فضل الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم


بسم الله الرحمن الرحيم

 

ملخص الخطبة

 1- فضل النبي. 2- صيغ الصلاة على النبي. 3- فضل الصلاة على النبي. 4- حقيقة المحبة تكون بالاتباع.

 

الخطبة الأولى

 أيها الإخوة الكرام الأحبة، لقد مجّد الله - تعالى -رسوله وأثنى عليه الثناء العاطر وأعلى قدره، وجعل له المكانة السامية على جميع الأنبياء والمرسلين، ورفع ذكره في الأرض وفي السماء، فقال - تعالى -لنبيه مذكرًا له بنعمته عليه: أَلَم نَشرَح لَكَ صَدرَكَ وَوَضَعنَا عَنكَ وِزرَكَ [الشرح: 1، 2]. قال مجاهد: \"يعني بالتأذين\". وفيه يقول حسان بن ثابت:

أَغَـرٌّ عليـه للنبوّة خـاتَمٌ***من الله مشهودٌ يلـوح ويُشهدُ

وضمّ الإله اسمَ النبيّ إلى اسمهِ***إذا قال في الخمسِ المؤذنُ أَشهدُ

 

فكلما ذُكرَ اللهُ - تعالى -ذُكِرَ معه في الأذان والإقامة والتشهد، وفي يومِ الجمعة على المنابر ويومِ الفطر ويومِ الأضحى وأيامِ التشريق ويومِ عرفة وعندَ الجِمار وعلى الصفا والمروة، وفي خطبة النكاح وفي مشارق الأرض ومغاربها. ولو أن رجلاً عبدَ اللهَ جل ثناؤه وصدّقَ بالجنة والنار وبكل شيء ولم يشهد أن محمدًا رسولُ الله لم ينتفع بشيء وكان كافرًا.

 

ولقد أمر الله - تعالى -المؤمنين بكثرة الصلاة على رسوله فقال - تعالى -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِيِّ يأَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيمًا [الأحزاب: 56].

 

ففي هذه الآية الكريمة يخبرنا الله - تعالى -بما ناله الرسول من منزلة عظيمة ومكانة رفيعة، وما له من السيادة والمقام المحمود فيقول - تعالى -: إنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلٌّونَ علـى النَّبِيّ يا أيٌّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ، قال ابن عباس: (يباركون على النبيّ). فهذه الآية شرّف الله بها رسولَهُ حياتَه وموتَه، وذكرَ منزلتَهُ منه، والصلاة من الله رحمته ورضوانه، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار، ومن الأمة الدعاء والتعظيم لأمره. وقد يحتمل أن يقال: إن معنى ذلك أن الله يرحم النبيّ، وتدعو له الملائكة ويستغفرونº وذلك لأن الصلاة في كلام العرب من غير الله إنما هو دعاء.

 

يا أيٌّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ يقول - تعالى -: يا أيها الذين آمنوا ادعُوا لنبيّ الله محمدٍ,، وَسَلِّـمُوا عَلَـيهِ تَسلِيما، ويقول: وحيوه تحية الإسلام. وبنحو ذلك جاءت الآثار عن رسول الله، فعن موسى بن طلحة عن أبيه قال: أتى رجل النبيّ فقال: سمعت الله يقول: إنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِـيِّ، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: ((قل: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد)). وفي رواية مسلم وأبي داود عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)).

 

وفي الحثّ على الصلاة عليه وفي فضائلها جاءت أحاديث كثيرة، منها ما روى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: ((رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة))، قال عبد الرحمن: وأظنه قال: ((أو أحدهما)). وقوله: ((رغم)) أي: لصق بالرغام وهو التراب ذلاّ وهوانا.

 

وفي السنن الكبرى للبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله ارتقى المنبر فقال: ((آمين آمين آمين))، فقيل له: يا رسول الله، ما كنت تصنع هذا؟! فقال: ((قال لي جبرائيل - عليه السلام -: رغم أنف عبد دخل عليه رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبد أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخل الجنة فقلت: آمين)).

 

ومن فضائل الصلاة على النبي أيضا ما رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله قال: ((أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة))، وروى عنه أنه قال: ((من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرًا وكتب له بها عشر حسنات))، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّº فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)).

 

وقال سهل بن عبد الله: \"الصلاة على أفضل العباداتº لأن الله - تعالى -تولاها هو وملائكته ثم أمر بها المؤمنين، وسائر العبادات ليس كذلك\"، وقال أبو سليمان الداراني: \"من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي ثم يسأل الله حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي، فإن الله - تعالى -يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يرد ما بينهما\"، وروى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب أنه قال: (الدعاء يحجب دون السماء حتى يصلَّى على النبي، فإذا جاءت الصلاة على النبي رفع الدعاء).

 

وقوله - تعالى -: وَسَلِّمُوا تَسلِيمًا قال القاضي أبو بكر بن بكير: \"نزلت هذه الآية على النبي، فأمر الله الصحابة أن يسلّموا عليه، وكذلك من بعدهم أمِروا أن يسلموا عليه عند حضورهم قبره وعند ذكره\". وروى النسائي عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه أن رسول الله جاء ذات يوم والبِشرُ يُرى في وجهه، فقلت: إنا لنرى البشرى في وجهك! فقال: ((إنه أتاني الملك فقال: يا محمد، إن ربك يقول: أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشرًا، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرًا؟!))، وعن محمد بن عبد الرحمن أن رسول الله قال: ((ما منكم من أحد يسلم علي إذا متّ إلا جاءني سلامه مع جبريل، يقول: يا محمد، هذا فلان بن فلان يقرأ عليك السلام، فأقول: و- عليه السلام - ورحمة الله وبركاته))، وروى النسائي عن عبد الله قال: قال رسول الله: ((إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام)). قال القشيري: \"والتسليم قولك: سلام عليك\".

 

ومن الفضائل الصلاة عليه أنها سبب في تفريج الكروب ومغفرة الذنوب، فعن أبيّ بن كعب قال: كان رسول الله إذا ذهب ربع الليل قام فقال: ((يا أيها الناس، اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه))، قال أبي بن كعب: فقلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ((ما شئتَ))، قال: قلت: الربع؟ قال: ((ما شئتَ، وإن زدت فهو خير لك)) قال: فقلت: فثلثين؟ قال: ((ما شئت، فإن زدت فهو خير لك))، قلت: النصف؟ قال: ((ما شئت، وإن زدت فهو خير لك)). قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: ((إذًا يكفَى همك ويغفَر لك ذنبك)) رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه وقال الترمذي: \"حديث حسن صحيح\". وفي رواية لأحمد عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال: ((إذًا يكفيك الله- تبارك وتعالى -ما أهمّك من دنياك وآخرتك))، وقوله: (إني أكثِر الصلاة، فكم أجعل لك من صلاتي؟) معناه: أكثِر الدعاءَ، فكم أجعل لك من دعائي صلاةً عليك؟ وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد - عليه السلام -)) رواه أحمد وأبو داود.

 

أيها الإخوة الكرام الأحبة، إن الصلاة على النبي لها فضل عظيم، فلماذا قصّر فيها كثير من الناس، ولم يعرفوا لرسول الله قدره، وهو صاحب الشفاعة يوم القيامة وصاحب المقام المحمود؟! فعن أبي هريرة قال: أتي رسول الله يوما بلحم فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة فقال: ((أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذاك؟! يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون وما لا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟! ألا ترون ما قد بلغكم؟! ألا تنظرون من يشفع لكم إلى رب كم؟! فيقول بعض الناس لبعض: ائتوا آدم، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟! ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟! فيقول آدم: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى الأرض وسماك الله عبدًا شكورًا، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟! ألا ترى ما قد بلغنا؟! فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟! ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟! فيقول لهم إبراهيم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، وذكر كذباته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله فضلك الله برسالاته وبتكليمه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟! ألا ترى ما قد بلغنا؟! فيقول لهم موسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفسًا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله وكلَّمت الناس في المهد وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟! ألا ترى ما قد بلغنا؟! فيقول لهم عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر له ذنبا، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد، فيأتوني فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟! ألا ترى ما قد بلغنا؟! فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي، ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي، ثم يقال: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفَّع، فأرفع رأسي فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقال: يا محمد، أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب. والذي نفس محمد بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى)).

 

الخطبة الثانية

 فهذا هو فضل الصلاة على رسول الله، وهذا هو موقف رسول الله يوم الحشر والنشور، فاتقوا الله يا عباد الله، واعرفوا مقامَ رسولِ الله، وآمنوا به وعزروه وانصروه ووقّروه وعظموه واتبعوا النورَ الذي أنزل معه، وإياكم والغلو فإنّ الانتسابَ الحقَ لدين الله والحبَ الصادقَ لمحمد لا يتحقق إلا بالتأسي به وتحكيمِ شرعه والتزامِ واتباع سنته، ومن فرطَ في ذلك وتنصّلَ وقصرَ فقد انقطع بالرسول سببه ولو قال المدائحَ وأقام الحفلات ونمّق الكلمات، فمن الناس من يستهين بسنته ويقصر في طاعته ويزعم أنه متمسك بمحبته، كيف يكون ذلك والله - تعالى -فرض علينا اتباعه لننال محبته: قُل إِن كُنتُم تُحِبٌّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُم اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران: 31].

تعصي الإله وأنت تظهر حبَّه*** هذا لعمري في القياس شنيع

لو كان حبك صادقا لأطعته*** إن المحب لمن يُحب مطيـع

 

أيها الإخوة الكرام الأحبة، (وَمَآ أُرِيدُ أَن أُخَالِفَكُم إِلَى مَا أَنهَاكُم عَنهُ إِن أُرِيدُ إِلاَّ الإِصلاَحَ مَا استَطَعتُ وَمَا تَوفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنِيبُ) [هود:88].

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply