بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله وأصلي وأسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد:
فمن الأمور التي كثرت الحاجة بلّ مست الضرورة لبحثها، موضوع المحرم في السفر ن وذلك لتقدم وسهولة وسائل المواصلات وكثرة الأسفار ووفرة المطارات والمحطات والحافلات وقد لمسنا تساهل الكثيرين رجالاً ونساءً في مسألة المحرم في السفر فآلياً النساء غاديات رائحات من مطار لآخر ومن طائرة لأخرى بلا محارمهن بدعوى قرب المسافات وانتفاء الخلوات ولذا رأيت إفراد هذه المسألة ببحث شمولي مؤصل طلباً للفائدة وتعميمها وإبراءً للذمة ونصحاً للأمة والله الموفق.
تعريفُ السّفر لغةً:
قال الرازي: في مختار الصحاح (سفر): السّفَرَ: قطعُ المسافة والجمع أسفار..وسفر: خرج إلى السفر وبابه: جلس، فهو سافر، وقوم سَفر: كصَاحب، وصَحب، وسُفّار كراكب وركاب..والسافرة: المسافرون.
وقال الأزهري: وسُمّي المسافر مسافراً لكشفه قناع الكُنّ عن وجهه ومنازل الحضر عن مكانه، ومنزل الخفض عن نفسه وبروزه إلى الأرض الفضاء.
وسُمّى السفر سفراًº لأنه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم، فيظهر ما كان خافياً منها \".
وقال الفيومي في المصباح (ص 16): السَفَرُ بفتحتين وهو قطع المسافة يقال ذلك: إذا خرج للارتحال أو لقصد موضع فوق مسافة العَدوَىº لأنّ العرب لا يسمون مسافة العدوى سفراً وقال بعض المصنفين: أقل السفر يوم...
وجمع الاسم: أسفار، وقوم سَافِرَة، وسُفَّار.
تعريفُ السفر اصطلاحاً، وحدّه الشرعي:
قال ابن العربي المالكي: (ولم يذكر حدٌّ السفر الذي يقع به القصر، لا في القرآن ولا في السُنّة، وإنما كان كذلك لأنّها كانت لفظة عربية مستقر علمها عند العرب الذين خاطبهم الله - تعالى -بالقرآن. القرطبي ص 345)
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى (24 / 31): \" حدٌّ السفر الذي علّق الشارع به الفطر والقصر، وهذا ممّا اضطرب الناس فيه قيل: ثلاثة أيام، وقيل يومين قاصدين، وقيل: أقل من ذلك حتى قيل: ميل!
والذين حددوا ذلك بالمسافة: منهم من قال ثمانية وأربعون ميلاً، وقيل: ستة وأربعون، وقيل: خمسة وأربعون. وقيل أربعون، وهذه أقوال عن مالك.
وقال أبو محمد المقدسي: لا أعلم لما ذهب إليه الأئمة وجهاً، وهو كما قال - رحمه الله - فإن التحديد بذلك ليس ثابتاً بنص ولا إجماع ولا قياس وعامة هؤلاء يفرقون بين السفر الطويل والقصير، ويجعلون ذلك حداً للسفر الطويل، ومنهم من لا يُسمى سفراً إلا ما بلغ هذا الحد، وما دون ذلك لا يسميه سفراً...
إلى أن قال: \" كل اسم ليس له حدُّ في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف، فما كان سفراً في عرف الناس فهو السفر الذي علّق به الشارع الحكيم، وذلك مثل سفر أهل مكة إلى عرفة فإنّ هذه المسافة بريد، وهذا سفر ثبت فيه جواز القصر والجمع بالسُنّة.
والبريد هو نصف يوم يسير الإبل والأقدام.. \"
تعريفُ المَحرَم لغة واصطلاحاً:
تعريفه لغة:
قال في مختار الصحاح (1/ 56): المَحرَمُ: الحَرَامُ ويقال: هو ذو مَحرَم منها: إذا لم يحل له نكاحها:
تعريفه اصطلاحاً:
وقال ابنُ الأثير: \" ذو المَحرم: من لا يحل له نكاحها من الأقارب وكالأب والابن والأخ والعم ومن يجري مجراهم \" [النهاية: 1/377]
وقال ابنُ قُدامة: \" المَحرمُ: زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح كأبيها وابنها وأخيها من نسب أو رضاع \" [المغني: 2/32]
وقال الحافظ: محرمُ المرأة: من حُرم عليه نكاحها على التأبيد إلا أمّ الموطوءة بشبهة، والمُلاعنة، فإنهما حرامان على التأبيد، ولا محرمية هناك، وكذا أمهات المؤمنين، وأخرجهن بعضهم بقوله في التعريف بسبب مباح، لا لحرمتها، وخرج بقيد التأبيد أخت المرأة وعمتها وخالتها وبنتها إذا عقد مع الأم ولم يدخل بها \"
[الفتح: 9/ 332]
وقال ابن باز: \" المَحرَمُ: هو الرجل الذي تَحرُمُ عليه المرأة بنسب كأبيها وأخيها أو بسبب مباح كالزوج وأبي الزوج وابن الزوج، والابن من الرضاع والأخ من الرضاع ونحوهم) [الفتاوى: 8/ 336] [مجلة الدعوة عدد 1497.
حكم سفر المرأة بلا محرم:
نقل بعضُهم أنه لا خلاف بين أهل العلم في تحريم سفر المرأة بلا محرم إلا أنهم اختلفوا في سفرها للحج إذا أمنت الطريق ووجدت الرفقة من النساء المأمونات.
قال القاضي عياض: \" اتفق العلماء على أنّه ليس لها أن تخرج غير الحج والعمرة، إلا العجزة من دار الحرب فاتفقوا أنّ عليها أن تهاجر منها إلى دار الإسلام وإن لم يكن معها محرم \" (الفتح الرباني ص 170).
وقال البغوي فيما نقله عن ابن حجر في فتحه (4/76): \" لم يختلفوا في أنّه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت \"
وقد عدّ ابنُ حجر الهيثمي سفر المرأة وحدها بطريق تخاف فيه على بُضعها من الكبائر فقال:
\" الكبيرةُ المائة: سفرُ المرأة وحدها بطريق تخاف فيه على بضعها.. ثم قال: تنبيه: عدٌّ هذا بالقيد الذي ذكرته ظاهر لعظيم المفسدة التي تترتب على ذلك غالباً، وهي استيلاء الفجرة وفسوقهم بها فهو وسيلة إلى الزنا، وللوسائل حكم المقاصد، وأما الحُرمة فلا تتقيد بذلك، بل يحرم عليها السفر مع غير المحرم وإن قصر السفر، وكان أمناً، ولو لطاعة كنفل الحج أو العمرة ولو مع النساء من التنعيم، وعلى هذا يحمل عدهم ذلك من الصغائر \" [الزواجر 1/ 150]
وقال الشيخ بكر أبو زيد في الحراسة ص 85: \" ومن الأحكام: تحريم سفر المرأة بلا محرم، والأحاديث فيه متواترة معلومة \"
قلت: ورغم ما نقله القاضي عياض والبغوي من الإجماع على تحريم سفر المرأة بلا محرم إلا إن المسألة لا تخلو من خلاف هذا ملخصه:
القول الأول:
ذهب أبو حنيفة وأحمد والشافعي وجماهير أصحابه إلى تحريم السفر بلا محرم في كل سفر مباح أو حج تطوع أو نحوهما إلا أنّ أبا حنيفة يشترط المحرم في السفر الطويل لا القصير وهو ما كان مسيرة ثلاثة أيام إلا أنّه قيده بالحاجة.
وعن أبي حنيفة وأبي يوسف كراهية خروجها وحدها مسيرة يوم واحد قال ابن عابدين: وينبغي أن يكون الفتوى عليه لفساد الزمان ويؤيده حديث الصحيحين: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها))
وفي لفظ مسلم ((مسيرة ليلة)) وفي لفظ \" يوم \" ينظر الحاشية (2/ 465)
قلت: وحجةُ الحنفية في التفريق بين السفر الطويل والقصير ذكرها الحافظ في الفتح (4/ 75): \" وحجتُهم أنّ المنع المقيد بالثلاث متحقق، وما عداه مشكوك فيه، فيؤخذ بالمتيقن..
ثم أجاب الحافظ عن هذه الحجة فقال: \" ونوقض بأنّ الرواية المطلقة شاكلة لكل سفر فينبغي الأخذ بها وطرح ما عداها فإنّه مشكوك فيه، ومن قواعد الحنفية تقديم الخبر العام على الخاص وترك حمل المطلق على المقيد، وقد خالفوا ذلك هنا \"
وقال النووي في المجموع (8/ 341): \" قالوا أي الشافعية فإن كان الحج تطوعاً، لم يجز أن تخرج فيه إلا مع محرم، وكذا السفر المباح، كسفر الزيارة والتجارة، لا يجوز خروجها في شيء من ذلك إلا مع محرم أو زوج..
قال الشيخ أبو حامد في تعليقه لا يجوز لها الخروج في حج التطوع إلا مع محرم، نصّ عليه الشافعي في كتاب العدد من الأم، فقال لا يجوز الخروج في حج التطوع إلا مع محرم..
قلت: وقد قرر النووي - رحمه الله - أنّ الصحيح من مذهب الشافعية أنّه لا يجوز للمرأة السفر لغير الحج الواجب إلا بمحرم، ينظر: المجموع (8/ 343).
ونقل عن الحافظ في الفتح (4/ 75): \" وقال النووي: كل ما يُسمّى سفراً فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم \"
أدلةُ تحريم سَفَرِ المرأةِ بلا مَحرَم:
دلّت الأحاديثُ الكثيرة الصحيحةُ الصريحةُ على تحريم سفر المرأة بلا محرم، صيانة لها من الأخطار، وحفظاً لها من الأضرار ورغبة في سلامتها، ورعايتها سيما في هذه الأزمان المتأخرة التي كثرت فيها الشرور، وعمّت خلالها نوائب الدهور والعصور.
ومن هذه الأدلة:
1/ عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً، إلا ومعها أبوها، أو ابنها، أو زوجها، أو أخوها، أو ذو محرم منها)) [مسلم: 1339].
2/ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر ميسرة يوم إلا مع ذي محرم)) [البخاري: ] [مسلم: 1339].
3/ عن قَزَعة مولى زياد قال: سمعت أبا سعيد وقد غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثنتى عشرة غزوة قال: ((أربع سمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو قال يحدثهن عن
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد