إحياء سنة الوقف


 

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّ الحَمدَ لِلَّهِ نَحمَدُهُ وَنَستَعِينُهُ وَنَستَغفِرُهُ ونستهدِيه، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا وَمِن سَيِّئَاتِ أَعمَالِنَا، مَن يَهدِهِ اللَّهُ فهو المهتدِ، وَمَن يُضلِل فلن تجدَ لهُ ولياً مرشداً، وَأَشهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ سيدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّم عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ, وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أجمعينَ.

أَمَّا بَعدُ، عِبَادَ اللَّهِ: أُوصِيكُم وَنَفسِي بِتَقوَى اللَّهِ ، وَأَحُثٌّكُم وإياي عَلَى طَاعَتِهِ، وعدمِ مخالفةِ أمرِهِ، وَأَستَفتِحُ بِالَّذِي هُوَ خَيرٌ، قَالَ - تعالى -: [لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبٌّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيءٍ, فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ][آل عمران: 92].

وقال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ”إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَنهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاَثَةٍ,، إِلاَّ مِن صَدَقَةٍ, جَارِيَةٍ,، أَو عِلمٍ, يُنتَفَعُ بِهِ، أَو وَلَدٍ, صَالِحٍ, يَدعُو لَهُ“ ([1])

أَيٌّهَا المُؤمِنُونَ: كلما تأملَ الإنسانُ في شريعةِ الإسلامِ تبينَ له أنَّ هذه الشريعةَ السمحةَ تحققُ السعادةَ والرحمةَ، والحياةَ الهانئةَ المطمئنةَ لبني البشرِ كافةً، فمِن محاسنِ شريعةِ الإسلامِ أنها دعت إلى نظامِ الوقفِ الخيريِّ، ليكونَ دافعاً لتحقيقِ سعادةِ الفردِ والجماعةِ في الدنيا والآخرةِ، وإن الآياتِ التي ذُكِرَت تحملُ بينَ طياتِهَا دعوةً صريحةً لإنفاقِ المالِ في أوجهِ الخيِر والبرِ، وهي تذكيرٌ للمسلمينَ ببذلِ المالِ والإنفاقِ في سبيلِ اللهِ في الدنيا قبلَ أن يأتِيَ يومُ القيامةِ، فيتحسَّرونَ على ما فاتَهُم من خيرٍ, عميمٍ, وفضلٍ, كبيرٍ,، قَالَ - تعالى -: [وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقنَاكُم مِّن قَبلِ أَن يَأتِيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولَا أَخَّرتَنِي إِلَى أَجَلٍ, قَرِيبٍ, فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ](المنافقون: 10- 11).

وقد جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أي الصَّدَقَةِ أَعظَمُ أَجراً؟ قَالَ: ”أَن تَصَدَّقَ وَأَنتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخشَى الفَقرَ وَتَأمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلقُومَ قُلتَ لِفُلاَنٍ, كَذَا، وَلِفُلاَنٍ, كَذَا، وَقَد كَانَ لِفُلاَنٍ,“ ([2])

أَيٌّهَا المُؤمِنُونَ: إنَّ أعظمَ أبوابِ الخيرِ والبرِ والمثوبةِ عندَ اللهِ - تعالى -الوقفُ، والوقفُ: هوَ حبسُ مالٍ, أو عينٍ, يمكنُ الانتفاعُ به معَ بقاءِ عينِهِ، يتقربُ به العبدُ إلى اللهِ - تعالى -، ويكونُ سبباً في صلاحِهِ وفلاحِهِ، وإن الوقفَ للهِ - تعالى - يجرِي أجرُه حتى بعدَ موتِ صاحبِهِ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ”إِنَّ مِمَّا يَلحَقُ المُؤمِنَ مِن عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعدَ مَوتِهِ عِلماً عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحاً تَرَكَهُ، وَمُصحَفاً وَرَّثَهُ، أَو مَسجِدًا بَنَاهُ، أَو بَيتاً لاِبنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَو نَهرًا أَجرَاهُ أَو صَدَقَةً أَخرَجَهَا مِن مَالِهِ في صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلحَقُهُ مِن بَعدِ مَوتِهِ“ ([3]).

لذلكَ فقد سارعَ المسلمون إلى فعلِ الخيراتِ طلباً لمرضاةِ ربِّهِم، وحِرصاً منهم على تحصيلِ الأجرِ والثوابِ، فأوقفُوا بعضَ أموالِهِم على وجوهٍ, متنوعةٍ, من البرِ والإحسانِ.

أَيٌّهَا المسلمون: لقد حثَّنَا القرآنُ الكريمُ على التكافلِ فيما بينَنَا والتنافُسِ في فعلِ الخيراتِ والإكثارِ من أعمالِ البرِ والصالحاتِ التي تعينُ الفقراءَ والمساكينَ والمحتاجينَ وتسعدُ الأفرادَ والجماعاتِ، وقد قالَ اللهُ - تعالى -: [لَّيسَ البِرَّ أَن تُوَلٌّوا وُجُوهَكُم قِبَلَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وَلَـكِنَّ البِرَّ مَن آمَنَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَالمَلآئِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ][البقرة: 177] وقال - تعالى -: [وَسَارِعُوا إِلَى مَغفِرَةٍ, مِّن رَّبِّكُم وَجَنَّةٍ, عَرضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبٌّ المُحسِنِينَ“ [آل عمران: 133- 134].

فلنتخذ أَيٌّهَا المُؤمِنُونَ هذه الآياتِ الكريماتِ حافزاً لنا جميعاً على التصدقِ والإنفاقِ في سبيلِ اللهِ - تعالى -، ولنوقِفهَا على أعمالِ الخيرِ والبرِ والإحسانِ، فإن الوقفَ الخيريَّ الذي هو سِمَةٌ حضاريةٌ من سماتِ الإسلامِ العظيمةِ كان عاملاً مُهماً في التأثيرِ في حياةِ الناسِ الدينيةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والثقافيةِ والصحيةِ، مما أكسبَ المجتمعَ المسلمَ الاستقامةَ السلوكيةَ والريادةَ العلميةَ والفكريةَ والنهضةَ الاجتماعيةَ والاقتصاديةَ.

أَيٌّهَا المُؤمِنُونَ: لقد قَدَّمَ دينُنَا للإنسانيةِ أروعَ المآثرِ والمعالمِ ابتغاءَ مثوبةِ اللهِ وسعياً لمرضاتِهِ وإصلاحاً لمجتمعاتِهِم، فأسهمُوا بأعمالِهِم في جميعِ مجالاتِ الحياةِ الاجتماعيةِ والعلميةِ والإنسانيةِ حيثُ شادُوا من أوقافِهِم المساجدَ، ودورَ العلمِ والجامعاتِ والمشافِيَ، وشيدوا الجسورَ وحفروا الآبارَ، وساهموا مساهمةً فعالةً في تزويجِ الشبابِ، وفي قضاءِ الديونِ وكفالةِ الأيتامِ والأراملِ والمساكينِ ورعايةِ المحتاجينَ وعلاجِ المرضى وتخفيفِ آلامِهِم ومسحِ جراحاتِ المنكوبينَ، ليسَ هذا فحسبُ بل شملَ الوقفُ الإسلاميٌّ الحيواناتِ والبهائمَ التي لا تجدُ طَعاماً لها ولا مَأوى.

عِبَادَ اللَّهِ: إنَّ كلَّ مسلمٍ, اليومَ ليستطيعُ بما يملكُ من مالٍ, قَلَّ أو كَثُرَ أن يشاركَ في دعمِ الوقفِ الخيريِّ بِما تيسرَ له، وأن يختارَ منها ما تَمِيلُ له نفسُه الخَيِّرَةُ، وما يراه نافعاً لسدادِ عوَزِ المحتاجين، وتنفيساً لكربِ المكروبين وإيصالاً للأجرِ والثوابِ لأمواتِ المسلمين.

فما أحوجنَا إلى إحياءِ هذه المؤسسةِ الوقفيةِ الكبرى التي تحيطُ المجتمعَ بأسرِهِ بسياجٍ, من المودةِ والرحمةِ والحنانِ، وما أحوجنا اليومَ أيضاً إلى إحياءِ هذا السلوكِ المباركِ ليعمَّ الخيرُ والإحسانُ المجتمعَ البشريَّ بكلِّ أصنافِهِ وأشكالِهِ فيعيشُ الناسُ إخوةً متحابين متراحمين متعاطفين، قال - تعالى -: [وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ[[الحج: 77]

أَقُولُ قَولِي هَذَا وَأَستَغفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائِرِ المُؤمِنِينَ،

فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

-----------------------

([1]) أخرجه مسلم 1631/14.

([2]) أخرجه البخاري 1419.

([3]) أخرجه ابن ماجه 242.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply