بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
أما بعد:
فهذا بحث مختصر حول زيادة مشهورة أردت أن أبين فيه ما ظهر لي فيها من ضعف، خلاف ما هو مشهور بين طلاب العلم من صحتها.
وقد خالفت فيه المشهور في التخريج من جمع الطرق في مكان واحد ثم الكلام عليها مع أن هذا المسلك هو الأفضل وهو المحبب إلى نفسي وذلك بغرض ذكر كلام من صححها وشواهده ثم ذكر ما فيها من ضعف. وهذا البحث هو جزء من تخريجي المطول على أحاديث بلوغ المرام والذي قد أنهيت منه كتاب الطهارة وشيء من كتاب الصلاة أسأل الله - تعالى - التمام.
قال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه (1 / 209) رقم (234):
حدثني محمد بن صالح بن ميمون حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة يعني ابن زيد عن أبي إدريس الخولاني عن عقبة بن عامر. ح وحدثني أبو عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه -: \"َعَن عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ” مَا مِنكُم مِن أَحَدٍ, يَتَوَضَّأُ، فَيُسبِغُ اَلوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَت لَهُ أَبوَابُ اَلجَنَّةِ\" أَخرَجَهُ مُسلِم ٌ.
وَاَلتِّرمِذِيٌّ وَزَادَ: \" اَللَّهُمَّ اِجعَلنِي مِن اَلتَّوَّابِينَ، وَاجعَلنِي مِن اَلمُتَطَهِّرِينَ \".
وقال مسلم - رحمه الله -:
وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالخ عن ربيعة بن زيد عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن جبير بن نفير بن مالك الحضرمي عن غقبة بن عامر الجهني: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فذكر مثله غير أنه قال: \" من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله \".
حكم زيادة الترمذي في حديث عمر بن الخطاب في دعاء الفراغ من الوضوء
\" اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين \"
الحديث بهذه الزيادة أخرجه الترمذي (1 / 77) رقم (55):
قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي الكوفي حدثنا زيد بن حباب عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عمر بن الخطاب فذكره..
-أقول وبالله التوفيق:
-أولا: تفرد بهذه الزيادة شيخ الترمذي جعفر بن محمد الثعلبي - وهو صدوق كما قال أبو حاتم (التهذيب 2 / 89) تفرد بها من بين جميع الرواة الذين رووه عن زيد بن حباب ومنهم: أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة ومحمد بن علي بن حرب وموسى بن عبد الرحمن المسروقي وعباس الدوري وغيرهم فلم يذكروها ولا يخفى مكانة هؤلاء ومنزلتهم حفظا وإتقانا. وأيضا قد ذكر هؤلاء الحفاظ ممن سبق ذكرهم - الواسطة بين أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان وبين عمر بن الخطاب وهو جبير بن نفير وعقبة - رضي الله عنه -، بينما أسقط شيخ الترمذي وهو جعفر بن محمد: عقبة - رضي الله عنه - من الإسناد، مما يدل على عدم إتقانه وضبطه للحديث.
-ثانيا: ثم إن الحديث روي من طرق متعددة غير طريق زيد بن حباب ولم تذكر هذه الزيادة فيها مما يؤكد شذوذها وعدم صحتها.
وقد روى الطوسي هذا الحديث في مستخرجه على الترمذي (1 / 233) ولم يذكرها بل رواه على الجادة بدونها.
قال الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار (1 / 244): \" لم تثبت هذه الزيادة في هذا الحديث فإن جعفر بن محمد شيخ الترمذي تفرد بها ولم يضبط الإسناد فإنه أسقط بين أبي إدريس [وأبي عثمان] وبين عمر: جبير بن نفير وعقبة فصار منقطعا بل معضلا وخالفه كل من رواه عن معاوية بن صالح ثم عن زيد بن حباب \" انتهى
وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي (1 / 83):
\" كل الروايات التي ذكرنا ليس فيها قوله: \" اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين \" إلا في رواية الترمذي وحدها ولا يكفي ذلك في صحتها لما علمت من الاضطراب والخطأ فيها... الخ \".
فصل في ذكر شواهد هذه الزيادة
أولا: قد ذكر الحافظ في نتائج الأفكار (1 / 245) والشيخ أحمد شاكر في حاشيته على الترمذي (1 / 83) والألباني في الإرواء (1 / 135)
وفي تمام المنة (ص 97) أن لهذه الزيادة شاهد عند ابن السني (32) والطبراني في الكبير (2 / 100) والأوسط ( 5 / 464 - 465) رقم (4892) من حديث ثوبان - رضي الله عنه - وفي إسناد ابن السني والكبير: أبو سعيد البقال واسمه سعيد بن المرزبان الأعور مولى حذيفة بن اليمان، قال الذهبي في الميزان (2 / 158): \" تركه الفلاس وقال ابن معين: لا يكتب حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث وقال أبو زرعة: صدوق مدلس، وقال ابن عدي: هو من جملة الضعفاء الذين يجمع حديثهم \" ا. ه
وفي إسناد الأوسط مسور بن مورع، قال الطبراني: تفرد به.
وقال الهيثمي: ولم أجد من ترجمه وفيه أحمد بن سهيل الوراق ذكره ابن حبان في الثقات \" ا. ه من مجمع الزوائد (1 / 244).
ثانيا: قال الحافظ: \" وللحديث طريق آخر عند الطبراني في الأوسط من رواية الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان بنحوه تامة بالزيادة والتقييد بالفراغ (مجمع البحرين ص 39 رقم 420) وسالم لم يسمع من ثوبان والراوي له عن الأعمش ليس بالمشهور \" ا. ه
وهذا الحديث الذي ذكره الحافظ هو الذي ذكرنا أن في إسناده مسور بن مورع العنبري، فرجع للشاهد الأول والله أعلم.
ثالثاً: ذكر الحافظ لهذه الزيادة شاهدا موقوفا على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أخرجه الطبراني في الدعاء (ص 140) وفي إسناده الحارث الأعور وهو ضعيف جدا كذبه الشعبي وغيره انظر الميزان(1 / 434).
وقد أخرجه أيضا عبد الرزاق في مصنفه (1 / 186) من وجه آخر عنه - رضي الله عنه - ولا يفرح به ففي إسناده يحي بن العلاء البجلي قال فيه أحمد: كذاب، وقال ابن معين: ليس بثقة وفي روايته عنه: ليس بشيء، وقال الفلاس والنسائي والدارقطني: متروك الحديث.
انظر التهذيب (11 / 229).
رابعا: ذكر الحافظ لهذه الزيادة أيضا شاهدا آخر أخرجه المستغفري في الدعوات من طريق سالم بن أبي الجعد عن البراء بن عازب مرفوعا وفيه الزيادة. ثم قال الحافظ: هذا حديث غريب.
قلت: وهذا الطريق لا يختلف عن سابقه الذي تكلمنا عليه في الشاهد
الأول والثاني فهو لا يخلو من المجاهيل والكذابين مما يزيد هذه الزيادة وهناً وخاصة أن المستغفري قال عنه الذهبي: كان صدوقا في نفسه لكنه يروي الموضوعات في الأبواب ولا يوهيها \"
تذكرة الحفاظ (3 / 1102)
خامسا: قد ذكر البيهقي في سننه (1 / 87) أن لهذه الزيادة شواهد -- ذكرها بصيغة التمريض ذكر منها حديث ابن عمر وأنس - رضي الله عنهم - أجمعين.
فأما حديث أنس - رضي الله عنه - فقد رواه ابن ماجه (469) وابن السني (33) ولم أجد فيه الزيادة وإسناده ضعيف لضعف زيد العمي الراوي عن أنس، وضعف الحديث ابن حجر والبوصيري وغيرهما.
وأما حديث ابن عمر فقد أحاله البيهقي على كتابه الدعوات الكبير ولم أجده فيه بعد البحث ولم أجده في غيره كذلك فالله أعلم.
وقد ضعف هذه الزيادة ابن القطان في بيان الوهم (2 / 381 382)
وأخيرا لعلنا نخلص في نهاية هذه العجالة إلى أن هذه الزيادة لا ترتقي إلى درجة القبول لما قد بينا من ضعف أسانيدها، فمن كان لديه فضل علم فليبادر به عل الله - تعالى -أن ينفعنا به والله أعلم وأحكم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد