بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
أما بعد:
يا أحبة الله، يقول الله - تعالى - في كتابه الكريم: {إِنَّ هَـذِهِ أُمَّتُكُم أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبٌّكُم فَعبُدُونِ}. لقد أكرم الله البشرية برسالة سيدنا محمد، هذه الرسالة التي ختم الله بها الرسالات وبها فضل الأمة الإسلامية وجعلها خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، هذه الأمة الإسلامية التي تكونت بفضل الله - تعالى -ثم بجهد النبي - عليه الصلاة والسلام - والمسلمين معه، حيث أتوا على أمة مبعثرة ممزقة تتبع الشرق والغرب والفرس والروم عن طريق الغساسنة والمناذرة، فجمعهم ورتب صفوفهم وألف بين قلوبهم، وجعلهم خير الأمم بعد أن كانوا عباداً للصنم وجعلهم خير أمة أخرجت للناس، هذه الأمة تملك إمكانات متعددة ومختلفة لو أحسنت استغلالها لكانت الرائدة كما كانت دائماً، من هذه الإمكانات والقدرات:
أولاً: القوة والقوة البشرية وهي القوة العددية، حيث إن الأمة الإسلامية تملك من البشر ما يزيد على المليار والربع من المسلمين المؤمنين بعقيدة التوحيد، منتشرين في قارات العالم الست، إن العبرة بالكيف لا بالكم، لكن الكم مهم أيضاً، لذلك نرى محاربة الغرب للمسلمين في نسلهم وفي عددهم، وفي ذلك يقول الله - تعالى -من باب الإنعام والفضل في سورة الأعراف {وَاذكُرُوا إِذ كُنتُم قَلِيلاً فَكَثَّرَكُم} [الأعراف: 86].
ثانياً: القوة المادية والاقتصادية، إن الأمة الإسلامية تملك من خيرات الله الشيء الكثير، تملك الأرض الخصبة في السهول والوديان، تملك الجبال والهضاب، تملك البحار والبحيرات والأنهار العظام، تملك العيون والآبار، تملك مخزوناً كبيراً من المياه الجوفية، حيث إن الحروب المقبلة ستكون على المياه، تملك معظم المعادن التي يحتاجها العالم المعاصر، وتملك مخزون العالم من النفط، إنها تملك الأموال والسوق والعقول وتملك الشيء الكثير. لكن أين موقع هذه النعم وهذه الأموال؟
ثالثاً: القوة الروحية، إن الأمة الإسلامية أمة ذات عقيدة واضحة ندعو إليها ونحيا من أجلها ونلقى الله إن شاء الله عليها، هذه العقيدة الصافية جاءت شاملة كاملة {وَنَزَّلنَا عَلَيكَ الكِتَـابَ تِبيَانًا لّكُلّ شَىء} [النحل: 89]، عقيدة تربي الأخلاق {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ, عَظِيمٍ,} [القلم: 4]، عقيدة تقوم على الوسطية {وَكَذالِكَ جَعَلنَـاكُم أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]، إن العالم اليوم بحاجة إلى العقيدة الإسلامية لتأخذ بيده من الظلام إلى النور، من الخوف والضياع إلى الأمن والاستقرار، من الفساد الخلقي والاجتماعي إلى الأمن والأمان والحياة الكريمة الطيبة.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، إن الأمة الإسلامية يجب عليها أن تحسن استخدام هذه القوى والنعم في طاعة الله ورسوله لأنه لا مكان للضعفاء ولا للمتفرقين ولا للمتنازعين، لننظر إلى من حولنا لنرى بأن أوروبا وأمريكا ـ بعد أن سقط الاتحاد السوفيتي وبعد أن أصبحت أمريكا هي القطب الوحيد ـ يقول الغرب: ليس لنا عدو الآن إلا الإسلام، وصوره بأنه دين الإرهاب وأنفقوا الملايين ليقوموا بإعداد فيلم الحصار الذي يصور الإسلاميين بأنهم جماعة من القتلة ومصاصي الدماء، ونسوا أو تناسوا جرائمهم البشعة وقتل الأطفال والأبرياء وتشريد الشعوب، الشعب الفلسطيني والشعب البوسني في كوسوفا وكافة بقاع العالم، إنهم يريدون أن يشوهوا وجه الإسلام المشرق، فما رحل المحتل البغيض من منطقة إلا وترك فيها بؤراً للنزاع والتناحر كما يجري حالياً في كشمير بين باكستان المسلمة والهند.
إن الأمة الإسلامية أمة عظيمة فيه ملتقى القارات ومنبع الحضارات ومهبط الرسالات هذه الأمة التي كانت الرائدة وطأطأ لها الشرق والغرب احتراماً وإجلالاً ما بالها أصبحت اليوم في العالم الثالث في الدول النامية، ولو كان هناك عالم عاشر ومائة لكانت فيه، لقد أخرج الإمام أبو داود في سننه عن ثوبان أن قال: ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: إنكم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل وليقذفن الله في قلوبكم الوهن قلنا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)).
هذا الحديث يتحدث عن مؤامرة دولية ضد الإسلام تتداعى فيها قوى العالم ضد المسلمين الذين أصبحوا لقمة ضائعة لكل جائع أو طامع، والواقع يقول بذلك، حيث اجتمع علينا الشرق والغرب واليمين واليسار وأهل الكتاب وأهل الإلحاد كما قال الله - تعالى -: {بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ,} [المائدة: 50]، فلا بد للأمة أن تصحو من غفلتها وأن تستيقظ من سباتها وأن تعتصم بحبل ربها وأن تعمل بسنة نبيها حتى يكرمها الله - تعالى -كما أكرم المسلمين من قبل.
انظروا أيها الأخوة إلى ما يحدث على أرض فلسطين من أعمال بشعة ومن إجراءات ظالمة، أعادوا فتح ملف جبل أبي غنيم، هذا الجبل العزيز علينا الذي أوقفه عمر على الصحابي أبي الجليل عياض بن غانم - رضي الله عنهم - أجمعين، وسمي الجبل أبي غنيم، هذا وقف إسلامي ليس لغير المسلمين حق فيه، ليعلم ذلك القاصي والداني ثم جاءت مستوطنة رأس العامود، وهذه الخطوة الإجرامية وكلها خطوات إجرامية، التي يقف خلفها المليونير اليهودي مسكوفيتش لإقامة بؤرة استيطانية في قلب مدينة القدس.
ويدافع الفلسطينيون عن أرضهم، وبالأمس كانت مواجهات يومية يتصدى فيها المرابطون من هذه البلاد الذين يدافعون عن شرف المسلمين في أرجاء المعمورة، أين أصحاب الملايين من العرب؟ أين أصحاب الملايين من المسلمين؟ في حدائق الحيوانات؟ أم للهو والفجور؟ أم للغانيات والمطربات؟ أو للزنا وإرتكاب المحرمات؟ لماذا لا يُدعم المقدسيون الذين يتعرضون يومياً للقتل والتشريد وهدم البيوت ومصادرة الهويات؟ لماذا لا يدعم الفلسطينيون الذين هم في رباط إلى يوم القيامة؟ إننا نعلنها ومن على منبر المسجد الأقصى المبارك ليسمعها كل العالم، ليسمعها الجميع: لا لتهويد القدس ولا لتدويل القدس، القدس عربية إسلامية، وكانت وما زالت وستبقى بإذن الله إلى يوم القيامة.
أيها الأحبة في الله، يجب علينا أن نتحابب وأن نتعاضد، يجب علينا أن نرص الصفوف وأن نجمع الشمل وأن نوحد الكلمة، ونحن أمام عدو لا يرحم صغيراً ولا يوقر كبيراً، لنتناسَ الخلافات فيما بيننا ونعاهد الله على السير على نور كتابه الكريم وهدى نبيه محمد عسى أن تدركنا رحمة الله - عز وجل -. الحديث الشريف جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يدٌ على من سواهم)).
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فيا فوز المستغفرين استغفروا الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
يا أحبة الله، رغم الجراح المؤلمة ورغم الظروف القاسية ورغم ما نراه ونسمعه في هذا العالم من ظلم واستبداد وكيل بمكيالين إلا أن ثقتنا في الله كبيرة، إن ثقتنا في الله عظيمة، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة فيها الخير وفيها ما يطمئن القلوب ويبعث الأمل في النفوس، أنه إن شاء الله سيكون المستقبل لهذا الدين، فالليل مهما طال فلا بد من بزوغ الفجر، وإن الفجر آت بإذن الله.
من هذه المبشرات ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله سئل: يا رسول الله أي المدينتين تفتح أولاً قسطنطينية أم روميا؟ قال: ((مدينة هرقل تفتح أولاً)).
روميا هي روما عاصمة إيطاليا والقسطنطينية هي استنبول حالياً، والتي عرفت في التاريخ الإسلامي باسم إسلام بول، يفهم من السؤال أن الصحابة - رضوان الله عليهم- كانوا قد علموا بأن المدينتين ستفتحان، لكنهم يريدون أن يعرفوا أي المدينتين قبل الأولى، فكان الجواب مدينة هرقل: القسطنطينية التي فتحها القائد المسلم محمد بن مراد المعروف في التاريخ باسم القائد محمد الفاتح، وللعلم فإنه في التاريخ الميلادي يوافق غداً السبت 29 من شهر مايو آيار ذكرى فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح - رحمه الله -، وبهذه المناسبة يتذكر المسلمون الأتراك هذه الذكرى، هذا الفتح العظيم كان بعد قرنين من دخول التتار بغداد وسقوط الخلافة، وظن الناس أن الإسلام قد هوى إلى الحضيض وإلى (حيث ألقت رحلها أم خثعم) ونسوا أن الإسلام لن ينتهي من هذه الدنيا لأنه يوم أن ينتهي لن تكون هناك دنيا لأن الشمس ستنطفئ والنجوم ستنكدر والحصاد الأخير سيطوف العالم أجمع {هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ} [التوبة: 23].
وأما البشارة الثانية فقد رواها الإمام أحمد في مسنده عن حذيفة بن اليمان أن الرسول قال: ((ستكون فيكم النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها ما شاء الله أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة … ثم تكون ملك عاضّاً ثم ملكاً جبرياً ثم تعود خلافة على منهاج النبوة ثم سكت)).
هذا يبين بأن الخلافة آتية وأن الإسلام قادم رغم المشككين، رغم الحاقدين، رغم أعداء الإسلام كلهم.
وأقف عند البشارة الأخيرة وبها أختم، وهي قول الرسول - عليه الصلاة والسلام -: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ولعدوهم قاهرين حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)) أخرجه الإمام البخاري. وفي رواية لأحمد ((لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)) قيل: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ((ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)).
فيا أيها المسلمون، لقد كرمكم الله بفضل المرابطة في هذه البلاد، أنتم المرابطون، أجركم عند الله عظيم وكما جاء في الحديث: ((ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الجنة)) وقد قال الشاعر:
ومن يخطب الحسناء لـم يغلـه المهـر
فلسطين غالية والأقصى غالي ونفيس، فلا بد أن نصبر وأن نصابر حتى يأتي الله بالفرج {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا ءامَنَّا وَهُم لاَ يُفتَنُونَ} فلا بد من الصبر، فما بعد الضيق إلا الرخاء، وما بعد العسر إلا اليسر، ولن يغلب عسر يسرين {فَإِنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً إِنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً} [الشرح: 5، 6]، فلا بد أن نتحلى بالأخلاق الفاضلة والآداب الكريمة.
ويؤسفنا ما نسمعه أحياناً من اختطاف لأناس أبرياء من أجل ابتزازهم ودفع الأموال، يؤسفنا وجود بعض الشباب المائع الذي يعاكس الفتيات في شوارع مدينتنا الغالية وفي بعض الأماكن، يؤسفنا أن نرى بعض الأمور التي تخالف شرع الله - عز وجل -، فلا بد أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر وكما قال الله - تعالى -: {فَذَكّر إِنَّمَا أَنتَ مُذَكّرٌ لَّستَ عَلَيهِم بِمُسَيطِرٍ,} [الفجر: 21، 22].
فلنتحابب ولنتعاضد ولنجمع الشمل عسى أن تدركنا رحمة من الله، فنحن في أيام مصيرية وفي أوقات عصيبة أحوج ما يكون فيها شعبنا إلى الألفة والرحمة ((ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء))، ((ومن لا يرحَم لا يُرحم)).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد