الزنا من أعظم الحرام ومن أكبر الكبائر، وقد توعد الله المشركين والقتلة بغير حق والزناة بمضاعفة العذاب يوم القيامة والخلود فيه صاغرين مهانين لعظم جريمتهم وقبح فعلهم، كما قال الله - سبحانه -: \"وَالَّذِينَ لَا يَدعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزنُونَ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ يَلقَ أَثَامًا يُضَاعَف لَهُ العَذَابُ يَومَ القِيَامَةِ وَيَخلُد فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا\".
فعلى من وقع في شيء من ذلك التوبة إلى الله - سبحانه وتعالى - التوبة النصوح، واتباع ذلك بالإيمان الصادق والعمل الصالح، وتكون التوبة نصوحاً إذا ما أقلع التائب من الذنب، وندم على ما مضى من ذلك، وعزم عزماً صادقاً على أن لا يعود في ذلك، خوفا من الله - سبحانه -، وتعظيما له، ورجاء ثوابه، وحذر عقابه، قال الله - تعالى -\"وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهتَدَى\".
فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحذر هذه الفاحشة العظيمة ووسائلها غاية الحذر، وأن يبادر بالتوبة الصادقة مما سلف من ذلك، والله يتوب على التائبين الصادقين ويغفر لهم.
الزنا الموجب للحد:
إن كل اتصال جنسي قائم على أساس غير شرعي يعتبر زنا تترتب عليه العقوبة المقررة من حيث إنه جريمة من الجرائم التي حددت عقوباتها.
ويتحقق الزنا الموجب بتغييب الحشفة \"رأس الفرج \"أو قدرها من مقطوعها في فرج محرم، مشتهي بالطبع، من غير شبهة نكاح، ولو لم يكن معه إنزال. فإذا كان الاستمتاع بالمرأة الأجنبية فيما دون الفرج، فإن ذلك لا يوجب الحد المقرر لعقوبة الزنى، وإن اقتضى التعزير.
عقاب الزاني والزانية في الإسلام؟
كان الحبس والإمساك في البيوت أول عقوبات الزنا في الإسلام لقوله - تعالى -: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا}.
ثم نسخت هذه الآية بآية سورة النور: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}.
وللحديث الذي رواه ذو النورين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث رجل زنى بعد حصانه فعليه الرجم أو قتل عمداً فعليه القود أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل).
وبما روى عبادة بن الصامت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: {خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة، ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم }.
فالمحصن عقوبته الرجم، الرجم هو: الرمي بالحجارة حتى الموت. ويتحقق الإحصان أن يوجد وطء في نكاح صحيح، وأن يكون الوطء في القبل.
أما غير المحصن فعقوبته الجلد مائة جلدة، والتغريب لمدة عام على رأي الجمهور.
جاء في الموسوعة الفقهية الصادرة عن وزارة الأوقاف الكويتية:
اتفق الفقهاء على أن حد الزاني المحصن الرجم حتى الموت رجلاً كان أو امرأة، وقد حكى غير واحد الإجماع على ذلك .
قال ابن قدامة: وأجمع عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال البهوتي: وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم بقوله وفعله في أخبار تشبه التواتر.
وقد أنزله الله - تعالى - في كتابه، ثم نسخ رسمه، وبقي حكمهº لما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله - تعالى -عنه أنه قال: \"إن الله بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالحق وأنزل عليه الكتاب. فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.
وزاد في رواية: {والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم }.
وعن أحمد رواية أخرى أنه يجلد ويرجم. لما ورد عن علي - رضي الله عنه - \"أنه جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، وقال: أجلدها بكتاب الله، وأرجمها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ورواية الرجم فقط هي المذهب.
كما اتفق الفقهاء على أن حد الزاني غير المحصن ـ رجلاً كان أو امرأةً ـ مائة جلدة إن كان حرا . وأما العبد أو الأمة فحدهما خمسون جلدة سواء كانا بكرين أو ثيبين لقوله - تعالى -: {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} . وزاد جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) التغريب عاماً للبكر الحر الذكر .
مقدمات الزنا:
جاء في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما السماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أويكذبه).
ولا يحل للمسلم أن يستهين بمقدمات الزنا كالتقبيل والخلوة والملامسة والنظر فهي كلها محرّمات، وهي تؤدي إلى الفاحشة الكبرى وهي الزنا.
قال الله - تعالى -: {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} الإسراء / 32.
وكفارة ذلك جميعاً هي التوبة النصوح إلى الله - تعالى -، والاستغفار، قال - تعالى -: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبٌّكُم أَن يُكَفِّرَ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيُدخِلَكُم جَنَّاتٍ, تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَار)، [التحريم: 8].
والتوبة النصوح هي التوبة الصادقة التي تحققت فيه شروط التوبة:
وأولها الإقلاع عن الذنب، وترك المعصية حالا إن كان الشخص متلبسا بها، وأن يندم على ما صدر منه، وأن يعزم عزما صادقا وينوي نية خالصة ألا يعود إلى الذنب فيما بقي من عمره.
ويشترط لقبول التوبة أن تكون قبل الغرغرة..أي قبل ظهور علامات الموت، وأن تكون قبل طلوع الشمس من مغربها.
وينبغي أن تتبع بالأعمال الصالحة فإن ذلك يزيل أثرها ويطهر العبد من أدرانها ويبدلها حسنات، كما قال - تعالى -: (إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَات)، [هود: 114]، وقال - تعالى -: (وَالَّذِينَ لا يَدعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلا يَزنُونَ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ يَلقَ أَثَاماً)، [الفرقان: 68]، وقال - تعالى -: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِم حَسَنَاتٍ, وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً).[الفرقان: 70].
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط).
هذه هي كفارة جميع الذنوب مع الإكثار من أعمال البر والنوافل.
وأما الحد الوارد في قوله - تعالى -: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ, مِنهُمَا مِائَةَ جَلدَةٍ,). [النور: 2]
فإن ذلك خاص بمن ارتكب جريمة الزنا المغلظة ـ الجماع المحرم ـ، أما مقدمات الزنا فإن فيها التعزير حسب اجتهاد الحاكم، وقال بعضهم إذا حصلت خلوة ولم يحصل زنا فيجلدان عشرة أسواط، وقيل غير ذلك.
والحاصل:أن كفارة هذه الأمور هي التوبة النصوح والإكثار من أعمال الخير وننصح السائل الكريم بالزواج، وصحبة أهل الخير.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد