التبرج


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

جماعة المسلمين، اعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ أن الإسلام قد سدّ كل باب يفضي إلى الفتنة في المجتمع وبين الناس، فحرم الله - عز وجل - الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فقال - تعالى -: قُل إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثمَ وَالبَغيَ بِغَيرِ الحَقِّ وَأَن تُشرِكُوا بِاللّهِ مَا لَم يُنَزِّل بِهِ سُلطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعلَمُونَ. وقد استعاذ نبينا من الفتن في الدنيا فقال: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَن أُرَدَّ إِلَى أَرذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِن فِتنَةِ الدٌّنيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ القَبرِ)). وأخبر بظهور الفتن قبل قيام الساعة، عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيٌّ: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقبَضَ العِلمُ وَتَكثُرَ الزَّلازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظهَرَ الفِتَنُ وَيَكثُرَ الهَرجُ ـ وَهُوَ القَتلُ ـ حَتَّى يَكثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ)) رواه البخاري. كما حذر من كثير من الفتن بعينها، ومن ذلك فتنة النساء، فعَن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ, - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: ((مَا تَرَكتُ بَعدِي فِتنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ)).

ولسد هذه الفتنة ومنعها أمر الله النساء بالحجاب الشرعي، ونهاهن عن التبرج صيانة للمرأة وحفظا لها وللمجتمع من بعدها، فقال - تعالى -: يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ قُل لأَزوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلا يُؤذَينَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. فأمر الله نبيه أن يأمر النساء عموما ويبدأ بزوجاته وبناته لأنهن آكد من غيرهن أن يدنين عليهن من جلابيبهن، والجلباب هو ما تلتحف به المرأة فوق ثيابها، وهو يستعمل عادة إذا خرجت المرأة من دارها.

ومن ثمّ حرم الإسلام على المرأة التبرج، وهو إظهار الزينة، قال - تعالى -: وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجنَ تَبَرٌّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا. فالتبرج ـ وهو أن تبدي المرأة من زينتها وما يجب عليها ستره ـ مما تستدعي به شهوة الرجل.

ولقد بالغ الإسلام في التحذير من التبرج إلى درجة أنه قرنه بالشرك والزنا والسرقة وغيرها من المحرمات، فعَن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ, عَن أَبِيهِ عَن جَدِّهِ قَالَ: جَاءَت أُمَيمَةُ بِنتُ رُقَيقَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ تُبَايِعُهُ عَلَى الإِسلامِ فَقَالَ: ((أُبَايِعُكِ عَلَى أَن لا تُشرِكِي بِاللَّهِ شَيئًا وَلا تَسرِقِي وَلا تَزنِي وَلا تَقتُلِي وَلَدَكِ وَلا تَأتِي بِبُهتَانٍ, تَفتَرِينَهُ بَينَ يَدَيكِ وَرِجلَيكِ وَلا تَنُوحِي وَلا تَبَرَّجِي تَبَرٌّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)).

فحرم الإسلام التبرج، ووضع شروطا للحجاب، وأوجب على كل امرأة منهن أن تلتزم بها، ومن ذلك أن يكون الحجاب شاملا لجسم المرأة كلّه، قال - تعالى -: يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ قُل لأَزوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلا يُؤذَينَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. فالواجب على المرأة أن تستر جميع بدنها إذا أرادت الخروج، ولا يظهر من زينتها شيء للرجال الجانب.

والشرط الثاني: أن لا يكون لباس المرأة زينةً في نفسه، عليه من الألوان والزخارف والأشكال ما يلفت أنظار الرجال.

والشرط الثالث: أن يكون غليظا لا يشفّ ما تحته من جسد المرأة، وفي ذلك عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ((صِنفَانِ مِن أَهلِ النَّارِ لَم أَرَهُمَا: قَومٌ مَعَهُم سِيَاطٌ كَأَذنَابِ البَقَرِ يَضرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ رُؤوسُهُنَّ كَأَسنِمَةِ البُختِ المَائِلَةِ، لا يَدخُلنَ الجَنَّةَ وَلا يَجِدنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)).

فالمرأة تلبس ثيابا ولكنها في الحقيقة هي عاريةº لأنها تبين شيئا من جسدها وشعرها وساقيها، فهذا الصنف من النساء مع كونها لابسة للثياب إلا إنها عارية ملعونة لعنها النبي وطردها من رحمة الله.

الشرط الرابع: أن يكون حجاب المرأة وسيعا غير ضيّق فيبيّن أعضاء جسم المرأةº لأن الغرض من الثوب إنما هو رفع الفتنة، ولا يحصل ذلك إلا بالفضفاض الواسع، وأما الضيّق فإنه وإن ستر لونَ البشرة فإنه يصف حجم جسم المرأة، عَنِ ابنِ أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ, أَنَّ أَبَاهُ أُسَامَةَ قَالَ: كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ قُبطِيَّةً كَثِيفَةً كَانَت مِمَّا أَهدَاهَا دِحيَةُ الكَلبِيٌّ، فَكَسَوتُهَا امرَأَتِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ: ((مَا لَكَ لَم تَلبَسِ القُبطِيَّةَ؟)) قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَوتُهَا امرَأَتِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ: ((مُرهَا فَلتَجعَل تَحتَهَا غِلالَةًº إِنِّي أَخَافُ أَن تَصِفَ حَجمَ عِظَامِهَا)).

الشرط الخامس: أن لا يكون مبخَّرا معطرا، وذلك لأحاديث كثيرة وردت عن النبي تنهى النساء عن الخروج متعطِّرات، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ((أَيٌّمَا امرَأَةٍ, استَعطَرَت فَمَرَّت عَلَى قَومٍ, لِيَجِدُوا مِن رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ))، وعن أبي هريرة-  رضي الله عنه - أن امرأة مرت به تعصف ريحها، فقال: يا أمة الجبار، المسجد تريدين؟ قالت: نعم، قال: وله تطيّبتِ؟ قالت: نعم، قال: فارجعي فاغتسلي، فإني سمعت رسول الله يقول: ((ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله منها صلاة حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل)).

الشرط السادس: أن لا يشبه لباس المرأة لباس الرجل، فعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ الرَّجُلَ يَلبَسُ لِبسَةَ المَرأَةِ وَالمَرأَةَ تَلبَسُ لِبسَةَ الرَّجُلِ. فيعلم بذلك أنه لا يجوز أن يكون زيّ المرأة مشابها لزيّ الرجل، فلا يحل لها أن تلبس رداءه ولا إزاره ولا ما يلبسه الرجال مطلقا وإلا دخلت في لعن النبي.

الشرط السابع: أن لا يشبه لباس المرأة لباس الكافرات، لما تقرّر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين رجالا ونساء التشبّه بالكفار، سواء في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم، عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ((بُعِثتُ بِالسَّيفِ حَتَّى يُعبَدَ اللَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزقِي تَحتَ ظِلِّ رُمحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَن خَالَفَ أَمرِي، وَمَن تَشَبَّهَ بِقَومٍ, فَهُوَ مِنهُم)). فلا يجوز للنساء المسلمات أن يلبسنَ ما يعرض في دور الأزياء الغربيّة من العبايات والفساتين والثياب التي يلبسها الكفار.

الشرط الثامن: أن لا يكون لباسَ شهرة، وهو كلّ ثوب يقصد به الاشتهار بين الناس وهو غير معروف لديهم، عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ((مَن لَبِسَ ثَوبَ شُهرَةٍ, فِي الدٌّنيَا أَلبَسَهُ اللَّهُ ثَوبَ مَذَلَّةٍ, يَومَ القِيَامَةِ ثُمَّ أَلهَبَ فِيهِ نَارًا)).

فالواجب على كل مسلم أن يحقّق كل هذه الشروط في لباس زوجته وبناته لقوله: ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته))، وقول الله - تعالى -: يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلَائِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لا يَعصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ.

 

 

الخطبة الثانية:

 عَن أَبِي سَعِيدٍ, الخُدرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ فِي أَضحَى أَو فِطرٍ, إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: ((يَا مَعشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقنَº فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكثَرَ أَهلِ النَّارِ))، فَقُلنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: ((تُكثِرنَ اللَّعنَ وَتَكفُرنَ العَشِيرَ)).

فإذا علمت النساء أنهن أكثر أهل النار يوم القيامة فلا بدّ أن يتّقين الله - عز وجل - في دينهن، ولكن نجد أن غالب النساء في هذا الوقت لا تهتمّ بأمور الدين، بل يَرَين الحجاب قيدًا وتشدّدًا وتزمّتا، ووقعن فريسة للغزو المنحلّ الذي يشاهدنَه من خلال الفضائيات من صور الممثلات ومن حياة الغرب الكافر، وما يسمعنه من دعاة الضلال الذين يتحدثون باسم الإسلام عن الحجاب ثم هو يدسّ السم في العسل، فيغري النساء بحجاب هو أقرب إلى لباس الفاسقات، ثم يطلقون عليه الحجاب الشرعيّ، والسبب في ذلك بُعد الرجال والنساء عن تعلم شرع الله، وضعف قوامة الرجل المسلم على أهلهº حيث صار الأمر والنهي بيد النساء لا بيد الرجل، فالله المستعان على تغير الفطر.

وهناك مخالفات تقع فيها النساء يوميّا وربما مرات عديدة وهي تعلم أو لا تعلم أن ما تفعله مخالف للشرع، ومن ذلك خروج النساء متعطِّرات وبكامل زينتها إلى خارج المنزل، سواء للزيارات العائلية أو الأسواق، وهذا من دواعي نشر الفتنة بين الناس، فتشدّه رائحة العطر وشكل الزينة فينته للمرأة، وربما يقع ما لا يحمد عقباه، وربما تساهلت المرأة بالخروج متعطرة أو بزينتها أو قد رمت بشيء من حجابها أمام ابن عمها أو ابن خالها أو أخ زوجها، وزجت أختها بحجة أنهم من العائلة، وهذا لا يجوز أبدا، قال - تعالى -: وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَو آبَائِهِنَّ أَو آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَو أَبنَائِهِنَّ أَو أَبنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَو إِخوَانِهِنَّ أَو بَنِي إِخوَانِهِنَّ أَو بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَو نِسَائِهِنَّ أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيرِ أُولِي الإِربَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفلِ الَّذِينَ لَم يَظهَرُوا عَلَى عَورَاتِ النِّسَاء، وعَن عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ((إِيَّاكُم وَالدٌّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ))، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيتَ الحَموَ؟ قَالَ: ((الحَموُ المَوتُ)).

وربما ـ عباد الله ـ أن الزوجة تهمل في التزيّن لزوجها في بيتها، وتكثر من الزينة للخروج من المنزل، وهذا محرّم، فالزينة كما وردت في الآيات هي بالأصل للزوج وليس لغيره، كما أن كثيرا من النساء إذا ذهبن لزيارة أقاربهن من النساء فقبل الخروج والذهاب يقوم أهل البيت بتبخير وتعطير الضيوف من النساء، وهذا منكر عظيم.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply