بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، جعل لكل شيء قدرًا، وأحاط بكل شيء خُبرًا، وأسبل على الخلائق رعايته سترًا، أحمده - تعالى -على نعمائه شكرًا، وأستسلم لقضائه وقدره صبرًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، {خَلَقَ مِنَ المَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهراً}[الفرقان: 54].
وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، أرسله إلى البشرية داعيا، فدعا إلى الله سرًا وجهرًا.
اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، أكرم بهم في نصرة الدين نصرًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وأدم لهم أجرًا.
لقد اقتضت حكمة الحكيم الخبير - سبحانه - حفظ النوع البشري، وبقاء النسل الإنساني، إعمارا لهذا الكون الدنيوي، وإصلاحا لهذا الكوكب الأرضي.
فشرع بحكمته وهو أحكم الحاكمين ما ينظم العلاقات بين الجنسين الذكر والأنثى، فشرع الزواج بحِكَمه وأحكامه، ومقاصده وآدابه، إذ الزواج ضرورة اجتماعية لبناء الحياة، وتكوين الأسر والبيوتات، وتنظيم أقوى الوشائج وأوثق العلاقات، واستقامة الحال، وهدوء البال، وراحة الضمير، وأنس المصير، كما أنه أمر تقتضيه الفطرة، قبل أن تحث عليه الشريعة، وتتطلبه الطباع السليمة والفطر المستقيمة، إنه حصانة وابتهاج، وسكن وأنس واندماج، كم خفَّف همًّا، وكم أذهب غمًا، به تتعارف القبائل، وتقوى الأواصر، فيه الراحة النفسية، والطمأنينة القلبية، والتعاون على أعباء الحياة الاجتماعية، ويكفيه أنه آية من آيات الله الدالة على حكمته، والداعية إلى التفكر في عظيم خلقه وبديع صنعه، (وَمِن ءايَاتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مّن أَنفُسِكُم أَزواجاً لّتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّةً وَرَحمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ, لّقَومٍ, يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].
لقد أصبح أمر الزواج من كونه قضية شرعية وضرورة بشرية، إلى مشكلة اجتماعية خطيرة، لأنه ارتبط به ما لا يمتّ إليه بصلة، ولا يرتبط به شرعًا ولا عقلاً.
لقد كثر الحديث عن مشكلات الزواج، وطفحت فيه الكتابات والمقالات، وبُحّت حناجر الغيورين على مجتمعهم من التحذير مما يصاحب كثيرًا من الزيجات من المشكلات والتعقيدات التي تحدث ليلة الزواج، بل المحرمات والمخالفات، والتفاخر والمباهاة، والإغراق في الكماليات.
الزواج من السنن الإسلامية التي شرعها الإسلام لمقاصد سامية، ولتحقيق غايات عظيمة جليلة، منها: أنه وسيلة من وسائل العفاف والإحصان، كما أنه سبب لبقاء النوع البشري والإنساني، والزواج بلا شك وسيلة إيجابية لتحقيق الأمومة والأبوة وصناعة الأجيال المتلاحقة لإقامة المجتمع المسلم، وقطعًا هذه الأهداف وتلك الغايات السامية تختل وتضطرب إذا انتشرت العنوسة وتعطلت مسيرة الزواج.
أيها المؤمنون:
حين يستشري في الجسم داء، فهناك دائماً من يعنيه أن يبحث عن الدواء، ومن هنا نشأت فكرة حفلات الزواج الجماعي، والتي انتشرت في عدد كبير من البلاد العربية والإسلامية حيث تمثل شكلًا من أشكال المساهمة الفعّالة في زواج الشباب والفتيات، بل تمثل حلاً عصرياً لمشكلة ارتفاع نفقات الزواج، بالإضافة إلى أنها تكتسي ثوبًا إسلاميًا بعيدًا عن المخالفات الشرعية التي تشهدها معظم حفلات الزواج.
إن إقامة مثل هذه المشروعات والحفلات أمر جيد حيث يقتصد أهالي المتزوجين في تكاليف الفرح، وخاصة أن الشباب المقبل على الزواج يكون في بداية حياته وغير قادر على إقامة حفلة زواجه بتكاليف كبيرة.
كيف يستطيع شاب من الشباب أن يتزوج وقد كلف بمهر لا يقل عن أربعين ألف ريال، ثم بعد ذلك يستأجر استراحة بما لا يقل عن عشرة آلاف ريال، وتكون قيمة الذبيحة مع إعدادها ما يقارب ألف ريال في تلك الليلة، ولو افترضنا أنه سيذبح تلك الليلة على الأقل خمسة عشر ذبيحة، فإنه سيكون المبلغ خمسة عشر ألف ريال، وقيمة ما يحتاجه النساء من قيمة الدفوف، والحلويات التي أصبحت عادة لا يمكن تركها، وما تحتاجه العروس على الأقل عشرة آلاف ريال، وإذا بالشاب يخسر في تلك الليلة فقط ما لا يقل عن خمسة وثلاثين ألف ريال، هذا غير الذي يتزوج في قصر الأفراح ويذبح عشرات الذبائح، ويأتي بالمطبلين والمطبلات، والشعراء، ويخسر ما لا يقل عن عشرات الآلاف، حتى أننا سمعنا عمن ينفق أكثر من سبعين ألف ريال في ليلة واحدة..
كيف نريد أن نقضي على العنوسة في البيوت، وتأخر الشباب عن الزواج؟
إن البعض لا يزال يسير على أهوائه وأهواء النساء، من أجل إحياء ليلة الفرح، والأخذ بخاطر النساء، ويكون المتزوج هو الضحية على حساب..
تقبل آراء النساء وشروطهن..
لماذا لا يكون هناك زواجا جماعيا على مستوى الأسرة، أو القرية، بحيث يضم ثلاثة أو أربعة من الشباب على الأقل، وليس بستين، أو مئة شاب كما في بعض المدن والمحافظات..
وليعلم الجميع بأن إحياء الزواج الجماعي، سبب في إقبال الشباب على الزواج، والحدِّ من العنوسة للنساء، وتوفير المال على المتزوج، وعدم الإسراف والتبذير في الولائم، وكذلك عدم إسراف النساء في شراء الألبسة والتنقل بين قصور الأفراح، وإراحة كبار السن من عناء الحضور في كل زواج، وكذلك بث الراحة والسكون لأفراد القبيلة أو من يمت للمتزوج بأي صلة من أن يكون كل ليلة بين القصور والاستراحات!!
إن من يتأمل حال أكثر الناس في الأعوام الماضية، يرى عجب العجاب، فلا يهنئون بإجازة الصيف، ولا يسلمون من التنقل بين العائلات بين الاستراحات، وتذهب أوقاتهم سدى من بعد العصر وحتى منتصف الليل..
نريد أن نكون لحمة واحدة في إقناع المجتمع المحيط كل بحسب مكانته وقدرته، على تطبيق الزواج الجماعي بثلاثة أو أربعة أشخاص على الأقل، لأنها بإذن الله ستسهم في حل جزء من المشكلة التي أرهقت المجتمع في كل صيفية، ولقد جرب كثير من القبائل مثل هذه التجربة، ونجحوا نجاحا لمسه أفراد مجتمعهم وشعروا بلذة مثل هذه الفكرة، ففي حائل في العام الماضي 1427هـ عُمل زواج جماعي لحوالي 20 عريسا، وكذلك في كثير من المحافظات ..
ومع ذلك ينبغي أن نتجاوز عدم رغبة النساء في ذلك، وأن نضع إطارا واضحا في وحدة الصف للقضاء على المغالاة في إحياء ليلة الزواج من طرف النساء، وأن نبادر من هذا العام في إظهار الزوجات الجماعية بين القبائل والمجتمعات..
ولإنجاح الزوجات الجماعية في المنطقة، إليكم هذه الاقتراحات: -
أولا / عمل لجان خيرية متعددة في مساعدة الشباب على الزواج في كل قبيلة، وإظهار ذلك عن طريق الزواج الجماعي، بواسطة مشائخ القبائل والأعيان والتجار.
ثانيا / أن يتفق أفراد كل أسرة على ضرورة تكاتف الأسرة الواحدة في إقامة حفلها في ليلة واحدة بشكل منظم ومنسق وناجح.
ثالثا / أن يتبنى أهل الخير وأصحاب الشأن في كل أسرة أو قبيلة بتنظيم وتنسيق سير ليلة الزواج الجماعي في أوساط الرجال والنساء بشكل منظم، من أجل إثبات نجاح هذه الفكرة لدى الأجيال القادمة..
رابعا / أن نزرع في أذهان النساء القناعة بضرورة مثل هذه الفكرة، وإن لم يقتنعن فالله - عز وجل – يقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ, وَبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم}النساء34
خامسا / أن تتفق كل أسرة أو قرية بحدود وقت الزواج، كأن يكون موعد الزوجات من بداية الشهر السادس وحتى نهايته فقط، وبعد ذلك يعذر أي أحد يتخلف عن حضور الزواج داخل القرية، من أجل أن يتنفس الناس في كل صيفية ويتخففوا من الأعباء التي تحدثها الزوجات وهذه الفكرة نجحت في إحدى قرى المنطقة..
سادسا / تطبيق فكرة الزواج الجماعي داخل الأسرة الواحدة ثم القرية ثم القبيلة.
سابعا / أن تأخذ شخصيات جريئة زمام المبادرة بنشر الوعي في هذا المجتمع وذلك من خلال التغطية الإعلامية الجيدة، ووسائل الإقناع التي تساهم في تشجيع الفكرة لدى المجتمع..
يرى علماء الاجتماع أبعادًا أخرى للأعراس الجماعية بخلاف المساهمة في حل أزمة العنوسة، وهي زرع قيم التضامن وعدم الإسراف في نفوس الشباب والفتيات المشاركين في الزواج الجماعي بعد سنوات طويلة من اتجاه المجتمع إلى وضع شروط تعجيزية لإتمام الزواج بفرض مهور لا قِبَل للشباب بها إضافة إلى تجهيز بيت وأثاث وفق شروط قاسية..
والكثير من الشباب في بعض مدن المملكة كان في البداية غير مقتنع بهذه الفكرة ولكن بعد أن شاهدوا الفرق والتكاتف والترابط بين الأسر وأبنائها تراجع الكثير منهم وأقدموا على الزواج سويا واخذوا يرتبون ذلك ليكون في يوم واحد بعد أن عرفوا الفائدة من مثل هذه الفكرة. حتى أنه يقول أحدهم الزوجات الجماعية شجعت الجميع في الإقدام على الزواج نظرا لقلة التكاليف التي قد تصل المائة ألف ريال يدفع فاتورتها الزوج لأنه استسلم لرغبات عروسه التي اهتمت بالمظاهر، وأضاف.. أن روح الإسلام تتمثل في الجماعة. ويقول آخر: الزوجات الجماعية بدأت تنتشر في المدن والمحافظات وبلا شك، سيقضي على كثير من المشكلات التي يعانيها العرسان من الشباب بسبب التكاليف والمهور المرتفعة والشروط المنفرة التي تزيد من ارتفاع العنوسة.. وفي اعتقادي أنها فكرة ناجحة يجب أن يسلط الضوء عليها بشكل مكثف لاسيما من وسائل الإعلام المختلفة وتوضيح هذه الفكرة للذين لا يؤيدونها .
إن بعض الشباب يرفضون مثل هذه الفكرة حبَّا للاستقلالية، والراحة من كثرة الناس وتجمعاتهم، ولكن لا أعتقد أن هؤلاء المقتدرين يرضون بأن يكونوا حجر عثرة لإخوانهم، وأبناء عمومتهم وأصدقائهم، ولا أعتقد أن يرضوا بأن يكونوا من المبذرين الذين هم إخوان الشياطين قال - تعالى -: {إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً}الإسراء 27 ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أناسًا يتخوّضون في مال الله بغير حقه لهم النار يوم القيامة)) هذا لفظ حديث مرفوع، أخرجه البخاري من حديث خولة الأنصارية - رضي الله عنها -. ومعنى يتخوّضون أي يتصرفون فيه بالباطل
إن تضييق فرص الزواج علّة خراب الديار، به تُقضّ المضاجع، وبه يقتل العفاف وتوأد الفضائل، وتسود الرذائل، وتهتك الحرمات، وتنتشر الخبائث والسوآت.
فيا أيها الأولياء، اتقوا الله فيمن تحت أيديكم، بادروا بتسهيل زوجاتهم، وكفوا عن العوائق التي تعيق الشباب في المبادرة إلى الزواج ((إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)).
الخطبة الثانية:
الحمد لله، شرع لنا النكاح، وحرم علينا السفاح.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فالق الإصباح، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، إمام الدعاة وراشد الإصلاح.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، واقتفى أثرهم بإيمان، ما تعاقب المساء والصباح، وسلم تسليمًا كثيرًا.
هذا الأمل والرجاء في اجتثاث العوائد التي أرهقت الشباب، وأبطلت مسيرتهم، وعلينا الصدق العمل والتطبيق، والله المسئول أن يوفقنا جميعًا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يعصمنا مما يسخطه ويأباه، إنه أعظم مسؤول وأكرم مأمول.
ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على النبي المصطفى، والرسول المجتبى، والحبيب المرتضى، كما أمركم بذلك ربكم - جل وعلا - فقال - تعالى -قولاً كريمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِىّ يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلّمُوا تَسلِيماً} [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد