بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. - سبحانه - شرع أسباب الهداية ورسم معالم طرق الخير، فقال جل شأنه {والله يقول الحق وهو يهدي السبيل } نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير { إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين } نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله خير من ذكر بربه ودعا إلى طريقه بحكمة وتبصر، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وذريته وصحبه ورجاله المهتدين بأعماله وأقواله، صلاة وسلاما دائمين متصلين إلى يوم الدين وعلينا معهم بفضلك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين أيها الأحبة في الله لقد أصبحنا يا أحبتي في الله في مجتمعنا الإسلامي الواسع وحتى في محيطنا الضيق العائلي سواء كان هذا المحيط محيطا عائليا، أي جو عائلي أو كان هذا المحيط محيطا أسريا أي جو أسرة، أو كان هذا المحيط محيط تجاور محيط جوار أو محيط جمعياتي، أي في أي مكان نجتمع فيه، أصبحنا نعيش أزمة كبيرة يصح أن نسميها أزمة التناصح، أزمة إسداء النصيحة وقبولها أو حتى الاستماع إليها فضلا على العمل بها، فأول شيء هو أنه قل الناصحون أي من يسدون ويقدمون النصيحة، وخاصة أولئك الذين يقدمون النصيحة الخالصة لله، لأنه مع الأسف الشديد أصبحنا نرى ناصحين ما هم بالناصحين بل هم شياطين، لما اتصفوا به من صفات هي أقرب لصفات الشياطين منها إلى صفات الناصحين. وكذلك قل المنتصحون أي الذين يقبلون النصيحة. وضاق الكثير من الناس ذرعا بالنصيحة، خاصة النصيحة المخلصة الصادقة، وضاعت هذه النصيحة الخالصة الصادقة ضاعت في خضم الدخلاء على النصيحة. وأيضا، من المشاكل الكبيرة التي أصبحنا نعيشها مع الأسف الشديد، أزمة عدم قبول النصيحة، وهذا الوضع أمتد حتى بيوت الله، فإن أنت نصحت، أي قدمت نصيحة في الكثير من الحالات يقع الرد عليك ومعارضتك بأنك لست أعلم من الشيخ الفلاني أو الفلتاني، وبأني سمعت كذا وكذا في المحطة التلفزية الفلانية وهؤلاء الذين لا يقبلون النصيحة إما إنهم جهلاء وأهل ضلال وإما إنهم أهل بغيان وطغيان متغطرسين إلى غير ذلك من الأسباب وهي كثيرة، بل أن الكثير من هؤلاء أصبح يرد على النصيحة بالكلام النابي القبيح البذيء فهذا يقول لك انصح روحك - وآخر يقول لك وري الضوء د لعينيك وآخر يصف الناصح بأنه حاج كلوف والبعض يعرض عنك ما عادش يكلمك بالجملة من أجل نصيحة قدمتها. هذا فيما يتعلق بالنصيحة ومن هو في حاجة إليها، وكلنا في حاجة إلى النصيحة، ومن يعتبر أنه في غنى عن النصيحة فهو مغرور أبله أحمق جاهل. صفه بما شئت من الصفات والنعوت، تسعى أن تنير له الطريق فتسمع منه ما لا يليق وما لا يرضيك، هؤلاء الناس لهم موقف شنيع مع رب العالمين يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، يوم لا تنفع شفاعة الشافعين، إذ أن هؤلاء هم من المشمولين في القول الكريم، {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحصنون صنعا } ألآية 104 من سورة الكهف كما جاء في الكثير من التفاسير هذا كما قلت، فيما يتعلق بمن هو في حاجة إلى النصيحة، ومن كان عليه أن يسعى لها، لكن هناك كذلك أزمة الناصح أي من في إمكانه إسداء النصيحة وخاصة من هو مطالب وواجب عليه نصح غيره ممن يراهم في حاجة إلى النصيحة، هؤلاء أيضا لهم نصيبهم في هذه الأزمة أزمة التناصح فالبعض منهم الذين هم في إمكانهم تقديم النصيحة هؤلاء أصبح الكثير منهم يتقاعس عن إسداء النصيحة وإبدائها صراحة، إما لعجزهم ولقصورهم تجده في إمكانه إسداء النصيحة ولكنه عاجز عن تقديمها، والبعض منهم يجد نفسه في موقف خوف وخشية من إبداء النصيحة، أما البعض الآخر فهو الأتعس والأنكى والأدهى وأمر وهو الذي يرى أنه لا فائدة في النصح ولا فائدة في التعب ولا فائدة في تكسير الرأس كما يقولون.
وهؤلاء لهم نظرة تشاؤميه عياذا بالله فهم ينظرون إلى الحياة بمنظار أسود ويرفعون راية عنوانها
لا ينفع العقار فيما أفسده الدهر *** وإن كان الدهر براء من ذلك
ولله در القائل:
نعيب زماننا والعيب فيما *** وما لزماننا عيب سوانا
فأصبحت كلمة النصح غريبة في ربوعنا، وهذا مؤسف وأكررها أيها الأحبة الأعزاء أيها الأحبة في الله إن هذا مؤسف حقا لأننا أصبحنا نعيش أوضاعا غريبة في بلادنا أوضاعا واردة علينا ليست من أم رأسنا وهذا ما يجعلنا نهرع إلى النصح والمطالبة به والنصيحة والتنا صح حتى لا تبتلعنا الأوضاع الواردة علينا خاصة في أخلاقياتنا وفي سلوكياتنا. وتحضرني حادثة وقعت لأحد الأخوة، أحد الأئمة عند ما رأى رجلا بصدد الوضوء أو الصلاة ولفت نظره إلى أن ما قام به لم يكن في محله، فما كان منه إلا أن أجابه قائلا من اليوم ما معاد ش تشوفني في ها الجامع وما عاد ش نصل فيه بالمرة ، والأمثلة على ذلك كثيرة وكثيرة جدا .. ولو رجعنا إلى ديننا الإسلامي الحنيف أيها الأحبة في الله لوجدنا أن هذا الدين يرتكز بالأساس على التناصح وعلى تبادل الرأي وعلى المشورة، يقول سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - مناديا في أصحابه في إلحاح {الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة } هكذا ثلاثا، ففزع أصحابه وقالوا لمن يا رسول الله فقال { لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم} فكيف يكون ذلك أيها الأحبة الأعزاء .. فأما النصيحة لله فهي طاعته حق الطاعة أو أمرا أو نهيا، طاعته في أمر به والابتعاد عما نهى عنه، والنصيحة لكتابه فهي العمل بما جاء فيه، والنصيحة لرسوله هي إتباعه والإقتداء بهديه - صلى الله عليه وسلم -، إذ في ذلك الخير كله. وأما النصيحة لأئمة المسلمين أي ولاة أمورهم، فهي في طاعتهم في الحق وتذكيرهم به وتبصيرهم إلى الخلل والزلل، إذ بدون ذلك لا يستطيعون القيام بمهامهم، وأما النصيحة لعامة المسلمين فهي في حسن معاملتهم والتعامل معهم وإرشادهم إلى ما فيه الخير والسداد والصلاح ولقد أصدر الحق - سبحانه وتعالى - في كتابه العزيز القرآن الكريم حكمه الفاصل والمبين في أن الناس كلهم إلى خسران فقيههم ونبيههم، أسودهم وأبيضهم، غنيهم وفقيرهم، رئيسهم ومرؤوسهم، كلهم إلى خسران، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. ولذلك جعل القرآن الكريم المجتمع الإسلامي قائما على المشورة والمراجعة فقال {وأمرهم شورى بينهم }أي أمرهم وكل ما يتعلق بحياتهم مبني على المشورة والنصح والتناصح. وقد كان نبينا الكريم عليه صلاة الله وسلامه لا يقرر شيئا إلا بعد التشاور فيه مع أصحابه، ما لم ينزل فيه وحي من ربه. وكلما علا الإنسان في مكانه وأصبح مسؤولا ذا تبعة، كلما احتاج أكثر من غيره إلى النصح، وإلى تقبل النصيحة والاستماع إليها لا الإعراض عنها. والتاريخ الإسلامي الحنيف والسيرة النبوية المطهرة مليئة بالأحداث والعبر والذكر في هذا المجال مجال النصح والتناصح. فهذا عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - وأرضاه يقف يوما يعرض رأيا فعارضته امرأة، فبدأ له صواب رأيها فنزل عليه وعمل به ورجع عن رأيه هو، وقال لنا كلمة حفظها التاريخ ورددها لسان الدهر ألا وهي // أصابت امرأة وأخطأ عمر //. ثم أنه ذات يوم وكان يسير معه حارس له، فاستوقفته امرأة وقالت له مهلك يا عمر، رويدك حتى أكلمك كلمات قليلة، فتوقف مبتسما يصغى إليها. فقالت له عهدي بك وأنت تسمي عميرا تصارع الفتيان في الحي، // تلعب مع الأطفال // ثم دارت الأيام فأصبحت عمرا، ثم دارت الأيام فأصبحت أمير المؤمنين، فاتق الله فينا، ولا تتعالى علينا. فغضب لذلك الحارس وقال لها أتطاولين على أمير المؤمنين، فأجابه عمر دعها فإنك لا تعرفها، أنها خولة بنت حكيم التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات وهي تجادل رسول الله في زوجها، فكيف لا يسمع لها عمر وذات يوم جاء رجل إلى مجلسه وكان في المجلس بعض أصحابه فقال الرجل أثناء الحوار اتق الله يا عمر، فثار أحد الجالسين وقال لقد أكثرت على أمير المؤمنين فرد عليه عمر قائلا // لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها // إنها النصيحة. أحبتي في الله. لقد كانت النصيحة الصريحة في المجتمع المحمدي ** عبادة من أجل العبادات ** لا يتقاعس عنها ناصح ولا يضيق بها منصوح، وقد أصبحت اليوم غريبة في ربوعنا، وعلينا أن نعيب ونؤاخذ الذين يفرطون فيها لأنها حق ومسؤولية في أعناق الجميع وكلنا سنسأل عنها يوم القيامة. كما علينا أن نؤاخذ الذين يضيقون ذرعا بالنصيحة // أي الذين لا يقبلون النصيحة ويصرون على امتطاء جواد الجهل والغرور // وقد كثروا بيننا والله نسأل أن يقينا شر الغرور إنه عزيز غفور اللهم احشرنا في زمرة من يستمعون القوم فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولوالدي ولوالديكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد