بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
التاسع: صلاة العيد:
وهي متأكدة جدًّا، والقول بوجوبها قوي (18) فينبغي حضورها، وسماع الخطبة، وتدبر الحكمة من شرعية هذا العيد، وأنه يوم شكر وعمل صالح.
العاشر: يوم عرفة:
وقد زاد هذا اليوم فضلاً ومزية على غيره، فاستحق أن يخص بحديث مستقل يكشف عن أوجه تفضيله وتشريفه، ومن تلك الأوجه ما يلي:
أولاً: أنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة:
روى البخاري (19): قالت اليهود لعمر: إنكم تقرؤون آية، لو نزلت فينا لاتخذناها عيداً، فقال عمر: إني لأعلم حيث أنزلت، وأين أنزلت، وأين كان رسول الله حين أنزلت: يوم عرفة، إنا والله بعرفة، قال سفيان: وأشك كان يوم الجمعة أم لا: ((اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلامَ دِيناً)) [المائدة: 3]. وإكمال الدين في ذلك اليوم حصلº لأن المسلمين لم يكونوا حجوا حجة الإسلام من قبل، فكمل بذلك دينهم لاستكمالهم عمل أركان الإسلام كلها، ولأن الله أعاد الحج على قواعد إبراهيم (عليه السلام)، ونفى الشرك وأهله، فلم يختلط بالمسلمين في ذلك الموقف منهم أحد. وأما إتمام النعمة فإنما حصل بالمغفرة، فلا تتم النعمة بدونها، كما قال الله لنبيه: ((لِيَغفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعمَتَهُ عَلَيكَ))[الفتح: 2] (20).
ثانياً: أنه يوم عيد:
عن أبي أمامة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب) (21).
ثالثاً: أن صيامه يكفر سنتين:
قال عن صيامه: (يكفر السنة الماضية والباقية) (22).
رابعاً: أنه يوم مغفرة الذنوب، والعتق من النار:
عن عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟) (23) قال ابن عبد البر: (وهو يدل على أنهم مغفور لهمº لأنه لا يباهي بأهل الخطايا والذنوب، إلا بعد التوبـة والغفـران، والله أعلم) (24).
الأعمال المشروعة فيه:
أولاً: صيام ذلك اليوم:
ففي صحيح مسلم قال: (...صيام يوم عرفة أَحتَسِبُ على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده...) (25). وصومه إنما شرع لغير الحاج، أما الحاج فلا يجوز له ذلك. ويتأكد حفظ الجوارح عن المحرمات في ذلك اليوم، كما في حديث ابن عباس، وفيه: (إن هذا اليوم من مَلَك فيه سمعه وبصره ولسانه: غُفر له) (26). ولا يخفى أن حفظ الجوارح فيه حفظ لصيام الصائم، وحج الحاج، فاجتمعت عدة أسباب معينة على الطاعة وترك المعصية.
ثانياً: الإكثار من الذكر والدعاء:
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:(خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) (27)، قال ابن عبد البر: (وفي الحديث دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب، وأن أفضل الذكـر: لا إله إلا الله) (28). قال الخطابي: (معناه: أكثر ما أفتتح به دعائي وأقدمه أمامه من ثنائي على الله (عز وجل)، وذلك أن الداعي يفتتح دعاءه بالثناء على الله (سبحانه وتعالى)، ويقدمه أمام مسألته، فسمي الثناء دعاء...) (29).
ثالثاً: التكبير:
سبق في بيان وظائـف العشر أن التكبير فيها مستحب كل وقت، في كل مكان يجوز فيه ذكر الله (تعالى). وكلام العلماء فيه يدل على أن التكبير نوعان:
الأول: التكبير المطلق: وهو المشروع في كل وقت من ليل أو نهار، ويبدأ بدخول شهر ذي الحجة، ويستمر إلى آخر أيام التشريق.
الثاني: التكبير المقيد: وهو الذي يكون عقب الصلوات، والمختار: أنه عقب كل صلاة، أيًّا كانت، وأنه يبدأ من صبح عرفة إلى آخر أيام التشريق (30).
وخلاصة القول: أن التكبير يوم عرفة والعيد، وأيام التشريق يشرع في كل وقت وهو المطلق، ويشرع عقب كل صلاة وهو المقيد.
يوم النحر:
لهذا اليوم فضائل عديدة: فهو يوم الحج الأكبر (31). وهو أفضل أيام العامº لحديث: (إن أعظم الأيام عند الله (تبارك وتعالى): يوم النحر، ثم يوم القرّ) (32) وهو بذلك أفضل من عيد الفطر، ولكونه يجتمع فيه الصلاة والنحر، وهما أفضل من الصلاة والصدقة (33(.
وقد اعتبرت الأعياد في الشعوب والأمم أيام لذة وانطلاق، وتحلل وإسراف، ولكن الإسلام صبغ العيدين بصبغة العبادة والخشوع إلى جانب الفسحة واللهو المباح (34). وقد شرع في يوم النحر من الأعمال العظيمة كالصلاة، والتكبير، ونحر الهدي، والأضاحي، وبعض من مناسك الحج ما يجعله موسماً مباركاً للتقرب إلى الله (تعالى)، وطلب مرضاته، لا كما هو حال الكثير ممن جعله يوم لهو ولعب فحسب، إن لم يجعله يوم أشر وبطر، والعياذ بالله.
أيام التشريق:
وهي الأيام الثلاثة التالية ليوم النحر (35)، وهي التي عناها الله (تعالى) بقوله: ((وَاذكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ, مَّعدُودَاتٍ,)) [البقرة: 203]، كما جاء عن ابن عباس (36)، وذكر القرطبي أنه لا خلاف في كـونـهـــا أيام التشريق(37). وهي أيام عيد للمسلمينº لحديث: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام منى: عيدنا أهل الإسلام) (38). وقد نهي عن صيامها، وهي واقعة بعد العشر الفاضلة، فـتـشــرف بالمجاورة أيضاً، وتشترك معها بوقوع بعض أعمال الحج فيها، ويدخل فيها يوم النحـــــر، فيعظم شرفها وفضلها بذلك كله (39). كما أن ثانيها وهو يوم القر، وهو الحادي عشر أفـضـــل الأيـام بعــد يـوم النحـر، وهـذه الأيام الأربعة هي أيام نحر الهدي والأضاحـي على الـراجـح من أقوال أهل العلمº تعظيماً لله (تعالى)، وهذا مما يزيدها فضلاً، وهذه الأيام من أيام العبادة والذكر والفرح، قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- : (أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر لله) (40)، فهي أيام إظهار الفرح والسرور بنعم الله العظيمة، وفي الحديث إشارة إلى الاستعانة بالأكل والشرب على ذكر الله، وهذا من شكر النعم (41). وذكر الله المأمور به في الحديث أنواع متعددة منها:
1- التكبير فيها: عقب الصلوات، وفي كل وقت، مطلقاً ومقيداً، كما هو ظاهر الآية، وبه يتحقق كونها أيام ذكر لله (42(.
2- ذكر الله (تعالى) بالتسمية والتكبير عند نحر الهدي والأضاحي.
3- ذكره عند الأكل والشرب، وكذا أذكار الأحوال الأخرى.
4- التكبير عند رمي الجمار.
5- ذكر الله (تعالى) المطلق (43(.
هذه ذكرى، أسأل الله أن ينفع بها، وأعوذ بالله من أن يكون أهل البدع أجلد في بدعهم، وأنشط في باطلهم، من أهل الحق في فعل الخير والاستقامة على السنة.
الهوامش :
1) ) انظر: (مجالس عشر ذي الحجة) للشيخ / عبد الله بن صالح الفوزان.
2) ) تفسير ابن كثير، جـ4 ص505.
3) ) أخرجه البخاري، ح/969، و الترمذي، ح/757، واللفظ له.
4) ) أخرجه أحمد، جـ2ص75، 132، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح.
5) ) فتح الباري، جـ2ص534.
6) ) انظر: المصدر السابق.
7) ) انظر: مدارج السالكين، جـ1 ص316، 317.
8) ) أخرجه البخاري، ح/6502.
9) ) فتح الباري، جـ11 ص351.
10) ) صحيح البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق.
11) ) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية، جـ24 ص225.
12) ) فتح الباري، جـ2 ص536، وقال الحافظ: (وقد أحدث في هذا الزمان زيادة لا أصل لها).
13) ) أخرجه ابن ماجة، ح/209، وانظر: صحيح سنن ابن ماجة، ح/173.
14) ) البخاري، كتاب العيدين، باب العمل في أيام التشريق.
15) ) انظر: المسند، جـ6 ص287.
16) ) انظر: مجموع الفتاوى، جـ23 ص162، 164.
17) ) المسند، جـ2 ص38، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح، والترمذي، ح/1559، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي، ح/261.
18) ) انظر: الفتاوى، جـ23 ص161.
19) ) ح/4606.
20) ) انظر: لطائف المعارف، ص486،487.
21)) رواه أبو داود، ح/2419، وانظر صحيح سنن أبي داود، ح/2144.
22) ) أخرجه مسلم، ح/1163.
23) ) أخرجه مسلم، ح/1348.
24) ) انظر: التمهيد لابن عبد البر، ج1ص120.
25) ) مسلم، ح/1162.
26) ) المسند، ج1ص329، وصحح أحمد شاكر إسناده، ح/3042.
27) ) الترمذي، ح/2837، ومالك، ج1ص422، ح/246، وصححه الألباني.
28) ) التمهيد،ج6ص41.
29) ) مجالس عشر ذي الحجة، لعبد الله الفوزان، ص970.
30) ) انظر: الفتح، ج2ص535، والفتاوى ج24ص220.
31) ) سن أبي داود، ح/1945، وانظر: صحيح سنن أبي داود، ح/1714، والبخاري، ح/4657 تعليقا.
32) ) سنن أبي داود، ح/1765، وانظر: صحيح سنن أبي داود، ح/1552، ويوم القر هو: اليوم الذي يلي يوم النحر ، سمي بذلك لأن الناس يقرون فيه بمنى.
33) ) لطائف المعارف، ص482، 483.
34) ) انظر: الأركان الأربعة، ص60.
35) ) وسميت أيام التشريقº لأن الناس يشرقون فيها لحوم الهدي والأضاحي، أي: يقددونها وينشرونها في الشمس.
36) ) البخاري تعليقا، وله إسناد صحيح ، الفتح ج2ص530.
37) ) تفسير القرطبي، ج3ص3.
38) ) أخرجه أبو داود، ح/2419، وانظر صحيح سنن أبي داود، ح/2114.
39) ) انظر: فتح الباري، ج2ص532، 533.
40) ) أخرجه مسلم، ح/1141.
41) ) انظر: لطائف المعارف، ص504.
42) ) انظر: نيل الأوطار، ج3ص389.
43) ) انظر: لطائف المعارف، ص501، 502.
وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد