بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ، ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ، ومن يُضلل فلا هاديَ لـه. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. ((يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُسلِمُونَ)) (آل عمران: 102). ((يَا أَيٌّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ, وَاحِدَةٍ, وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيباً)) (النساء: 1). ((يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولاً سَدِيداً * يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظِيماً)) (الأحزاب: 70-71).
أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ, r وشرٌّ الأمورِ مـُحدثاتُها، وكل محدثةٍ, بدعة، وكلَّ بدعةٍ, ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ, في النار
أما بعد، أيَّها المسلمون:
فإنَّ المسلمين اليومَ يُواجهونَ تحدياً عالمياً، يستهدفُ عقائِدهم وأخلاقهم، وحضارتَهم وتاريخهم، بل يستهدفُ كيانهم ووجُودَهم بِرمَتهِ!
وما هذهِ الحروبُ الشعواءَ في العراقِ وأفغانستانِ، والشيشانِ، فلسطين وغيرها إلاَّ مظهراً من مظاهر تلك التحديات الجائرة الكافرة!!
وما تلك الحصاراتِ الاقتصادية، والمنافسات التجارية، والتضيقاتِ الجُمركيةِ إلاَّ وسيلةً مبسطةً تستهدفُ المسلمين في أرزاقهم ومعايشهم!! وما تلك الوصايةُ الثقافية، والهجمةُ الأخلاقية، ضدَّ ثقافةَ الأمةِ وقيمها إلاَّ إجراءً عملياً لتحقيقِ غاياتِ الأعداء، في إذلالِ الأمةِ وإهانتها!
ولذا كان واجباً مُحتماً، بل فرضاً لازماً أخذَ الأهبةِ والاستعدادِ لمواجهةِ تلك التحدياتِ السافرة، والأخطارِ المُحدقةِ بحسبِ الإمكاناتِ المتاحة، التي نمتلكُ منها الكثير، والتي مع صدقِ النوايا يُباركُها اللهُ ويضاعفُها أضعافاً كثيرةً.
ألا إنَّ من أهمِ وسائلِ الموجهةِ في هذا العصرِ هو الإعلام َ الهادف، الموجّةَ ضدَّ أسسٍ, شرعيةٍ, صحيحة، والمُسيّرةِ مسيرةٍ, تربويةٍ, جادة، وأطُرٍ, فكريةٍ, ناضجة!! ولذا يسعُنا أن نُقررَ بارتياحٍ, تام، أنَّ الأهدافَ الإعلاميةُ الصحيحة تتلخصُ فيما يلي:
أولاً: نشر العقيدةِ الإسلاميةِ النقية، من الشوائبِ و الخرافاتِ والبدع، والمرادُ بالعقيدةِ هي: عقيدةُ السلفِ الصالحِ برونقها الجميل، وصفائِها الجذاب!!
عقيدةً تقومُ على إفرادِ اللهِ وحدهُ بالألوهيةِ والعبودية، وتُعظمُ قدرهُ في نفوسِ البشر، فلا يجترئونَ على مخالفةِ أمره، أو الاستخفافَ بنهيهِ - سبحانه -، ((قُل إِنِّيَ أَخَافُ إِن عَصَيتُ رَبِّي عَذَابَ يَومٍ, عَظِيمٍ,)) (سورة الأنعام: 6).
كما تقومُ على أساسِ الإيمانِ بحتميةِ لقائه، وضرورةِ الوقوفِ بين يديهِ للحسابِ والجزاءِ المُهيب!!
((إِن كُلٌّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ إِلَّا آتِي الرَّحمَنِ عَبدًا * لَقَد أَحصَاهُم وَعَدَّهُم عَدًّا* سورة مريم وَكُلٌّهُم آتِيهِ يَومَ القِيَامَةِ فَردًا)) (سورة مريم: 95، 94. 93).
ثانياً: يُعلمُ الناسَ عباداتهم وشرائعهم، فالإعلامُ الهادفُ النبيل، يستغلُ هذهِ الإمكاناتِ المذهلة، من مرئيٍِّ, ومسموعٍ, ومقروءٍ,، فيُقدمُ البرامجَ الجذابةِ، واللقاءاتِ الشيِّقةِ والعروضَ الباهرةِ في سبيلِ تعليم الناسِ صلاتهم وزكاتهم، وصيامهم وحجهم.
والإعلامُ النزيهُ هو الذي يُبيّن للناسِ بالصوتِ والصورةِ، والتعليقِ والتوضيحِ، كيفيةَ الطهارةِ بالماءِ، وآلية إتمامِ الصلاة، ومراحلَ أداءِ الحجِّ، وغيرَ ذلك ممَّا يحتاجهُ المسلمون أشدَّ من حاجتهم للطعامِ والشرابِ والهواء!!
ثالثاً: نشرُ القيمِ الفاضلةِ، والأخلاقِ الكريمة.
فالإعلامُ الهادفُ هو الذي يُذكِّي في النفُوسِ جذوةَ القيمِ الفاضلة، ويدعو إليها، وهو الذي يُعظِّم شأنَ الأعراضِ والآداب، ويدعو للمحافظةِ عليها.
والإعلامُ الهادفُ هو الذي يُربّي النفوسَ على الشجاعةِ والبطولةِ والكرمِ والجود، والصدقِ والنزاهة، والعفةِ والطهارةِ، والمروءةِ والشهامة!!
رابعاً: محاربةَ الأخلاقِ الدنسة، والرذائلَ المُسفةَّ.
فالإعلامُ الهادفُ يضعُ ضمن أولوياتهِ محاربة كلَّ خُلقٍ, دنس، ورذيلةٍ, فاحشة، وممارسةٍ, قذرة، فهو حربٌ على النفاقِ والكذبِ، والغدرِ والخيانةِ، والمكرِ والخداعِ، والانتهازيةِ والاستغلال.
خامساً: الترفيهُ البريءُ بضوابطهِ الشرعية.
ولا مانع أخيراً أن يقومَ الإعلامُ بدورهِ المحدود، وإطارهِ المنضبط في الترفيهِ عن النفوسِ خشيةَ السآمةِ والإملال، فيقدمُ المسابقاتِ الشيقة، والمنافساتِ المُثيرةِ لإذكاءِ المعلومات، واختبارِ القُدرات، ونقلِ مشاهدَ للطبيعةِ الخلابة، وآياتُ الله في الكون والآفاق، بلا أغانٍ, صاخبة، أو موسيقى هابطة، أو مناظرَ فاحشة.
هذه بعضُ أهدافِ الإعلامِ النزيهِ النبيل، فهل حقق الإعلاميونَ في عالمنا الإسلامي شيئاً من هذهِ الأهدافِ أو بعضها؟!
والجوابُ المُحزنُ الكئيب، كلاَّ، كلاَّ!! بل وللأسفِ الشديد، فإنَّ الإعلامَ الإسلامي سخَّرَ كلّ إمكاناتهِ في الترفيهِ فقط، ومع ذلكَ فهو ترفيهٌ غير برئٌ في الغالب!!!
وهذه لمحةٌ عُجلى لبعضِ ما يتناولهُ الإعلامُ في بلادِ المسلمين بشكلٍ, مُثير.
أولها: الأفلامُ الأجنبية المترجمة، والتي تقومُ في مُعظمها على ركيزتينِ اثنين:
الأولى: الإباحيةُ والجنس، والثانية: العنفُ والجريمة!!
فأيٌّ مصلحةٍ, للأمةِ يا تُرى في عرضِ مثلَ هذهِ الأفلامِ القبيحة، التي تُؤججُ الشهواتِ في النفوس، وتدفعُ الأشرارَ إلى الاستخفافِ بالدماء؟
ثانيها: المسلسلاتُ العربية، والتي هي أشدٌّ خطراً على أخلاقِ الأمةِ وقيَمها فهي لا تحتاجُ إلى ترجمةٍ, أو تعليق، ممَّا يعني اتساعَ خطورتها، فتعمَّ القراءَ والأُمييِّن والكبارَ والصغار!!
ناهيك عند مضامِينها الماجنةِ، والتي لا تقلٌّ خُبثاً وفساداً عن الأفلامِ الأجنبيةِ، والله المستعان!
ثالثها: العروضُ الغنائية، الفرديةِ والجماعية، ولكَ أيٌّها المسلمُ أن تتصورَ حجمَ الإثارةِ، وعظمَ الأثرِ على شبابِ الأمةِ وعمادها، حين يُصبحون ويُمسون على مشاهدَ فاضحةٍ, لمغنياتٍ, فاتنات، خليعاتٍ, ماجنات، يُغنينَ بألذّ الأصواتِ، وأجرأِ العباراتِ، وأفحشِ الكلمات!!
فأيٌّ مصلحةٍ, أيٌّها الإعلاميونَ لعرضِ مثلَ هذا؟
رابعها: البرامجَ الرياضيةِ والتي استنفذت ساعاتٍ, كثيرةٍ, من البثِّ المباشرِ وغير المباشر، حتى أضحى الشبابُ صرعى الهوسَ الرياضي، والانتماءَ الكروي، فباعوا ولاءتهم للأنديةِ الرياضيةِ، والفرق الكروية، وصدَّتهم الرياضة عن صلاتهم وواجباتهم الشرعية، وحقوقَ الوالدينِ والأرحام، بل أضاعت الكرةُ دراستهم، وحطمت مستقبلهمُ المأمولُ ودورهمُ المنتظرُ في بناءِ أمتهم، ونفعِ مجتمعهم!!
فاتقوا الله أيٌّها الناس، وأدّوا الأمانةَ المُناطة في أعناقكم، وسخِّروا إعلامكم لخدمةِ دينكم وأمجادِكم، والحفاظِ على أعرضكم وأبناءِ مجتمعكم، وكيانِ أمتكم.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله يُعطي ويمنع، ويخفضُ ويرفع، ويضرُ وينفع، ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة، والنعمةِ المُسداة، وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين،
أمَّا بعدُ:
فإنَّ الأمةَ المسلمةُ ذات عقيدةٍ, ناصعة، وأخلاقٍ, فاضلةٍ,، وحضارةٍ, باهرة، ورسالةٍ, خالدة..
وقد شرّفنا الله بالانتماءِ لهذا الدين العظيم، وأسعدنا بمباهجِ الشريعةِ الغراء.وكلَّفنا إبلاغ هذه التعاليمِ السامية، والقيمِ الرفيعةِ لأممِ الأرضِ قاطبة.
فماذا قدّمنا للبشريةِ الحائرة، والإنسانيةِ البائرة؟
ماذا قدمنا لخمسةِ آلافِ مليونَ مشرك، يعيشونَ فوق سطحِ الأرضِ، في جاهليةٍ, جهلاء، ووثنيةٍ, عمياءَ صمّاء!!؟
هل سخرنا إعلامنا الإسلامي لانتشالِ هؤلاءِ من مستنقعات الكفرِ والوثنية؟ والكفر والإلحاد؟!
هل سخّرنا إعلامنا لعرضِ الإسلامِ النقي البديع، على هؤلاءِ الحيارى المتخبطين في دياجيرِ الظلام؟
هل سخّرنا إعلامنا الإسلامي الذي بلغَ بثَّهُ أصقاعَ المعمورةِ، لتفسيرِ معاني القرآنِ وترجمتهِ بلغاتِ الأممِ المتعطشةِ للحقيقة؟!
بل هل سخّرنا إعلامنا لتنقيةِ الإسلامِ ممّا علقَ به من الخرافةِ والبدعةِ لدى عوام المسلمين وجمهورهم؟
للأسفِ الشديد، فإنَّ شيئاً من ذلك لم يحدث، إلاَّ في أضيقِ نطاقٍ,، وحيثُ لا يشفي عليلاً ولا يروي غليلاً، والله المستعان..
بل نحنُ واللهِ عاجزون عن وصفِ الحالةِ المخجلةِ التي آلَ إليها الإعلامُ، في معظمِ ديارِ المسلمين، ويكفي لمن أرادَ معرفةَ الحقيقةِ أن يُطالعَ قناةً تلفزيونية، أو فضائيةً لساعةٍ, أو بعضِ ساعة، لتجيبهُ الأفلامُ الخليعات، والمسلسلاتُ الماجنات، والبرامجُ الهابطات، والأغاني الساقطات، والله المستعان.
ويكفي مطالعةُ صحيفةٍ, أو مجلةٍ,، لترى أخي المسلمُ كم تُهدرُ الطاقات، وتُضيعُ الجهود، وتسودُ مئاتُ الأوراقِ كلَّ يومٍ, في غيرِ مصالحِ المسلمين، وغيرَ احتياجاتِ الأمةِ الحقيقية، بل كم تَهدمُ تلك الأوراقُ الصفراءَ من فضيلة، وكم تُرَوجُ من رذيلةٍ,، وكم تُبطلُ من حقٍّ,، وكم تُحقٌّ من باطل، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله..
ألا فاتقوا الله عبادَ الله، وراقبوهُ واعلموا أنَّكم مسئولون عن أنفسكم، ومن تحتَ أيديكم من نساءٍ, وذريَّة، فاحذروا كلَّ وسيلةٍ, هدَّامة، وصُونوا بيُوتكم من أسبابِ الفسقِ والرذيلة، والخسَّةِ والعار، ((يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ)) (سورة التحريم: 6).
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ، والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة،
اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدين، لا ضاليَن ولا مُضلين، بالمعروف آمرين، وعن المنكر ناهين، يا ربَّ العالمين، ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين، وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.
وأرضى اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبي بكرٍ, وعمر وعثمان وعلي
اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور، وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ، يا عزيزُ يا غفور، سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد