الترف والمترفون


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رَبِّ العالمين، والعاقبةُ للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين وأُشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً..

 

وبعد.

فوصيتي لنفسي وإخواني: تقوى الله - سبحانه - وبحمده في السر والعلن فأهل التقوى هم الآمنون يوم الفزع الأكبر، وهم المفلحون السعداء يوم يخسر ويشقى أقوام جعلنا الله وإياكم ممن يأمر بالتقوى ويعمل بأعمال أهلها آمين.

أيها المسلمون: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  ذات يومٍ, من بيته فقابله في الطريق أبو بكر الصديقُ وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - فقال رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  لهما: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ فأجابا: أخرجنا الجوع يا رسول الله.

فقال رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  وأنا والذي نفسي بيده ما أخرجني إلا الذي أخرجكما، قوموا فقاموا معه فأتوا حائطاً لرجل من الأنصار فإذا هو غيرُ موجود في بيته فلما رأت زوجته رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  قالت: (مرحباً وأهلاً فقال لها رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  أين فلان؟ قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء، فلما جاء الأنصاري فنظر على رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  وصاحبيه قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرمُ أضيافاً مني قال فانطلق فجاءهم بعذقٍ, فيه بُسر وتمر ورطب فقال: كلوا من هذا وأخذ السكين ليذبح لهم فقال له رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  ((إياك والحلوب)) فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا فلما شبعوا ورووا قال رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  لأبي بكر وعمر: ((والذي نفسي بيده لتسألنَّ عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم))[1].

إن الله جَلّ وعز يسأل عباده عن هذا النعيم سؤالَ تعديد النعم عليهم أياً كانت، قال - تعالى -: ((ثُمَّ لَتُسأَلُنَّ يَومَئِذٍ, عَنِ النَّعِيمِ)) (التكاثر: 8).

لّما نزلت هذه الآيةُ قال الزبير: يا رسول الله فأي النعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان التمر والماء قال: أما إنه سيكون[2].

وعن أبي هريرة  - صلى الله عليه وسلم -  قال: سمعتُ رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  يقول: ((إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة ـ يعني العبد من النعيم أن يقال له: ((ألم نصحَّ لك جسمك ونرويك من الماء البارد)) [3]

وصحَّ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله: ((ثُمَّ لَتُسأَلُنَّ يَومَئِذٍ, عَنِ النَّعِيمِ)) قال: النعيم: صحةُ الأبدان والأسماع والأبصار، ويّسأل اللهُ العباد فيما استعملوها، وهو أعلم بذلك منهم وهو قوله: ((إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلٌّ أُولـئِكَ كَانَ عَنهُ مَسؤُولاً)) (الإسراء: 36).

وصحَّ عن مجاهد في معنى الآية قال: (عن كل شيء من لذة الدنيا).

 

يا أصحابَ الترفِ والإسراف:

ليتكم تفكّرون فيما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة - رضي عنها- قالت: (ما شبع آلُ محمد - صلى الله عليه وسلم - من خبزِ شعير يومين متتابعين حتى توفي - صلى الله عليه وسلم -  وقالت لعروة بن الزبير(كما في الصحيحين) والله يا أبن أختي: إن كنا ننظر إلى الهلال ثم الهلال: ثلاثةُ أهلّه في شهرين وما أوقد في آبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نارٌ فسألها عروة قائلاً: يا خالةُ فما كان يُعيشكم؟ قالت: الأسودان التمرُ والماء إلا أنه قد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -  جيرانٌ من الأنصار، وكانت لهم منائح وكانوا يرسلون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  من ألبانها فيسقينا وليس هذا فقط).

بل قال النعمان بن بشير (كما في الصحيحين): لقد رأيتُ نبيكم  - صلى الله عليه وسلم -  وما يجد من الدَّقَلِ ما يملأ به بطنه والدَّقلَُ: تمرٌ ردي). ولو شاء ـ بأبي هو وأمي  - صلى الله عليه وسلم -  لسارت معه جبال الدنيا ذهباً لكنه دعا ربه بأن يجعل رزقه ورزق آلهِ ما يسدٌّ الرمق فقال: ((اللهم أجعل رزقَ آلِ محمدِ قوتاً)) [4].

 

أيها المسلمون:

حينما نسمع ونقرأ من هذه النصوص فهل هناك مكان للمقارنة بين ما نحن فيه من نعم غزار وخير مدراراً وبين هذه الأخبار إننا لنستحي من ربنا - جل وعلا -  الذي غمرنا بعطائه ونعمه ـ نستغفر من تقصيرنا في شكره، وضعفنا في أداء حقه، وإسرافنا في الخطايا والذنوب إننا ونحن نتعّرفُ ما جرى لخاتم الرسل والأنبياء وأكرمِ الخلق على الله - جل وعلا - وما جرى لأصحابه من فقرٍ, وشدة وجوع ومسغبة لا نقول للناس: طلقوا الدنيا، ووزعوا جميع ثرواتكم، وأغلقوا أمكنة تجاراتكم.

ولو قلنا ذلك ما أطاعونا لكننا نرغب في تقرير حقيقةٍ, مهمةٍ, ألا وهي:

هوان الدنيا على الله وأن الغنى ليس بكثرة المال وعظم الجاه وأنَّ الإغراق في شهواتِ الدنيا من شأن المترفين والذين ذمهم القرآن في غير ما آية، فهم المنعّمون الذين يتغذون باللذات، ويتناولون الشهوات، قد أبطرتهم النعمة وقادهم ما هم فيه من سعة العيش إلى الطغيان وكفران النعم فويلٌ لهم مما كسبوا.

قال الله - تعالى -: ((وَذَرنِي وَالمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعمَةِ وَمَهِّلهُم قَلِيلاً)) (المزمل: 11).

يا عباد الله: إن الترف داءُ عضال، ومرض قَتال، إن استشرى في أمّة ذهب بعزها وأرثها كسلاً وخمولاً، وركوناً إلى الدنيا ومحبةً لها وحرصاً عليها فلا يرتجى منها نفعاً ولا ينتظر منها دفاعاً عن الحق، والتاريخ يشهد بهذا.

والمترفون هم من يتتبّعون اللذات الحية سواء كانوا من عليه القوم ـ وهو الغالب ـ أو من غيرهم وهم مَن يعترضون على المرسلين واتباعهم من المصلحين ويردّون دعوةَ الحق ويتبجحون بالأسباب المادية الفانية ويفخرون بما هم عليه.

قال ربنا ـ جل وعز- : ((وَمَا أَرسَلنَا فِي قَريَةٍ, مِّن نَّذِيرٍ, إِلَّا قَالَ مُترَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرسِلتُم بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحنُ أَكثَرُ أَموَالاً وَأَولَاداً وَمَا نَحنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُل إِنَّ رَبِّي يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقدِرُ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لَا يَعلَمُونَ * وَمَا أَموَالُكُم وَلَا أَولَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُم عِندَنَا زُلفَى إِلَّا)) (سبأ: 34- 37).

((وَإِذَا أَرَدنَا أَن نٌّهلِكَ قَريَةً أَمَرنَا مُترَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيهَا القَولُ فَدَمَّرنَاهَا تَدمِيراً)) (الإسراء: 16).

فسنه الله أنه إذا قّدر لقريةٍ, الهلاكَ فإنها تأخذ بأسباب الهلاك فيعمٌّ الفسق والشر فتحقُ عليها السنة الإلهية وينزلُ بها الدمار بما كسبت، ويصيبها العذاب لأنها رضيت فلم تأخذ على أيدي المترفين بل تركتهم يمارسون شهواتهم المردية، وأهوائِهم المضللة فنشروا الفسق فأدّى هذا الفسق إلى الدمار والبوار، تصرّفاتُ المترفين المتهوّرة وغير المسؤولية توقع في البلاء ونظروا إلى قارون المترف حينما وجه له أهل الإيمان النصح بقولهم: ((لَا تَفرَح إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبٌّ الفَرِحِينَ{76} وَابتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدٌّنيَا وَأَحسِن كَمَا أَحسَنَ اللَّهُ إِلَيكَ وَلَا تَبغِ الفَسَادَ فِي الأَرضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبٌّ المُفسِدِينَ)) (76- 77).

بادر قارون قائلاً: ((قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلمٍ, عِندِي)) (78).

فكانت النتيجة ((فَخَسَفنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرضَ)) (القصص: 81).

وتأمل صورةً من صور الترف ألا وهي الاستخفاف بالناس استنادا إلى الماديات الزائلة قال - تعالى -: ((وَنَادَى فِرعَونُ فِي قَومِهِ قَالَ يَا قَومِ أَلَيسَ لِي مُلكُ مِصرَ وَهَذِهِ الأَنهَارُ تَجرِي مِن تَحتِي أَفَلَا تُبصِرُونَ * أَم أَنَا خَيرٌ مِّن هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَولَا أُلقِيَ عَلَيهِ أَسوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ, أَو جَاء مَعَهُ المَلَائِكَةُ مُقتَرِنِينَ * فَاستَخَفَّ قَومَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُم كَانُوا قَوماً فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمنَا مِنهُم فَأَغرَقنَاهُم أَجمَعِينَ)) (الزخرف: 55، 51)

وثمة صورةٌ أخرى ذكرها الله عن المترفين وهي ما عابه - سبحانه - على قوم لوط حين قال: ((وَتَأتُونَ فِي نَادِيكُمُ المُنكَر)) (العنكبوت: 29).

فهم يقيمون المنتديات المحرمة في بيوتهم وفي غيرها مع ارتكاب المعاصي جهاراً والإسراف في تناول الملذات وتضيع الحقوق والواجبات فيا بؤسا لأهل الترف حيث يقال لهم: ((أَذهَبتُم طَيِّبَاتِكُم فِي حَيَاتِكُمُ الدٌّنيَا وَاستَمتَعتُم بِهَا فَاليَومَ تُجزَونَ عَذَابَ الهُونِ بِمَا كُنتُم تَستَكبِرُونَ فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَبِمَا كُنتُم تَفسُقُونَ)) (الأحقاف: 20).

 

أيها المسلمون:

الترف دركات بعضها أسوأ من بعض، وألوانٌ وأنواع بعضها يرقق بعضاً فمن الناس مَن طغيانه وتوسعه في طلب المال إما من الحرام والمتشابه وإما إغراقٌ في الحلال ينسيه ما خُلق من أجله ويعلّقه بمباهج الحياة وقد حذر الله من ذلك في قوله: ((اعلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدٌّنيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُم وَتَكَاثُرٌ فِي الأَموَالِ وَالأَولَادِ كَمَثَلِ غَيثٍ, أَعجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدٌّنيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ)) (الحديد: 20).

في صحيح البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال محذراً: ((فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم)).

ومن هذا النوع التوسع في المآكل والمشارب والتفنن في إعداد الطعام وكثرة الحديث عنه والتفاخر به والله - تعالى - لم يحرم علينا ذلك لكن كرهه لنا وحثنا على الارتفاع عن جميع ذلك والتعلّق بنعيم لا يزول.

قال - سبحانه -: ((وكُلُوا وَاشرَبُوا وَلاَ تُسرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبٌّ المُسرِفِينَ)) (الأعراف: 31).

وسبق أن سمعتم ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -  وأصحابه من كفاف العيش ومن كلام الحكماء (كل العيش قد جّرّبناه فوجدناه يكفي منه أدناه والشبع وملء البطن يكسّل عن العبادة ويسبب عدم القدرة على صيام التطوع، ويضعف الورع ويقسّي القلب، ويجلب كثرة النوم وهو من الترف المضيعّ للأوقات المنقص للدرجات.

قال أبن رجبٍ,  - رحمه الله -  ما خلاصته: (من أخذ الدنيا من وجوهها المباحة، وأدى واجباتها، وأمسك لنفسه الزائدَ على الواجب يتوسّع به في التمتع بشهوات الدنيا فلا عقاب عليه إلا أنه ينقص من درجته في الآخرة بقدر توسّعه في الدنيا.. قال ابن عمر: لا يصيب عبد من الدنيا شيئاً إلا نقص من درجته عند الله وإن كان عليه كريماً.. وقال عمر: \" لولا أن تنقص حسناتي لخالطتكم في لين عيشكم ولكني سمعتُ الله غَيّر قوماً فقال: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا).

عباد الله: للترف أثر بالغ في الدول والمجتمعات بل هو معولُ هدمٍ, لطاقاتها وقدراتها فهو يُغري، صاحبه بالإخلاد إلى الأرض والخوض في الدنيا، والتعلّق بالمناصب والجاه والمال ونسيان معالي الأمور وعدم المخاطرة بالنفس في طلب العلم والجهاد.

يقول الله - تعالى -: ((وَكَم أَهلَكنَا مِن قَريَةٍ, بَطِرَت مَعِيشَتَهَا فَتِلكَ مَسَاكِنُهُم لَم تُسكَن مِّن بَعدِهِم إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحنُ الوَارِثِينَ)) (القصص: 58).

قال القرطبي: (البطر هنا هو الطغيان بالنعمة وقيل: سوءُ احتمالِ الغنى بأن لا يحفظ حق الله فيه وجميعه يرجع إلى الترف الذي هو التوسّع في كل شيء متى يدخل العبد في الدوائر الممنوعةٍ, شرعاً.

جعلنا الله وإياكم ممن إذا أُنعم عليه شكر، وإذا ابتلى صبر، وإذا أذنب استغفر.

 

الخطبة الثانية:

أما بعد: فقد عُلِمَ مما سبق خطورة الترف وأنه يورث صاحبة قلةَ الصبر وضعفَ العزم وعظيم الكسل عن الخير من صدقة وعلم وصلاةٍ, ونحوها من الطاعات، وأنه يُضعِفُ الأمّة عن مقاومة أعدائها، ويُنزلها من عليائها. (الترف وأثره في الدعاة والصالحين محمد موسى عقيل)

ولربما قاد صاحبة كفران النعم وعدم الشكر.

كما قال الله - جل وعز- : ((وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَريَةً كَانَت آمِنَةً مٌّطمَئِنَّةً يَأتِيهَا رِزقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ, فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بِمَا كَانُوا يَصنَعُونَ)) (النحل: 112).

وقال عن قوم سبأ: ((لَقَد كَانَ لِسَبَإٍ, فِي مَسكَنِهِم آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ, وَشِمَالٍ, كُلُوا مِن رِّزقِ رَبِّكُم وَاشكُرُوا لَهُ بَلدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبُّ غَفُورٌ)) (سبأ: 15).

إٍ,ننا يجب أن نوقن أن بسط اللهِ - سبحانه - الرزق لنا نوعٌ من الابتلاء والامتحان وليس لحبّه لنا وإلا فقد علمنا كيف كانت حياة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -  وأصحابه، بل كيف كانت حياة آبائنا وأجدادنا قبل سبعين سنة وأكثر مع ما كانوا عليه من المحافظة على حدود الله، وقلة المعاصي، والتاريخ مليء بالعبر والعظات لمن أبطرتهم النعم وقَلَّ شكرهم لها، وأسرفوا وأُترفوا. هذه أم الوزير جعفر البر مكي دخلت على أناسٍ, في عيد الأضحى وعليها ثياب رثّه تطلبُ جلد شاة فكان مما قالت: (لقد مَرَّ علي العيد فيما مضى وعلى رأسي أربعمائة جارية وأنا أزعم أن ابني عاقٌ في وقد أتيتكم يقنعني جلدُ شاتين، أجعل واحداً منهما فراشاً لي).

وهذا المعتمد بن عباد أحد حكام الأندلس وصاحب الأعطيات والشعر هاجمه البربر ونهبوا قصره وأسروه فذهبوا به إلى طنجهٌ بعد أن أفقروه ثم سجن بأغمات عامين وزيادة في قلّة وذله فدخل عليه بناته يزرنه يوم عيد وكن يغزلن بالأجرة فرآهنَّ في أطمارٍ, بالية بعد أن كان يخلط لهن المسك بالكافور ليتزلجن عليه ويعبثن به فقال: فيما مضى. ترى برزن. يطأن في الطين.

والشواهد على هذا أكثر من أن تحصر جعلنا الله ممن يتعظ ويعتبر.

عباد الله: فإن الشكر والاقتصاد قيدٌ للنعم، والسعيد من اتعظ بغيره وليس العاقل الخائف من ربه مَن يبتعد عن الحرام الصريح الواضح فقط بل من يجعل بينه وبين المتشابه حاجزاً، أما من يترك كثيراً من الحلال خوف الحرام فهو المتقي جعلنا الله وإياكم كذلك.

 

----------------------------------------

[1] أخرجه مسلم عن أبي هريرة (6412)

[2] خرجه الترمذي [إسناده حسن انظر التفسير الصحيح حكمت بشير جـ4ص667

[3] أخرجه الترمذي والحاكم.

[4] متفق عليه.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply