بسم الله الرحمن الرحيم
التخلص من المال المحرم كمال الربا.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً إلى يوم الدين، أما بعد:
فأسأل الله أن يتولانا في الدنيا والآخرة وأن يجعلنا ممن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب استغفر فإنها عنوان السعادة(1).
فإن من المسائل التي كثر تداولها في العصر الراهن طريقة التخلص من المال الربوي إذا تحصل بيده شيء من ذلك، وذلك لما شاع التعامل بالربا بل وأحياناً عدم القدرة على الفرار منه - والله المستعان -، فأردت أن أجمع كلام العلماء في ذلك فتحصل لي ما يأتي.
هذا وإن يكن من خطأ أو غفلة أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، وإن يكن من صواب فمن الله وحده.
مسألة: التخلص(2) من المال المحرم كمال الربا:
يجب على من حصل بيده مال عن طريق محرم كالربا أن يبادر بالتخلص منه على الفور(3)º لأنه من جملة المال المكتسب عن طريق غير شرعي.
وأصول الأدلة من الكتاب والسنة في ذلك متوافرة، وقد جاء عن السلف في ذلك جملة من الآثار، منها: ما ورد عَن مَعمَرٍ, عَن الزٌّهرِيِّ عَن رَجُلٍ, يُصِيبُ المَالَ الحَرَامَ، قَالَ: إن سَرَّهُ أَن يَتَبَرَّأَ مِنهُ فَليَخرُج مِنهُ(4).
وأما المقدار المخرج من المال فله حالتان:
الأولى:
إذا علم مقدار المال على وجه التحديد؛ فيخرجه كما هو.
الثانية:
إن لم يعلم مقداره واختلط بغيره من الأموال، فإنه يجتهد ويخرج ما أمكنه(5).
وفي المسألة فروع، هي:
الفرع الأول: المال الربوي، هل له التصرف فيه؟
قد اتفق فقهاء الإسلام – فيما اطلعت - على أن المأخوذ من الربا لا يحل للمسلم تملكه ولا حيازته لنفسه، وأنه يرد إلى صاحبه إن علمه(6).
واختلفوا إذا لم يعلم مالكه(7) هل له أن يتصرف فيه أو أن يتوقف في أمره، فوقع الخلاف بينهم في جواز التصرف بهذا المال على قولين(8):
القول الأول: إنه يتصرف فيه وفق المصارف الشرعية.
وهو رأي جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية والشافعية والحنابلة(9).
القول الثاني: إنه يحفظه ولا يتصرف فيه.
نُسب هذا القول للشافعي(10).
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
ما روي عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار، قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو على القبر يوصي الحافر: أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه، فلما رجع استقبله داعي امرأة، فجاء وجيء بالطعام، فوضع يده، ثم وضع القوم، فأكلوا، فنظر آباؤنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوك لقمة في فيه، ثم قال: إني أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها، فأرسلت المرأة: يا رسول الله، إني أرسلت إلى البقيع ليشترى لي شاة، فلم أجد، فأرسلت إلى جار لي - قد اشترى شاة - أَنْ أَرْسِلْ إِلَيَّ بثمنها، فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته، فأرسلت بها إلي، فقال _عليه السلام_: أطعميه الأسارى(11).
ووجه الدلالة من هذا الحديث:أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجه إلى الانتفاع بهذا اللحم المشوي المسروق، ولم يأمر بإهداره بالحرق مثلاً، بل استبقى ماهيته ووجه إلى الانتفاع به.
ومن ثم يحل الانتفاع بالمال المكتسب من حرام بإنفاقه في المصالح العامة، ولا يحل لذي اليد عليه الانتفاع به.
الدليل الثاني:
واقعةُ الرهان الذي أجراه أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – مع المشركين بعد نزول قوله _تعالى_: "الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ" [الروم: 1-3].
وكان هذا بإذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحقق الله صدقه، وجاء أبو بكر بما راهن المشركين عليه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فتصدق به"(12)، وكان قد نزل تحريم الرهان بعد إذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المخاطرة مع المشركين.
الدليل الثالث:
ما روي عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أنه اشترى جارية فلم يظفر بمالكها ليعطيه ثمنها، فطلبه كثيرًا فلم يظفر به، فتصدق بثمنها، وقال: اللهم هذا عنه إن رضي، وإلا فالأجر لي(13).
الدليل الرابع:
أنه إذا تعذر ردها لصاحبها وجهل فإن المجهول كالمعدوم، ويدل لذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في اللقطة: "فإن وجدت صاحبها فارددها إليه، وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء" (14)
وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أن اللقطة التي عرف أنها ملك لمعصوم، وقد خرجت عنه بلا رضاه إذا لم يوجد فقد آتاها الله لمن سلطة عليها بالالتقاط الشرعي(15).
الدليل الخامس:
أنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر؛ فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين(16).
الدليل السادس:
"اتفق المسلمون على أنه من مات ولا وارث له معلوماً، فماله يصرف في مصالح المسلمين ، مع أنه لا بد في غالب الخلق أن يكون له عصبة بعيد، لكن جهلت عينه، ولم ترج معرفته فجعل كالمعدوم" قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى الكبرى(17)
الدليل السابع:
(أن هذه الأموال لا تخلو: إما أن تحبس ، وإما أن تتلف، وإما أن تنفق.
فأما إتلافها فإفساد، والله لا يحب الفساد، وهو إضاعة لها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن إضاعة المال...
وأما حبسها دائماً أبداً إلى غير غاية منتظرة، بل مع العلم أنه لا يرجى معرفة صاحبها ولا القدرة على إيصالها إليه , فهذا مثل إتلافها , فإن الإتلاف إنما حرم لتعطيلها عن انتفاع الآدميين بها، وهذا تعطيل أيضاً، بل هو أشد منه من وجهين:
أحدهما: أنه تعذيب للنفوس بإبقاء ما يحتاجون إليه من غير انتفاع به.
الثاني: أن العادة جارية بأن مثل هذه الأمور لا بد أن يستولي عليها أحد من الظلمة بعد هذا إذا لم ينفقها أهل العدل والحق، فيكون حبسها إعانة للظلمة وتسليماً في الحقيقة إلى الظلمة، فيكون قد منعها أهل الحق وأعطاها أهل الباطل، ولا فرق بين القصد وعدمه في هذا، فإن من وضع إنساناً بمسبعة فقد قتل، ومن ألقى اللحم بين السباع فقد أكل، ومن حبس الأموال العظيمة لمن يستولي عليها من الظلمة فقد أعطاهم إياها. فإذا كان إتلافها حراماً وحبسها أشد من إتلافها تعين إنفاقها، وليس لها مصرف معين، فتصرف في جميع جهات البر والقرب التي يتقرب بها إلى الله ؛ لأن الله خلق الخلق لعبادت، وخلق لهم الأموال ليستعينوا بها على عبادته فتصرف في سبيل الله، والله أعلم).
قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى الكبرى) بحذف استطراد يسير، وترتيب للبيان(18).
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
قوله _تعالى_: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ..." [البقرة: 267].
الدليل الثاني:
ما ثبت عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله _تعالى_ طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله _تعالى_ أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال:" يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" [المؤمنون: 51] وقال:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ..." [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟» (19).
الدليل الثالث:
ما رواه ابن مسعود – رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نفسي بيده لا يكسب عبد مالاً من حرام فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار"(20).
ووجه الدلالة من هذه الأدلة:
أن هذه النصوص قاطعة في أن الله _سبحانه وتعالى_ طيب لا يقبل إلا طيبًا، فلا يقبل من الصدقة إلا ما كان مالاً حلالاً، مكتسبًا بطريق مشروع، وأن النفقة الحلال شرط لقبول الأعمال الصالحة - وكل أنواع القربات- وهذا يعني أن منفق المال الحرام في أي وجه من وجوه البر لا ثواب له فيما أنفق.
المناقشة:
أجاب الإمام الغزالي على القائلين بعدم جواز التصدق بالمال الحرام بقوله(21): "أما قول القائل: لا نتصدق إلا بالطيب فذلك إذا ما طلبنا الأجر لأنفسنا، ونحن الآن نطلب الخلاص من المظلمة، لا الأجر، وترددنا بين التضييع والتصدق، ورجحنا التصدق على التضييع.
وقول القائل: لا نرضى لغيرنا ما لا نرضاه لأنفسنا فهو كذلك، ولكنه علينا حرام؛ لاستغنائنا عنه، وللفقير حلال؛ إذ أحله دليل الشرع.
وإذا اقتضت المصلحة التحليل وجب التحليل".
والراجح والله أعلم القول الأول.لقوة أدلتهم ومراعاتها للمصلحة الشرعية، وعدم وجود الدليل المتمسك به من قبل القول الثاني.
الفرع الثاني: طريقة التخلص من المال الربوي(22).
قد تعددت أقوال الفقهاء في المصارف الشرعية لهذا الأموال:
القول الأول: مصالح المسلمين عموماً.
والمقصود بمصالح المسلمين: ما يستفيد منه عموم المسلمين ولا يختص بفرد من أفرادهم من بناء القناطر والسدود وإصلاح الشوارع إلى غير ذلك.
وهو رأي لشيخ الإسلام ابن تيمية (23)
القول الثاني: مصرف صدقة التطوع عموماً.
وهي أشمل من كلمة مصالح المسلمين: فتشمل المصالح وإعطاء الفقراء وبناء المساجد؛ لأن هذه الأشياء من مصارف الصدقة.
وهو قول الحنفية(24) والمالكية (25) وهو قول الإمام أحمد(26) وعليه رأي الحنابلة(27) ورأي الغزالي من الشافعية(28).
القول الثالث: مصالح المسلمين والفقراء إلا المساجد.
وهو رأي اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية(29)، والمستشار الشرعي لبيت التمويل الكويتي(30).
القول الرابع: ينفقها في سبيل الله.
والمقصود به الجهاد في سبيل الله.
وهذا رأي آخر لشيخ الإسلام ابن تيمية، حيث يقول(31): (حَتَّى لَوْ كَانَ الرَّجُلُ قَدْ حَصَلَ بِيَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى أَصْحَابِهِ لِجَهْلِهِ بِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ بِيَدِهِ وَدَائِعُ أَوْ رُهُونٌ أَوْ عَوَارٍ قَدْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ أَصْحَابِهَا، فَلْيُنْفِقْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَصْرِفُهَا. وَمَنْ كَانَ كَثِيرَ الذُّنُوبِ فَأَعْظَمُ دَوَائِهِ الْجِهَادُ، فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- :" يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ". وَمَنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ الْحَرَامِ وَالتَّوْبَةَ، وَلا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى أَصْحَابِه،ِ فَلْيُنْفِقْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَنْ أَصْحَابِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ حَسَنَةٌ إلَى خَلاصِهِ مَعَ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ أَجْرِ الْجِهَادِ...)
أدلة الأقوال:
أدلة القول الأول والثاني:
تتقارب أدلة القولين بشدة إلا أن القول الأول خص من عموم الصدقة ما يكون نفعه شاملاً، حتى تشمل المستحق من الفقراء وغيرهم، ولم أجد لهم –حسب قراءتي- دليلاً معيناً.
أما خصوص أدلة القول الثاني فهي:
قالوا: إن كل مال لا مالك له محدد فيصرف مصرف الصدقة(32)، يدل لذلك رهان أبي بكر - رضي الله عنه - قبل الهجرة حين أنزل الله _تعالى_ " آلم غلبت الروم " الآية قالت له قريش: ترون أن الروم تغلب؟ قال: نعم، فقال: هل لك أن تخاطرنا فخاطرهم فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اذهب إليهم فزد في الخطر ففعل، وغلبت الروم فارساً فأخذ أبو بكر - رضي الله عنه – خطره، فأجازه النبي - صلى الله عليه وسلم -(33).
حيث جاء في آخره (فتصدق به)، وأيضاً ما روي عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار، قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو على القبر يوصي الحافر: أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه، فلما رجع استقبله داعي امرأة، فجاء وجيء بالطعام، فوضع يده، ثم وضع القوم، فأكلوا، فنظر آباؤنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوك لقمة في فيه، ثم قال: إني أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها، فأرسلت المرأة: يا رسول الله، إني أرسلت إلى البقيع ليشترى لي شاة، فلم أجد، فأرسلت إلى جار لي - قد اشترى شاة - أَنْ أَرْسِلْ إِلَيَّ بثمنها، فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته، فأرسلت بها إليّ، فقال _عليه السلام_: أطعميه الأسارى(34).
كما ورد كلام السلف وأن مصرفها الصدقة:
فقد جاء أن مالك بن دينار زعم أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَطَاءً فَقَالَ: إنِّي كُنْت غُلَامًا فَأَصَبْت أَمْوَالًا مِنْ وُجُوهٍ لَا أُحِبُّهَا فَأَنَا أُرِيدُ التَّوْبَةَ، قَالَ: رُدَّهَا إلَى أَهْلِهَا، قَالَ: لَا أَعْرِفُهُمْ . قَالَ: تَصَدَّقَ بِهَا، فَمَا لَك مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَجْرٍ، وَمَا أَدْرِي هَلْ تَسْلَمُ مِنْ وِزْرِهَا أَمْ لَا؟ قَالَ: وَسَأَلْت مُجَاهِدًا فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ(35).
أدلة القول الثالث:
استدلوا بأدلة القول السابق، واستثني بناء المساجد؛ لأنها ينبغي أن تكون من مال طاهر(36).
أدلة القول الرابع:
أن الجهاد سبب لغفران الذنوب؛ الذي يحتاجه المتعامل بالربا، والإعانة على الجهاد من الجهاد(37).
مناقشة الأقوال:
يبدو للناظر أن القول الأول والثاني مخرجهما في الجملة واحد، فمن مصالح المسلمين العناية بالفقراء ورعايتهم، خاصة إذا كان من أسباب الفقر فشو الربا وانتشاره؛ فالمال مالهم.
وأما القول الرابع: فكلام شيخ الإسلام عند التأمل، لا يدل على القصر بل يشير إلى أنه الأفضل، وإلا فإن الصدقة من مكفرات الذنوب أيضاً.
ويبقى القول الثالث: وهو قول فيه وجاهة، خاصة إذا لم نتأكد من أن المال قد بذل المتخلص منه وسعه في إرجاعه لمستحقه ومن ثم الدخول في دائرة الشبهة والتفرع على مسألة صحة الصلاة في الأرض المغصوبة، والعبادة وخاصة الصلاة يتورع فيها كثيراً.
الفرع الثالث: المُوكل بالصرف وتوجيه المال الربوي إلى وجهته:
ذكر الفقهاء في ذلك قولين:
القول الأول: الحاكم.
وهو رأي بعض الشافعية كالغزالي(38) وبعض الحنابلة كابن مفلح(39).
بشرط أن يكون صالحاً(40).
القول الثاني: القابض.
وهو رأي الإمام أحمد(41) ومفهوم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية(42).
دليل القول الأول:
أنَّ السلطان أَعْرفُ بالمصالح العامة وأقدر عليها(43).
دليل القول الثاني:
يستأنس له بأنه قول وفعل للسلف ومن ذلك :
ما جاء في مصنف ابن أبي شيبة: عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: رَجُلٌ أَصَابَ مَالًا مِنْ حَرَامٍ , قَالَ: لِيَرُدَّهُ عَلَى أَهْلِهِ , فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَهْلَهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ , وَلَا أَدْرِي يُنْجِيهِ ذَلِكَ مِنْ إثْمِهِ)(44).
وقد يستدل له:
قياساً على إخراج الزكاة؛ فللمزكي إخراج الزكاة للفقراء مباشرة.
والذي يبدو والله أعلم أنه إذا قيل إن مصرفها المصالح العامة فالحاكم أولى بها وأعرف، وإن قيل مصرفها الصدقة وشملت الفقراء، فالقابض أولى، وقد يصرفها لنفسه إن كان فقيراً، كما أشار شيخ الإسلام، مع التنبه أن فرض المسألة في الحاكم العادل الأمين ذو الدين.
الفرع الرابع: ما لو كان المقترض بالربا يُعلم من حاله كثرة التعامل بهذه الطريقة وأن إرجاع المال إليه لا يغير من حاله؟
جاء في المجموع للنووي(45): (قَالَ الْغَزَالِيُّ: إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ مِنْ يَدِ السُّلْطَانِ قَالَ قَوْمٌ: يَرُدُّهُ إلَى السُّلْطَانِ، فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَمْلِكُ وَلا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَاخْتَارَ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ هَذَا وَقَالَ آخَرُونَ: يَتَصَدَّقُ بِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّ السُّلْطَانَ لا يَرُدُّهُ إلَى الْمَالِكِ؛ لأَنَّ رَدَّهُ إلَى السُّلْطَانِ تَكْثِيرٌ لِلظُّلْمِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لا يَرُدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَنْ مَالِكِهِ. (قُلْتُ:) الْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ السُّلْطَانَ يَصْرِفُهُ فِي مَصْرِفٍ بَاطِلٍ أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ ظَنًّا ظَاهِرًا، لَزِمَهُ هُوَ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلِ الْقَنَاطِرِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ , تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الأَحْوَجِ , فَالأَحْوَجِ , وَأَهَمُّ الْمُحْتَاجِينَ ضِعَافُ أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ صَرْفَ السُّلْطَانِ إيَّاهُ فِي بَاطِلٍ فَلِيُعْطِهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى نَائِبِهِ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ , لأَنَّ السُّلْطَانَ أَعْرَفُ بِالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَأَقْدَرُ عَلَيْهَا , فَإِنْ خَافَ مِنْ الصَّرْفِ إلَيْهِ ضَرَرًا صَرَفَهُ هُوَ فِي الْمَصَارِفِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِيمَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي بَاطِلٍ).
وعند النظر والتأمل في القواعد الشرعية: أن إعادة المال له وخاصة في مثل حال البنوك التي تجاهر بالربا وتستغل هذه الأموال في الازدياد أنه لا يجوز إرجاعها لهم، بل تصرف في مصرف الصدقة الشرعي، ويراعي جانب الفقراء؛ لأن الربا من أسباب الفقر، والله أعلم.
هذا ما تقرر بحثه في هذه المسألة وأسأل الله لي ولجميع المسلمين السلامة من الربا وجميع الآثام والموبقات، إنه سميع مجيب، والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما ذكرها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مقدمة رسالته القواعد الأربع.
(2) (141) ذكره الدكتور محمد الأشقر في بحثه أحكام المال الحرام، ضمن كتاب أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة (1/80-89) أن لفظة التخلص ذكرها الغزالي في إحياء علوم الدين، وأنها اللفظة المناسبة لهذا العمل.
(3)ينظر: الفروع لابن مفلح (2/667).
(4)مصنف ابن أبي شيبة (5/380-381)
(5)ينظر: المجموع(9/428)، وفيه قال عن المال الموروث وقد علم أن فيه حراماً ولا يعلم قدره:(فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ حَرَامًا وَشَكَّ فِي قَدْرِهِ أَخْرَجَ قَدْرَ الْحَرَامِ بِالِاجْتِهَادِ). وينظر أيضاً: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/366).
(6) المبسوط (11/27)، مجموع الفتاوى (28/401)، (29/264) لأنه من كسب خبيث. وقد جاء في مصنف ابن أبي شيبة (5/380-381): عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: رَجُلٌ أَصَابَ مَالًا مِنْ حَرَامٍ , قَالَ: لِيَرُدَّهُ عَلَى أَهْلِهِ , فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَهْلَهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ، وَلَا أَدْرِي يُنْجِيهِ ذَلِكَ مِنْ إثْمِهِ.
(7) وفي حكم هذا إن كانت المصلحة عدم إرجاع المبلغ لدافع الربا كما سيأتي في كلام الغزالي في المجموع (9/429).
تنبيه: فرض الكلام على هذه المسألة مذكور في المال المحرم عموماً كما في بحث الباز أحكام المال الحرام (ص358)، وعند النظر في هذه المسألة نجد أن للفقهاء تفريعات في التخلص باعتبار نوع المال المحرم وطريقة الحصول عليه، ينظر مثلاً: بحث أحكام المال الحرام للدكتور محمد الأشقر، ضمن كتاب أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة (1/80-89)، وأيضاً راجع بالتفصيل بحث أحكام المال الحرام للباز، وقد تكلم على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله_.
(8) ينظر: رد المحتار على الدر المختار (2/25)، الشرح الصغير للدردير (1/206)، المجموع شرح المهذب (9/353)، كشاف القناع (4/115).
(9) ينظر: المبسوط (11/27)، بدائع الصنائع (7/154)، الجامع لأحكام القرآن (3/366)، الأم (8/145)، المجموع(9/428)، مجموع فتاوى ابن تيمية (28/401)،(29/264)، الفتاوى الكبرى (4/210-213)، الفروع (2/667).
تنبيه: ذكر بعض الباحثين قولاً للفضيل بن عياض أنه يرميه ولا يأخذه، ورأيت أن هذا القول ضعيف لايعول عليه، وقسمت الكلام في هذين القولين؛ لأني أرى أنه المتجه حسب نصوص الفقهاء، ينظر مثلاً: أحكام المال الحرام (ص358).
(10) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (4/210-213)، وهناك رأي بأنه يتلفه ويتخلص منه ويرميه في البحر، ولكن لضعفه الشديد لم أتطرق له.
(11) أخرجه أحمد في المسند (5/294)، وسنن أبي داود (3/244)، والدارقطني (4/286)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/208)، وانظر: نصب الراية (4/168)، وفتح الباري (9/133)، وإسناده جيد.
(12) ينظر: تفسير القرطبي (14/4).
(13) ينظر: سنن البيهقي (6/187).
(14) روي هذا الحديث عند الأربعة، وأشار الزيلعي في نصب الراية إلى تضعيفه (4/371-373)، ونقل ابن حجر في التلخيص الحبير (3/161) تقويته عن جماعة.
(15) الفتاوى الكبرى (4/210-213)،
(16) ينظر: المجموع (29/429)، فتاوى ابن حجر (3/97).
(17) الفتاوى الكبرى (4/210-213)،
(18) الفتاوى الكبرى (4/210-213)،
(19) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها برقم:2346 (ص409).
(20) أخرجه أحمد في المسند (1/387)، والبزار (5/392).
(21) ينظر: إحياء علوم الدين (5/83).
(22) وهذه المسألة فرضها فيما إذا تعذر الرد لصاحبها بعينه سواء لعدم معرفته أبداً أو لوجود مصلحة شرعية يراها المجتهد في عدم إرجاع المال له.
(23) جاء في مجموع الفتاوى (29/264): (وَمِنْهَا مَا هُوَ ظُلْمٌ مَحْضٌ وَلَكِنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ أَصْحَابِهِ وَرَدُّهُ إلَيْهِمْ فَوَجَبَ صَرْفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ)، وفي بدائع الصنائع (7/154-155) قال عن غلة المال المغصوب: (...فَلِأَنَّهَا خَبِيثَةٌ لِحُصُولِهَا بِسَبَبٍ خَبِيثٍ , فَكَانَ سَبِيلُهَا التَّصَدُّقَ...).
(24) ينظر: حاشية ابن عابدين (3/223).
(25) ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/366).
(26) نص عليه في حامل الخمر ينظر: الفتاوى الكبرى (5/421)، الفروع لابن مفلح (4/513) وفيه: (وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ عَمَّنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ أَوْ كَرْمٌ لَيْسَ أَصْلُهُ طَيِّبًا وَلَا يُعْرَفُ رَبُّهُ , وَقَالَ: يُوقِفُهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ , وَمَسْأَلَةُ الْمَرُّوذِيِّ عَمَّنْ مَاتَ وَكَانَ يَدْخُلُ فِي أُمُورٍ تُكْرَهُ فَيُرِيدُ بَعْضُ وَلَدِهِ التَّنَزُّهَ , فَقَالَ: إذَا أَوْقَفَهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ فَأَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ عَلَيْهِ؟ وَاسْتَحْسَنَ أَنْ يُوقِفَهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ , وَيَتَوَجَّهُ: عَلَى أَفْضَلِ الْبِرِّ , قَالَ شَيْخُنَا: يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ , وَقَالَهُ فِي وَدِيعَةٍ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ: قَالَهُ الْعُلَمَاءُ , وَأَنَّهُ مَذْهَبُنَا (و هـ م) وَهَذَا مُرَادُ أَصْحَابِنَا , لأَنَّ الْكُلَّ صَدَقَةٌ)، وينظر أيضاً: الإنصاف (6/212-213).
(27) ينظر: مجموع الفتاوى (29/264)، والفتاوى الكبرى (4/210-213)، الفروع (2/667)
(28) ينظر: المجموع (9/428) وفيه يقول: (قَالَ الْغَزَالِيُّ: إذَا كَانَ مَعَهُ مَالٌ حَرَامٌ وَأَرَادَ التَّوْبَةَ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ - فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ - وَجَبَ صَرْفُهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَكِيلِهِ، فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَجَبَ دَفْعُهُ إلَى وَارِثِهِ , وَإِنْ كَانَ لِمَالِكٍ لَا يَعْرِفُهُ وَيَئِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ كَالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ وَالْمَسَاجِدِ وَمَصَالِحِ طَرِيقِ مَكَّةَ , وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَرِكُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ، وَإِلَّا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ فُقَرَاءَ..) وفي فتاوى ابن حجر (4/357): (فينبغي أن يصرفه في المصالح العامة، كالقناطر والمساجد وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء).
ولكن ينبه إلى أن الحرام: (يَمْتَزِجُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ , وَلأَكْلِ الْحَرَامِ وَالشُّبْهَةِ أَثَرٌ فِي قَسَاوَةِ الْقَلْبِ (وَأَمَّا) الْكِسْوَةُ فَفَائِدَتُهَا دَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ , وَالسَّتْرُ عَنْ الأَعْيُنِ , وَذَلِكَ يَحْصُلُ , وَقَالَ الْمُحَاسِبِيُّ , يَخُصُّ الْكِسْوَةَ بِالْحَلَالِ لأَنَّهَا تَبْقَى مُدَّةً....وَإِذَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ جَوَّزْنَاهُ فَلِيُضَيِّقْ مَا أَمْكَنَهُ , وَمَا أَنْفَقَ عَلَى عِيَالِهِ فَلِيَقْتَصِدْ) المجموع (29/430)، وينظر: المنثور للزركشي (2/231).
(29) ينظر: مجموع فتاوى اللجنة الدائمة (13/354).
(30) الفتوى رقم (42)
(31) مجموع الفتاوى (28/401)
(32) ينظر: بدائع الصنائع (7/154-155)، الفتاوى الكبرى (4/210-213)، الفروع لابن مفلح(4/513)، الإنصاف (6/212-213).
(33) روى الحديث الترمذي في جامعة كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الروم، برقم: 3192-3194، ص 725، والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وقال ابن القيم في الفروسية: إسناده على شرط الصحيح (207)
(34) أخرجه أحمد في المسند (5/294)، وسنن أبي داود (3/244)، والدارقطني (4/286)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/208)، وانظر: نصب الراية (4/168)، وفتح الباري (9/133)، وإسناده جيد.
(35) مصنف ابن أبي شيبة (5/380-381)
(36) فتاوى المستشار الشرعي لبيت المال الكويتي رقم (42).
(37) مجموع الفتاوى (28/401)
(38) ينظر: المجموع (9/428) وفيه يقول: (قَالَ الْغَزَالِيُّ:... , وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ الْقَاضِي إنْ كَانَ عَفِيفًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَفِيفًا لَمْ يَجُزْ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ , فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ صَارَ الْمُسَلَّمُ ضَامِنًان بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُحَكِّمَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ دَيِّنًا عَالِمًا، فَإِنَّ التَّحْكِيمَ أَوْلَى مِنْ الِانْفِرَادِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الصَّرْفُ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ)، وفي حاشية قليوبي وعميرة (3/41): (قال شيخنا الرملي: لو جهل أرباب الأموال بأن لم يعلم لها مالك فمال ضائع أمره لبيت المال).
(39) كما قال في الفروع (2/667): (وَالْوَاجِبُ فِي الْمَالِ الْحَرَامِ التَّوْبَةُ وَإِخْرَاجُهُ عَلَى الْفَوْرِ يَدْفَعُهُ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ وَارِثِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ أَوْ عَجَزَ دَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ)
(40) ينظر مثلاً: فتاوى ابن حجر (3/97) وفيه: (ويتولى صرفه القاضي إن كان عفيفا وإلا حرم التسليم إليه وضمنه المسلم)
(41) ينظر: الفتاوى الكبرى (5/421)
(42) ينظر: مجموع الفتاوى (28/401)، (29/264)
(43) ينظر: المجموع (9/429)
(44) (5/380-381)
(45) (9/429).
إذا علم مقدار المال على وجه التحديد؛ فيخرجه كما هو.
الثانية:
إن لم يعلم مقداره واختلط بغيره من الأموال، فإنه يجتهد ويخرج ما أمكنه(5).
وفي المسألة فروع، هي:
الفرع الأول: المال الربوي، هل له التصرف فيه؟
قد اتفق فقهاء الإسلام – فيما اطلعت - على أن المأخوذ من الربا لا يحل للمسلم تملكه ولا حيازته لنفسه، وأنه يرد إلى صاحبه إن علمه(6).
واختلفوا إذا لم يعلم مالكه(7) هل له أن يتصرف فيه أو أن يتوقف في أمره، فوقع الخلاف بينهم في جواز التصرف بهذا المال على قولين(8):
القول الأول: إنه يتصرف فيه وفق المصارف الشرعية.
وهو رأي جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية والشافعية والحنابلة(9).
القول الثاني: إنه يحفظه ولا يتصرف فيه.
نُسب هذا القول للشافعي(10).
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
ما روي عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار، قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو على القبر يوصي الحافر: أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه، فلما رجع استقبله داعي امرأة، فجاء وجيء بالطعام، فوضع يده، ثم وضع القوم، فأكلوا، فنظر آباؤنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوك لقمة في فيه، ثم قال: إني أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها، فأرسلت المرأة: يا رسول الله، إني أرسلت إلى البقيع ليشترى لي شاة، فلم أجد، فأرسلت إلى جار لي - قد اشترى شاة - أَنْ أَرْسِلْ إِلَيَّ بثمنها، فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته، فأرسلت بها إلي، فقال _عليه السلام_: أطعميه الأسارى(11).
ووجه الدلالة من هذا الحديث:أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجه إلى الانتفاع بهذا اللحم المشوي المسروق، ولم يأمر بإهداره بالحرق مثلاً، بل استبقى ماهيته ووجه إلى الانتفاع به.
ومن ثم يحل الانتفاع بالمال المكتسب من حرام بإنفاقه في المصالح العامة، ولا يحل لذي اليد عليه الانتفاع به.
الدليل الثاني:
واقعةُ الرهان الذي أجراه أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – مع المشركين بعد نزول قوله _تعالى_: "الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ" [الروم: 1-3].
وكان هذا بإذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحقق الله صدقه، وجاء أبو بكر بما راهن المشركين عليه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فتصدق به"(12)، وكان قد نزل تحريم الرهان بعد إذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المخاطرة مع المشركين.
الدليل الثالث:
ما روي عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أنه اشترى جارية فلم يظفر بمالكها ليعطيه ثمنها، فطلبه كثيرًا فلم يظفر به، فتصدق بثمنها، وقال: اللهم هذا عنه إن رضي، وإلا فالأجر لي(13).
الدليل الرابع:
أنه إذا تعذر ردها لصاحبها وجهل فإن المجهول كالمعدوم، ويدل لذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في اللقطة: "فإن وجدت صاحبها فارددها إليه، وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء" (14)
وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أن اللقطة التي عرف أنها ملك لمعصوم، وقد خرجت عنه بلا رضاه إذا لم يوجد فقد آتاها الله لمن سلطة عليها بالالتقاط الشرعي(15).
الدليل الخامس:
أنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر؛ فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين(16).
الدليل السادس:
"اتفق المسلمون على أنه من مات ولا وارث له معلوماً، فماله يصرف في مصالح المسلمين ، مع أنه لا بد في غالب الخلق أن يكون له عصبة بعيد، لكن جهلت عينه، ولم ترج معرفته فجعل كالمعدوم" قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى الكبرى(17)
الدليل السابع:
(أن هذه الأموال لا تخلو: إما أن تحبس ، وإما أن تتلف، وإما أن تنفق.
فأما إتلافها فإفساد، والله لا يحب الفساد، وهو إضاعة لها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن إضاعة المال...
وأما حبسها دائماً أبداً إلى غير غاية منتظرة، بل مع العلم أنه لا يرجى معرفة صاحبها ولا القدرة على إيصالها إليه , فهذا مثل إتلافها , فإن الإتلاف إنما حرم لتعطيلها عن انتفاع الآدميين بها، وهذا تعطيل أيضاً، بل هو أشد منه من وجهين:
أحدهما: أنه تعذيب للنفوس بإبقاء ما يحتاجون إليه من غير انتفاع به.
الثاني: أن العادة جارية بأن مثل هذه الأمور لا بد أن يستولي عليها أحد من الظلمة بعد هذا إذا لم ينفقها أهل العدل والحق، فيكون حبسها إعانة للظلمة وتسليماً في الحقيقة إلى الظلمة، فيكون قد منعها أهل الحق وأعطاها أهل الباطل، ولا فرق بين القصد وعدمه في هذا، فإن من وضع إنساناً بمسبعة فقد قتل، ومن ألقى اللحم بين السباع فقد أكل، ومن حبس الأموال العظيمة لمن يستولي عليها من الظلمة فقد أعطاهم إياها. فإذا كان إتلافها حراماً وحبسها أشد من إتلافها تعين إنفاقها، وليس لها مصرف معين، فتصرف في جميع جهات البر والقرب التي يتقرب بها إلى الله ؛ لأن الله خلق الخلق لعبادت، وخلق لهم الأموال ليستعينوا بها على عبادته فتصرف في سبيل الله، والله أعلم).
قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى الكبرى) بحذف استطراد يسير، وترتيب للبيان(18).
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
قوله _تعالى_: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ..." [البقرة: 267].
الدليل الثاني:
ما ثبت عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله _تعالى_ طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله _تعالى_ أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال:" يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" [المؤمنون: 51] وقال:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ..." [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟» (19).
الدليل الثالث:
ما رواه ابن مسعود – رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نفسي بيده لا يكسب عبد مالاً من حرام فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار"(20).
ووجه الدلالة من هذه الأدلة:
أن هذه النصوص قاطعة في أن الله _سبحانه وتعالى_ طيب لا يقبل إلا طيبًا، فلا يقبل من الصدقة إلا ما كان مالاً حلالاً، مكتسبًا بطريق مشروع، وأن النفقة الحلال شرط لقبول الأعمال الصالحة - وكل أنواع القربات- وهذا يعني أن منفق المال الحرام في أي وجه من وجوه البر لا ثواب له فيما أنفق.
المناقشة:
أجاب الإمام الغزالي على القائلين بعدم جواز التصدق بالمال الحرام بقوله(21): "أما قول القائل: لا نتصدق إلا بالطيب فذلك إذا ما طلبنا الأجر لأنفسنا، ونحن الآن نطلب الخلاص من المظلمة، لا الأجر، وترددنا بين التضييع والتصدق، ورجحنا التصدق على التضييع.
وقول القائل: لا نرضى لغيرنا ما لا نرضاه لأنفسنا فهو كذلك، ولكنه علينا حرام؛ لاستغنائنا عنه، وللفقير حلال؛ إذ أحله دليل الشرع.
وإذا اقتضت المصلحة التحليل وجب التحليل".
والراجح والله أعلم القول الأول.لقوة أدلتهم ومراعاتها للمصلحة الشرعية، وعدم وجود الدليل المتمسك به من قبل القول الثاني.
الفرع الثاني: طريقة التخلص من المال الربوي(22).
قد تعددت أقوال الفقهاء في المصارف الشرعية لهذا الأموال:
القول الأول: مصالح المسلمين عموماً.
والمقصود بمصالح المسلمين: ما يستفيد منه عموم المسلمين ولا يختص بفرد من أفرادهم من بناء القناطر والسدود وإصلاح الشوارع إلى غير ذلك.
وهو رأي لشيخ الإسلام ابن تيمية (23)
القول الثاني: مصرف صدقة التطوع عموماً.
وهي أشمل من كلمة مصالح المسلمين: فتشمل المصالح وإعطاء الفقراء وبناء المساجد؛ لأن هذه الأشياء من مصارف الصدقة.
وهو قول الحنفية(24) والمالكية (25) وهو قول الإمام أحمد(26) وعليه رأي الحنابلة(27) ورأي الغزالي من الشافعية(28).
القول الثالث: مصالح المسلمين والفقراء إلا المساجد.
وهو رأي اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية(29)، والمستشار الشرعي لبيت التمويل الكويتي(30).
القول الرابع: ينفقها في سبيل الله.
والمقصود به الجهاد في سبيل الله.
وهذا رأي آخر لشيخ الإسلام ابن تيمية، حيث يقول(31): (حَتَّى لَوْ كَانَ الرَّجُلُ قَدْ حَصَلَ بِيَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى أَصْحَابِهِ لِجَهْلِهِ بِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ بِيَدِهِ وَدَائِعُ أَوْ رُهُونٌ أَوْ عَوَارٍ قَدْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ أَصْحَابِهَا، فَلْيُنْفِقْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَصْرِفُهَا. وَمَنْ كَانَ كَثِيرَ الذُّنُوبِ فَأَعْظَمُ دَوَائِهِ الْجِهَادُ، فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- :" يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ". وَمَنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ الْحَرَامِ وَالتَّوْبَةَ، وَلا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى أَصْحَابِه،ِ فَلْيُنْفِقْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَنْ أَصْحَابِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ حَسَنَةٌ إلَى خَلاصِهِ مَعَ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ أَجْرِ الْجِهَادِ...)
أدلة الأقوال:
أدلة القول الأول والثاني:
تتقارب أدلة القولين بشدة إلا أن القول الأول خص من عموم الصدقة ما يكون نفعه شاملاً، حتى تشمل المستحق من الفقراء وغيرهم، ولم أجد لهم –حسب قراءتي- دليلاً معيناً.
أما خصوص أدلة القول الثاني فهي:
قالوا: إن كل مال لا مالك له محدد فيصرف مصرف الصدقة(32)، يدل لذلك رهان أبي بكر - رضي الله عنه - قبل الهجرة حين أنزل الله _تعالى_ " آلم غلبت الروم " الآية قالت له قريش: ترون أن الروم تغلب؟ قال: نعم، فقال: هل لك أن تخاطرنا فخاطرهم فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اذهب إليهم فزد في الخطر ففعل، وغلبت الروم فارساً فأخذ أبو بكر - رضي الله عنه – خطره، فأجازه النبي - صلى الله عليه وسلم -(33).
حيث جاء في آخره (فتصدق به)، وأيضاً ما روي عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار، قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو على القبر يوصي الحافر: أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه، فلما رجع استقبله داعي امرأة، فجاء وجيء بالطعام، فوضع يده، ثم وضع القوم، فأكلوا، فنظر آباؤنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوك لقمة في فيه، ثم قال: إني أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها، فأرسلت المرأة: يا رسول الله، إني أرسلت إلى البقيع ليشترى لي شاة، فلم أجد، فأرسلت إلى جار لي - قد اشترى شاة - أَنْ أَرْسِلْ إِلَيَّ بثمنها، فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته، فأرسلت بها إليّ، فقال _عليه السلام_: أطعميه الأسارى(34).
كما ورد كلام السلف وأن مصرفها الصدقة:
فقد جاء أن مالك بن دينار زعم أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَطَاءً فَقَالَ: إنِّي كُنْت غُلَامًا فَأَصَبْت أَمْوَالًا مِنْ وُجُوهٍ لَا أُحِبُّهَا فَأَنَا أُرِيدُ التَّوْبَةَ، قَالَ: رُدَّهَا إلَى أَهْلِهَا، قَالَ: لَا أَعْرِفُهُمْ . قَالَ: تَصَدَّقَ بِهَا، فَمَا لَك مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَجْرٍ، وَمَا أَدْرِي هَلْ تَسْلَمُ مِنْ وِزْرِهَا أَمْ لَا؟ قَالَ: وَسَأَلْت مُجَاهِدًا فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ(35).
أدلة القول الثالث:
استدلوا بأدلة القول السابق، واستثني بناء المساجد؛ لأنها ينبغي أن تكون من مال طاهر(36).
أدلة القول الرابع:
أن الجهاد سبب لغفران الذنوب؛ الذي يحتاجه المتعامل بالربا، والإعانة على الجهاد من الجهاد(37).
مناقشة الأقوال:
يبدو للناظر أن القول الأول والثاني مخرجهما في الجملة واحد، فمن مصالح المسلمين العناية بالفقراء ورعايتهم، خاصة إذا كان من أسباب الفقر فشو الربا وانتشاره؛ فالمال مالهم.
وأما القول الرابع: فكلام شيخ الإسلام عند التأمل، لا يدل على القصر بل يشير إلى أنه الأفضل، وإلا فإن الصدقة من مكفرات الذنوب أيضاً.
ويبقى القول الثالث: وهو قول فيه وجاهة، خاصة إذا لم نتأكد من أن المال قد بذل المتخلص منه وسعه في إرجاعه لمستحقه ومن ثم الدخول في دائرة الشبهة والتفرع على مسألة صحة الصلاة في الأرض المغصوبة، والعبادة وخاصة الصلاة يتورع فيها كثيراً.
الفرع الثالث: المُوكل بالصرف وتوجيه المال الربوي إلى وجهته:
ذكر الفقهاء في ذلك قولين:
القول الأول: الحاكم.
وهو رأي بعض الشافعية كالغزالي(38) وبعض الحنابلة كابن مفلح(39).
بشرط أن يكون صالحاً(40).
القول الثاني: القابض.
وهو رأي الإمام أحمد(41) ومفهوم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية(42).
دليل القول الأول:
أنَّ السلطان أَعْرفُ بالمصالح العامة وأقدر عليها(43).
دليل القول الثاني:
يستأنس له بأنه قول وفعل للسلف ومن ذلك :
ما جاء في مصنف ابن أبي شيبة: عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: رَجُلٌ أَصَابَ مَالًا مِنْ حَرَامٍ , قَالَ: لِيَرُدَّهُ عَلَى أَهْلِهِ , فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَهْلَهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ , وَلَا أَدْرِي يُنْجِيهِ ذَلِكَ مِنْ إثْمِهِ)(44).
وقد يستدل له:
قياساً على إخراج الزكاة؛ فللمزكي إخراج الزكاة للفقراء مباشرة.
والذي يبدو والله أعلم أنه إذا قيل إن مصرفها المصالح العامة فالحاكم أولى بها وأعرف، وإن قيل مصرفها الصدقة وشملت الفقراء، فالقابض أولى، وقد يصرفها لنفسه إن كان فقيراً، كما أشار شيخ الإسلام، مع التنبه أن فرض المسألة في الحاكم العادل الأمين ذو الدين.
الفرع الرابع: ما لو كان المقترض بالربا يُعلم من حاله كثرة التعامل بهذه الطريقة وأن إرجاع المال إليه لا يغير من حاله؟
جاء في المجموع للنووي(45): (قَالَ الْغَزَالِيُّ: إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ مِنْ يَدِ السُّلْطَانِ قَالَ قَوْمٌ: يَرُدُّهُ إلَى السُّلْطَانِ، فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَمْلِكُ وَلا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَاخْتَارَ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ هَذَا وَقَالَ آخَرُونَ: يَتَصَدَّقُ بِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّ السُّلْطَانَ لا يَرُدُّهُ إلَى الْمَالِكِ؛ لأَنَّ رَدَّهُ إلَى السُّلْطَانِ تَكْثِيرٌ لِلظُّلْمِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لا يَرُدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَنْ مَالِكِهِ. (قُلْتُ:) الْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ السُّلْطَانَ يَصْرِفُهُ فِي مَصْرِفٍ بَاطِلٍ أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ ظَنًّا ظَاهِرًا، لَزِمَهُ هُوَ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلِ الْقَنَاطِرِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ , تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الأَحْوَجِ , فَالأَحْوَجِ , وَأَهَمُّ الْمُحْتَاجِينَ ضِعَافُ أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ صَرْفَ السُّلْطَانِ إيَّاهُ فِي بَاطِلٍ فَلِيُعْطِهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى نَائِبِهِ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ , لأَنَّ السُّلْطَانَ أَعْرَفُ بِالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَأَقْدَرُ عَلَيْهَا , فَإِنْ خَافَ مِنْ الصَّرْفِ إلَيْهِ ضَرَرًا صَرَفَهُ هُوَ فِي الْمَصَارِفِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِيمَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي بَاطِلٍ).
وعند النظر والتأمل في القواعد الشرعية: أن إعادة المال له وخاصة في مثل حال البنوك التي تجاهر بالربا وتستغل هذه الأموال في الازدياد أنه لا يجوز إرجاعها لهم، بل تصرف في مصرف الصدقة الشرعي، ويراعي جانب الفقراء؛ لأن الربا من أسباب الفقر، والله أعلم.
هذا ما تقرر بحثه في هذه المسألة وأسأل الله لي ولجميع المسلمين السلامة من الربا وجميع الآثام والموبقات، إنه سميع مجيب، والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما ذكرها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مقدمة رسالته القواعد الأربع.
(2) (141) ذكره الدكتور محمد الأشقر في بحثه أحكام المال الحرام، ضمن كتاب أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة (1/80-89) أن لفظة التخلص ذكرها الغزالي في إحياء علوم الدين، وأنها اللفظة المناسبة لهذا العمل.
(3)ينظر: الفروع لابن مفلح (2/667).
(4)مصنف ابن أبي شيبة (5/380-381)
(5)ينظر: المجموع(9/428)، وفيه قال عن المال الموروث وقد علم أن فيه حراماً ولا يعلم قدره:(فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ حَرَامًا وَشَكَّ فِي قَدْرِهِ أَخْرَجَ قَدْرَ الْحَرَامِ بِالِاجْتِهَادِ). وينظر أيضاً: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/366).
(6) المبسوط (11/27)، مجموع الفتاوى (28/401)، (29/264) لأنه من كسب خبيث. وقد جاء في مصنف ابن أبي شيبة (5/380-381): عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: رَجُلٌ أَصَابَ مَالًا مِنْ حَرَامٍ , قَالَ: لِيَرُدَّهُ عَلَى أَهْلِهِ , فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَهْلَهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ، وَلَا أَدْرِي يُنْجِيهِ ذَلِكَ مِنْ إثْمِهِ.
(7) وفي حكم هذا إن كانت المصلحة عدم إرجاع المبلغ لدافع الربا كما سيأتي في كلام الغزالي في المجموع (9/429).
تنبيه: فرض الكلام على هذه المسألة مذكور في المال المحرم عموماً كما في بحث الباز أحكام المال الحرام (ص358)، وعند النظر في هذه المسألة نجد أن للفقهاء تفريعات في التخلص باعتبار نوع المال المحرم وطريقة الحصول عليه، ينظر مثلاً: بحث أحكام المال الحرام للدكتور محمد الأشقر، ضمن كتاب أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة (1/80-89)، وأيضاً راجع بالتفصيل بحث أحكام المال الحرام للباز، وقد تكلم على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله_.
(8) ينظر: رد المحتار على الدر المختار (2/25)، الشرح الصغير للدردير (1/206)، المجموع شرح المهذب (9/353)، كشاف القناع (4/115).
(9) ينظر: المبسوط (11/27)، بدائع الصنائع (7/154)، الجامع لأحكام القرآن (3/366)، الأم (8/145)، المجموع(9/428)، مجموع فتاوى ابن تيمية (28/401)،(29/264)، الفتاوى الكبرى (4/210-213)، الفروع (2/667).
تنبيه: ذكر بعض الباحثين قولاً للفضيل بن عياض أنه يرميه ولا يأخذه، ورأيت أن هذا القول ضعيف لايعول عليه، وقسمت الكلام في هذين القولين؛ لأني أرى أنه المتجه حسب نصوص الفقهاء، ينظر مثلاً: أحكام المال الحرام (ص358).
(10) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (4/210-213)، وهناك رأي بأنه يتلفه ويتخلص منه ويرميه في البحر، ولكن لضعفه الشديد لم أتطرق له.
(11) أخرجه أحمد في المسند (5/294)، وسنن أبي داود (3/244)، والدارقطني (4/286)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/208)، وانظر: نصب الراية (4/168)، وفتح الباري (9/133)، وإسناده جيد.
(12) ينظر: تفسير القرطبي (14/4).
(13) ينظر: سنن البيهقي (6/187).
(14) روي هذا الحديث عند الأربعة، وأشار الزيلعي في نصب الراية إلى تضعيفه (4/371-373)، ونقل ابن حجر في التلخيص الحبير (3/161) تقويته عن جماعة.
(15) الفتاوى الكبرى (4/210-213)،
(16) ينظر: المجموع (29/429)، فتاوى ابن حجر (3/97).
(17) الفتاوى الكبرى (4/210-213)،
(18) الفتاوى الكبرى (4/210-213)،
(19) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها برقم:2346 (ص409).
(20) أخرجه أحمد في المسند (1/387)، والبزار (5/392).
(21) ينظر: إحياء علوم الدين (5/83).
(22) وهذه المسألة فرضها فيما إذا تعذر الرد لصاحبها بعينه سواء لعدم معرفته أبداً أو لوجود مصلحة شرعية يراها المجتهد في عدم إرجاع المال له.
(23) جاء في مجموع الفتاوى (29/264): (وَمِنْهَا مَا هُوَ ظُلْمٌ مَحْضٌ وَلَكِنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ أَصْحَابِهِ وَرَدُّهُ إلَيْهِمْ فَوَجَبَ صَرْفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ)، وفي بدائع الصنائع (7/154-155) قال عن غلة المال المغصوب: (...فَلِأَنَّهَا خَبِيثَةٌ لِحُصُولِهَا بِسَبَبٍ خَبِيثٍ , فَكَانَ سَبِيلُهَا التَّصَدُّقَ...).
(24) ينظر: حاشية ابن عابدين (3/223).
(25) ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/366).
(26) نص عليه في حامل الخمر ينظر: الفتاوى الكبرى (5/421)، الفروع لابن مفلح (4/513) وفيه: (وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ عَمَّنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ أَوْ كَرْمٌ لَيْسَ أَصْلُهُ طَيِّبًا وَلَا يُعْرَفُ رَبُّهُ , وَقَالَ: يُوقِفُهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ , وَمَسْأَلَةُ الْمَرُّوذِيِّ عَمَّنْ مَاتَ وَكَانَ يَدْخُلُ فِي أُمُورٍ تُكْرَهُ فَيُرِيدُ بَعْضُ وَلَدِهِ التَّنَزُّهَ , فَقَالَ: إذَا أَوْقَفَهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ فَأَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ عَلَيْهِ؟ وَاسْتَحْسَنَ أَنْ يُوقِفَهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ , وَيَتَوَجَّهُ: عَلَى أَفْضَلِ الْبِرِّ , قَالَ شَيْخُنَا: يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ , وَقَالَهُ فِي وَدِيعَةٍ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ: قَالَهُ الْعُلَمَاءُ , وَأَنَّهُ مَذْهَبُنَا (و هـ م) وَهَذَا مُرَادُ أَصْحَابِنَا , لأَنَّ الْكُلَّ صَدَقَةٌ)، وينظر أيضاً: الإنصاف (6/212-213).
(27) ينظر: مجموع الفتاوى (29/264)، والفتاوى الكبرى (4/210-213)، الفروع (2/667)
(28) ينظر: المجموع (9/428) وفيه يقول: (قَالَ الْغَزَالِيُّ: إذَا كَانَ مَعَهُ مَالٌ حَرَامٌ وَأَرَادَ التَّوْبَةَ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ - فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ - وَجَبَ صَرْفُهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَكِيلِهِ، فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَجَبَ دَفْعُهُ إلَى وَارِثِهِ , وَإِنْ كَانَ لِمَالِكٍ لَا يَعْرِفُهُ وَيَئِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ كَالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ وَالْمَسَاجِدِ وَمَصَالِحِ طَرِيقِ مَكَّةَ , وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَرِكُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ، وَإِلَّا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ فُقَرَاءَ..) وفي فتاوى ابن حجر (4/357): (فينبغي أن يصرفه في المصالح العامة، كالقناطر والمساجد وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء).
ولكن ينبه إلى أن الحرام: (يَمْتَزِجُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ , وَلأَكْلِ الْحَرَامِ وَالشُّبْهَةِ أَثَرٌ فِي قَسَاوَةِ الْقَلْبِ (وَأَمَّا) الْكِسْوَةُ فَفَائِدَتُهَا دَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ , وَالسَّتْرُ عَنْ الأَعْيُنِ , وَذَلِكَ يَحْصُلُ , وَقَالَ الْمُحَاسِبِيُّ , يَخُصُّ الْكِسْوَةَ بِالْحَلَالِ لأَنَّهَا تَبْقَى مُدَّةً....وَإِذَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ جَوَّزْنَاهُ فَلِيُضَيِّقْ مَا أَمْكَنَهُ , وَمَا أَنْفَقَ عَلَى عِيَالِهِ فَلِيَقْتَصِدْ) المجموع (29/430)، وينظر: المنثور للزركشي (2/231).
(29) ينظر: مجموع فتاوى اللجنة الدائمة (13/354).
(30) الفتوى رقم (42)
(31) مجموع الفتاوى (28/401)
(32) ينظر: بدائع الصنائع (7/154-155)، الفتاوى الكبرى (4/210-213)، الفروع لابن مفلح(4/513)، الإنصاف (6/212-213).
(33) روى الحديث الترمذي في جامعة كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الروم، برقم: 3192-3194، ص 725، والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وقال ابن القيم في الفروسية: إسناده على شرط الصحيح (207)
(34) أخرجه أحمد في المسند (5/294)، وسنن أبي داود (3/244)، والدارقطني (4/286)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/208)، وانظر: نصب الراية (4/168)، وفتح الباري (9/133)، وإسناده جيد.
(35) مصنف ابن أبي شيبة (5/380-381)
(36) فتاوى المستشار الشرعي لبيت المال الكويتي رقم (42).
(37) مجموع الفتاوى (28/401)
(38) ينظر: المجموع (9/428) وفيه يقول: (قَالَ الْغَزَالِيُّ:... , وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ الْقَاضِي إنْ كَانَ عَفِيفًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَفِيفًا لَمْ يَجُزْ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ , فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ صَارَ الْمُسَلَّمُ ضَامِنًان بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُحَكِّمَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ دَيِّنًا عَالِمًا، فَإِنَّ التَّحْكِيمَ أَوْلَى مِنْ الِانْفِرَادِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الصَّرْفُ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ)، وفي حاشية قليوبي وعميرة (3/41): (قال شيخنا الرملي: لو جهل أرباب الأموال بأن لم يعلم لها مالك فمال ضائع أمره لبيت المال).
(39) كما قال في الفروع (2/667): (وَالْوَاجِبُ فِي الْمَالِ الْحَرَامِ التَّوْبَةُ وَإِخْرَاجُهُ عَلَى الْفَوْرِ يَدْفَعُهُ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ وَارِثِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ أَوْ عَجَزَ دَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ)
(40) ينظر مثلاً: فتاوى ابن حجر (3/97) وفيه: (ويتولى صرفه القاضي إن كان عفيفا وإلا حرم التسليم إليه وضمنه المسلم)
(41) ينظر: الفتاوى الكبرى (5/421)
(42) ينظر: مجموع الفتاوى (28/401)، (29/264)
(43) ينظر: المجموع (9/429)
(44) (5/380-381)
(45) (9/429).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد