركين في الجمعية العامة ممثلون.
وهي صيغة مختصرة وبسيطة تقوم على تأسيس شركة تجارية من مساهمين كبار تبرعوا بجزء من أموالهم لجبر الأضرار التي تنزل بهم ويلتحق مشتركون صغار بنفس الصيغة أي أنهم شركاء بالأقساط التي دفعوها متضامنين مع الآخرين مع قبولهم بمنح جزء أكبر من الربح لهؤلاء المساهمين المؤسسين وهي شركة تلزم بالقول وهذا مذهب مالك قال خليل: (ولزمت بما يدل عرفاً كاشتركنا).
ولا بأس أن نذكر بكلام للنووي مذكور في البحث السابق لتطبيقه على موضوع التأمين يقول النووي: \" (فرع) الأصل أن بيع الغرر باطل لهذا الحديث والمراد ما كان فيه غرر ظاهر يمكن الاحتراز منه (فأما) ما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن الاحتراز عنه كأساس الدار، وشراء الحامل مع احتمال أن الحمل واحد أو أكثر، ذكر أو أنثى، كامل الأعضاء أو ناقصها، وكشراء الشاة في ضرعها لبن ونحو ذلك فهذا يصح بيعه بالإجماع.
ونقل العلماء الإجماع أيضاً في أشياء غررها حقير (منها) أن الأمّة أجمعت على صحة بيع الجبة المحشوة وإن لم ير حشوها، ولو باع حشوها منفرداً لم يصح، وأجمعوا على جواز إجارة الدار وغيرها شهراً مع أنه قد يكون ثلاثين يوماً وقد يكون تسعة وعشرين، وأجمعوا على جواز دخول الحمام بأجرة، وعلى جواز الشرب من ماء السقاء بعوض مع اختلاف أحوال الناس في استعمال الماء أو مكثهم في الحمام.
قال العلماء مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه وهو أنه إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلاّ بمشقة أو كان الغرر حقيراً جاز البيع وإلاّ فلا.
وقد يختلف العلماء في بعض المسائل كبيع العين الغائبة، وبيع الحنطة في سنبلها، واختلافهم مبني على هذه القاعدة، فبعضهم يرى الغرر يسيراً لا يؤثر، وبعضهم يراه مؤثراً والله - سبحانه وتعالى - أعلم (المجموع للنووي: 9/258).
من هذا الكلام نستفيد أمرين أحدهما الغرر الخفيف الذي يغتفر للحاجة وهو ما بنى عليه المجلس جواز التكافل بأنواعه، والغرر الكبير المؤثر وهو أصل التحريم إلا أن المجلس تجاوز عن هذا الغرر إذا لم يمكن الاحتراز منه في البيئة الأوربية ولعل ذلك ما أشار إليه النووي بقوله: \" أما ما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن الاحتراز منه... \".
ولهذا فإن هذه الفتوى مبنية على قاعدة تنزيل الحاجة منزلة الضرورة في صورتي الغرر المغتفر في الأصل، وهو ما خف ودعت إليه حاجة وفي صورة المحرم أصلا واشتدت وطأة الحاجة ولم يمكن الاحتراز في حالة التأمين التجاري في أوربا لفرضه بالقانون ولمسيس الحاجة المنزلة منزلة الضرورة إليه.
- الفرق بين التأمين التعاوني والتأمين التقليدي:
1- أن التأمين التقليدي يغلب عليه الغرر فيمكن أن يعبر عنه بأنه هو الغرر بعينه، كما قدمنا عن الباجي، وبالتالي فهو من الغرر الشديد الغالب المحرم، فلا تجيزه الحاجة إلا في ظروف استثنائية.
وأن التأمين التكافلي يخف فيه الغرر، وذلك لعنصر التبرع القائم عليه ومحدودية المؤمنين فتجيزه الحاجة وهذا هو الفرق الأول.
2- أن التأمين التكافلي عقد إرفاق ومعروف لأنه مبني في نيته على التعاون ولهذا يغتفر فيه الغرر كما قدمنا في مسألة: \" أعني بغلامك على أن أعينك\" في بحث الحاجة.
وكما في مسألة الدينار الناقص والطعام فإن أراد التبايع حرم وإن أراد الإقالة جاز لأنه معروف في بحث الحاجة.
بخلاف التأمين التقليدي فالقصد الغالب فيه التجارة وكسب الربح، ولهذا لا يجوز فيه الغرر، وهذا هو الفرق الثاني.
3- الفرق الثالث أن الغرر في التأمين التقليدي أصل لأن المؤسسة قائمة على كسبها من الحوادث التي لم تحصل بينما الغرر في التكافلي إضافي وتبعي، وقد قدمنا مسألة الظئر والرضيع عن المواق.
- العناصر الأساسية للتكافل
وأهم شيء في شركة التكافل ثلاثة عناصر:
1- عنصر التبرع وهو تبرع للمتضرر من أعضاء الشركة بجزء من الربح أو بالربح بكامله وهذا كما يجوز في المضاربة التبرع بجزء من رأس المال وهذا جائز لأنه يغتفر الغرر في التبرعات.
2- عنصر الشراكة وهو اعتبار كل قسط يدفع إلى الشركة، إنما هو قسط اشتراك وليس مدفوعاً في مقابل.
3- عنصر اتحاد الشخص ذي الجهتين بين المؤمن بصيغة اسم الفاعل والمؤمن بصيغة اسم المفعول سواء أداروا الشركة بأنفسهم كشركة أبدان وأموال، أو أداروها بواسطة جهاز إداري يمارس عملية وكالة بأجر.
أما بالنسبة للفتوى المتعلقة بالتأمين التجاري الذي أجازه المجلس في حالات محددة فإن الفتوى تستند إلى الحاجة الشديدة الناشئة عن الفرض بالقانون، أو الحرج الشديد والمشقة طبقاً لمقولة الشيخ تقي الدين ابن تيمية في حديثه عن الجوائح إن\" الشريعة مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها مصلحة راجحة أبيح المحرم\".
وهي مبنية من جهة أخرى على الخلاف الذي أسلفنا في مبحث الحاجة والذي يرجح به في العقود الفاسدة.
- توريث المسلم من أقاربه غير المسلمين
يرى المجلس عدم حرمان المسلمين ميراثهم من أقاربهم غير المسلمين ومما يوصون لهم به. وأنه ليس في ذلك ما يعارض الحديث الصحيح: \"لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم\" الذي يتجه حمله على الكافر الحربي، مع التنبيه إلى أنه في أول الإسلام لم يحرم المسلمون من ميراث أقاربهم من غير المسلمين. وهو ما ذهب إليه من الصحابة معاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان ومن التابعين جماعة منهم سعيد بن المسيب، ومحمد بن الحنفية، وأبو جعفر الباقر ومسروق بن الأجدع، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
- الوفاء بالعقود:
توقيع العقد في أي صفقة ملزم للطرفين شرعا، ولا يجوز لأحدهما أن يرجع فيه بإرادته المنفردة، دون رضا الطرف الآخر، فهذا مخالف لما أمر الله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم -، وأكدته نصوص القرآن والسنة. قال - تعالى -: \"يَـا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوفُوا\" [المائدة: 1] وقال – عزوجل- : \"وَأَوفُوا بِالعَهدِ إِنَّ العَهدَ كَانَ مَسؤُولاً\" [الإسراء: 34]. وقال - تعالى -: \"وَأَوفُوا بِعَهدِ اللَّهِ إِذَا عَـاهَدتٌّم وَلاَ تَنقُضُوا الأَيمَـانَ بَعدَ تَوكِيدِهَا وَقَد جَعَلتُمُ اللَّهَ عَلَيكُم كَفِيلاً\" [النحل: 91].
وحمل القرآن بشدة على الذين يتهاونون بالعهود وينقضونها من بعد ميثاقها، في آيات كثيرة، منها: \"إِنَّ الَّذِينَ يَشتَرُونَ بِعَهدِ اللّهِ وَأَيمَانِهِم ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُم فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيهِم يَومَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ\" [آل عمران: 77].
واعتبر النبي - صلى الله عليه وسلم - نقض العهد من شعب النفاق، وخصال المنافق الأساسية \"أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها.... و ذكر منها: \"إذا عاهد غدر \". رواه الشيخان عن عبد الله بن عمرو.
و ليس من الضروري أن يكون العقد مكتوبا، فمجرد الإيجاب والقبول مشافهة يكفي في إيجاد العقد، ولكن له خيار المجلس على ما نرجحه، فلو تبين له عقد آخر، وهما لا يزالان في مجلس العقد، فمن حقه أن يرجع، كما جاء في الحديث الصحيح: \" البيعان بالخيار ما لم يتفرقا \" متفق عليه عن ابن عمر. فقد جعل الحديث فرصة للتراجع لمن تسرع في التعاقد دون روية.
و مثل ذلك لو كان مغبونا غبنا فاحشا يرفع أمره إلى جهة تحكيم تثبت له خيار الغبن إذا تبين لها ذلك، عملا بمذهب الحنابلة وغيرهم.
و يستطيع المسلم أن يخرج من ورطة التراجع في العقد بعد إتمامه إذا اشترط لنفسه الخيار أياما معدودة، يستطيع فيها أن يرجع في صفقته خلالها، وهذا ما نصح به النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد الصحابة، حين شكا إليه أنه كثيرا ما يخدع في البيع، فقال له: \" إذا بايعت فقل: لا خلابة \" أي لا خداع، وهذا في الصحيحين، وفي خارج الصحيحين: \" ولي الخيار ثلاثة أيام \" والمسلمون عند شروطهم.
أما فيما عدا ذلك، فالمسلم يحترم كلمته إذا قالها، وهذه إحدى القيم التي دعا إليها الإسلام، حتى يستقر التعامل، وتستقيم حياة الناس. وقد قال الشاعر:
و لا أقول: (نعم) يوماً، وأتبعها * * * بـ (لا) ولو ذهبت بالمال والولد
بل يحرم الإسلام أن يبيع المسلم على بيع أخيه، أي يدخل عليه وقد أوشك أن يعقد الصفقة مع الآخر، فيزايد عليه، ليختطف الصفقة منه، وفي هذا جاء الحديث الصحيح: \" لا يبيع المسلم على بيع أخيه\".
والله أعلم.
- مدى حق الموظف في استخدام الأدوات العامة لديه لمصلحته الشخصية: الأصل في المال العام أو شبه العام ونعني به مال الدولة والمؤسسات العامة والشركات الخاصة هو المنع، وخصوصاً أن نصوص الكتاب والسنة قد شددت الوعيد في تناول المال العام بغير حق، وقد جعل الفقهاء المال العام بمنزلة مال اليتيم في وجوب المحافظة عليه وشدة تحريم الأخذ منه، ويستثنى من ذلك ما تعارف الناس على التسامح فيه من الأشياء الاستهلاكية فيعفى عنه باعتباره مأذوناً فيه ضمناً، على أن لا يتوسع في ذلك، مراعاة لأصل المنع، على أن الورع أولى بالمسلم الحريص على دينه، و\"من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه\".
ضوابط التعامل بين الجنسين: اللقاء والتعاون والتكامل بين الرجال والنساء أمر فطري، ولا يمكن منعه واقعاً، ولم يرد في دين الفطرة ما يحجره بإطلاق، وإنما أحاطه بالضوابط التالية:
ترك الخلوة (وهي وجود رجل وامرأة أجنبية عنه في موضوع لا يراهما فيه أحد) امتثالاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: \"ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما\".
توقي التماس (وهو التلاصق والتراص بالأبدان بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه) حذر الإثارة والفتنة. تجنب التبرج (وهو الكشف عما أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بستره من البدن)، إذ يجب على المرأة حين اجتماعها بالرجال غير المحارم أن تستر كل جسدها ما عدا الوجه واليدين، على مذهب جمهور الفقهاء.
التزام المرأة الحشمة في حديثها وحركاتها، فلا تتصنع من الكلام والحركات ما يؤدي إلى إثارة الغرائز، قال- تعالى: \"إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلَا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولًا مَّعرُوفًا\" [الأحزاب 32] وقال - تعالى -: \"ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن\".
وعليه، فإذا التزم الرجال والنساء في أي لقاء أو نشاط بهذه الضوابط الشرعية، فلا حرج عليهم في ذلك، ما كان موضوع اللقاء أو النشاط جدياً، سواء أكان علمياً أم ثقافياً ونحو ذلك.
ولا فرق في ضرورة الالتزام بهذه الضوابط بين أن يتعلق الأمر بفتيات مسلمات أو غير مسلمات، لأن الإثارة محتملة في الحالتين، على أن الانفصال في المجلس الواحد في المقاعد بين الرجال والنساء هو الأفضل، خاصة إذا لم تكن هناك حاجة إلى خلافه.
- حكم استفادة الهيئات الخيرية من عوائد الحسابات الربوية من الأفراد والبنوك وما يرتبط بذلك من الدعاية لها، وفتح حساب خاص لهذه الأموال:
عموم المسلمين في الغرب لا يجدون مناصاً من فتح حسابات في البنوك الربوية، ومعلوم أن هذه الحسابات تترتب عليها زيادات ربوية تلحق بحساباتهم، فيجدون أنفسهم بين خيارين:
إما ترك هذه الفوائد للبنك، وفي هذا تفويت مصلحة للمسلمين وربما كانت عوناً لمؤسسات تبشيرية، وإما أن يصرفوها في وجوه الخير العامة، وبما أن الحكم لا يتعلق بعين المال وإنما بطريقة تحصيله أو صرفه، فما كان منه حراماً فحرمته في حق من اكتسبه أو صرفه بطريقة غير مشروعة، فالذي يحرم في شأن هذا المال الربوي هو أن ينتفع به الشخص لنفسه، أما بالنسبة لغيره فلا يكون حراماً.
وبناء على ذلك، فإن المجلس لا يرى بأساً من أن تسأل المؤسسة الخيرية أصحاب هذه الحسابات أن يمكنوها من تلك الأموال، كما لا يجد فرقاً في تحصيل هذه الأموال من أي جهة أخرى كالمؤسسات والبنوك وغير ذلك.
وينبغي للمؤسسة أن تتحاشى ما وسعها ذكر اسم البنك المتبرع على وجه الدعاية له، بسبب عدم مشروعية أصل عمله. ولا مانع كذلك من أن يفتح حساب خاص تودع فيه تلك الأموال.
- وكان من ضمن الاستفتاءات التي أجاب عنها المجلس: مسألة الاختلاط بين الجنسين في المنتديات واللقاءات العامة، والمرابحة التي تزاولها بعض البنوك في الغرب، والتأمين، ومعاش التقاعد، واستفادة الجمعيات الخيرية من فوائد البنوك. - كما عهد المجلس إلى بعض أعضائه بمعالجة بعض المشكلات الأسرية التي وردت إليه من خلال الاتصال المباشر بأصحابها.
----------------------------------------
(1) أي أنها لا ترتجع بالكامل، وإذا ارجع شئ فهو ما يسمى بالفائض الذي يوزع في آخر العام.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد