بسم الله الرحمن الرحيم
\"لقد أعزنا الله بالإسلام فمن أراد العزة في غيره أذله الله\"
لا غرابة أن يهتم الكفار ويحافظوا على جيف ورمم الهالكين من أسلافهم، وعلى الأصنام، حماية للوثنية ودفاعاً عن الشرك، والجاهلية.
ولا غرابة كذلك أن تغضب أمريكا راعية الكفر وحلفاؤها من الكفار على حكومة الطالبان عندما شرعت في هدم وتحطيم صنم بوذا.
ولكن العجيب الغريب أن يذهب وفد من العلماء لإثناء تلك الحكومة الراشدة عن ذلكº لأن ما قامت به كان من أوجب واجبات الحاكم، وهو حماية جناب التوحيد، وهو من أجل أعمالهم التي قاموا بها في عهدهم الراشد.
ما فعله الطالبان بـ\"بوذا\" فعله أسلافهم الفاتحون الأول.
روى الطبري[1] وابن كثير[2] - رحمهما الله - أن قتيبة بن مسلم - رحمه الله - عندما فتح مدينة سمرقند ودخلها بُني له فيها مسجد، فصلى فيه، وأتي بالأصنام فسلبت[3]، ثم وضعت بين يديه، فكانت كالقصر العظيم حين جمعت، فأمر بتحريقها، فقالت الأعاجم: إن فيها أصناماً من حرقها هلكº فقال قتيبة: أنا أحرقها بيديº فجاء \"غورك\"[4] فجثا بين يديه، وقال: أيها الأمير إن شكرك عليَّ واجب، لا تعرض لهذه الأصنامº فدعا قتيبة بالنار، وأخذ شعلة بيده، فخرج وكبر ثم أشعلها وأشعل الناس، فاضطرمته، فوجدوا من بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب والفضة خمسين ألف مثقال.
لقد قلد كثير من المسلمين الكفار، وتشبهوا بهم في كل شيء، في حماية الوثنيات القديمة، والمحافظة على رمم وجيف الهالكين والأصنام والتماثيل، وفي إنشاء وزارات للسياحة تعنى بما يعتني به الكفار، ومتاحف، ومعاهد لدراسة حضارات الكفار، وإنفاق الأموال الطائلة في ذلك.
كما قلت لا يعجب الإنسان كثيراً من اهتمام أمريكا، وأذنابها، والمنظمات التي تدور في فلكها أن يكونوا هم المسؤولون الأول عن جميع الأصنام، وجيف الكفار في سائر العالم، إلى درجة أن مصر لا تستطيع أن تتصرف في شيء من أصنامها إلا تحت رعاية تلك المنظمات.
ولكن العجب كل العجب من المسلمين في سلوكهم لهذا المسلك المشين، وتقليدهم وتشبههم بالكافرين، ويتمثل ذلك في الآتي:
1. أن تنقل مصر صنماً من أصنامها بطائرة خاصة إلى إيطاليا لترميمه هناك.
2. وأن تكون مدائن صالح في شمال المملكة العربية السعودية منطقة سياحية يؤمها الأساتذة والطلاب وغيرهم في العطل، وتهيأ لاستقبالهم، وتعنى بها الدولة، وهي من مناطق العذاب التي لا ينبغي لأحد أن يدخلها إلا وهو باكٍ,، وفي غزوة تبوك جيش العسرة عندما أخذ بعض المسلمين ماءً من آبارها من غير علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا في غاية الضيق والعطش، أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يريقوا ما أخذوه من ماء، وأن يتخلصوا من الأطعمة التي صنعوها بهذا الماء.
3. أن ينازع ويجادل البعض في هل أصل ومنبع الحضارة النوبية السودان أم مصر؟
4. أن يُنشأ معهد لرعاية وحماية جيف الفراعنة وأصنامهم وآثارهم في البجراوية، ومروي، ودنقلا، وغيرها في السودان، وأن تبنى الاستراحات وتحمى تلك الرمم، وتفتخر مصلحة الآثار بأنها تمكنت من القبض على من يريدون سرقة جيفة من تلك الجيف!
5. أن تطمئن الحكومة المصرية متمثلة في وزارة السياحة حكومة إيران بأنها ستقوم بترميم وصيانة ما أصاب الأصنام في مدينة \"بم\" التي ضربها الزلزال فوراً.
هذه مجرد أمثلة، وما غاب عني وما لم أذكره أضعاف ما ذكرته.
ونحن نسأل أليس من الأولى أن تنفق هذه الأموال الطائلة على الأحياء المحتاجين من المسلمين؟ هل ترميم أصنام \"بم\" أولى من بناء مساكن لآلاف الأسر التي تسكن في المقابر في القاهرة، والتي تسكن في درج بعض العمائر؟
وهل حماية جيف الفراعنة وأصنامهم في البجراوية ومروي ودنقلا وغيرها في السودان أولى من حفر آبار للأعراب الذين لا يجدون ما يشربون ويغتسلون به ويغسلون به أمواتهم في بعض مناطق السودان؟
ألم يعلم المسؤلون أن الأحياء أولى من الأموات ولو كانوا مسلمين؟ ألم يأمر أبو بكر أن يكفَّن في ثوبيه اللذين مات فيهما وأن يشترى له ثوب واحد، وقال: \"الحي أولى بالجديد من الميت، إنما هو للدود\"؟ قل لي بربك كم غرفة تبنيها تكلفة بناء قبة على جيفة من الجيف عندنا في السودان وغيره؟ أو استراحة أقيمت عند هذه الأصنام والأوثان؟
أرجو أن تقارن أخي الكريم بين اهتمام حكام المسلمين اليوم وحرصهم على المحافظة على جيف ورمم الكفار، والأصنام، وآثار الحضارات الوثنية، وما أمر به عمر أن يفعل بجثة دانيال - عليه السلام -، لتعلم الفرق الشاسع والبون الواسع بيننا وبين أسلافنا.
لما فتح المسلمون[5] \"تُستَر\" التي يسميها العجم \"شُشتَر\" وجدوا عندها قبراً عظيماً، قالوا: إنه قبر دانيالº ووجدوا عنده مصحفاً[6]، قال أبو العالية: أنا قرأت ذلك المصحف، فإذا فيه أخباركم، وسيرُكم، ولحون كلامكمº وشموا من القبر رائحة طيبة، ووجدوا الميت بحاله لم يُبل، فكتب في ذلك أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب، فأمره أن يحفر بالنهار عشر قبراً، فإذا كان الليل دفنه في قبر من تلك القبور، ليخفى أثره، لئلا يفتتن به الناس، فينزلون به، ويصلون عنده، ويتخذونه مسجداً.
وثمة شيء آخر، ما للمسلم وللحضارات الوثنية؟! ألم يغضب الرسول - صلى الله عليه وسلم - على عمر عندما جاءه بصحيفة من التوراة غضباً شديداً؟ ألم يبين لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل شيء يقربنا من الجنة ويباعد بيننا وبين النار؟
رضي الله عن لبيد، ذلكم الشاعر المسلم المخضرم، الذي عاش مائة وعشرين سنة، ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام، عندما طلب منه عمر أن يكتب له شيئاً من شعره، كتب له سورة البقرة وآل عمران، وفي رواية قال له: إن الله أبدلني خيراً منهº وكذلك لم تقل الخنساء شعراً بعد إسلامها، وهما من فحول الشعراء.
جل المسلمين اليوم يجهلون أوجب الواجبات عليهم نحو ربهم، ورسولهم، ودينهم، ولا يعرفون شيئاً عن الغزوات، ولا الفتوح الإسلامية، ولا الأبطال المسلمين، أليس من الأولى أن ندرسهم ذلك ونعلمهم إياه؟ رحم الله أخانا العبد الصالح الشيخ عبد الرحيم عمر، عندما هلك \"جيفارا\"[7] وأقام الشيوعيون الدنيا ولم يقعدوها في جامعة الخرطوم، فسأله أحد الإخوة مداعباً له: هل تعرف \"جيفارا\"؟ فقال: لا أعرفه ولا أريد أن أعرفه، هل أنا أ عرف جميع الصحابة؟!
اللهم إنا نسألك أن تردنا إليك رداً جميلاً، وأن تستعملنا في طاعتك، وأن تشغلنا بمعرفتك ومعرفة رسولك ودينك، والسلام.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد